فتاوى فلسطينية / الفقه والأحكام

فتوى علماء الأزهر في وجوب الجهاد لتحرير فلسطين وحماية المسجد الأقصى

السؤال: إثْرَ صُدورِ قرارِ تقسيم فَلَسطينَ سَنَةَ ( 1947م ) أصْدَرَ عُلَماءُ الأزهرِ النداءَ التالي: إِلَى أبناءِ العروبَةِ والإسلامِ مِنْ عُلماءِ الجامِعِ الأزهَرِ(هَذَا بَيَانٌ لِلنَّاسِ وَهُدًى وَمَوْعِظَةٌ لِلْمُتَّقِينَ ) [آل عمران : 138].([1])

بسم الله الرحمن الرحيم

يا مَعْشَرَ المُسلِمينَ: قُضِيَ الأمْرُ وتآلَبَتْ عَوامِلُ البَغْيِ والطُغيانِ عَلى فَلَسطينَ، وفيها المَسجِدُ الأَقْصَى، أُولى القبلتينِ وثالثُ الحَرَمَينِ ([2])، ومُنْتَهى إسراءِ خاتَمِ النَّبِيِّين صَلواتُ اللهِ وسلامُهُ عَلَيهِ.

قُضي الأمْرُ وتبَيَنَ لَكُم أنَّ الباطِلَ ما زَالَ في غَلْوائِهِ، وأنَّ الهَوَى ما فَتِئَ عَلى العُقولِ مُسيطِرًا، وأنَّ الميثَاقَ الذي زَعَموهُ سَبيلاً للعدْلِ والإنصافِ ما هُوَ إلاَّ تنظيمٌ للظُلْمِ والإجحافِ، ولَمْ يَبقَ بَعْدَ اليومِ صَبْرٌ عَلى تِلكُمُ الهَضيمَةِ التِي يُريدونَ أنْ يُرهِقونا بِهَا في بلادِنا، وأنْ يَجْثُموا بِهَا عَلى صُدورنِا، وأنْ يُمَزِقوا بِهَا أوصالَ شُعوبٍ وَحَّدَ اللهُ بيَنَها في الدينِ واللغَةِ والشعورِ.

إنَّ قَرارَ هَيئةِ الأمُمِ المُتَحِدَةِ، قَرارٌ مِنْ هَيئَةٍ لا تَمْلِكُهُ، وهُوَ قَرارٌ باطِلٌ جائِرٌ لَيسَ لَهُ نَصيبٌ مِنَ الحَقِ ولا العدالَةِ، ففَلَسطينُ مِلْكُ العَرَبِ والمُسلِمينَ، بَذَلوا فيها النفوسَ الغاليةَ، والدِماءَ الزكيَّةَ، وسَتَبقى إنْ شَاءَ اللهُ مِلْكُ العَرَبِ والمُسلِمينَ رَغْمَ تَحالُفِ المُبطلينَ، ولَيْسَ لأحَدٍ كائنًا مَنْ كانَ أنْ يُنازِعَهُمْ فيها أو يُمَزقُها.

وإِذا كَانَ البُغاةُ العُتاةُ قَصدوا بالسوءِ مِنْ قَبْلُ هذهِ الأماكنَ المُقَدَّسَةِ فَوَجَدوا مِنْ أبناءِ العروبَةِ والإسلامِ قساورةً([3]) ضراغِمَ([4]) ذادوا عَنِ الحِمى، ورَدوا البَغي عَلى أعْقابِهِ مُقَلَّمَ الأظافِرِ مُحَطَّم الأسِنَّةِ، فإنَّ في السُويْداءِ اليومَ رِجالاً، وفي الشَّرى([5]) آسادًا، وإنَّ التاريخَ لعائِدٌ بِهِم سيرَتَه الأولى، وسَيَعْلَمُ الذينَ ظَلَموا أيَّ مُنْقَلَبٍ يَنقَلِبونَ.

يا أبناءَ العُروبَةِ والإسلامِ: لَقد أَعْذَرتُمْ مِنْ قبَلُ وناضَلْتُم حتَّى تَبَينَ للناسِ وَجْهَ الحَقِ سافرًا ولَكِنَّ دسائِسَ الصهيونِيَّةِ وفِتَنِهِا وأموالَها قد استطاعَتْ أنْ تَجْلِبَ عَلى هذا الحَقِّ المُقَدَّسِ بِخَيْلِها وَرَجْلِها، فَعَمِيَتْ عَنْهُ الْعُيونُ، وصُمَّتْ الآذانُ والتَوَتْ الأعناقُ، فإذا بِكمُ تَقِفونَ في هَيْئَةِ الأُمَّمِ وحدَكم، ومُدَّعو نُصْرَةِ العَدالَةِ يَتَسللونَ عَنكُم لِواذًا ([6])، بَيْنَ مُستهِينٍ بِكُم، ومُمَّالئٍ لأعدائِكُم ومُتَسَتِرٍ بالصَمْتِ مُتَصَنِّعٍ للحيادِ.

