القدس والأقصى / حقائق مقدسية

الاعتداء على الأقصى الأسباب والحلول (الحلقة الأولى)

 

بسم الله الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ون والاه أما بعد:

فمنذ احتلال فلسطين على أيدي اليهود واعتداءاتهم تتوالى على الأقصى المبارك ولا عجب ولا غرابة في ذلك فاليهود وعلى مدى التاريخ  ذو طبع عدائي متميز  ينبع من صلب عقيدتهم  التي تتسم بالغلو والتشدد وكذلك من صلب تكوينهم الشخصي المتمرد قال تعالى " {وَقَالَتِ الْيَهُودُ يَدُ اللّهِ مَغْلُولَةٌ غُلَّتْ أَيْدِيهِمْ وَلُعِنُواْ بِمَا قَالُواْ بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ يُنفِقُ كَيْفَ يَشَاءُ وَلَيَزِيدَنَّ كَثِيراً مِّنْهُم مَّا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ طُغْيَاناً وَكُفْراً وَأَلْقَيْنَا بَيْنَهُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاء إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ كُلَّمَا أَوْقَدُواْ نَاراً لِّلْحَرْبِ أَطْفَأَهَا اللّهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الأَرْضِ فَسَاداً وَاللّهُ لاَ يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ }المائدة64 " وقال تعالى". {لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَدَاوَةً لِّلَّذِينَ آمَنُواْ الْيَهُودَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا....... الآيات" المائدة .و اليهود في فلسطين لن يهدأ لهم بال ولن تطيب لهم نفس إلا بهدم الأقصى  وبناء الهيكل المزعوم حيث  يعتبرون إن كمال دولتهم بهدم هذا المسجد المبارك  وإقامة الهيكل مكانه . وكل متابع للقضية الفلسطينية وكل مسلم يرى ويلمس كثرة عمليات الاعتداء على الأقصى وإنها كلها عمليات مرتبة ومهيأ لها ففي التقرير الذي  أصدرته مؤسسة القدس الدولية أن عدد الاعتداءات من الجانب الإسرائيلي ضد المسجد الأقصى الشريف بلغ 66 اعتداءً خلال العشرين شهرا الماضية، كان أكثر من 50% منها مسئولا عنها جهات حكومية تابعة للاحتلال.

فيما بلغ عدد التصريحات العدائية الرسمية والسياسية ضد المسجد 15 تصريحا، فضلاً عن التكرار الكثير لفحوى هذه التصريحات".  

وكأن القوم يضمرون شيئا في جعبتهم للأضرار بهذا المسجد المبارك وأهله الساكنين حوله.

 فما هي الأسباب التي دفعت اليهود وجرأتهم على هذا التمادي في عدوانهم. والمسلسل مستمر وبين فينة وأخرى نسمع عن تسلل مستوطن أو دخول متطرفين إلى  المسجد أو حصاره من قبل الشرطة اليهودية أو أو او وهلم جرا.

اعتقد إن اليهود يرون  الفرصة قد سنحت لهم وربما لن تتكرر ويجب اغتنامها . والأسباب التي سنذكرها يرجع أصلها إلى أسباب  وسنن شرعية وكونية . وأصل هذه السباب يتجلى في تقصيرنا الذي بينه الله تعالى في كتابه حيث قال "{أَوَلَمَّا أَصَابَتْكُم مُّصِيبَةٌ قَدْ أَصَبْتُم مِّثْلَيْهَا قُلْتُمْ أَنَّى هَـذَا قُلْ هُوَ مِنْ عِندِ أَنْفُسِكُمْ إِنَّ اللّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ }آل.. عمران165 . والحل يكمن في قوله تعالى "{وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُم فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُم مِّن بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْناً يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئاً وَمَن كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ }النور55 فأصل الاستخلاف والتمكين يدور حول هذه الآية الكريمة. وكل سبب من أسباب تسلط العدو علينا يعود إلى الخلل في تطبيق هذه الآية وبعدنا عنها فأن أصل ضياع فلسطين هو بعد المسلمين عن تطبيق شرعهم الحنيف قال تعالى ""وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي ألزبور مِنْ بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الْأَرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصَّالِحُونَ إِنَّ فِي هَذَا لَبَلَاغًا لِقَوْمٍ عَابِدِينَ" الأنبياء 105-106. أما الأسباب التي أظن والله اعلم إنها شجعت اليهود للقيام بذلك العدوان المكرر وخلال فترة وجيزة والتي كانت حاجزا يقوم بينهم وبين جرأتهم تلك ولو آنيا نجملها بجملة من الأسباب وان لم تكون معظمها  وهي كما يلي:

