قطوف مقدسية / فلسطين في وجدان الشيخ زيد الفياض
|29-31| المقاطعة الاقتصادية أمضى | الجامعة العربية ووكالات الغوث!

(29)
المقاطعة الاقتصادية أمضى
أرسلت لـ "للبلاد"، في 19-01-1385هـ
عندما أمعنتْ ألمانيا الغربية في تحدِّيها مشاعرَ العرب والمسلمين ببذلِ المساعدات الاقتصاديَّة لإسرائيل باسم تعويض ضحايا النازية، وباسم القروض والمساعدات آنًا آخر، كان لا بدَّ للعرب والمسلمين أن يقفوا موقفًا جريئًا.
ولم تكن الاحتجاجاتُ والاستنكارات لتجعل ألمانيا تَقْطع تعويضاتِها ومساعداتِها لدُويلة الاحتلال الصِّهْيَوني، بل إنَّ ألمانيا - تجاوزتْ كلَّ حدٍّ حينما أمدت إسرائيل بالأسلحة في صفقة سِريَّة، فكانت طعنةً غادرة من ألمانيا توجِّهها إلى المسلمين، وصار لا بدَّ مما ليس منه بُدٌّ، وركبتْ ألمانيا رأسَها، واعترفت بإسرائيل، وقطعت عشر دول عربية عَلاقتَها مع ألمانيا؛ ردًّا على تصرُّف حكومة "بون"، وثأرًا للكرامة التي أراد الألمان إهدارَها.
وقد يكون الردُّ معقولاً، ولكن ينبغي أن نتساءل: هل ما يهمُّ ألمانيا، وما يؤثِّر على الشعب هناك المقاطعة السياسيَّة؟ أم أنَّ المقاطعة الاقتصاديَّة أمضى سلاحًا، وأكثر فعالية؟
لا أظنُّ أحدًا يمتري في أنَّ الناحية الاقتصاديَّة تؤثِّر على ألمانيا أكثرَ من الناحية السياسيَّة، فالبلاد الإسلامية تشكِّل سوقًا هامًّا للصادرات الألمانية، سواء كانت 30 بالمائة، أو أكثر أو أقل، فعلى كلِّ حال هي سوق مهمَّة تحرص ألمانيا على الاحتفاظ بها، وإذا فقدتْ هذه الأسواق، فإنَّ الشعب الألماني قد يضغط على حكومته ويجبرها على تفضيل حُسْن العلاقات مع العرب والمسلمين على علاقتها مع دُويلة الاحتلال الصِّهْيَوني.
أما الاكتفاء بالمقاطعة السياسيَّة، فذلك لن يكون له أثرٌ كبير على علاقات ألمانيا مع إسرائيل، فالذي يهمُّ الألمان هو الناحية الاقتصاديَّة، ومن غير المعقول أن تتحدَّى ألمانيا العربَ والمسلمين بإمداد إسرائيل بالأسلحة والمساعدات الكبيرة، ويكتفي المسلِمون بالاحتجاجات والضجيج، ثم يقفون عند حدِّ المقاطعة السياسيَّة من دول عربية، بينما الأسواقُ الإسلامية مجال رحب للبضائعِ الألمانية، ومدِّ الاقتصاد الألماني بالقوَّة.
إنني أشكُّ في عدم جدوى المقاطعة السياسيَّة، ما لم يكن هناك مقاطعةٌ اقتصاديَّة تُعيد إليها رُشدَها، وحرصها على الصداقة التقليدية بين العرب والألمان - كما يدَّعون – "وَكُلٌّ يَدَّعِي وَصْلاً بِلَيْلَى".
وبدون المقاطعة الاقتصاديَّة تكون الغضبة المُضريَّة - زوبعة في فنجان، وعبثًا لا طائلَ مِن ورائه!!
إنني أدعو إلى أن يقطَع العرب علاقاتِهم الاقتصاديَّة مع ألمانيا، وأن يُغلِقوا أسواقَهم في وجه البضائع الألمانية والشركات الألمانية، عندئذ سوف يُدرك الألمان فداحةَ الثمن، وسوء تقدير العاقبة.
ذلك رأيٌ ارتأيتُه وآمل تحقيقَه، وأحسب أنَّ فيه تعبيرًا عن إرادة الشعب الإسلامي بكلِّ جلاء ووضوح.
قضية فلسطين، ص85-87.
(30)
الجامعة العربية ووكالات الغوث!
"المدينة"، العدد (388)، في 18-02-1385هـ
ورَدَ في الأخبار نبأٌ نشرتْه الصحف، وتناقلته الإذاعات، وهو نبأ يدعو للاستغراب، هذا النبأ هو: «أنَّ الجامعة العربية اتَّهمت وكالة الغَوْث الدولية بخدمة سياسة الاستعمار الصِّهْيَوني، وذلك عن طريق مساعدة اللاجئين الفلسطينيِّين في الهجرة إلى الولايات المتحدة وأستراليا، ممَّا نتج عنه انخفاضُ عدد اللاَّجئين الفلسطينيِّين في معسكرات اللاجئين».