فإذا كُنُتُمْ قد استنفدتُم بِذَلِكَ جِهادَ الحُجَّة والبيانِ، فإنَّ وَراءَ هذا الجِهَادِ لإنقاذِ الحقِّ وحِمايَتِهِ، جِهادًا سَبيلُهُ مَشروعَةٌ وكَلِمَتُهُ مَسموعَةٌ، تَدفَعونَ بِهِ عَنْ كَيانكُم ومُستَقْبَلَ أبنائِكُم وأحفادِكُم.

فذودوا عَنِ الحِمى، وادْفَعوا الذئابَ عَنِ العَرينِ، وجَاهِدوا في اللهِ حَقَّ جِهادِهِ (فَلْيُقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يَشْرُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا بِالْآخِرَةِ وَمَنْ يُقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيُقْتَلْ أَوْ يَغْلِبْ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا )[النساء: 74 ] (الَّذِينَ آمَنُوا يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالَّذِينَ كَفَرُوا يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ الطَّاغُوتِ فَقَاتِلُوا أَوْلِيَاءَ الشَّيْطَانِ إِنَّ كَيْدَ الشَّيْطَانِ كَانَ ضَعِيفًا )[النساء : 76].

يا أبناءَ العُروبَةِ والإسلامِ: خُذوا حِذْرَكُم فانْفِروا ثُباتٍ أو انْفِروا جَميعًا، وإيّاكُم أنْ يَكْتُبَ التاريخُ أنَّ العَرَبَ الأُباةَ الأماجِدَ، قَد خرَّوا أمامَ الظُلْمِ ساجدينَ  أو قَبِلوا الذُلَّ صاغرينَ، إنَّ الخَطْبَ جَلَلٌ ، وإنَّ هذا اليومَ الفصلُ وما هُوَ بالهَزْلِ.

فَلَيَبذُلْ كُلُّ عَرَبِيٍّ ، وكُلُّ مُسلمٍ في أقصى الأرضِ وأدناها مِنْ ذاتِ نَفْسِهِ ومالِهِ ما يَرُدُّ عَنِ الحِمى كَيدَ الكائدينَ ، وعُدوانَ المُعتدينَ.

سُدُّوا عَليهِم السُّبُلَ واقْعُدوا لَهُمْ كُلَّ مَرْصَدٍ، وقاطِعوهم في تِجارتَهِم ومُعاملاتِهِم، وأعِدُّوا فيما بَينَكُم كَتائِبَ الجِهَادِ، وقوموا بِفَرْضِ اللهِ عَليكُم واعْلَمُواْ أَنَّ الجِهَادَ الآنَ قد أصبحَ فَرْضَ عَيْنٍ عَلى كُلِّ قادرٍ بِنَفْسِهِ أو مالِهِ وأنَّ مَنْ يَتَخَلَفُ عَنْ هذا الواجِبِ فَقَدْ باءَ بِغَضَبٍ مِنَ اللهِ وإثْمٍ عَظيمٍ: (إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ وَعْدًا عَلَيْهِ حَقًّا فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ وَالْقُرْآنِ وَمَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ مِنَ اللَّهِ فَاسْتَبْشِرُوا بِبَيْعِكُمُ الَّذِي بَايَعْتُمْ بِهِ وَذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ )[التوبة:111].

فإذا كُنْتُم بإيِمانِكم قَدْ بِعْتُمُ اللهَ أنفَسَكُم وأموالَكُم، فها هُو ذا وَقْتُ البذْلِ والتسليمِ، وأوفوا بِعَهْدِ اللهِ يوفِ بِعَهدِكُم.

وليَشهَدِ العالَمُ غَضبتَكُم للكرامَةِ وذَودَكُم عَنِ الحَقِّ، ولْتَكُنْ غَضبتُكُم هذهِ عَلى أعداءِ الحَقِّ وأعدائِكُم، لا عَلى المُحْتَمينَ بِكم مِمَّنْ لَهُم حَقُ المواطِنِ عَليكُم وحَق الاحتماءِ بِكُم، فاحذروا أنْ تَعْتَدوا عَلى أَحَدٍ مِنهم إِنَّ اللهَ لا يُحِبُّ المُعْتدِينَ، ولتتجاوبْ الأصداءُ في كُلِّ مَشْرِقٍ ومَغْرِبٍ بالكلمةِ المُحبَّبَةِ إِلَى المؤمنين: الجِهَادَ، الجِهَادَ، الجِهَادَ، واللهُ مَعَكُمْ.