1-   تفرق كلمة الفلسطينيين وظهور بذور الفتنة بينهم وانقسامهم إلى معسكرات متباينة وخاصة الذين يتصدرون المشهد السياسي: فأصبحت جل قوتهم منصبة على تسفيه بعضهم بعضا وتصيد الأخطاء والبحث عن الزلات وهذا مانراه عيانا على شاشات الفضائيات فعباس ومحوره يشنع على حماس ومحورها والعكس صحيح. فهذا التنازع والتفرق مؤكدا سيأخذ  حيزا لا يستهان به من جهد الفريقين وأنصارهما من المجتمع الفلسطيني علما أن لكل منهما شعبية لا يستهان بها داخل ذلك المجتمع فيتحول الصراع من كراهية لليهود ومؤامراتهم إلى كراهية بعضهم بعضا. وبذلك تتحول  بوصلة العداء بالاتجاه الخطأ . ومهما تكن الأسباب فقد صبر الرسول صلى الله عليه وسلم على المنافقين داخل المدينة النبوية وقد فعلوا ما فعلوا كي لا يقول الناس أن محمدا يقتل أصحابه . فأصبحت القضية حول الانتخابات ومن يسيطر على هذا القطاع أو ذاك ومن يأخذ هذه الوزارة أو تلك ومن يأخذ هذه السفارة أو هذه الإدارة وضاعت القضية بين المتخاصمين وصدق الله حيث يقول "ولا تنازعوا فتفشلوا وتذهب ريحكم "(الأنفال:46)" أخي الكريم ورد لفظ ( التنازع ) في القرآن الكريم في سبعة مواضع، وورد لفظ ( الفشل ) في أربعة مواضع، وجاء الربط بين اللفظين في ثلاثة مواضع، قال تعالى: { حتى إذا فشلتم وتنازعتم في الأمر }. فقوله تعالى: { ولا تنازعوا فتفشلوا } إخبار واضح، ونهي جازم، وسنة ثابتة، يدل على أن الفشل والتراجع - على مستوى الأمة أو الأفراد - إنما مرجعه إلى التنازع والاختلاف؛ إذ العلاقة بين الأمرين علاقة تلازمية، كعلاقة السبب بالمسبَّب تمامًا، لا تتخلف إلا إذا تخلفت سُنَن الحياة الكونية،. وكان من نتائج هذا التنازع إن حوصرت القوة العسكرية الضاربة للمجاهدين الفلسطينيين داخل قطاع غزة وبعيدة عن المسرح الأساسي للمنازلة وهو المسجد الأقصى أي إن القوى العسكرية التي كانت تشاغل والعدو وتزعجه أجليت من الضفة الغربية وتم تقليل فعاليتها إلى حد كبير بعد إن كانت تلك الضفة مدخلا مهما لتلك القوات في مصارعة العدو اليهودي وتشكيل هامش من الخطر والإزعاج لا يستهان به لقوات العدو  لربما تجعله يتردد قبل أن ينفذ أي عدوان . إن هذه الحالة التي تمر بها الفصائل الفلسطينية تعتبر فرصة نموذجية يستغلها الاحتلال لتنفيذ أجندته الخاصة بالمسجد الأقصى علاوة على تنمية هذا الخلاف وتصعيده بطرق يعرفها حاخامات اليهود.

