فلسطين التاريخ / الواقع والمأمول

الشيخ عادل نصار ... لماذا قتل ؟!

 

فوجئ الفلسطينيون في قطاع غزة بنبأ اغتيال الداعية السلفي الشيخ عادل نصار في قطاع غزة، وإصابة مرافقه بجراح، وذلك بنيران ثلاثة مسلحين مجهولين في مخيم المغازي أثناء مغادرتهما مسجد النصيرات، وسط قطاع غزة بعد أداء صلاة الجمعة في المحافظة الوسطى بالقطاع.

والشيخ عادل نصار رحمه الله من أبرز مؤسسي جمعية دار الكتاب والسنة ونائب رئيسها ورئيس لجنتها العلمية والمحاضر في معهد دار الحديث في خان يونس. نحتسبه عند الله وحسبنا من العزاء أن الله أحسن خاتمته فقد امتدت إليه يد الغدر وهو عائد إلى بيته بعد أن أدى خطبة الجمعة في المصلين ونصحهم بكف أيديهم عن دماء المسلمين وبيّن لهم حرمة هذه الدماء، وما كان يعلم أن يد الحقد والغدر تنتظره على طريق عودته إلى بيته، فحسبنا الله ونعم الوكيل.

لقد كان للفقيد في قلوبنا المكانة والتقدير لعلمه وحكمته وأخلاقه وجهوده في نشر الدعوة بالحكمة والموعظة الحسنة. نسأل الله أن يتغمده بواسع رحمته وأن يجعل قبره روضة من رياض الجنة وأن يبلغه منازل الصالحين، أن يعوضنا في هذه الخسارة الأليمة بمن يتابع مسيرة الخير والدعوة إلى الله تعالى.

 

وقد أصدرت جمعية دار الكتاب والسنة بياناً بعد حادث الاغتيال هذا نصه:

 

بيان صادر عن جمعية دار الكتاب والسنة محافظات غزة – فلسطين

 

فوجئنا في جمعية دار الكتاب و السنة بنبأ إطلاق النار من قبل مجموعة من المسلحين على فضيلة الشيخ العالم الداعية / عادل نصار نائب رئيس الجمعية، ورئيس اللجنة العلمية، بعد إلقاء خطبة الجمعة بتاريخ 16 /ذي الحجة / 1427 هـ  الموافق  5/1/2007 . مما أدى إلى استشهاده نحسبه كذلك بعد نقله إلى مستشفى شهدا ء الأقصى في مدينة دير البلح بالمحافظة الوسطى  .

وإننا في جمعية دار الكتاب والسنة بفلسطين ، وإثر هذه الجريمة والفاجعة التي أصابت المسلمين في فلسطين نود أن نؤكد جملة من القضايا ، وهي :

  • نحتسب عند الله تعالى الشيخ / عادل نصار شهيداً ولا نزكي على الله أحدا .
  • نحمل كل الجهات ذات العلاقة المسؤولية الكاملة عن كشف الجناة والقتلة.
  • نؤكد على حرمة الدم المسلم ، مع عدم جواز الاقتتال الداخلي بين المسلمين بأي حال من الأحوال .

وإننا وإذ نصدر هذا البيان الموجز لنؤكد أن ما حدث كان بمثابة مصيبة حلت بفلسطين وأهلها ، فقد كان الشيخ علماً من أعلام فلسطين ، وعالماً من علمائها  الربانيين الذين قدموا أوقاتهم وأموالهم في سبيل نشر الدعوة إلى الله .

نعم إننا نعزي أنفسنا وأهلنا، بل فلسطين والأمة بأسرها، و نقول صبراً يا آل نصار فقد مات الشيخ يوم الجمعة بعد خطبته وكان في طاعة يتحدث عن وأد الفتنة وحرمة الدم المسلم فكان هذا آخر كلامه وآخر ما كتب، وإنها لخاتمة حسنة .

نسأل الله العلي العظيم أن يتغمده بواسع رحمته وأن يجعل مستقره في دار جنته.

