فلسطين التاريخ / منتقى الأخبار

تقرير: بـأنفاق الموت.. غزة تحيا في رمضان

 

التاريخ: 12/8/1430 الموافق 04-08-2009

 

دمعة فراق كبيرة انسكبت على خد عادل صاحب العشرين ربيعا وهو يتذكر صديقه طارق قشطة (19 عاما) الذي لقي حتفه مؤخرا بعد أن تسربت كميات كبيرة من وقود البنزين داخل أحد أنفاق التهريب الممتدة على طول الشريط الحدودي الفاصل بين الأراضي المصرية والفلسطينية.

غير أن دمعة الحزن هذه لم تمنعه من الغوص في رمال الموت مُجددا، فعادل كغيره من مئات العاملين في الأنفاق يدرك تماما أن الانسحاب من الأنفاق يعني قطع آخر دفقات أكسجين الحياة عن مدينته المكبلة بقيود الحصار منذ أكثر من 3 سنوات.

عادل يقول لـ"إسلام أون لاين.نت" وقد لمعت في عيونه دمعات جديدة تستعد للهطول: "ليس سهلا أن تودع أعز أصدقائك، ثم تذهب للمكان الشاهد على رحيله وتواصل عملك كما لو أن شيئا لم يكن.. لكن ليس بيدنا حيلة.. إن توقفنا نحن عن العمل ماتت غزة".

مات أصحابي.. ولكن!!

ينهار نفق ويتصدع ثان وتشب النبران في ثالث ويختفي عاشر، إلا أن محمد الشاب العشريني يستمر في سحب البضائع.. يشعر بالإرهاق قليلا فيرتاح، وفجأة يأتيه الخبر الصاعق: "مات أصحابك الثلاثة.. لقد انهار بهم النفق".

يرتدي محمد ثوب الوجع، إلا أنه بعد ساعات ينفض الحداد ويشمر عن ساعديه ليدخل نفقا مظلما يَهَبُ مدينته المحاصرة شيئا من نور.. يقول محمد لـ"إسلام أون لاين": "نعم باتت أنفاق غزة مسكنا للموت والمخاطر ولم تعد تلقب بـ(شريان الحياة)، ولكن ما من حل أمامنا سوى البقاء والمغامرة.. رمضان شهر الخير على الأبواب.. ونحن نبذل قصارى جهدنا لتوفير مستلزمات الشهر وحاجياته للأهالي المكتوين بنار الحصار".

وفي الأسابيع والأشهر القليلة الماضية تحولت الأنفاق التي يستخدمها الفلسطينيون لتهريب البضائع من مصر إلى غزة إلى مقابر للعاملين فيها.

ودقت مؤسسات حقوق الإنسان في غزة أجراس الخطر بعد تزايد أعداد ضحايا الأنفاق بشكل مطرد, ولقي نحو 100 فلسطيني على الأقل مصرعهم منذ صيف العام 2007، وخلال العام الجاري قتل 39 فلسطينيا، بحسب إحصائيات طبية وحقوقية.

وتنتشر مئات الأنفاق على الشريط الحدودي كطوق نجاة ورئة تمكن أهالي غزة من التنفس وإهدائهم القليل من البضائع والمواد الغذائية والوقود، وما يمكنهم من نسيان لسعات حصار خانق يكبلهم منذ ثلاثة أعوام.

من دونها سنختنق

أحد العاملين في الأنفاق أكد لـ"إسلام أون لاين" أن الموت يحفهم من كل جانب، ويزداد الخطر يوما بعد يوم، وتابع: "يتسرب الوقود.. يضيع أحدنا ولا نعرف مصيره.. أشياء كثيرة مرعبة تحدث لنا لكننا سنمضي في طريقنا.. فالأنفاق وسيلتنا الوحيدة لتأمين احتياجاتنا في ظل الحصار الخانق، كما أنها مسكنات لآلاف العاطلين".

