القدس والأقصى / خطب مقدسية

عداوة اليهود للمؤمنين

عداوة اليهود للمؤمنين

خطبة الجمعة لفضيلة الشيخ الدكتور لؤي الصمادي

الجمعة 2/1/1442هـ-الموافق21/8/2020م

الحمدُ للهِ ربّ العالمين، والصلاة والسلام عَلى أَشرفِ الأنبياءِ والمرسلين، نَبيّنا مُحمد وعَلى آلهِ وصَحبهِ أَجمعين..

أمَّا بَعد..فَإنَّ مِن سَعادة الدُّنيا الصَّديقَ الوفيّ، والنَّصيرَ الوليّ، لكنّ إِدراكَ ولاية النّاس كلّهم ليس أمرًا حسنًا ولا ممكنًا، لأنّ الدّنيا تجمع الأضداد، ففي النّاس الفاجرُ والبرّ، ومَن يبطن الخير أو الشرّ، ولذلك فسعَادةُ المَرءِ الحقيقية هي أَن يتخذ من صادقه وأرادَ بهِ الخير صديقًا، ومَن عَاداه وأَراد به السُّوءَ عَدوًّا، أمَّا إذا عَادى صديقه النّاصح له، ووالى عدوّه الماكر به، فقد وقّع على خسارته وهلاكه.

وإِنَّ ربّ العالمين هُو وليُّ للمتقين، ونَصير المؤمنين، كَما قَال عَن نَفسهِ: (اللَّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُوا)، ومِن حُسن ولايتهِ سُبحَانه لِعبادهِ المؤمنين، أنّه بعِلمه الغيب، واطّلاعه على قُلوبِ الخلق، بيَّن لأوليائهِ أعداءَهم، وجّلاهم في أَوصافهم، ليتَّخذوهم أعداءً، فيحذروا مكرَهم، ويَأمنوا شرّهم، ويَجتنبوا سبيلهم، فإنّه سبحانه أعلم بأعداءِ المؤمنين منهم، وهو كَافيهم في ولايتهِ ونُصرتهِ، كَمَا قَالَ جَلَّ وعَلا: (وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِأَعْدَائِكُمْ وَكَفَى بِاللَّهِ وَلِيًّا وَكَفَى بِاللَّهِ نَصِيرًا).

فبيّن لهم مثلاً عَداوةَ الشّيطان الذَّي لم يزَل يَسعى في إيرادهم المهالك، فقالَ سُبحانه: (إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوًّا إِنَّمَا يَدْعُو حِزْبَهُ لِيَكُونُوا مِنْ أَصْحَابِ السَّعِيرِ)، وبيّن عداوةَ الكفّار للمؤمنين عمومًا، وأنّها عداوة مبينةٌ ظاهرة، فقال: (إِنَّ الْكَافِرِينَ كَانُوا لَكُمْ عَدُوًّا مُبِينًا).

ومِن أَشد من نبَّه اللهُ عَلى عداوته اليَّهودَ المغضوب عَليهم، فقال جلّ شأنه: (لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَدَاوَةً لِلَّذِينَ آمَنُوا الْيَهُودَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا)، فاليهود -عليهم لعائن الله- هم أشدُّ الكفار عداوةً للمؤمنين، وأَعظمهم كراهيةً لهم.

وعَداوتهم للمؤمنينَ فَرعٌ عَن عَداوتهم للهِ وملائكتهِ ورُسلهِ، فَهم الذَّينَ سبّوا الله، وعادَوا ملائكته، وكذّبوا أنبياءه وسَعَوا في قَتلهم، وفِيهم نَزل قَوله تَعالى: (مَنْ كَانَ عَدُوًّا لِلَّهِ وَمَلائِكَتِهِ وَرُسُلِهِ وَجِبْرِيلَ وَمِيكَالَ فَإِنَّ اللَّهَ عَدُوٌّ لِلْكَافِرِينَ).

ومِن حُسن ولاية اللهِ لعبادهِ المؤمنين، أَنْ فصّل لهم عداوة هؤلاءِ الأرجاس، ونبّهَهُم على بواطن نفوسهم، حتّى قامت الحُجّة، وبانت المحجّة.

1. فبيّن سُبحانَه كُرههم أَن يَحصل أَدنى خَيرٍ للمؤمنينَ، فَقالَ: (مَا يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَلَا الْمُشْرِكِينَ أَنْ يُنَزَّلَ عَلَيْكُمْ مِنْ خَيْرٍ مِنْ رَبِّكُمْ).

2. وبيَّن سُبحانه أنّهم لَن يَرضوا عَن المؤمنينَ حَتى يَصيروا كَفرةً مِثلهم ويتّبعوا ملّتهم، فقال: (وَلَنْ تَرْضَى عَنْكَ الْيَهُودُ وَلا النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ).

