فلسطين التاريخ / الواقع والمأمول
إعلان يهودية دولة الاحتلال تأكيد للصراع الديني في فلسطين
إعلان يهودية دولة الاحتلال تأكيد للصراع الديني في فلسطين
الدكتور صالح الرقب
إن من أهداف الإرهاب الصهيوني محو الهويّة العربية والإسلاميّة للأراضي الفلسطينية واستبدالها بهويّة يهوديّة من الناحيتين التاريخيّة والدينيّة. أي تجسيد فكرة يهودية الدولة وعزل كل من هو غير يهودي خارج حدود الدولة التي تريد رسمها بعد الانتهاء من مخطط التهويد ، حيث عملت سلطات العدو الصهيوني ومنذ اليوم الأول لاحتلال فلسطين عام 1948م على طمس المعالم العربية والإسلامية القديمة لفلسطين، وإعطائها الطابع اليهودي. وفي هذه الأيام اشتد سعار يهودية الدولة وتعمل سلطات الاحتلال على الانتهاء منه بوتيرة قوية، وتريد من العرب والفلسطينيين الاعتراف به.
وقد سبق أن أقام أعداؤنا اليهود دولتهم المسماة "إسرائيل" على مجموعة من الأساطير والادعاءات الدينية حيث أدركوا أهمية العقيدة وآثارها في حياة الشعوب، فجعلوا الدين ركيزة وقاعدة تنطلق منها السياسة، رفعوا في معركتهم مع المسلمين راية التوراة وشعاراتها، جعلوا اسم دولتهم على اسم أحد الأنبياء: إسرائيل –يعقوب عليه السلام- واختاروا نجمة داود شعاراً لهم رسموه على علم دولتهم، جعلوا غايتهم العودة إلى أرض الميعاد أرض الوعد الإلهي المقدس، رسمت أسفارهم التوراتية حدود دولتهم وجعلوا بناء هيكل سليمان هدفاً يسعون لتحقيقه على أنقاض المسجد الأقصى. وتعد فكرة الحق الديني المفترى في فلسطين من أهم الذرائع التي تقوم عليها الحركة الصهيونية، والتي حشت بها أدمغة يهود العالم، والكثير من أدمغة نصارى أوروبا وأمريكا. وأما فكرة يهودية الدولة فليست من بنات أفكار نتنياهو أو ليبرمان أو غيره من قادة العدو الأحياء فقديماً قال الزعيم اليهودي الصهيوني تيودور هرتزل: "إذا حصلنا يوماً على القدس وكنت لا أزال حياً وقادراً على القيام بأي شيء، فسوف أزيل كلّ شيء ليس مقدساً لدى اليهود فيها، وسوف أحرق الآثار التي مرّت عليها القرون". وفي عام 1940م كتب الزعيم الصهيوني أوستشكين من أجل تأسيس دولة يهودية في فلسطين من المهم بالدرجة الأولى أن تكون جميع أراضي فلسطين يهودية أبداً، وحسب الأساليب المتبعة في العالم هناك ثلاث طرق:أولاً بالقوة بواسطة الاحتلال العسكري، ثانياً: بالقسر أي بمصادرة الأراضي عن طريق الحكومة، ثالثاً: بشراء الأراضي من أصحابها.(من ملفات الإرهاب الصهيوني-مجازر وممارسات،إصدار دار الجليل للنشر،عمان ص 11).
وقال دافيد بن غوريون في مقدمة كتاب:تاريخ الهاغانا 1954م الذي أصدرته المنظمة الصهيونية العالمية: "من الواضح أن انجلترا تعود للإنجليز ومصر للمصريين وفلسطين لليهود، وفي بلادنا هناك فقط مكان لليهود، وسوف نقول للعرب أخرجوا، فإذا لم يخرجوا وإذا قاوموا فسوف نخرجهم بالقوة".
