فلسطين التاريخ / تاريخ

التحالف النصراني اليهودي.

في البداية نورد هذا السؤال هل هناك علاقة بين الشرائع السماوية؟

العلاقة بين الرسالات الإلهية وثيقة ووطيدة، ذلك أن الإسلام – بالمعنى الحقيقي – هو الدين المشترك الذي دعا إليه رسل الله قاطبة، وانتسب إليه المؤمنون عبر الدهور، ولما وقع التحريف في رسالتي موسى وعيسى – عليهما السلام – أصبح الإسلام يطلق – عُرفاً – على التعاليم التي جاء بها محمد صلى الله عليه وسلم للتمييز بينه – كدين محفوظ -، وبين الرسالات المحرفة.

والأصل أن تسير الرسالات السماوية في اتجاه واحد بلا خلاف أو عداء، باعتبار أن هناك جسور التقاء بينها جميعاً متمثلة في وحدة مصدرها، وأهدافها ومبادئها العامة.

لكن الأمر لم يكن كذلك, فقد حدث الصراع بين اليهود والنصارى منذ ظهور عيسى عليه السلام والذي كان من بني إسرائيل, فالنصارى يدعون أن اليهود هم الذين تعاونوا على قتل المسيح عليه السلام واليهود يقذفون عيسى وأمه.

وليس هذا قصدنا في التفصيل, وإنما قصدنا أن نجيب عن هذا السؤال: لماذا هذه العلاقة الحميمة جداً بين اليهود والنصارى البروتستانت  بقيادة أمريكا ؟!!!!!

يقول أحمد محمد زايد في كتابه (حقيقة العلاقة بين اليهود والنصارى وأثرها على العالم الإسلامي): تمثلت أصل العلاقة أو جذورها بين اليهود والنصارى قديما ً في كون عيسى عليه السلام رسولاً إلى بني إسرائيل وكون التوراة كتابه كالإنجيل تمثل تعاليمها قاعدة دعوته، وأساس رسالته. وكون منشأ المسيحية بدأ داخل البيئة اليهودية، وامتداداً لتاريخها وكون المؤمنين بالمسيح عليه السلام من اليهود. فتوفرت بذلك كل مقومات العلاقة.

 ثم بعث المسيح عليه السلام ليقوّم انحرافات اليهود، فآمن به بعضهم، وكفر الآخرون، وقام صراع رهيب بين من آمن منهم ومن كفر وامتد إلى قرون طويلة، وكان هذا هو طابع العلاقة بين الفريقين قديماً.

ثم أنشأت حركة الإصلاح الديني البروتستانتية في أوربا اتجاهاً جديداً ، ينظر إلى اليهود نظرة ودية، تطورت حتى وصلت ذروتها في مطلع هذا القرن ، وتمخضت عن تحالف قوي صليبي يهودي هدفه توحيد الجبهة ضد الإسلام.

فما هو التفصيل لهذه العلاقة في العصر الحديث ؟

وكيف انقلبت العداوة إلى صداقة وتعاون ؟!

يجيب على هذا السؤال الأستاذ سليمان بن صالح الخراشي: علمنا –سابقاً- أن العلاقة بين اليهود والنصارى كانت إلى وقت قريب علاقة عداء وصراع وانتقام متبادل. فما الذي تغير حتى أصبحنا نرى كثيراً من النصارى اليوم (وعلى رأسهم أمريكا وبريطانيا) يتعاونون مع اليهود ويمدونهم بألوان المساعدات المتنوعة ويمكنونهم من الاستيلاء على فلسطين كما هو مشاهد؟!

- كانت الكنيسة قبل حركة الإصلاح الديني تمارس تسلطاً على رقاب النصارى وتكبت حرياتهم وتفرض آراءها عليهم ولو كانت مخالفة للعلم، وتنتقم ممن يخالف تعاليمها ولو كان نابغاً بالحرق أو القتل.

- وزاد من تسلطها أنها استأثرت بفهم الكتاب المقدس وتفسيره دون سائر النصارى، وما على الآخرين إلا قبول آرائها وتفسيراتها دون نقاش.

- وبلغ انحرافها مبلغه عندما أصدرت (صكوك الغفران) للمذنبين! يشتريها المذنب من الكنيسة ليضمن بعدها أنه مغفور له من الله! تعالى الله عن قولهم.