3. وبيّن جلّ وعلا أنّهم حَريصونَ عَلى إضلالِ أَهلِ الإسلامِ وإِيقاعِهم في الكُّفر بعد الإيمان، فقال: (يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تُطِيعُوا فَرِيقًا مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ يَرُدُّوكُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ كَافِرِينَ).

4. وكَشفَ لنا سُبحانه عمّا تطويهِ قُلوبهم من الحسد للمؤمنينَ، فقال: (وَدَّ كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَوْ يَرُدُّونَكُمْ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِكُمْ كُفَّارًا حَسَدًا مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِهِمْ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْحَقُّ).

وهذا كما حَسدوا النبي صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم وأصحابَه على أن جَعل اللهُ الرِّسالة فيهم فكفروا بها، كما قال سبحانه: (بِئْسَمَا اشْتَرَوْا بِهِ أَنْفُسَهُمْ أَنْ يَكْفُرُوا بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ بَغْيًا) أي حَسدًا (أَنْ يُنَزِّلَ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ عَلَى مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ).

5. ومِن شِدَّة حَسدهم وفَسادِ طَويّتهم تَفضيلُهم الوثنيين عَبدةَ الأصنام على المؤمنين الموحّدين مع عِلمهم بأنهم على الحق، كما قال تعالى: (أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيبًا مِنَ الْكِتَابِ يُؤْمِنُونَ بِالْجِبْتِ وَالطَّاغُوتِ وَيَقُولُونَ لِلَّذِينَ كَفَرُوا هَؤُلَاءِ أَهْدَى مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا سَبِيلاً).

6. ونبّهنا سُبحانه على أنّهم لا يقصّرون في جلبِ ما فيهِ ضَررٌ عَلى المؤمنينَ ومشقّة عليهم، فقال عنهم: (لا يَأْلُونَكُمْ خَبَالاً) أي: فَسادًا وإضرارًا (وَدُّوا مَا عَنِتُّمْ) أي: يودون ما يشق عليكم.

7. وحذّرنا سُبحانه غَدرهم وخِيانتهم، فَليسوا أَهل عُهود ولا مَواثيقَ، فقال: (أَوَكُلَّمَا عَاهَدُوا عَهْدًا نَبَذَهُ فَرِيقٌ مِنْهُمْ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لا يُؤْمِنُونَ)، وقال جَلّ وعلا: (الَّذِينَ عَاهَدْتَ مِنْهُمْ ثُمَّ يَنْقُضُونَ عَهْدَهُمْ فِي كُلِّ مَرَّةٍ وَهُمْ لا يَتَّقُونَ)، وهكذا سيظلون، كما قال سبحانه: (وَلا تَزَالُ تَطَّلِعُ عَلَى خَائِنَةٍ مِنْهُمْ إِلا قَلِيلاً مِنْهُمْ).

8. وبيّن لنا سُبحانه كراهيتهم انتشَار دين الإسلام، ورغبتهم في إخمادِ جذوته، بطمس ذكر القرآن ومحمد صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم ، فقال: (يُرِيدُونَ أَنْ يُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَيَأْبَى اللَّهُ إِلَّا أَنْ يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ).

9. وفَضح لنا سُبحانه نِفاقهم، وأَبدَّى لنا رِياءهم وتَظاهرهم بالمودّة كما يتظاهرون اليوم بالتسامح والسلام، فقال: (وَإِذَا لَقُوا الَّذِينَ آمَنُوا قَالُوا آمَنَّا وَإِذَا خَلا بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ قَالُوا أَتُحَدِّثُونَهُمْ بِمَا فَتَحَ اللَّهُ عَلَيْكُمْ لِيُحَاجُّوكُمْ بِهِ عِنْدَ رَبِّكُمْ أَفَلا تَعْقِلُونَ).

10. وأخبرنا سُبحانه عن استهزائهم بشريعة الإسلامِ، وطَعنهم فيها، فقال: (وَإِذَا نَادَيْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ اتَّخَذُوهَا هُزُوًا وَلَعِبًا ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لا يَعْقِلُونَ).

أَفبعد كُلّ هذا البيان، يُعقل أن ينتسب رَجلٌ إلى الإسلامِ، ثمّ يُوالي اليَّهود بل يُناصرهم على المسلمين؟

أوَليس في وعظِ الله مُعتبر، وفي تحذيرهِ مُزدجر؟!

كَيف وقد ظَهرت عَداوة القَّومِ في عَصرنا هَذا وكلِّ عصرٍ، وعَاهدهم قومٌ فَلم يَجدوا منهم إلا الكَّيدَ والغَّدرَ، وما تُخفي صُدورهم أكبر.