وقال مناحيم بيغن من أبرز أقطاب ومنظري الإرهاب الصهيوني على مدى القرن الماضي، الذي أكد عقلية ونهج الإرهاب في كتابه (الثورة) فكتب على سبيل المثال في 28/10/1956م يقول: "ينبغي عليكم أيها الإسرائيليون أن لا تلينوا أبداً عندما تقتلون أعداءكم، ينبغي أن لا تأخذكم بهم رحمة حتى ندمر ما يسمى بالثقافة العربية التي سنبني على أنقاضها حضارتنا".(انظر كتاب الثورة:مناحيم بيغن، من ملفات الإرهاب الصهيوني).
إن الاعتراف بيهودية دولة الكيان له آثاره ومخاطره الكبيرة أشار إلى بعضها الدكتور عبد الوهاب المسيري فقال رحمه الله:"إن تصنيف الدولة الصهيونية على أنها دولة يهودية يجعل من طردها للفلسطينيين واحتلال أراضيهم مسألة تحرير للوطن القومي ويجعل من الاستمرار في قتل الفلسطينيين وتشريدهم عملية دفاع مشروع عن النفس، ويجعل من مقاومة الاستعمار الاستيطاني الصهيوني عملاً إرهابياً. فالخطأ في التصنيف هنا ليس مسألة أكاديمية بل مسألة تحدد كثيراً من المفاهيم والمواقف. لأن تصنيف الدولة الصهيونية على أنها دولة يهودية تستند إلى العهد القديم هو الذي يسبغ عليها الشرعية ويكفل لها تأييد الرأي العام في الغرب".
أما الفلسطينيون بدل أن يتبنوا إسلامية فلسطين وقضيتها فلقد ابتلوا بكثرة التنظيمات والأحزاب العلمانية واليسارية الشيوعية والتي ساهمت إلى حد بعيد في الإسلام عن المعركة مع اليهود، وكانت ومازالت حرباً على عقيدة الأمة وشبابها المسلم وحركاتها الإسلامية، وحرباً على الجهاد والمجاهدين. وأخيراً أصبح التيار العلماني (حزب السلطة) في خدمة المشروع الصهيوني واستمرأ العمالة والخيانة مع محاولاته الفاشلة إلباسها ثوب الوطنية.
وأخيراً نقول إن أرض فلسطين كانت في البدء للكنعانيين العرب والفلسطينيين، ثم للعرب الفلسطينيين، ثم أصبحت أرضاً إسلامية، وورثها المسلمون عباد الله الصالحون وفق سنّة الله تعالى المقررة في وراثة الأرض قال تعالى:{إنّ الأرض لله يورثها من يشاء من عباده والعاقبة للمتقين} (الأعراف/128)، {ولقد كتبنا في الزبور من بعد الذكر أنّ الأرض يرثها عبادي الصالحون} (الأنبياء/105).
وستبقى أرض عربية إسلامية رغم اغتصاب اليهود لها وإقامة دولتهم -إسرائيل- عليها، وستبقى فلسطين في قلب كل مسلم. لقد جلبت بدماء الصحابة والتابعين وغيرهم من جنود المسلمين وقوادهم وعظمائهم ممن استشهدوا فيها، وكل قطرة دم زكي سالت على هذه الأرض تشهد بإسلاميتها، ولقد اختار رسول الله صلى الله عليه وسلم أرض الشام والأرض المقدسة ملاذاً وموئلاً آمناً للمسلمين إذا تعرضوا للفتن، قال عليه الصلاة والسلام: "بينا أنا نائم إذ رأيت عمود الكتاب احتمل من تحت رأسي، فظننت أنّه مذهوب به، فأتبعته بصري، فعمد به إلى الشام، ألا وإنّ الإيمان حيت تقع الفتن بالشام" (رواه أحمد والطبراني ورجال أحمد رجال الصحيح. مجمع الزوائد ومنبع الفوائد 10/57). وأخبر الصادق المصدوق: أنّ طائفة من أمته لا تزال تقاتل أعداء الله تعالى على أبواب بيت المقدس، وأنها ظاهرة على الحق إلى أن تقوم الساعة، وهذه الفئة المسلمة هي من أبناء فلسطين المخلصين الذين يبقون في رباط في سبيل الله تعالى حتى قيام الساعة.