2- انشغال الدول العربية بهمومها الاقتصادية ومشاكلها الداخلية:من المعروف إن كثير من الدول العربية تعيش حالة من التردي الاقتصادي وانتشار حالة الفقر بين صفوف شعوبها وذلك بسبب سوء الإدارة الاقتصادية لتلك البلدان أو قلة مواردها وكثرة عدد نفوسها. إن سوء الوضع الاقتصادي لكثير من الدول العربية جعلها تهتم بشأنها الداخلي وتتفرغ له . دون الاهتمام بالشأن العربي العام وتحدياته يضاف إلى ذلك إن الفرد العربي نفسه قد انغمس في هموم الحياة والسعي لسد رمق أسرته الذي أصبح همه الرئيسي فلم يعد يتفرغ الفرد ولا الدولة لشؤون الأمة الإسلامية  وعلى رأسها الأقصى المبارك وبمرور الوقت يحدث برود حيث إن كثرة الاعتداءات على الأقصى تمر وكأن شيء لم يكن أو أن اهتم الفرد بالموضوع يتأسف ويتأثر ويمر الحدث تلو الحدث حتى يكبر الخرق ولا راقع. إما مشاكل الدول الإسلامية فحدث ولا حرج فها هي باكستان التي تعتبر من أقوى الدول السلامية وذات السلاح النووي قد افتعلوا لها مشاكل وحروب أهلية تأكل الأخضر واليابس أما اليمن فهي متورطة بمسألة الحوثيين والحراك الجنوبي والعراق قد انهار وأفغانستان محتلة ولبنان منقسم بين معارضة وموالاة والسودان افتعلوا له مشكلة دارفور والجنوب . فأصبحت الدول الإسلامية بين منشغل بمشاكله السياسية أو الاقتصادية . فهذه ولا شك تمثل عقبة في طريق اهتمام هذه الدول والإفراد ببيت المقدس ولو على سبيل الإدانة الإعلامية أو غيرها على اقل تقدير .علاوة على ذلك أن الوضع المتردي لهذه الدول يجعل من دول الكفر المساندة للعدو اليهودي تملي إرادتها ورؤيتها على تلك الدول المنشغلة بهمومها ومشاكلها وهذا مصداق قول الرسول صلى الله عليه وسلم :" يوشك الأمم أن تداعى عليكم كما تداعى الأكلة إلى قصعتها . فقال قائل : ومن قلة نحن يومئذ ؟ قال : بل أنتم يومئذ كثير ، ولكنكم غثاء كغثاء السيل ، ولينزعن الله من صدور عدوكم المهابة منكم ، وليقذفن الله في قلوبكم الوهن . فقال قائل : يا رسول الله ! وما الوهن ؟ قال : حب الدنيا وكراهية الموت " الراوي: ثوبان مولى رسول الله المحدث: أبو داود - المصدر: سنن أبي داود - الصفحة أو الرقم: 4297