 

ونعت اللجنة العلمية في جمعية دار الكتاب والسنة رئيسها بقولها:

 

    الحمدُ لله، والصلاةُ والسلامُ على رسول الله وعلى آله وصحبه ومَن والاه، وبعد:

إنَّ الذي مارس الدعوة إلى الله في ظل ما تمرّ به الأمةُ اليوم ليشعرُ بالحاجة الماسة لرجلٍ يدعو إلى الله على بصيرة وعلم، بل ويَشعرُ بصعوبة الحصول على مثل هذا الرجل، فما أكثر ما سنواجه من عقبات، وإخفاقات!؟ كيف لا، والأمةُ اليوم بأمسِّ الحاجة لرجلٍ:

·    عالِمٍ؛ وليس أيّ عالِم !، عالِم يحملُ الكتابَ والسنةَ، وبما كان عليه النبيُّ r وأصحابهُ رضي الله عنهم، وبفهم سائر السلف الصالح، متجرّداً عن العصبيات التي تقتل العلمَ، سواءٌ أكانت عصبيةً لقبيلةٍ أو لمذهبٍ أو لحزبٍ.

·     رجلٍ حكيمٍ حليم، يُحسِنُ التصرّفَ، ثبْتٌ بغير عجلةٍ أو اتِّباعٍ لأهوائه وما يُغضبه، وقد قال النبيُّ  r لِلْأَشَجِّ أَشَجِّ عَبْدِ الْقَيْسِ: ((إِنَّ فِيكَ خَصْلَتَيْنِ يُحِبُّهُمَا اللَّهُ: الْحِلْمُ وَالْأَنَاةُ))(رواه مسلم).

·         داعيةٍ يُحسنُ معاملةَ الناس، وله قَبولٌ عند الجميع، تراه في كلِّ ميدانٍ من ميادين الدعوة، وتجده كلما احتجت إليه.

·        مُنصِفٍ عادلٍ، متجرِّدٍ عن الميلِ والهوى، قال الله تعالى: }وَإِذَا قُلْتُمْ فَاعْدِلُواْ وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَى{(الأنعام152).

·         مُصلحٍ لذاتِ البين، وتراه كذلك في الفتن والنوازل.

فكيف لو فقدت الأمةُ رجلاً يحملُ كلَّ ما ذكرنا من الصفاتِ !؟ فأيُّ خسارةٍ تلك؟.

 

إنَّ الشيخَ عادل نصَّار الذي فقدته الأمةُ وأهلُ قطاع غزة خاصة، بإثر جريمة بشعة، لَنَحسَبُهُ مِمَّن يحملون كلَّ ما ذكرنا من خِصال؛ فكان عالِماً ربانياً، قضى عمُره بين كتاب الله وسنة رسوله r وكتبِ العلم، كان عاملاً داعياً؛ لطالما نظَّمَ أنشطةً دعويةً من خلال جمعية دار الكتاب والسنة، فهو نائبُ رئيس الجمعية، ورئيس اللجنة العلمية، بل كان ركناً في كلِّ أنشطتها، نحسبه كذلك، والله حسيبه، ونسألُهُ تعالى أن يتقبله عنده في الشهداء.

لماذا كانت حقوقُ أهل العلم ؟ لقد أوجبَ اللهُ تعالى علينا تقديرَ واحترامَ أهل العلم لأسبابٍ كثيرة: منها ردُّ الجميل والمعروف؛ فهم الذين علّمونا ديننا، وما يُنجِّينا عند الله تعالى، لكن الذي نُركِّزُ عليه، هو أن الحديثَ عن حقِّ أهل العلم إنما هو حديثٌ عن بقاء أو زوال الأمة !، كيف لا ؟ فالعلماءُ إن حمَلوا الحقَّ، ونشروه، كان الثباتُ للأمةِ والعِزُّ، وإلا فبخلاف هذا يكونُ الجهلُ والباطلُ، الذي يقود الأمةَ إلى الذُّلِّ والهوان، وعليه فالحديثُ عن حقوق أهل العلم إنما هو حديثٌ عن الأمة !.

