دراسات وتوثيقات / دراسات وبحوث

مجزرة رفح الوحشية .. من الجاني؟ ومن المستفيد؟

بسم الله الرحمن الرحيم

مجزرة رفح الوحشية .. من الجاني؟ ومن المستفيد؟

تقرير: وائل رمضان

من الجاني..؟ سؤال رئيسي يسعى الجميع للإجابة عنه حول الـمجزرة الوحشية البشعة التي شهدها معبر كرم أبو سالم على الحدود الـمصرية الإسرائيلية، وأسفرت عن مقتل 16 جندي مصري، وإصابة 7 آخرين، وتفجير مركبتين عسكريتين مصريتين، وأقل ما يوصف به هذا العمل أنه عمل إجرامي جبان حيث تم الغدر بجنودنا وضباطنا ساعة الإفطار وهم يتوجهون إلى الله بالدعاء والصلاة بعد يوم طويل من الصيام في أجواء صحراوية شديدة الحرارة وهم يؤمّنون حدود بلادهم ؟!

وقد حاول كثير من الخبراء العسكريين والاستراتيجيين الإجابة على هذا التساؤل، من خلال البحث عن المستفيد منه وقد وضعوا لذلك  ثلاثة سيناريوهات كما يلي:

السيناريو الأول: تورط إسرائيل

فمن خلال قاعدة ''ابحث عن المستفيد من وراء ذلك'' تتجه المؤشرات إلى تورط الجانب الإسرائيلي، كونه أحد أهم المستفدين من العملية. 

 فإذا نظرنا إلى مكاسب إسرائيل من هذه العملية الإرهابية، نرى أنها تتمثل في الآتي:

  • ستقلص بشكل كبير من العلاقة الوثيقة بين الدولة المصرية وبين حركة حماس، خاصة بعد تحسنها الواضح عقب وصول مرشح جماعة الإخوان المسلمين إلى الحكم. 
  • محاولة إسرائيل تعديل اتفاقية كامب ديفيد بين مصر وإسرائيل، لإقامة منطقة عازلة وتبرير استمرار إنشاء السياج الأمني بين مصر وإسرائيل. 
  •   تمثل إحراجًا شديدًا للرئيس المصري الجديد الذي أقلق إسرائيل من لحظة إعلان فوزه.
  • وعلى الجانب الآخر فإنَّ الحادثة تمثل أيضًا إحراجًا شديدًا ومريرًا لحركة حماس في قطاع غزة ومدى الثقة في قدرتها على بسط سيطرتها الأمنية على القطاع.
  • كذلك فإن الحادثة تمثل إضرارًا فادحًا بالمصالح الفلسطينية في قطاع غزة الذي سيعانى لعدة أسابيع من جراء تشديد الإجراءات الأمنية وغلق معبر رفح، المتنفس الوحيد للقطاع من مصر والذي شهد انفراجة في الأسابيع الأخيرة وخفف كثيرًا من الآلام والمتاعب عن المواطنين الفلسطينيين،ويشير مؤيدو هذه النظرية إلى التحذيرات الإسرائيلية العديدة التي وجهتها إلى رعاياها في سيناء، للخروج بشكل فوري، بالإضافة إلى توجيه رئيس الوزراء الإسرائيلي الشكر لجهاز الشين بيت ( الأمن الداخلي) لجهوده ويقظته في منع أي ضرر على الجانب الإسرائيلي، وتأكيد عدد من الخبراء علم المخابرات الإسرائيلية بالهجوم قبل تنفيذه. 

السيناريو الثاني: تورط حماس

يُعَدّ هذا السيناريو من أضعف الاحتمالات على الساحة، لعدة أسباب تتعلق بطبيعة العلاقة بين حماس والإخوان المسلمين، وتطوراتها خلال الأيام الماضية وعقب فوز الدكتور محمد مرسي بمنصب الرئيس، وهو ما يجعل مخاطرة حماس بالإضرار بهذه العلاقة الوثيقة مع مصر، محل شك كبير. 