3- ظهور الدول والفرق الباطنية وتمكنها من التدخل في  إدارة المشهد السياسي للدول الإسلامية:من المعروف و على مدى التاريخ الإسلامي وفي معظم المرات التي غزت بها قوى الكفر بلاد المسلمين كانت الدول الباطنية من الروافض والقرامطة وغيرها رأس جسر تعبر من خلالها قوى الكفر لإتمام عملية الغزو على بلادنا . والتاريخ يعيد نفسه فنرى إيران وكيف دعمت احتلال أمريكا للعراق وأفغانستان ولم يقف الأمر إلى هذا الحد ففي الوقت والأمة الإسلامية تمر بأقصى حالات الضعف نرى إيران تتدخل بشؤون الدول الإسلامية وبشكل سافر فتثير من خلال أياديها الممتدة في لبنان والعراق واليمن وباكستان والبحرين والسعودية القلاقل والمشاكل التي تشغل الدول العربية لاتخاذ أدنى موقف تجاه الاعتداء على الأقصى كيف وهي منغمسة في مشاكل داخلية تهدد أمنها القومي فمثلا القطر اليمني نرى انه من أكثر الدول الإسلامية حكومة وشعبا  تعاطفا مع القضية الفلسطينية وبشكل ليس له نظير بل إنهم يقدمون قضية فلسطين في مفردات حياتهم على شأنهم الداخلي فمثلا خلال الحرب على غزة نجد من تبرع ببيته ومنهم من تبرع بسيارته والأخرى بحليها وحتى الطفل تبرع بمصروفه. إن هذا التعاطف مع القضية الفلسطينية لا شك انه يتأثر بالإحداث الداخلية التي تمر بها اليمن من تحرك التمرد الحوثي ضد الدولة أو الحراك الجنوبي وكلاهما مدعوما من دولة إيران . إن تساقط أبناء اليمن ومن كلا الطرفين واحدا تلو الأخر لا شك انه يشغل الحكومة اليمنية والشعب اليمني عن مشاكل الأمة وخاصة الأقصى المبارك وينسحب هذا الأمر على كل بلاد المسلمين. فمن ينخس بظهره بخنجر مسموم لا يستطيع أن يتقدم إلى أمام. ولمن أراد الاستزادة ويريد أن يعرف مدى التأثير السلبي للفرق الباطنية على بلاد المسلمين فليقرأ التاريخ ولينظر ما فعل الفاطميون وتسليمهم لبيت المقدس وما فعل الصفويون وما فعل الدروز والنصير يون وهكذا لذلك كان أول ماتداركة القائد الفذ صلاح الدين الأيوبي هذا الخطر فقضى عليه قبل أن يبدأ تحرير الأقصى رحمه الله .

4-   سقوط الدولة العراقية :لا شك وكل متابع للشأن العربي يرى أن العراق كدولة كانت تمثل حلقة مهمة في التوازن الستراتيجي بين اليهود والمسلمين  .ولو إننا نختلف مع المنهج الذي كانت تحكم به هذه الدولة آلا وهو حزب البعث ولكن كما قال تعالى  {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُونُواْ قَوَّامِينَ لِلّهِ شُهَدَاء بِالْقِسْطِ وَلاَ يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلاَّ تَعْدِلُواْ اعْدِلُواْ هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى وَاتَّقُواْ اللّهَ إِنَّ اللّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ }المائدة8.فالعراق وعلى مدى تاريخه الحديث لم تحصل معركة ضد اليهود إلا وشارك فيها وكان له دورا فعالا متميزا .فمن حرب 48 التي دحر فيها هذا الجيش اليهود وردهم على إعقابهم لولا خيانة من يحكم العراق آنذاك . وتلك مقابر الجيش العراقي في جنين شاهدة على ذلك إلى حرب 73 حيث شارك الجيش العراقي على الجبهتين السورية والمصرية ففي سوريا حمى الجيش العراقي مدينة دمشق من السقوط أما على الجبهة المصرية فكان كلما يتضايق الجيش المصري يقول ادعوا لنا السرب العراقي وهذا مدون في مذكرات الحروب .. إن القوة الاقتصادية العراقية يضاف لها التحصيل العلمي للفرد العراقي حيث يعتبر من أعلى أنواع التحصيل في العالم. كما إن الجيش العراقي جيش مدرب وله خبرة قتالية عالية تفوق أقوى الجيوش العالمية فلا شك انه يمثل خصم قوى لليهود والأمور تعرف بنتائجها  فبعد سقوط العراق وتدميره بانت حالة الضعف العربية تجاه قضاياها ونرى ازدياد وتيرة الاعتداءات اليهودية على الأقصى خاصة وعلى الشعب الفلسطيني عامة كما نرى خروج قرون الفرق الضالة في بلاد المسلمين التي كانت مختبئة تحت الرمال .