 - لما كان الحال هكذا اشتدت الحاجة إلى حركة إصلاحية تقف في طريق هذه الانحرافات الكنسية. وكانت هذه الحركة بقيادة (مارتن لوثر) المولود في ألمانيا عام 1482م، وكان قسيساً وأستاذاً لعلم اللاهوت.

 - قام لوثر بثورته أو احتجاجه لإقرار هذه المبادئ:

1- جعل الكتاب المقدس المصدر الوحيد للمسيحية، ورد كل ما جاء عن البابوات.

2- من حق كل مسيحي أن يقرأ الكتاب المقدس وأن يفسره.

3- عدم اعترافه بنظام (البابوية).

4- مطالبته بزواج القساوسة.

5- عدم إيمانه بالأسرار الكنسية المزعومة؛ كمسألة الاستحالة.

- هذه أبرز مطالب الحركة الاحتجاجية أو الإصلاحية بقيادة (لوثر) والتي سميت في ما بعد بـ(البروتستانت). ويلاحظ أنها ركزت على تغييرات شكلية لم تكن هي السبب في انحراف الكنيسة، وأبقت على جذور الانحراف والضلال من تحريف الكتاب المقدس، والصلب، والتثليث، وغير ذلك. فكانت ثورة شكلية انتفع منها اليهود –كما سيأتي- ولم ينتفع منها النصارى.

- بعد قيام هذه الحركة الإصلاحية لقيت الاضطهاد والتضييق من الكنيسة (الكاثوليكية) مصداقاً لقوله تعالى: (ومن الذين قالوا إنا نصارى أخذنا ميثاقهم فنسوا حظاً مما ذكروا به فأغرينا بينهم العداوة والبغضاء إلى يوم القيامة).

- كان لحركة الإصلاح الديني "البروتستانتية" أثر كبير في إحداث تغيير في طبيعة العلاقة بين اليهود والنصارى، يتبين ذلك مما يلي:

 أولاً: كان النصارى –جميعهم- قبل عصر الإصلاح الديني بقيادة البابا يعادون اليهود ويقودون حملات التطهير والإبادة ضدهم ما استطاعوا إلى ذلك سبيلاً.

 ثانياً: "حافظت الكنيسة الكاثوليكية –إلى عهد قريب- على موقف ثابت من المسألة اليهودية يقوم على رفض التصالح مع اليهود إلا إذا اعترفوا بالمسيح واعتنقوا النصرانية" .

 ثالثاً: "لم يكن في الفكر الكاثوليكي التقليدي قبل عهد الإصلاح الديني أدنى مكان لاحتمال العودة اليهودية إلى فلسطين، أو لأية فكرة عن وجود الأمة اليهودية، وكان القساوسة يرفضون التفسير الحرفي للتوراة ويفضلون تفسيرات لاهوتية أخرى وبخاصة المجازية التي أصبحت الأسلوب الرسمي للتفسير التوراتي.

 ومن هنا وعلى ضوء مفاهيم العهد الجديد أخذت كل التنبؤات والوعود المتعلقة باليهودية اتجاهاً تفسيرياً جديداً استبعد أي تدخل بشري أو عمل سياسي يقضي أو يفضي إلى عودة اليهود إلى فلسطين وإقامة دولة لليهود بها".

 يضاف إلى ذلك أن العهد القديم كان "حتى أواخر القرن الرابع عشر حبيس الأديرة والصوامع لا يطلع عليه إلا قلة من رجال الإكليروس الذين يعرفون العبرية واللاتينية".

- إذاً فاليهود في نظر المسيحيين –على ضوء ما سبق- مارقون كفار يجب اضطهادهم. وفسرت وعودهم على ضوء العهد الجديد بأسلوب يسلبهم كل حق، وكتابهم حبيس ولغتهم مندرسة.

هذا هو وضع اليهود كشعب وكتاب ووعود ولغة قبل حركات الإصلاح. ثم جاءت البروتستانتية "حركة الإصلاح" فشكلت مسار التغيير في كل ما سبق فانقلبت الأمور إلى اتجاه معاكس تماماً لما كانت عليه المسيحية قبل عصور الإصلاح الديني.