ولا أظن أن حماس يمكن أن تتورط في مثل هذه العملية بأي صورة، فهي أعقل وأكثر مسئولية ولا مصلحة لها في ذلك، وهى لم يثبت ارتكابها لمثل هذه الجرائم خلال عهد مبارك الذي ساهم في تشديد الحصار مع إسرائيل عليها، فكيف تفعلها اليوم وقد باتت السياسة المصرية متفهمة لها، وبات خالد مشعل وإسماعيل هنية أكبر قائدين فيها يلتقيان رئيس مصر، وباتت القاهرة تقف على مسافة واحدة بينها وبين "فتح".

السيناريو الثالث: تورط متطرفين إسلاميين

يتلخص هذا الاحتمال في أن الجماعات الجهادية هي المسئولة عن الحادث، استمرارًا لتواجدها ونشاطها في سيناء منذ سقوط نظام الرئيس السابق حسني مبارك. 

فالجماعات المسلحة في سيناء قامت خلال الشهور الماضية بعدة عمليات محدودة ضد نقاط مراقبة وكمائن في سيناء، أسفرت عن خسائر محدودة في صفوف قوات الأمن المصرية، ولكنها أشارت إلى وجود ملحوظ لهذه الجماعات. 

وقد أشار عدد من الخبراء أنه من الممكن أن يكون قد تم اختراق بعض المجموعات الإسلامية المتشددة والمنغلقة والتي يكون قوام أعضائها من الجهلة والبسطاء ومعدومي الأفق السياسي والخبرات الأمنية، عن طريق زرع عملاء يتقمصون طبيعة أفكارهم وسلوكهم إما بقصد احتواء تلك المجموعة والسيطرة عليهم، أو تصفيتهم، أو الاستفادة منهم بتوجيههم نحو أهداف محددة تخدم مصالح وخطط وأهداف الجهة الأمنية التي اخترقتهم، ثم يتم تصفيتهم بعد أدائهم الدور الذي تم دفعهم إليه لدفن الملف كله معهم.

وتقريبًا هذا التفسير هو الأقرب إلى الصواب فيما حدث بالضبط في تلك العملية الحمقاء، فليس شرطًا أن تنفذ عناصر إسرائيلية من الموساد أو غيره العملية بنفسها، بل هي تخطط وتمول وتجهز وتستأجر عناصر فلسطينية أو عربية لتنفيذ المهمة القذرة، فهي لها عملاء فلسطينيون يقتلون الفلسطينيين أنفسهم.

الحقيقة الـمرة: تقصير أمنى رهيب

والحقيقة المرة أيًا كان الفاعل في هذه العملية الإجرامية، هو أن قوات الأمن بكل أشكالها مقصرة بشكل واضح في عملها، ومسئولة مسئولية واضحة عن مقتل الجنود المصريين، فجهاز المخابرات العامة المسئول عن الشق المعلوماتي في سيناء، والمخول له معرفة أي عملية إرهابية قبل تنفيذها وإحباطها، لم يقم بدوره على النحو الأمثل، ليتم التجهيز والتنفيذ دون أن يتمكن من معرفة ذلك أو أن يتدخل لمنعها، ناهيك عن الأخذ بالتحذيرات الإسرائيلية التي خرجت مؤخرًا للتحذير من عدم استقرار الأوضاع في سيناء. 

ومما يزيد من هذه المسئولية تصريح أحد القيادات الأمنية الإسرائيلية بأنهم سلموا جهاز المخابرات المصرية معلومات تفصيلية عن العملية قبل يوم واحد من وقوعها، وأن تلك المعلومات كانت تشمل حتى أسماء الأشخاص الذين سيقومون بها، وهو ما أكده رئيس جهاز المخابرات المصرية اللواء مراد موافي، حيث أكد في تصريح له لوكالة الأناضول التركية أن بلاده كانت لديها معلومات حول الهجوم الدامي، وأنه قام بتسليم كافة المعلومات للجهات المعنية وصناع القرار، مشيرًا أنه ليس جهة تنفيذية.