يقول ربّنا جلّ وعلا: (يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا بِطَانَةً مِنْ دُونِكُمْ لا يَأْلُونَكُمْ خَبَالاً وَدُّوا مَا عَنِتُّمْ قَدْ بَدَتِ الْبَغْضَاءُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ وَمَا تُخْفِي صُدُورُهُمْ أَكْبَرُ قَدْ بَيَّنَّا لَكُمُ الآيَاتِ إِنْ كُنْتُمْ تَعْقِلُونَ * هَاأَنْتُمْ أُولاءِ تُحِبُّونَهُمْ وَلَا يُحِبُّونَكُمْ وَتُؤْمِنُونَ بِالْكِتَابِ كُلِّهِ وَإِذَا لَقُوكُمْ قَالُوا آمَنَّا وَإِذَا خَلَوْا عَضُّوا عَلَيْكُمُ الأَنَامِلَ مِنَ الْغَيْظِ قُلْ مُوتُوا بِغَيْظِكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ).

إنّ موالاةَ اليَّهودِ ومُوادّتهم أَخسر الصفقات، وأَفشل الاتّفاقاتِ، وليس لأهلها عَاقبة إلا خُذلان الله في الدُّنيا، وعَذابهُ الأليم في الآخرةِ، جزاءً لمن تَولَّى عن سَبيلهِ، ووالى أَعداءه.

كما قال جلّ وعلا: (وَلا تَرْكَنُوا إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ وَمَا لَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ أَوْلِيَاءَ ثُمَّ لا تُنْصَرُونَ).

ولذلك حذّرنا اللهُ تعالى من هذهِ الموالاة فقال جلّ وعلا: (لا يَتَّخِذِ الْمُؤْمِنُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَلَيْسَ مِنَ اللَّهِ فِي شَيْءٍ إِلا أَنْ تَتَّقُوا مِنْهُمْ تُقَاةً وَيُحَذِّرُكُمُ اللَّهُ نَفْسَهُ وَإِلَى اللَّهِ الْمَصِيرُ).

وأخبرنا سُبحانه أنّ هذه الموالاةَ والموادّةَ نوعٌ من النِّفاق، فقال: (يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ أَتُرِيدُونَ أَنْ تَجْعَلُوا لِلَّهِ عَلَيْكُمْ سُلْطَانًا مُبِينًا * إِنَّ الْمُنَافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ وَلَنْ تَجِدَ لَهُمْ نَصِيرًا) ، وقال: (بَشِّرِ الْمُنَافِقِينَ بِأَنَّ لَهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا * الَّذِينَ يَتَّخِذُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ أَيَبْتَغُونَ عِنْدَهُمُ الْعِزَّةَ فَإِنَّ الْعِزَّةَ لِلَّهِ جَمِيعًا)، وقالَ سُبحانه: (يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ * فَتَرَى الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ يُسَارِعُونَ فِيهِمْ يَقُولُونَ نَخْشَى أَنْ تُصِيبَنَا دَائِرَةٌ فَعَسَى اللَّهُ أَنْ يَأْتِيَ بِالْفَتْحِ أَوْ أَمْرٍ مِنْ عِنْدِهِ فَيُصْبِحُوا عَلَى مَا أَسَرُّوا فِي أَنْفُسِهِمْ نَادِمِينَ).

هذا والولاية المحرّمة هِي مَحبّتهم ومَودّتهم والركونُ إليهم والثقة بهم.

وأَشدُّ مِن هَذا أن تَكون مناصرةً لهم على بعضِ المسلمين.

وأشدّ من هذين محبّةٌ دينهم أو التسوية بينه وبين دين الإسلام، فهذا مِن الكُّفر الظاهر الذي بيّنه اللهُ تَعالى في كتابهِ أتمّ بيان.

ويَشتدّ وجُوب العداوة على مَن قَاتل مِنهم المسلمين، وأَخرجوهم من دِيارهم، وتَسلّطوا عَلى مُقدّساتهم، كما هو حال الصهاينة المحتلّين.

وما يُسمّى بالتَّطبيع اليَّوم، مَبنيٌّ عَلى مَدِّ جُسورِ الموالاةِ والمودّة، وليس هو من الصُّلحِ الذي أذن الله تعالى به، فإنَّ ذَلك الصُّلح جائزٌ عند العجز عن مواصلةِ القِّتالِ إذا رأى الحاكم المسلم مصلحة المسلمين الراجحة  فيه، ولم يَكن دائمًا، ولا قُصِد به إقرارُهم على ما أَخذوا من أرضِ المسلمينَ، ولا استلزمَ نَوعًا مِن أَنواعِ الضلال، مثل احترام كُفرهم أو مودّتهم وموالاتهم.

أمَّا إنّه لحريٌّ بالمؤمن أَن يَستكفي باللهِ، ويَتخذه وليًّا ونَصيرًا، فيستمدُّ منه العزّ والتمكين، ويَتوكّل عَليهِ ويستنصر به، ويُعدي أعداءه، ويُوالي أولياءه، وذَلك ‑واللهِ‑ خيرٌ مردًّا، وأحسن عاقبةً ومآلا.

وصَلَّى الله وسلم وبارك على نبيّنا محمد وعَلى آلهِ وصحبهِ أَجمعين.

.