 فحصل اليهود من حركة الإصلاح الديني على ما لم يكونوا يحلمون به حيث "إن رياح التغيير في الموقف المسيحي تجاه اليهود بدأت تهب منذ ظهور الحركة الإصلاحية البروتستانتية في القرن السادس عشر، حين أطاحت هذه الحركة بحق الكنيسة في احتكار تفسير الكتاب المقدس وتحديد الرؤية المسيحية الفكرية، وبذلك تم إحياء النص التوراتي وبدأ التفسير الحرفي للنصوص المتعلقة باليهود يحل محل التأويلات والتفسيرات التي تبنتها الكنيسة الكاثوليكية الأم، وبدأت النظرة إلى اليهود تتغير تدريجياً".

اعتمد هذا التغير على المبدأ الذي نادى به لوثر وهو إلغاء احتكار الكنيسة ورجال الدين حق تفسير الكتاب المقدس، ودعوته الشعب أن يتعامل مباشرة مع الكتاب وجعله المصدر الوحيد للمسيحية باعتباره مصدر المسيحية النقية.

 وبذلك "جاءت البروتستانتية بفكرة إقامة الحقيقة الدينية على أساس الفهم الشخصي دون فرض قيود على التفسيرات التوراتية، فكان كل بروتستانتي حراً في دراسة الكتاب المقدس واستنتاج معنى النصوص التوراتية بشكل فردي، وهكذا فتح الباب للبدع في اللاهوت المسيحي وأصبح التأويل الحرفي البسيط هو الأسلوب الجديد في التفسير بعد أن هجر المصلحون البروتستانت الأساليب التقليدية الرمزية والمجازية" ولما اعتمد البروتستانت على الكتاب المقدس (العهد القديم كأصل) وآمنوا بوجوب التعامل الفردي المباشر مع نصوصه تاركين الأساليب المجازية التقليدية في تفسير هذه النصوص كان أول ما يفتحونه العهد القديم فتقع أعينهم على التنبؤات والوعود اليهودية فيفهمونها بحرفيتها دون تأويل ويعتقدون مضمونها.

وقد تولدت عن هذا نظرة جديدة عن اليهود حاضراً وماضياً ومستقبلاً ونتج ما يلي:

 1- "أصبح العهد القديم المرجع الأعلى لفهم العقيدة المسيحية وبلورتها".

 2- "اعتبرت اللغة العبرية –باعتبارها اللغة التي أوحى بها الله، واللسان المقدس الذي خاطب به شعبه المختار –هي اللغة المعتمدة للدراسة الدينية".

 إن هاتين النتيجتين اللتين أفرزتهما حركة الإصلاح تعدان نقلة ذات أهمية في تاريخ اليهود، كما تعد نقلة ذات أهمية أيضاً في تاريخ العلاقة بين الطائفتين.

 فالعهد القديم الذي ظل حبيس الأديرة والصوامع لا يطلع عليه أحد إلا القليل أصبح على يد البروتستانت المرجع الأعلى للنصارى فيما يخص اليهود بل في فهم العهد الجديد. واللغة العبرية التي اعتبرت "الأساطير الكاثوليكية التقليدية أن دراستها تسلية الهراطقة وكان تعلمها في نظر الكثيرين بدعة يهودية، واتخذت خطوات عنيفة لاجتثاثها" هذه اللغة أصبحت بعد حركة الإصلاح جزءاً من الثقافة الأوربية "فقد أصبح العالم يتقن اللاتينية واليونانية والعبرية وأصبحت العبرية جزءاً من المنهج الدراسي اللاهوتي، وفي نهاية القرن السادس عشر أخذت الحروف العبرية تستعمل في الطباعة، وانكب المسيحيون العاديون ورجال الدين على دراسة أدب الأحبار، وأعجب المسيحيون أيما إعجاب بالعبرية واقترن في أذهان كثير من المجموعات والفرق البروتستانتية مع إعجابهم بالعبرية إعجابهم بالمبادئ والقيم اليهودية.

وتسربت الروح العبرية اليهودية إلى الفنون والآداب فكان الفنانون يرسمون ويحفرون مناظر من الكتاب المقدس، وحلت قصص وتفسيرات العهد القديم محل المسرحيات التي كانت تمثل حياة القديسين، وأصبحت شخصيات العهد القديم كأبسالوم وإيستر ويوحنا وجوزيفوس وغيرهم تبدو على أنها شخصيات تحتذى في أخلاقها" .

