القدس والأقصى / خطب مقدسية

وسائل لنصرة المسلمين

وسائل لنصرة المسلمين

 

الشيخ: أحمد بن حسين الفقيهي

 

ملخص الخطبة

 

1- الشعور بالمستضعفين من حقوق الأخوة. 2- ظاهرة تبلد الإحساس. 3- أهمية البدء بإصلاح النفوس. 4- ضرورة بيان زيف الشعارات الغربية. 5- الجهاد بالمال. 6- أهمية الدعاء.

الخطبة الأولى

 

أما بعد: فيا عباد الله، إن مشاركة المسلمين واستشعار ما يحلُ بهم من المصاب العريض في شتى أنحاء المعمورة من حقِّ المسلمِ على أخيه، فمرض المسلم مرضٌ للجميع، وفقره فقر للجميع، وموته موت للجميع، هم كالجسدِ الواحدِ إذا أشتكى منه عضوٌ تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى، جاء عن أيوب السختياني رحمه الله تعالى أنه قال: "إني أخبرُ بموت الرجل من أهل السنة فكأني أفقدُ بعض أعضائي".

إن مما يؤسف له ـ أيها المسلمون ـ أن كثيرًا من الناسِ لا يُلقونَ للمستضعفين بالاً، لم يكلفوا أنفسهم متابعة أخبار إخوانهم، بل ولا السؤال عنهم، اللهم إلا ما يمرُ على أحدهم عرَضًا على سمعه وبصره، وكان الأولى به أن يكون مستشعرًا لحال إخوانه في محنتهم، فلهم حقٌّ في أن نشاركهم مشاعرهم، ولهم حقٌّ في أن نجعل لقضيتهم نصيبًا وافرًا من طرحنا ومجالسنا، وذلك كلُه شيءٌ من حق المسلم على أخيه المسلم.

عباد الله، إن من أهمّ وسائل نصرة المسلمين أن نبدأ بإصلاح أنفسنا وتغيير حالنا ليتحقق لنا أملُنا، إِنَّ اللَّهَ لا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنفُسِهِمْ [الرعد: 11]. إن ما حدث ويحدث من تسلّط الأعداء على ديارنا ومقدساتنا إنما هو بسبب ذنوبنا ومعاصينا، ولا يظلم ربك أحدا، وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ [الشورى: 30].

أيها المسلمون، إن أمةً تعيش مثل هذه الأوضاع يجب أن تكون أبعد الناس عن اللهو واللعب، وأنَّى لأمةٍ أن تواجه أعداءَها وهي بعدُ لم تنتصر على نفسها ولم تتغلب على شهواتها؟! فهل سيتحقق النصر لمن لا يأتون الصلاة وإلا وهم كسالى؟! وهل سيتحقق النصر ومن بيننا من يضمر العداوة للمسلمين ويوالي أعداء الدين؟! هل يتحقق النصر لمن لا يهتمّ بأمر المسلمين وتشغله الملاعب والمسارح والشاشات عن قضايا المسلمين؟!

إن كل واحدٍ منا جزءٌ من هذه الأمة، وبصلاحه أولاً ثم بصلاح من حوله تتسع دائرة الإصلاح لتشمل الأمة كلها، ويتحقق لنا حينها موعودُ الله لنا بالنصر، قال العباس رضي الله عنه: (اللهم إنه لم تنزل عقوبةٌ إلا بذنب، ولم تنكشف إلا بتوبة).

عباد الله، ومن وسائل نصرة المسلمين أن نغتنم هذه الأحداث لنكشفَ من خلالها العديد من المبادئ والمفاهيم التي يروّج لها الإعلام الغربي والإعلام العميل، وما يدندن به البعض من بني قومنا ممن انخدعوا ببريق الديمقراطية والعدالة الغربية. يجب علينا فضح تلك المفاهيم التي تروّج للسلام وترى أنه الطريق الوحيد للأمن والرخاء والتلذذ بالطعام والشراب وأنوار الكهرباء، وأن الشجاع الحر الأبي الذي يدافع عن أرضه وعرضه وقبل ذلك دينه ومقدساته هو الذي يقتل دون المسالم المقرّ للذل والهوان سواء في دينه وأرضه وعرضه. لقد حسب أولئك المخدوعون أن الجبناء أطول آجالاً وأكثر أعمارًا من الشجعان، ولأجل هذا يحرصون على الحياة ويهرعون ويدعون إلى السلم والمسالمة طمعًا في الحياة وإن كانت ذليلةً، وفي العيش وإن كان مرا.

يا مسلمون، حدثوني بربكم: هل من عاقل يقبل أن يتنازل عن أرضهِ ومقدساتهِ لمحتلّ مقابل أن يقدم له عدوه الغذاء والماء والكهرباء؟! وهل من عاقل يرى أرضهُ تغتصبُ ومقدساته تنتهكُ ونفسه تزهق ثم يبقى مسالمًا لا يطلق صاروخًا ولا يفجر دبابة ولا يواجه عدوًا؟!