ردود فعل غاضبة

وقد توالت ردود الأفعال الغاضبة من الرئاسة المصرية والجيش ووزارة الداخلية، وأكد الجميع على الرد بقوة على مرتكبي هذه الجريمة، وهو ما بدأ بالفعل في صباح يوم الأربعاء الماضي حيث ذكر مصدر أمني إن الجهات المختصة بدأت بإغلاق أنفاق التهريب إلى قطاع غزة، كما ذكرت التقارير أيضًا أن قوات الأمن المصرية اقتحمت عدة منازل في مدينة العريش الواقعة شمال شبه جزيرة سيناء واعتقلت عددًا من الأشخاص ممن يُشتبه بوجود صلات لهم بالجماعات الإسلامية الجهادية المتطرفة التي تشير أصابع الاتهام إلى وقوفها وراء هجوم الأحد.

كما قامت طائرات هليكوبتر مقاتلة تابعة للجيش المصري ولأول مرة بإطلاق صواريخ على مسلحين قرب بلدة العريش شمالي شبه جزيرة سيناء فجر الأربعاء.

تحذير من الإفراط في استخدام القوة

وفي نفس السياق وجه عدد من الخبراء نداء إلى القيادة العسكرية بتوخي الحذر من الإفراط في استخدام القوة مع بعض أهالي سيناء، حتى لا نتورط في عملية عقاب جماعي على خلفية انحراف عدد قليل من الشباب، وهذا الأمر يعقد الأزمة أكثر ويزيد من المشكلة ولا يحلها، بل تدفع المزيد من الشباب إلى العنف وهي نفس الخطيئة التي ارتكبها النظام السابق ضد قبائل سيناء وشبابها.

القوى الإسلامية تستنكر

وقد أدانت القوى الإسلامية والثورية هذا الاعتداء الإجرامي ووصفوه بالإرهابي، موجهين أصابع الاتهام إلى الموساد الإسرائيلي الذي يقف وراء تلك الهجمات التي اغتالت جنود أبرياء، وطالبوا الرئيس المنتخب بسرعة الوقوف على أسباب الحادث وسبل المواجهة لتلك الاعتداءات الغاشمة كما طالبوا بسرعة تكوين مجلس وطني أمنى يشارك به أهل سيناء لحل هذه الأزمة.

بيان الدعوة السلفية

أصدرت الدعوة السلفية بيانًا لها منددة فيه بهذه الجريمة، محذرة في الوقت نفسه من التعجل في الحكم بغير أدلة وضرورة البحث عن الجناة الحقيقيين الذين عرضوا أمن البلاد للخطر، كما دعا البيان جميع المصريين عسكريين ومدنيين حكومة ومعارضة للوقوف صفًا واحدًا أمام الخطر الذي يتهددنا جميعًا.

دوافع الاعتداء

وعن تحليله للحادث كشف الشيخ حازم صلاح أبو إسماعيل عن دوافع هذا الاعتداء وحقيقته بأنها لعبة من الكيان الصهيوني، لأن إسرائيل تقصد من خلالها تهيئة الجو لعمل ترتيبات أمنية في سيناء لتسهيل وتأمين عملية استمرار ضح الغاز لإسرائيل، لكي تظهر هذه الحماية لسيناء على أنها ترتيبات أمنية لحماية مصر من الإرهابيين وليس لتأمين ضخ الغاز كي لا تعترض القوى الشعبية المصرية على هذا الأمر وبالتالي فهي تأمن توصيل الغاز لها على حساب أي حراك شعبي .

جماعات سيناوية مخترقة من الموساد

ومن جهته، اتهم ناجح إبراهيم أحد قيادات تنظيم الجماعة الإسلامية إسرائيل بأنها تقف وراء الهجوم، وقال في تصريحات نشرتها صحيفة الشروق أن الهجمات على القوات في سيناء ربما "يكون خلفها جماعات تكفيرية سيناوية مخترقة من الموساد".

وأضاف أن هناك "عقلا مدبرًا إسرائيليًا وراء هذه الأحداث من أجل إضعاف الرئيس مرسي وإحراجه ووضع الجيش في مواجهة مع الإسلاميين".