وهكذا تسربت الأدبيات اليهودية إلى صميم العقيدة والفكر المسيحي وكانت هذه الأدبيات تدور حول أمور ثلاثة:

 "الأمر الأول: هو أن اليهود هم شعب الله المختار، وأنهم يكونون بذلك الأمة المفضلة على كل الأمم.

 الأمر الثاني: هو أن ثمة ميثاقاً إلـهياً يربط اليهود بالأرض المقدسة في فلسطين، وأن هذا الميثاق الذي أعطاه الله لإبراهيم عليه السلام هو ميثاق سرمدي حتى قيام الساعة.

 الأمر الثالث: هو ربط الإيمان المسيحي بعودة السيد المسيح بقيام دولة صهيون، أي بإعادة وتجميع اليهود في فلسطين حتى يظهر المسيح فيهم".

 وآمن النصارى البروتستانت أن مساعدة اليهود لتحقيق هذه الغاية –وقيام دولة صهيون- أمر يريده الله لأنه يعجل بمجيء المسيح الذي يحمل معه الخلاص والسلام، وساد الاعتقاد أن النصارى المخلصين سوف يعيشون مع المسيح في فلسطين ألف سنة في رغد وسلام قبل يوم القيامة طبقاً لبعض التفسيرات الحرفية لسفر رؤيا يوحنا اللاهوتي.

 وهكذا ظهر اتجاه جديد في المسيحية يحيي الهالة التي أضفتها التوراة على بني إسرائيل، ويوجب على المسيحيين التدخل البشري لتحقيق وعود يهودية واردة في التوراة، كما قام هذا الاتجاه الهائل بدعم اليهود والدعوة إلى قيام كيان لهم في فلسطين، كما تزعم هذا الاتجاه حركة الدعوة لانبعاث اليهود وتسفيه التحقير المسيحي لليهودية والمطالبة بضرورة رفع الظلم والاضطهاد عن هذا الشعب المختار وفقاً للإيمان الحرفي بالكتاب المقدس.

 - وجد اليهود في هذه الفرصة من يناصرهم ويدعو إلى قضاياهم ويتحالف معهم بعد أن كانوا مضطهدين.

 - إن الأدبيات التي تسربت إلى العقيدة المسيحية يصح أن نطلق عليها تهويداً للمسيحية أو بعثاً لليهودية والعبرية. وإن المحاور الثلاثة التي تدور حولها هذه الأدبيات والمذكورة قبل قليل: لهي اليوم "قاعدة الصهيونية المسيحية التي تربط الدين بالقومية، والتي تسخر الاعتقاد الديني المسيحي لتحقيق مكاسب يهودية" وهكذا ولدت الصهيونية في أحضان البروتستانتية قبل هرتزل بثلاثة قرون "وكانت أنشودة مسيحية قبل أن تصبح حركة سياسية يهودية كما قال "كينين" أحد أبرز القيادات الصهيونية اليهودية الأمريكية في كتابه (خط الدفاع الإسرائيلي)، وإن أول من رفع شعار "فلسطين أرض بلا شعب لشعب بلا أرض" هم أصوليون مسيحيون، وإن المسيحية اليهودية هي التي مهدت لظهور الصهيونية اليهودية ودعمتها لتنفيذ المشروع الاستيطاني فوق أرض فلسطين، وهي التي خلقت تياراً شعبياً قوياً ينحاز دائماً إلى الحركة الصهيونية ويضغط دائماً على مؤسساته الرسمية لتمنحها الدعم والمساندة وتحقيقاً لأهدافها العدوانية التوسعية".

- لقد كان هؤلاء المسيحيون الجدد يعتقدون أن هناك ثلاث إشارات يجب أن تسبق عودة المسيح: "الإشارة الأولى هي قيام إسرائيل، وقد قامت إسرائيل في العام 1948م. ولذلك اعتبر الصهيونيون المسيحيون في الولايات المتحدة هذا الحدث أعظم حدث في التاريخ لأنه جاء مصدقاً للنبوءة الدينية.

الإشارة الثانية هي احتلال مدينة القدس، ولقد احتلت إسرائيل القدس في العام 1967 التي ينظر الإنجيليون من الصهيونيين المسيحيين على أنها المدينة التي سيمارس المسيح حكم العالم منها بعد قدومه الثاني المنتظر. ولذلك تضغط الكنائس الصهيونية المسيحية في الولايات المتحدة من أجل الاعتراف بالقدس عاصمة موحدة وأبدية لإسرائيل. ولقد تجاوب مجلسا الشيوخ والنواب مع هذه الضغوط في إبريل – نيسان 1990م.