يا مسلمون، إن المحاصَرين اليوم في غزة يمثلون البقية الباقية في هذه الأمة في ثباتهم على المبدأ ووعيهم بمخططات العدو وتفويتهم الفرص على مشاريع الاستسلام والتصدي لمحاولات التهويد في القدس، وهم البقيةُ الذين يقومون نيابةً عن هذه الأمة الغافلة بمقاومة المحتلّ وتعويق مشاريعه الصهيونية في المنطقة، كذلك نحسبهم والله حسيبهم ولا نزكي على الله أحدًا، لهذه المعاني والاعتبارات حوصِروا، ولهذه المواقف الواعية والمتصلبة حوربوا، ويراد لهم أن يركعوا كما سجد غيرهم، وحاشا لهم ذلك بإذن الله، فلسان حالهم:

أيا تـاريخ ما اعتدنـا السجـودا         لغـيـر الله أو كنّـا عبـيـدا

لئـن دار الزمـانُ وراح شعبـي         مـع الْحرمانِ يقتـاتُ الوعودا

فمـا زادتـه أحـداث الليـالِي  وألـوان الأسـى إلا صمـودا

هو الشعب الـذي رغم الرزايـا و رغم الْموت قد أضحى جنودا

هـم قد أقسمـوا إمّـا انتصـارٌ         و تَحريـر و إمّـا أن نبـيـدا

هم قد عـاهدوا الرحْمـن حقًـا          و ما نقض الأباة لَهـم عهـودا

بأن يمضوا على درب الأضاحـي         و فوق القدس أن يرسوا البنودا

عباد الله، إن الجهاد بالمال من أعظم القربات، ودق قدّمه الله سبحانه على الجهاد بالنفس في العديد من المواضع؛ لأن بذل المال الكثير يكون نفعه متعديًا، ونفع النفس يكون قاصرًا على صاحبه أحيانًا، إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ لَمْ يَرْتَابُوا وَجَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أُوْلَئِكَ هُمْ الصَّادِقُونَ [الحجرات: 15].

أيها المسلمون، إنّ دعمنا لإخواننا في فلسطين في مواصلة صمودهم يصبّ في مصلحتنا ومصلحة ديننا، فلو أنا تركناهم وشأنهم ولم يصمدوا في وجه العدوّ لتفرغ بعد ذلك لمحاربتنا وانتهاك حرمتنا، فعلينا أن نحصر العدو بدعم إخواننا الذين يقومون بمهمة تخدم المسلمين جميعًا، وليكن شكرنا وجزاؤنا لهم هو نصرتهم بالمال كأقل واجبٍ نقوم به بعد أن حالت بيننا وبين الجهاد بالنفس السدود.

يا مسلمون، أيهنأ لنا عيشٌ والمسلمون يتساقطون ضحايا بين فكي كماشة اليهود والنصارى؟! أي قلب لا يعتصره الأسى؟! أي مشاعر لا تتحرك وسط برك الدماء وعلى أشلاء الموتى والجرحى؟!

يا مؤمنون، ماذا بعد أن يستصرخ الناسُ: أنقذونا ولو بتكفين موتانا أو بحفر القبور لشهدائنا؟! وماذا بعد أن تستصرخ الفتيات: لا بأس أن تشاهدوا جنائزنا لكن استروا عوراتنا وأخلفونا في أهلينا بخير؟!

يا عباد الله، ماذا بعد أن تُبلّل دموع الشيوخ العجائز الثرى وهم يستصرخون إخوانهم في مد يد العون لهم قائلين: أين أنتم يا مسلمون؟!

يا معشر الأغنياء، شمروا عن سواعد الإنفاق، فإن النعم لا تدوم، وإن بعد الحياة موتًا، وإن بعد الموت حسابا، وما أموالكم إلا عَوانٍ وأمانات عندكم، استودعكم الله إياها ابتلاءً وامتحانًا لينظر كيف تعملون.

أيها المؤمنون، إن دين الله منصورٌ من قبَل الذي أنزله وشرعه، فهو أغير على دينه وحرماته منا، وإنما ننصر أنفسنا ونقدم لأنفسنا، والله تعالى أرحم بعباده منا، ولكننا ممتحنون في ولائنا للمؤمنين وبراءتنا من الكافرين، وممتحنون في الخوف من البشر أو من رب البشر.

ألا فثقوا بالله ونصره، وقدموا لأنفسكم خيرًا؛ تجدوه عند الله هو خيرًا وأعظم أجرا، واستغفروا الله إن الله كان غفورًا رحيمًا.

بارك الله لي ولكم في القرآن والسنة...

 

الخطبة الثانية

 

عباد الله، إن من أهم وسائل النصرة لإخواننا الدعاء، فهو سلاحُ الخطوب ودواء الكروب، وَقَالَ رَبُّكُمْ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ [غافر: 60]، ولو لم يكن في الدعاء لإخواننا إلا الشعور بالجسد الواحد والمواساة ورقة القلب لكفى، فَلَوْلا إِذْ جَاءَهُمْ بَأْسُنَا تَضَرَّعُوا وَلَكِنْ قَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَزَيَّنَ لَهُمْ الشَّيْطَانُ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ [الأنعام: 43].

إن مما يقدر عليه جميع المسلمين ولا نعذر بتركه نصرةً لإخواننا إن ندعوَ لهم ونكرّر الدعاء بلا كللٍ ولا مللٍ، جاء في صحيح مسلم أن النبي استقبل القبلةَ يوم بدرٍ ثم مدّ يديه فجعل يهتف بربه: ((اللهم أنجز لي ما وعدتني، اللهم أتني ما وعدتني، اللهم إن تهلك هذه العصابة من أهل الإسلام لا تعبدُ في الأرض))، فما زال يهتف بربه مادًا يديه مستقبل القبلة حتى سقط رداؤه عن منكبيه، فأتاه أبو بكر فأخذ رداءه فألقاه على منكبيه، ثم التزمه من ورائه وقال: يا نبي الله، كفاك مناشدتك ربك، فإنه سينجز لك ما وعدك، فأنزل الله عز وجل: إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَاسْتَجَابَ لَكُمْ [الأنفال: 9].

فالله الله ـ أيها المسلمون ـ بالدعاء، اسألوا الله النصر لإخوانكم وأنتم موقنون بالإجابة، ولعل الله أن يجعل من بيننا من لو أقسم على الله لأبره.

اللهم يا ذا الأسماء الحسنى والصفات العلى، فرج هم المهمومين...

 

.