ووافقه الدكتور طارق الزمر المتحدث الرسمي باسم مجلس شورى الجماعة الإسلامية، واعتبر أن أحداث سيناء من تدبير المخابرات الإسرائيلية، مشيرًا إلى أنه من خلال متابعته لبعض الجماعات التكفيرية ـ وخاصة في العراق ـ وجد أنها مخترقة من المخابرات الأمريكية الإسرائيلية والتي تستخدمها في تحقيق أهداف محددة، مرجحًا أن يكون قد حدث ذلك في مصر، مطالبًا بالتحقيق الكامل في أبعاد هذا الحادث حتى لا يمر مرور الكرام وأن نأخذ بثأر جنودنا الذين قتلوا.

محاولات مستميتة لعرقلة الرئيس

في حين وصف هشام كمال عضو الجبهة السلفية بمصر ما يحدث بأنه محاولات مستميتة من قبل البعض لخلق عراقيل أمام الرئيس محمد مرسى قائلا " مع كل حدث سياسي يسعى الرئيس للوصول بمصر إلى مرحلة الأمان تتجدد الأزمات المفتعلة في وجهه. مبديًا تخوفه من تصرفات الأجهزة الأمنية بسيناء والتي ستعمل على شن هجمات حادة على أهالي سيناء، واستنكر كمال محاولات الإعلام المصري بإلصاق التهمه على قيادات جهادية وإسلامية.

دعوات لـمراجعة معاهدة كامب ديفيد

وفيما تواترت الدعوات في مصر إلى مراجعة الملاحق الأمنية لمعاهدة السلام مع إسرائيل التي تفرض قيودًا على أعداد وعتاد الجيش المصري في سيناء غداة هذا الهجوم وصدرت دعوات عدة في مصر إلى مراجعة الاتفاقيات الأمنية مع إسرائيل، وقال عمرو موسى الأمين العام السابق للجامعة العربية أنه "يقترح" على الرئيس محمد مرسي "أن يستعد بصفة عاجلة لطلب تعديل الملاحق الأمنية لمعاهدة السلام المصرية الإسرائيلية حتى تتمكن الجهات الأمنية والقوات المسلحة من فرض الأمن في سيناء ومراقبة الحدود ووقف التسريبات الإرهابية".

وأخيرًا .. تساؤلات محيرة

بعد استعراض هذه الرؤى والتحليلات والدراسات نجد أنفسنا مضطرين أمام عدة تساؤلات:

  • هل من الصدفة أن تسحب إسرائيل رعاياها من سيناء قبل المجزرة بيومين فقط؟
  • هل من الصدفة أن تكون إسرائيل مستعدة لقصف المدرعة في أقل من دقيقة ونصف من سرقتها من الحدود المصرية؟
  •  هل من الصدفة أن يموت جميع منفذي العملية دون أن يبقى شاهدًا واحدًا على الجريمة؟
  • هل من الطبيعي أن تحدث الجريمة بعد فتح معبر رفح للفسلطينيين وإعطائهم الحرية للتنقل والحركة؟
  • هل من الصدفة أن يكون هناك تصوير جاهز لرصد الهجوم بهذه الدقة المتناهية.
  • وأخيرًا هل يمكن لأفراد عاديين القيام بهذه الجريمة بهذه الكفاءة وهذا التخطيط والرصد والمتابعة، والخروج الآمن من مسرح الجريمة دون وقوع إصابات أثناء التنفيذ؟

لا شك أنها تساؤلات مهمة إلا أنها في النهاية تضع المسئولية في رقبة المؤسسة العسكرية التي شغلت نفسها بالسياسة، وبالشأن الداخلي  وبالصراعات بين القوى الحزبية أكثر مما يجب، ويتوجب عليها الآن أن تنسحب لتعود إلى مهمتها الأساسية وهى حفظ أمن الوطن، فقد استهلكت نفسها منذ تحملت المسئولية بعد ثورة 25 يناير في صراعات وأزمات الداخل، وساهم طول الفترة الانتقالية في إشغالها، وهذا أمر لا يجب أن يستمر أكثر من ذلك، عليها أن تدعم الرئيس المنتخب وتدعم جهاز الشرطة لاستعادة الأمن الداخلي، لتعود فورا لمهمتها الأساسية بكل قدراتها وهى حراسة الوطن من الأخطار الخارجية.

 

 

.