 الإشارة الثالثة هي إعادة بناء هيكل سليمان على أنقاض المسجد الأقصى. ولقد وضعت خريطة الهيكل الجديد، فيما تتواصل الحفريات تحت المسجد بحجة البحث عن آثار يهودية مطمورة. وفي الوقت نفسه يتم إعداد وتدريب كهان الهيكل في معهد خاص بالقدس. أما الأموال اللازمة فقد جمع معظمها وأودع في حساب خاص باسم مشروع بناء الهيكل.

 ويزعم هؤلاء أنه بعد اكتمال المشروع، ستقع هرمجدون التي يظهر المسيح فوقها مباشرة وسيرفع إليه بالجسد المؤمنين به ليحكم العالم من القدس مدة ألف عام تقوم بعدها القيامة.

- مما سبق يتضح لنا كيف كان لحركة الإصلاح الديني الدور الأكبر والأساسي لتحويل مسار العلاقة بين اليهود والنصارى من صراع دموي إلى تحالف استراتيجي آثم اعتُبر المسلمون في نظره –رغم إيمانهم بالمسيح- أعداءً للمسيحية، وانقلبت النظرة بالنسبة لليهود الذين حاربوا المسيح وكذبوه وصلبوه –كما زعموا- فأصبحوا هم الحلفاء والأصدقاء والسادة!! والعجيب أن تنتشر هذه الدعوة في دول عديدة من دول أوربا على رأسها إنجلترا التي أخذت على عاتقها مناصرة اليهود من خلال معتقداتها الإصلاحية الأصولية المسيحية اليهودية.

 - ولما كانت حركة الإصلاح تخالف ما عليه الكنيسة الكاثوليكية فقد نالها من التضييق والاضطهاد الكثير والكثير.

 فقد دعا "البابا ليو العاشر، مارتن لوثر إلى روما في 7 يوليو سنة 1518م فلم يلب الدعوة وردّ على نائبه رداً شديداً قاسياً ونشر أن البابا ليس معصوماً وأن الكتاب المقدس وحده هو القاعدة الحقيقية للتعليم المسيحي.

ثم دعاه البابا ثانية إلى روما فلم يجب فبادر إلى حرمانه فأحرق لوثر قرار الحرمان فكان قرار مجمع ودمن سنة 1521م بطرد لوثر وإهدار دمه وحرم قراءة كتاباته وإحراقها، ثم لما التف الناس حوله قرر المجمع إلغاء ما سبق" وإذا كان لوثر قد نجا بعض الشيء من هجمات الكاثوليك فإن أتباعه لم يسلموا من صراع دموي رهيب اضطرهم في كثير من الأحيان إلى الهجرة خارج أماكن الصراع هرباً بمعتقداتهم من الفتنة. "وإذا كانت محاكم التفتيش في الأندلس قد دفعت باليهود إلى أوربا هرباً بدينهم فإن الصراع الديني في أوربا حمل مطلع القرن السابع عشر المتهودين الجدد إلى العالم الجديد" أمريكا التي اكتشفت سنة 1492م.

 وكان لهجرة البروتستانت آثار مباشرة وواضحة في بلورة الشخصية الأمريكية بالصورة التي نراها عليه اليوم.

- وهكذا انتشرت "البروتستانتية" في أوربا وأمريكا وعلى إثر ذلك تشكلت أكبر قوة معادية للإسلام بدت في أشكال تحالفية ضد الدين الحق ساعية إلى تحقيق وعود مفتراة غير عابئة بقيم أو أخلاق أو إنسانية.