هذا مضمون الخبر الذي نشرتْه الصحف في 19/1/85م، وقد يبدو للوهلة الأولى أنْ لا داعي للاستغراب في هذا النبأ، ولكن لو أنَّ الأمر من الخفاء بحيث يستدعي اكتشافًا بعد سنين طويلة من قيام وكالة الغوث لهَانَ الخَطْبُ، ولكان أمرًا عاديًّا لا غُبار عليه.
أما وأنَّ هذه الوكالة، قامت بتوجيهات أمريكية وإنكليزية، وفي مقدمة أهدافها - منذ تأسيسها - توطينُ الفلسطينيِّين في البلاد العربية وغيرها، وتسهيل الإقامة والعمل لهم في العالَم العربي وغيره، وليس في هذا خفاءٌ حتى يحتاج إلى اتِّهام بعدَ هذه المدة الطويلة، ومن جامعة الدول العربية كأنَّ جديدًا قد حدث!
إنَّ من لديه وعيًا وثقافة في العالَم الإسلامي يعرف منذ أمد - قبل بيان الجامعة الخطير - أنَّ هذه الوكالة استعمارية لحمًا ودمًا، وسيلة وهدفًا، وأنَّ غايتها منْح اليهود الاستقرار.
إنَّ قضية فلسطين تمرُّ بمرحلة دقيقة، ومِن ثَمَّ فإن أيَّ شيء يصدر عن الجامعة يثير الانتباه، ويحرِص العرب والمسلمون، والفلسطينيُّون بصفة خاصَّة على فَهْمه تمامَ الفهم، ولسنا ندري هل قصد المسؤولون في الجامعة الذين وجَّهوا الاتهام في هذا الوقت لوكالة الغوث تِبيانَ الحقائق للعرب الذين لا يزالون يجهلون أهدافَ الوكالة، وإن كانت صيغةُ الاتهام لا توضح هذا المعنى، وإن كان الغرض إفهامَ الرأي العام، فليس إصدار اتهام مجرَّد من الأدلَّة المعروفة للعرب ما يجعل الرأيَ العام العالمي يقتنع بوجهة نظر الجامعة!!
ثم هل جدَّ جديد حتى تكتشفَ الجامعةُ انخفاضَ عدد اللاجئين في المخيمات - في هذه الظروف بالذات؟!
إنني لم أدرك المغزى من إصدار مثل هذا الاتِّهام على النحو الذي نشرتْه الصحف، وتناقلته الإذاعات، اللهمَّ إلا إذا كان ما أذيع ونُشِر ليس كل ما جاء في اتهام الجامعة، فهذا له شأنٌ آخر.
إنَّ بعض ما يصدر من الجامعة حيال فلسطين يحيِّر حقًّا، فمرَّة تقرِّر الجامعة أن يُمنح الفلسطينيُّون جوازاتِ سفر من قِبل الحكومات العربية المضيفة، ومرَّة تُقرِّر تسهيلَ الإقامة والعمل لهم في البلاد العربية، وثالثة اكتشاف الجامعة انخفاض عدد اللاجئين!! وماذا يعني ذلك؟! وماذا يؤثِّر هذا في قضية فلسطين، وتصميم المسلمين على طرْد اليهود المستعمرين مهما كلَّف الثمن؟ وسينتصرون بإذن الله.
وكنا نود أن يصدر من الجامعة توضيحُ غرضها.
إنَّ بعض ما يصدر من الجامعة يبعث على القلق، ويثير البلبلة في النفوس، والشعوب العربية تنتظر مِن الجامعة أن تكون على مستوى الآمال المعلَّقة عليها.
ولن يُسلِّم الصهاينةُ فلسطين طائعين، هذه بدهيات لا تحتاج إلى جدل ونقاش، الاستعداد للمعركة، وتهيئة الرأي العام لها، ثم ضربة قويَّة خاطفة تقضي على العدو قبل أن تتمكَّن قواعده الاستعمارية في الخارج من التدخل، ولا بدَّ من تسليح الفلسطينيين وتدريبهم، وأن يكونوا طليعةَ المعركة، ونبْذ الخصام والشِّقاق بين العرب والمسلمين، وتوفير قوَّتهم لعدوِّهم الذي يهدف إلى القضاء عليهم، وغَزْوهم في عُقْر دارهم إذا لم يبدؤوا هم - بعد تخطيط وتصميم، واستعداد وثقة لا تركن للدسائس والمؤامرات الاستعمارية، وهكذا - إذا كانوا جادِّين.
قضية فلسطين، ص88-91.
(31)
رجال العاصفة وقضية فلسطين
"عكاظ"، العدد (276)، في 20-05-1385هـ
إنَّ الشعوبَ العربية والإسلامية، وشعب فلسطين على وجهٍ أخصَّ، يأملون أن يكون مَن يتولون قيادةَ هذه الشعوب في مستوى المسؤولية المناطَة بهم، وإدراك الخطر الذي يتهدَّد شعوبهم.