وإن كانت مؤسسات حقوقية والعديد من الأصوات الفلسطينية قد ارتفعت للمطالبة بإغلاق الأنفاق وتدميرها؛ لأن الأخبار السوداء القادمة من تحت الأرض قد أرعبتهم، إلا أن أهالي غزة ومع اقتراب شهر رمضان يتشبثون بالأنفاق وبما تحمله لهم من مستلزمات، ويعتبر الكثير من التجار محاربتها في هذا الوقت ضربا من الهراء.

وبفارغ الصبر ينتظر التاجر عبد الكريم حمادة وصول ما أوصى به أصحاب الأنفاق من بضائع وحاجيات، ويرى حمادة في الأنفاق -على الرغم من قسوتها وواقعها الحالي- ملاذا للهروب من حر الحصار، وبلهجة عملية يقول لـ"إسلام أون لاين": "الأنفاق باقية ما بقي الحصار.. من دونها سيختنق الجميع.. بالأمس كانت عشرات العائلات تتصل لتحجز متطلباتها لشهر رمضان".

وستصافح غزة رمضان للعام الثالث على التوالي والحصار القاسي يكبل أذرعها ويشوه تفاصيل حياتها، ويتزامن قدوم رمضان مع اختلاط مشاعر ألم الحصار بجراح الحرب الأخيرة، والتي أسفرت عن استشهاد أكثر من 1420 فلسطينيا وجرح أكثر من خمسة آلاف آخرين، كما شردت آلاف العائلات.

الفاتورة.. نار

ومع ثقتها بأن الأنفاق ستتمكن من جلب المفقود، فإن أم محمد حجازي أبدت ارتعابها من حرارة فواتير شهر رمضان القادم، وقالت لـ"إسلام أون لاين":" ستأتي إلينا بضائع.. وسيتمكن التجار وأصحاب الأنفاق من جلب ما نتمنى ونرغب، ولكن ستكون الأسعار نارا، وسنضطر إلى حذف خيارات كثيرة من القائمة الرمضانية".

ويخشى التاجر أبو سعيد من حركة بيع ضعيفة في شهر رمضان ومضى يقول: "هو بالنسبة لنا كتجار (الموسم)؛ ولكن هذا العام وإن توفرت البضائع فمن ذا الذي لديه القدرة على الشراء أمام شبح الحصار".

وتتمنى أم بلال السقا أن تتمكن الأنفاق من إدخال ما يلزم الأسرة الفلسطينية من حاجيات في رمضان، وتابعت: "للأسف الحصار أفسد علينا بهجة هذا الشهر الفضيل في الأعوام السابقة، ويبدو أنه سيتكفل بإفساده هذا العام.. فالأنفاق باتت محاصرة.. عمالها يموتون يوميا وفي الحرب إسرائيل دمرت المئات منها ناهيك عن محاربة مصر لها".

وتفرض إسرائيل على قطاع غزة حصارا خانقا منذ أن سيطرت حركة المقاومة الإسلامية "حماس" عليه في يونيو 2007، وتغلق السلطات المصرية معبر رفح باستثناء فترات متقطعة يتم فتحه فيها لأسباب إنسانية؛ حيث تشترط القاهرة لفتح المعبر بشكل دائم تطبيق اتفاقية المعابر الموقعة بين إسرائيل والسلطة الفلسطينية في نوفمبر 2005، والتي تنص على وجود مراقبين من السلطة والاتحاد الأوروبي عليه.

وتتهم "إسرائيل" التي شنت سلسلة غارات مدمرة على الأنفاق في شتاء هذا العام الفصائل الفلسطينية باستخدام الأنفاق في تهريب الأسلحة والأموال إلى القطاع.

ويؤكد مالكو الأنفاق في غزة أن الإجراءات المصرية صعبت من عمليات التهريب, وتقوم السلطات المصرية بمكافحة الأنفاق باعتبار أنها ضد القانون.

المصدر: موقع إسلام أون لاين نت

 

.