- إذاً فقد أصبح على رأس سياسات الدول البروتستانتية (وفي مقدمتها أمريكا وبريطانيا) دعم قيام دولة لليهود على أرض فلسطين، فلهذا انهالت المساعدات المتنوعة لأجل ذلك حتى تحقق ذلك بعد وعد بلفور الشهير وزير خارجية بريطانيا، عام 1917م، ولم تقف بريطانيا عند حدود الكلام والوعود، بل شرعت في التنفيذ عملياً، وذلك بمساعدة عصبة الأمم، وما فرضته من انتداب على فلسطين وتسهيل هجرة اليهود إليها ثم تمكينهم من إحكام قبضتهم عليها وتسليمها لهم، وأوربا تعلم ذلك كله وتباركه، ووقفت بريطانيا محتضنة للصهيونية نظرياً حيث تعهدتها منذ بذرتها الأولى، وعملياً حتى تسليمها لليهود أرض فلسطين بعد إنهاء الانتداب في 14 مايو 1948م ليعلن عن قيام دولة إسرائيل في 15 من نفس الشهر، من أجل ذلك فلا عجب "إذا اختار حاييم وايزمان" وهو يهودي ومن بريطانيا وشغل منصب أول رئيس لدولة إسرائيل بعد قيامها في 1948م- لا نعجب إذا اختار وايزمان لندن مقراً للصهيونية العالمية، دون أن تعترض عليه أي دائرة سياسية بريطانية". ولا نعجب أيضاً إذا سمعنا هرتزل يقول: "إنني لأول لحظة انضممت فيها إلى الحركة الصهيونية اتجهت عيناي إلى إنجلترا، لأنني رأيت بسبب الأحوال العامة أن في إنجلترا نقطة الارتكاز التي يمكن أن تتحرك عليها الرافعة" .

- ومع أن إنجلترا كانت أول الدول وأشدها حماسة للصهيونية نظرياً وعملياً إلا أن دولاً أوربية كثيرة لم تكن أقل حماساً من بريطانيا. ففرنسا مثلاً كانت من "أول من طرح بشكل جدي فكرة توطين اليهود في فلسطين. فقد أعدت حكومة الإدارة الفرنسية 1798م خطة سرية لإقامة "كومنولث يهودي في فلسطين" حال نجاح الحملة الفرنسية في احتلال مصر والمشرق العربي بما فيه فلسطين".

 أما أمريكا (البروتستانتية) فإنها فاقت بريطانيا ودول أوربا في دعمها لليهود منذ قيام دولتهم، وهذا لم يعد يخفى على أحد، وإليك شيئاً مما قام أو صرح به رؤساؤها لتزداد يقيناً بذلك:

1-الرئيس جيفرسون: الذي بلغ من تأثير الصهيونية المسيحية فيه حداً كبيراً اقترح فيه اتخاذ رمز لأمريكا يمثل أبناء إسرائيل تظلهم غيمة في النهار، وعمود من نور في الليل بدلاً من شعار النسر، وذلك توافقاً مع ما تتضمنه الآية 12 من الإصحاح 13 الواردة في سفر الخروج: كان الرب يسير أمامهم خلال النهار في عمود من السحاب ليهديهم الطريق، ويسير أمامهم خلال الليل في عمود من نار ليضيء لهم".

2- ودور ويلسون: "حاكم أمريكا أثناء الحرب العالمية الأولى من عام 1912م ومروراً بسنوات حكمه كان يقدر اليهود، ويعلي من شأنهم وليس أدل على ذلك من جعله "برنارد باروخ" وهو يهودي مستشاره للشؤون الاقتصادية، وجعله اليهودي "لويس برانديس" مستشاراً قضائياً، بل جعله رئيساً للمحكمة الأمريكية العليا. وفي الوقت نفسه يرفض ويلسون المستر "تافت" رئيس الجمهورية السابق في هذا المنصب الخطير ويرشح هذا اليهودي  ولما زار بلفور الولايات المتحدة في 20 إبريل 1917م وعده ويلسون حينذاك بتقديم كل عون لليهود، بل إن بلفور طلب من "برانديس" أن يكون على اتصال دائم مع حاييم وايزمان لتنسيق الخطوات في شأن إقامة إسرائيل- كل ذلك على علم من ويلسون.

 وبعث ويلسون رسالة رسمية لزعيم الصهيونية الأمريكية الحاخام "ستيفن وايز" مصدقاً بشكل رسمي على وعد بلفور وأعلن لكثير من زعماء اليهود تأييده لوعد بلفور، ولم يكن هذا كله بضغط من اليهود المحيطين بالرئيس، إنه بروتستانتي "ينحدر من أبوين ينتميان للكنيسة المشيخية وقد نشأ على التعاليم البروتستانتية الأمريكية التي كانت تؤمن بالأسطورة الصهيونية" حتى قال عن نفسه: "إنه يجب على ابن راعي الكنيسة أن يكون قادراً على المساعدة لإعادة الأرض المقدسة لشعبها اليهودي" واعتبر ويلسون وحكومته واضعي حجر الأساس للدولة اليهودية نظراً لما قدمه في هذا السبيل.