5- تفرد أمريكا بالقرار الدولي :إن هنالك سنن كونية تؤخذ بنظر الاعتبار ولم يهملها الشارع الحكيم فقانون المدافعة قد ذكره الله في كتابه الكريم حيث قال {الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِن دِيَارِهِمْ بِغَيْرِ حَقٍّ إِلَّا أَن يَقُولُوا رَبُّنَا اللَّهُ وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُم بِبَعْضٍ لَّهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللَّهِ كَثِيراً وَلَيَنصُرَنَّ اللَّهُ مَن يَنصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ }الحج40 وَلَوْلَا دَفْع اللَّه النَّاس بَعْضهمْ بِبَعْضٍ " أَيْ لَوْلَا أَنَّهُ يَدْفَع بِقَوْمٍ عَنْ قَوْم وَيَكُفّ شُرُور أُنَاس عَنْ غَيْرهمْ بِمَا يَخْلُقهُ وَيُقَدِّرهُ مِنْ الْأَسْبَاب لَفَسَدَتْ الْأَرْض وَلَأَهْلَكَ الْقَوِيّ الضَّعِيف " لَهُدِّمَتْ صَوَامِع " وَهِيَ الْمَعَابِد الصِّغَار لِلرُّهْبَانِ قَالَهُ اِبْن عَبَّاس وَمُجَاهِد وَأَبُو الْعَالِيَة وَعِكْرِمَة وَالضَّحَّاك وَغَيْرهمْ(ابن كثير) قال الإمام الطبري :وَأَوْلَى الْأَقْوَال فِي ذَلِكَ بِالصَّوَابِ أَنْ يُقَال : إِنَّ اللَّه تَعَالَى ذِكْره أَخْبَرَ أَنَّهُ لَوْلَا دِفَاعه النَّاس بَعْضهمْ بِبَعْضٍ , لَهُدِّمَ مَا ذُكِرَ , مِنْ دَفْعه تَعَالَى ذِكْره بَعْضهمْ بِبَعْضٍ , وَكَفّه الْمُشْرِكِينَ بِالْمُسْلِمِينَ عَنْ ذَلِكَ ; وَمِنْهُ كَفّه بِبَعْضِهِمْ التَّظَالُم , كَالسُّلْطَانِ الَّذِي كَفَّ بِهِ رَعِيَّته عَنِ التَّظَالُم بَيْنهمْ ; وَمِنْهُ كَفّه لِمَنْ أَجَازَ شَهَادَته بَيْنهمْ ببعضهم عَنِ الذَّهَاب بِحَقِّ مَنْ لَهُ قِبَله حَقّ , وَنَحْو ذَلِكَ . وَكُلّ ذَلِكَ دَفْع مِنْهُ النَّاس بَعْضهمْ عَنْ بَعْض , لَوْلَا ذَلِكَ لَتَظَالَمُوا , فَهَدَمَ الْقَاهِرُونَ صَوَامِع الْمَقْهُورِينَ وَبِيَعهمْ وَمَا سَمَّى جَلَّ ثَنَاؤُهُ.

إن تفرد أمريكا حامية وداعمة العدو اليهودي في فلسطين كقوة منفردة بالعالم دون أي منافس لا شك انه قد قوى موقف العدو اليهودي وزاد من عنجهيته وتسلطه. وبعد أن أصبحت الأمم المتحدة نتيجة هذا التفرد تابع ذليل لما تمليه الإدارة الأمريكية .إن هذا الوضع الجديد  قد منح لليهود في فلسطين ودولتهم إسرائيل التصرف بحرية دون رقيب ولا حسيب ولا معارض ومحتج فأي معارضة تقابل بالعصا الأمريكية الغليظة وما هذا إلا نتيجة تخلي المسلمين عن صدارة العالم ويملكون كل المقومات التي تعينهم على ذلك وكان نتيجة ذلك أن سلط علينا من لا يرقب فينا إلا ولا ذمة .