جاء في الأنباء: أنَّ رجال العاصفة قد نَسفوا سيارةً عسكريَّة داخل فلسطين المحتلَّة، فقُتل عشرة من الجنود الصِّهْيَونيين، وأُصيب سبعة آخرون، كما صدر بذلك بيان عن منظَّمة العاصفة الفلسطينيَّة، وبين وقت وآخرَ تُنشر أنباء مماثلة عن هذه المنظَّمة، التي برزت إلى حيز الوجود قريبًا، وفي هذه المدَّة الوجيزة التي بدأت فيها قُوَّاتُ العاصفة أعمالَها حقَّقتْ من الانتصار المادي والمعنوي ما لم تحقِّقْه آلاف الخُطب والمقالات، ومئات الاجتماعات، وعشرات المؤتمرات!
إنَّ منظَّمة العاصفة وقوَّاتها قد بعثتِ الأمل في النفوس، وأعادتْ إلى عرب فلسطين شيئًا من الثقة التي كادتْ تطير أشلاء.
إنَّ هذه المنظَّمة قد أثارتِ الانتباه، ونالتِ التقدير من لدن الشعوب الإسلامية، وليس في هذا غرابة، ولكنَّ الغريب - والذي يكاد لا يُصدَّق - ما يُقال من أنَّ هناك محاولاتٍ من بعض العرب لوقْف نشاط هذه المنظَّمة، أو ضمها إلى منظمات فلسطينيَّة أخرى، بحجَّة تنظيم العمل وتوحيده، وهذه - إن صحَّت - مغالطة مكشوفة، فكيف يُحطَّم أمل العرب والمسلمين الذي بدأتْه هذه المنظَّمةُ بأعمالها البطولية، ونشاطها الرائع، بتجميد أعمالها، وجَعْلها جزءًا من منظَّمات لم تبدأِ العمل، ولا يُدرى متى يأذن الله ببدئها، ومتى تنوي ذلك، وهل وهل...؟؟ استفهامات كثيرة، منها ما يُكتفى بذِكْر بعضه، ومنها ما لم يَحِنِ الوقت بعدُ لقوله: "وما كل ما يعلم يقال"!
إنَّ الذين يريدون وقْفَ نشاط هذه المنظَّمة يوجِّهون ضربةً عنيفة إلى الفلسطينيِّين بصفة خاصَّة، وإلى الأمَّة الإسلامية بصفة عامَّة، ولدينا مَثَلٌ شعبي يحسن استعارته في هذا المقام "جرادة في يدك ولا عشر طايرات"، نعم! إنَّ عملاً واحدًا تقوم به منظَّمة العاصفة اليوم ولا عشرة أعمال خيالية.
إنَّنا نأمل أن تُقابل هذه المحاولاتُ بالرَّفْض والاستنكار، ولا سيَّما من شعب فلسطين، حتى وإن أُحسن الظنُّ بدعاتها! وليس معنى هذا أن يُكتفى بما تقوم به منظَّمة العاصفة، ولكن يجب أن تستعدَّ جميع المنظَّمات الفلسطينيَّة، والشعب الفلسطيني، والأمة العربية والإسلامية لخَوْض معركة عاجلة وحاسمة مع الصهاينة المجرِمين قبل أن يملكوا القنبلةَ الذريَّة، التي يَجدُّون في امتلاكها، وقد لا يأتي وقت قريب إلاَّ وقد ملكوها، وعندَ ذلك سوف لا يقف الصِّهْيَونيُّون عند عدوانهم السالف، ولكن سيهاجمون البلدان العربية المجاورة، ثم البلدان الإسلامية والعربية الأخرى، بل إنَّ أحلام الصِّهْيَونية كما بينته مخططاتُهم في "بروتوكولات حكماء صِهْيون" هي الاستيلاء على شعوب العالَم جمعاء!
وهل يُنتظر من عصابة الصِّهْيَونيين أن تهتمَّ بالسلام العالمي، أو الحِرْص على سلامة العرب أو الشعوب الأخرى إذا ما حازتِ السلاح النووي؟!
وأحسب أنَّ هذا لا يحتاج إلى بيان، وماضي العِصابات في تدمير اقتصاد ألمانيا، ونشْر الفساد فيها، وفي مذبحة دِير ياسين ما يُغنِي عن التدليل والتعليل وطول الاستنتاج.
إنَّ الشعوب الإسلاميَّة، وشعبَ فلسطين على وجه أخص يأملون أن يكون مَن يتولون قيادةَ هذه الشعوب في مستوى المسؤولية المُنَاطة بهم، وإدراك الخَطَر الذي يتهدَّد شعوبهم.
وهذه كلمةٌ للذِّكْرى ليستِ الأولى، ولن تكون الأخيرة مِن نوعها، ومع هذا فالأمرُ من الجسامة والأهمية بحيث لا يزال محتاجًا إلى مَن يُنبِّه ويحذِّر، ويستثير الهمم، بقدر حاجتِه إلى مَن يحمل السلاح، ويقاتل الأعداء، ويسترجع فلسطين من عصابة الغدر، وأعداء الإنسانية - حقَّق الله الآمال.
قضية فلسطين، ص92-95.
.