 

المصدر: موسوعة الفتاوى الفلسطينية ص80-83.



([1]) المرجع: الهيئة العربية العليا فَلَسطين، حكم الإسلام في قضية فَلَسطين: فتاوى شرعية خطيرة لمناسبة معاهدة الصلح بَيْنَ مصر والعدو اليهودي ( بيروت: الهيئة العليا لفَلَسطين ، أيار 1979، ص (14 _ 15) .أخذًا من كتاب ( فتوى علماء المسلمين بتحريم التنازل عن أي جزء من فلسطين ) الصادر عن جمعية الإصلاح الإجتماعي - الكويت ( 1419 هـ / 1998 م )، ص ( 47 _ 50 ) - الموقعون على الفتوى :الشيخ مُحَمَّد مأمون الشناوي ( شيخ الجامع الأزهر )، والشيخ مُحَمَّد حسنين مخلوف ( مفتي الديار المصرية )، والشيخ عبد الرحمن حسن ( وكيل شيخ الجامع الأزهر )، الشيخ عبد المجيد سليم ( مفتي الديار المصرية السابق ) الشيخ مُحَمَّد عبد اللطيف دراز ( مدير الجامع الأزهر والمعاهد الدينية )، والشيخ محمود أبو العيون ( السكرتير العام للجامع الأزهر والمعاهد الدينية )، الشيخ عبد الجليل عيسى ( شيخ كلية اللغة العربية بالجامع الأزهر )، والشيخ الحسيني سلطان (شيخ كلية أصول الدين ) الشيخ / عيسى منون ( شيخ كلية الشريعة )، والشيخ مُحَمَّد الجهني ( شيخ معهد القاهرة )، والشيخ عبد الرحمن تاج ( شيخ القسم العام )، والشيخ محمود الغمراوي ( المفتش بالأزهر )، وأعضاء جماعة كبار العلماء وكثير من غير هَؤلاءِ العلماء والمدرسين في الكليات والمعاهد الأزهريَّة في القاهرة والأقاليم المصريَّة.

([2]) من الأخطاء الشائعة والدارجة على الألسن القول بأن المَسجدَ الأَقْصَى حرم وتسميته بالحرم الشريف ، قالَ شَيْخُ الإِسلامِ ابنُ تَيْمِيَّةَ _ رَحِمَهُ اللهُ _ في اقتضاء الصراط المستقيم (2/817): ( الأَقْصَى اسم للمَسجد كله ، ولا يُسَمَّى هو ولا غيره حرمًا، إنَما الحرم بمَكَّة والمدينة خاصة ) وقال في مجموع الفتاوي (26/117): (وليس في الدنيا حرم لا بيت المقدس ، ولا غيره إلا هذان الحرمان ، ولا يُسَمَّى غيرهما حرمًا كما يسمي الجهال ، فيقولون: حرم المقدس ، وحرم الخليل ، فإن هذين وغيرهما ليسا بِحَرَمٍ باتفاق الْمُسلمينَ ، والحرم الْمُجمع عليه حرم مَكَّة ، وأما المدينة فلها حرم أيضًا عند الجمهور، كما استفاضت بذلك الأحاديث عنِ النَّبِيِّ عليه الصلاة والسلام، والذي عليه جمهور علماء الْمُسلمينَ أنَّ الصَّلاةَ في الْمَسجدِ الْحَرَام أفضل منها في مَسْجِدِ النَّبِيِّ عليه الصلاة والسلام ويليه في الفضل الْمَسجد الأَقْصَى )، وقال عبد الله بن هشام الأنصاري المتوفى سنة 671هـ رَحِمَهُ اللهُ في كِتَابِهِ ( تحصيل الأنس لزائر القدس ) ... وما سمعته من كبار أهل البلد أَنّهم يقولون: ( حرم القدس ) فيحرمون ما أحل الله افتراءً علي الله ، ونعوذ بالله من الخذلان.

([3]) قساورة : أسود .

([4]) ضراغم : ضارية شديدة، والمقصود أشداء شجعان.

([5]) الشرى : موضعٌ كثير الأُسْدِ.

([6]) لِواذًا : جاء في غريب القرآن، (1/456)، لاوذ بكذا يلاوذ وملاوذةً إذا استتر به، أي يستترون فيلتجئون بغيرهم فيمضون واحدًا بعد واحد. وجاء في تفسير القرطبي (12/322)، ( لِواذًا ) التسلل والانسلال، والخروج، واللواذ من الملاوذة ، وهي أن تستتر بشئ مَخافة أن يراك .

.