فلسطين التاريخ / تاريخ

من طليطلة إلي غزة ... لا عزاء لملوك الطوائف !

 

 

 

من طليطلة إلي غزة ... لا عزاء لملوك الطوائف !

 

 

شريف عبد العزيز

 

 

في أواسط القرن الخامس الهجري كانت دولة الإسلام في الأندلس تعاني من مرحلة هي الأسوأ في تاريخها، حيث تحولت من عهد الدولة الواحدة القوية وهو عهد الخلافة الأموية إلي عهد ملوك الطوائف ‘ وفيه انقسمت دولة الإسلام إلي اثنين وعشرين دويلة ، علي رأس كل واحدة منهن مجموعة من الطامعين والمتغلبين  بأسرة أو بثروة أو بعشيرة، وهم أبعد الناس عن الإحساس أو الاهتمام  بقضايا دولة الإسلام في الأندلس، والتي كانت تعاني وقتها من تسلط القوى الإسبانية النصرانية في شمال الأندلس, ولا عزيمة لهم إلا في تحصيل الملذات والشهوات واكتناز الثروات من أي سبيل ، ولا يهمهم شيء سوي الحفاظ علي كراسيهم ومناصبهم، ولا يبالون بحلال ولا حرام ولا مبادئ ولا أخلاقيات في سبيل تحقيق مصالحهم الخاصة، قد وصفهم علامة الزمان الإمام ابن حزم بعبارات قوية وسديدة عندما قال في شأنهم [والله لو علموا أن في عبادة الصلبان تمشية أمورهم لبادروا إليها، فنحن نراهم يستمدون النصارى، فيمكنونهم من حرم المسلمين وأبنائهم ورجالهم ، يحملونهم أسارى إلي بلادهم، وربما أعطوهم المدن والقلاع طوعاً، فأخلوها من الإسلام وعمروها بالنواقيس، لعن الله جميعهم وسلط عليهم سيفاً من سيوفهم ] ونحن لا نستطيع أن نتهم الإمام الكبير ابن حزم بالتحامل علي ملوك الطوائف ووصفهم زوراً بهذه العبارات القاسية، فهو مفكر عصره وأكبر علماء الوقت وقد شاهد بعينه ما يرويه عن هؤلاء الملوك ، والعجيب أنه قد مات سنة 456 هجرية وملوك الطوائف وقتها في عنفوان قوتهم، ومقتبل أمرهم ، ولكنه كان يري بعين بصيرته ما سيجري بعد ذلك من سقوط مروع لا يأسف له أحد .

فلم تمضي سوى سنوات معدودة حتى حاصر الصليبيون الأسبان مدينة طليطلة العريقة حاضرة الإسلام وقلبه النابض في وسط الأندلس، وضرب الأسبان بقيادة ألفونسو السادس حصاراً خانقاً علي المدينة العريقة والتي أخذ أهلها في الاستغاثة بالمسلمين في أنحاء الأندلس ، والأقوات تنفد من عندهم يوماً من بعد يوم ، وملوك الطوائف لا يحركون ساكناً خوفاً من سطوة نصارى إسبانيا ، حتى المعتمد ابن عباد ملك إشبيلية وقرطبة وهو أقوى ملوك الطوائف وأكثرهم قدرة وجهوزية علي إنقاذ المدينة المحاصرة، لأنه يشترك معها على الحدود ، ومملكته أقرب الممالك من طليطلة ، ويملك جيشاً كبيراً قادراً علي مواجهة العدوان الإسرائيلي أقصد الإسباني، لم يحرك ساكناً، ولم يبعث حتى برسائل تهديد ووعيد للصليبيين، بل هوى لأحط درجات الإنسانية وتجرد من معاني الكرامة والعزة الإسلامية , و تآمر مع النصارى وألفونسو السادس من أجل أن يسمح له النصارى بتوسيع مملكته, وأخذ قطعة من غنيمة طليطلة الكبيرة، ومع اشتداد الحصار علي غزة معذرة أقصد طليطلة ونفاد المؤن والأقوات وحتى الحيوانات الميتة التي كان يأكلها أهل طليطلة، ومع استمرار التجاهل من ملوك الدول العربية معذرة أقصد ملوك الطوائف ، أخيراً سقطت طليطلة وذلك في 1 صفر سنة 476هجرية، فما الذي جري بعد ذلك؟

حسب ملوك الطوائف أن نصارى إسبانيا سيقنعون بغنيمة طليطلة وأن ألفونسو السادس سيكتفي باحتلال مملكة طليطلة فقط، وظن ملوك الطوائف بأنهم إذا قدموا غزة أقصد طليطلة ضحية لإرضاء النهم الإسرائيلي أقصد الإسباني ستنتهي المشكلة ، ولكن الواقع أن سقوط طليطلة كان مجرد البداية لحملة الإستراد الصليبية الإسبانية المعروفة تاريخياً باسم الريكولاكونستا ،وأن ملوك الطوائف سيدفعون ثمن خذلانهم لطليطلة غالياً وأن سنن السقوط ستبدأ في العمل في تلك العروش والكراسي التي من أجلها تخلى معتلوها عن أبسط معاني الإسلام والشهامة والنخوة العربية، ولم تمض سوى سنوات قليلة حتى جاء المرابطون من عدوة المغرب بقيادة البطل الجسور يوسف بن تاشفين وأسقطوا حكم ملوك الطوائف وانتصروا على الصليبيين ، وأعادوا لدولة الإسلام في الأندلس بريقها ومجدها الزائل أيام الحقبة المشئومة لملوك الطوائف.

وأن ما يجري الآن وفي هذه اللحظات تحديداً علي أرض غزة الصابرة المحتسبة من عدوان إسرائيلي غاشم بعد فترة حصار طويلة ومرهقة  تحت أنظار العالم بأسره بهيئاته ومؤسساته الحقوقية والإنسانية والتي تتدعي  الدفاع عن حقوق الإنسان، ووسط إعراض وتجاهل مريب ومرير ومن الدول العربية والإسلامية، واتهام بالعمالة والتخوين بين الأطراف الفلسطينية, وسط ذلك كله توشك غزة على السقوط، والحقيقة التاريخية الثابتة بعيداً عن المرثيات والبكائيات علي الأطلال والماضي المجيد أن السقوط لن يكون من نصيب غزة وحدها بل سيكون حتماً ولابد معه الكثير والكثير من دويلات الطوائف التي وقفت موقف المتفرج الصامت وأحياناً المسرور بما يجري علي أرض غزة .

وأخيراً همسة في أذن مسلمي العالم عموماً وملوك الطوائف خصوصاً، هل وصلت رسالة طليطلة إلى غزة ووعيتم مرادها أم أنه السقوط الحتمي ؟ 

 

.