 وخلف ويلسون ثلاثة:

 (وارن هاردبخ) وهو صهيوني مسيحي قال في أحد تصريحاته في يونيو 1921م: "يستحيل على من يدرس خدمات الشعب اليهودي ألا يعتقد أنهم سيعادون يوماً إلى وطنهم القومي التاريخي" كما صرح بتأييده الشديد لصندوق اكتشاف فلسطين.

 وجاء ( كالفن كولدج) و(هربرت هوفر) وأكدا تعاطفهما مع الشعب اليهودي وأحقيته في أرض الميعاد كما أكدا إعجابهما الشديد بدور الحركة الصهيونية في تأهيل فلسطين لاستيعاب الهجرات اليهودية .

3- فرانكلين روزفلت: الذي جاء وعبر عن صهيونيته فاتخذت في عهده نجمة داود وسليمان شعاراً رسمياً لدوائر البريد وللخوذ التي يلبسها الجنود في الفرقة السادسة، وعلى أختام البحرية الأمريكية، وعلى طبعة الدولار الجديد، وميدالية رئيس الجمهورية، وخفراء الشرطة في شيكاغو، وشارة الصدر التي يضعها العمدة في كثير من المناطق.

 4-هاري ترومان: الذي فتح أبواب فلسطين لمائة ألف يهودي وطالب بزيادة عدد المهاجرين حتى وصلت الأعداد في عهده إلى 1500 يهودي شهرياً استمرت شهوراً طويلة، وتمت الموافقة الأمريكية بأمر ترومان على تقسيم فلسطين، ومنح اليهود بجهوده 56% منها وكانت أمريكا من أول الدول التي تعترف بإسرائيل في العالم، حتى قبل أن تطلب إسرائيل من ترومان الاعتراف بشكل رسمي. ولا نعجب فترومان "كان قد درس التوراة على نفسه وكان يؤمن بالتبرير التاريخي لوطن قومي لليهود، وكان كبروتستانتي يحس بشيء عميق له مغزاه في فكرة البعث اليهودي، وكان معروفاً بحبه للفقرة التوراتية الواردة بالمزمار "137" والتي تبدأ "لقد جلسنا على أنهار بابل وأخذنا نبكي حين تذكرنا صهيون".

 ولقد اعترف ترومان أنه ما من مرة قرأ فيها قصة إنزال الوصايا العشر في سيناء إلا وشعر بوخز خفيف يسري في عروقه. ولقد صرح بأن "موسى تلقى المبدأ الأساسي لقانون هذه الأمة على جبل سيناء" كما صرح مراراً بأن كتابه المفضل هو التلمود.

 5-الجنرال إيزنهاور: كان عضواً مؤازراً لجمعية "بناي برث" اليهودية وصديقاً لجماعة "شهود يهوه" الإرهابية وشارك في جميع خطط جمع التبرعات لليهود، قال إيزنهاور: إن إسرائيل ولدت بعد الحرب الثانية وإنها قامت لتعيش مع غيرها من الدول التي اقترنت مصالح الولايات المتحدة بقيامها.

 6- جون كنيدي: من تصريحاته "إن أمريكا التزمت التزامات صريحة بحماية إسرائيل ومن مصلحتنا نحن الأمريكيين تنفيذ ما التزمنا به".

 وقال أمام المنظمة الصهيونية الأمريكية بعد أن تكلم عن قيام دولة إسرائيل وأنها لم تولد لتختفي: "كان ترومان أول من اعترف بإسرائيل وسأواصل أنا السير في هذا الطريق". وكان كنيدي "يؤمن بأن يهوه هو الذي يحمي الولايات المتحدة ويسهر على أمنها".

7- ريتشارد نيكسون: وهو أكثر الرؤساء الأمريكان فكراً وتنظيراً، وهو أصولي إنجيلي كان يقول: "لقد أمرت في حرب 1973م ببدء جسر جوي ضخم للمعدات والمواد التي مكنت إسرائيل من وقف تقدم سوريا ومصر على جبهتين.. إن التزامنا ببقاء إسرائيل التزام عميق فنحن لسنا حلفاء رسميين، وإنما يربطنا معاً شيء أقوى من أي قصاصة ورق، إنه التزام معنوي، إنه التزام لم يخل به أي رئيس في الماضي أبداً وسيفي به كل رئيس في المستقبل بإخلاص، إن أمريكا لن تسمح أبداً لأعداء إسرائيل الذين أقسموا على النيل منها بتحقيق هدفهم في تدميرها".