6-   الدور السلبي لوسائل الإعلام العربية : كما يعلم إن الإعلام سلاح فعال في المعركة وقد تهزم عدوك وتجعله ينهار معنويا بالإعلام .إن الدور السلبي لبعض الفضائيات العربية المشهورة يتمثل في تبليد الحس لدي المواطن العربي والمسلم وجعله لا يتفاعل مع المستجدات التي تمر بها قضيته الأساسية  ويكون ذلك بنقل الإحداث المتكررة لمعانات شعبنا من قتل وتدمير واعتقال . تمر هذه الإحداث من خلال تلك الفضائيات وكأنها فلم سينمائي مؤسف دون تعليق أو استثارة لهذه المشاهد واستغلالها في تنبيه المواطن العربي لعظم الخطر الداهم لهذه البقعة المباركة وأثرها السلبي لو حدث لها شيء لا قدر الله .أو تحميل كل مواطن عربي المسؤولية المباشرة وكل حسب قدرته لاتخاذ الإجراء المناسب لنصرة قضيته كل هذا لايجري وان حصل لا تعدوا عن كونها تحليلات سياسة لاتسمن ولا تغني من جوع إن لم تكن هدفها زيادة عدم الاهتمام بهذه القضية. إن تكرار هذه المشاهد المؤلمة سبب لكثير  منا عدم الإحساس والـتأثر عند سماع إخبار الاعتداءات على الأقصى المبارك .يضاف إلى ذلك لتزيد الطين بله إن هذه الفضائيات المشهورة بدأت بخطة وهي استضافة قادة الكيان اليهودي والقتلة منهم !! على شاشاتها وكأنما هم ضيوف كرام على موائد تلك الفضائيات ويخاطبون بالسيد والمسؤول وكأنما لم تتلطخ أيادي هؤلاء بدماء شعبنا ولم يكونوا المسؤولين عن المجازر التي يندى لها جبين الإنسانية . إن هذا العمل اللامسؤول من تلك الفضائيات قد خفف العداوة أو قلل من شأن وخطورة القضية ولو بطريق غير محسوس لدى الموطن العربي ولا سيما وكما هو معروف أن غالبية شعوبنا لا تمتلك خلفية ثقافية وتستقي غالبية توجيهاتها من خلال تلك الفضائيات . إن الخلفية القديمة والقوية لليهود في الإعلام وعلى مستوى العالم لا يستبعد أن تكون أياديهم قد امتدت إلى تلك الفضائيات لتوجيهها باتجاه العجلة اليهودية الماكرة.

 هذه جملة من الأسباب التي دعت اليهود وشجعتهم للجرأة على تكرار الاعتداءات التي أخذت منحى خطيرا لم تكن تأخذه من قبل . إن تكرارها وبهذه الصورة الخطيرة يؤشر إلى إن اليهود سائرون وبخطوات حثيثة لإكمال مشروع الهيكل وهذه مجرد خطوات في الطريق . لكننا إن خذلنا البشر فأن رب البشر معنا إن شاء الله تعالى وكما قال جل وعلى " {وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُواْ لِيُثْبِتُوكَ أَوْ يَقْتُلُوكَ أَوْ يُخْرِجُوكَ وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللّهُ وَاللّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ }الأنفال30" وكما قال أيضا جل وعلى " {إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ لِيَصُدُّواْ عَن سَبِيلِ اللّهِ فَسَيُنفِقُونَهَا ثُمَّ تَكُونُ عَلَيْهِمْ حَسْرَةً ثُمَّ يُغْلَبُونَ وَالَّذِينَ كَفَرُواْ إِلَى جَهَنَّمَ يُحْشَرُونَ }الأنفال36" .  أما الحلول المقترحة لهذه المشكلة العظيمة فسأجمعها في حلقة ثانية إن شاء الله خشية الإطالة وبالله التوفيق .

أخوكم " وليد ملحم " مكتب بيت المقدس - فرع اليمن

 

.