ولو بحثنا عن الأسباب التي دفعت الكثيرَ من الناس ليستخفُّوا بحقوق أهل العلم لوجدناها كثيرة: منها البعدُ عن دين الله تعالى، وكثرة الانغماس في المعاصي، ومن أبرز هذه الأسباب: التعبئة الجاهلية لجماعةٍ ما أو حزبٍ ما، الأمر الذي يدفعُ المتعصِّبَ ألّا يرى الحقَّ إلا من خلال ما يتعصَّبُ إليه، وما سواه باطلاً. نعم، فلأهل العلمِ حقوقٌ علينا، فكيف بمَن يزدري أهلَ العلم، ومَن ينتقصُ أعراضهم، وكيف بمَن ينالُ من دمائهم !؟ الله أكبر، ألهذا الحدِّ !؟.

 وختاماً ننصحُ الجميعَ في خضم الفتن بالرجوع لأهل العلم، والانتصاح برأيهم. وبالصبر على المصيبة، فما لنا إلا أن نقول: إنا لله وإنا إليه راجعون، فصبرٌ جميلٌ والله المستعان.وأن لا نخوضُ في قيل وقال، أو نشر الإشاعات ومجاراتها.وأن نتعظَ، ونضع الموتَ بين أعيننا؛ فقد دخلت المقبرةَ في آخر مرةٍ لي بصحبة الشيخ عادل رحمه الله، وكانت الكلمةُ له بعد أن حثونا التراب على قبر والدة أحد الإخوة، فمَن كان منا يتوقع أن المرةَ المقبلةَ ستكون لنحثو الترابَ على الشيخ !؟ فهل تسائلنا دورُ مَن منا في المرة القادمة ؟.

فرحم اللهُ الشيخَ عادل، قُتل يوم الجُمعة، وبعد أداء خطبة وصلاة الجُمعة، وشهدنا على جبينه العرق قبل دفنه، نحسبه عند الله شهيداً.

 

      وكتب تلميذه الشيخ حسام الجزار خاطرة بعنوان: " فلسطين تودع عَلَماً من أعلامها " سطر فيها الكلمات المعبرة :

 

"عُدتُ إلى البيت بعد أن وارى الترابُ جثمان الشيخ عادل نصار، فوجدتَ القلمَ يكتبُ، كتبت بكل مشاعري، لأول مرة أشعر بأنني كاتبٌ ولست كذلك.

سأكتب وسأتحدث عن أستاذي الذي تعلمت منه الأخلاق والهدوء، أتحدث عن شيخي الذي درسني في معهد دار الحديث الشريف، نعم إن القلب ليحزن وإن العين لتدمع وإنا على فراقك يا أبا عبد الله لمحزونون.

عادت لي الذكريات إلى الوراء وأنا أتذكر عطاءه وكرمه يوم كان يصنع لأضيافه الطعام بيده، وأنا أتذكر يوم كنت أقف مغضباً ومعترضاً فيقابلني بابتسامته الجميلة وبتوجيهاته الحكيمة.

رحمك الله يا أبا عبد الله لقد كنت غريباً وأنت تدعوا إلى السنة في زمن البدعة، وأنت تحارب الحزبية التي أعمت أصحابها، وأنت تحارب التشدد المقيت الذي جعل أصحابه يتطاولون على أهل العلم.

نعم إننا نودع اليوم علماً من أعلام فلسطين وعالماً من علمائها البارزين وإنا لله وإنا إليه راجعون ".

في الختام نسأل الله العلي العظيم بأسمائه الحسنى وصفاته العلى أن يرحم شيخنا أبا عبد الله عادل نصار وأن يجعل قبره روضة من رياض الجنة وأن يبدله داراً خيراً من داره وأهلاً خيراً من أهله وأن يحشره مع النبي صلى الله عليه و سلم وأن يعوضنا عنه خير.

 

عيسى القدومي

.