8- جيمي كارتر: في معركة انتخابية رئاسية بين كارتر وريجان والثالث أندرسون تبارى الثلاثة في إعلان التأييد المطلق لليهود. فلما اتهم ريجان منافسه كارتر بأنه يرفض وصف منظمة التحرير الفلسطينية بأنها منظمة إرهابية، هرول كارتر ليعلن أمام المؤتمر اليهودي "إن شيئاً لن يؤثر على التزام بلاده نحو إسرائيل، وإن القدس يجب أن تبقى موحدة إلى الأبد" وأخذ يتفاخر بما قدمه من مساعدات لإسرائيل خلال فترة رئاسته استجلاباً لرضا أسياده وتمشياً وإعلاناً لما يؤمن به.

 وقال أمام الكنيست الإسرائيلي في مارس 1979م وكان يعمل على إقرار معاهدة الصلح بين مصر وإسرائيل: "لقد أقام كلاً من إسرائيل والولايات المتحدة الأمريكية مهاجرون روّاد، ثم إننا نتقاسم معكم تراث التوراة". وكارتر مهندس السلام بين مصر وإسرائيل.

 9- ثم جاء ريجان إلى البيت الأبيض "وأكد أكثر من إحدى عشرة مرة أنه يؤمن بنبوءات التوراة ومنها معركة هرمجدون" .

10- وجاء بوش الأب الذي عمل بكل قوة في مسار الصهيونية وقام عملياً بما لم يقم به رئيس قبله، فقد سهل هجرة اليهود السوفيت التي بلغت ذروتها ما بين عام 1989م إلى 1991م وقدم المساعدات المالية لإسرائيل وقال: إن بلاده قدّمت مساعدات مالية وعسكرية بلغت 4.4 مليارات دولار، وبذل 10 مليارات دولار لتوطين اليهود السوفيت في فلسطين الذين جاؤوا إليها بضغوط كبيرة من بوش. وحرب الخليج وما تم فيها ثم ما ترتب عليها، ما هي إلا نموذج من أعمال بوش الإجرامية، ثم مؤتمر مدريد وفرض ما يسمى بالسلام العربي الإسرائيلي، إن الأدوار التي قام بها بوش نقلت العالم نقلة هائلة، أو نقول غيرت تغييرات هائلة في كثير من الأحداث خاصة على الصعيد العربي الإسرائيلي.

 11- وجاء كلينتون وأعلن عن اتجاهه الصهيوني فقرب اليهود، حتى إن مجلس الأمن القومي فيه 7 من اليهود من 11 عضواً بالإضافة إلى مناصب أخرى حشر فيها اليهود وقربهم. وكلينتون صاحب شعار "لن نخذل إسرائيل أبداً".

 12- ثم جاء بوش الابن فأكمل المسيرة في دعم اليهود كما هو مشاهد. واستغل أحداث سبتمبر في شن حملة واسعة النطاق على المسلمين بدعوى محاربة الإرهاب! نسأل الله أن يرد كيده وأعوانه في نحورهم.

- وهكذا فإنه على مستوى القمة لا يأتي رئيس أمريكي إلا ويترجم عن صهيونيته الإنجيلية بمناصرة اليهود والعمل على حماية أمن إسرائيل، وما ذلك إلا تأكيداً على إيمانهم بنبوءات العهد القديم وما فيه من عود يهودية.

ولم يقتصر هذا الاتجاه الديني الصهيوني على رجال القمة بل كان اتجاهاً عاماً يؤمن به رجال السياسة الأمريكيون.

 

وصلى الله وسلم على نبيينا محمد وآله .

 

إعداد / عبد الرقيب العزاني

 

المراجع:

 

كتاب: حقيقة العلاقة بين اليهود والنصارى وأثرها على العالم الإسلامي.

 

المؤلف : أحمد محمد زايد.

 

وبحث بعنوان: كيف تطورت العلاقة بين اليهود والنصارى من عداوة إلى صداقة…؟ ! .
.