القدس والأقصى / عين على الاقصى

فلسطين في حياة أمير البيان شكيب أرسلان (1)

 

فلسطين في حياة أمير البيان شكيب أرسلان (1)

(1869 – 1946م)

أبي عبيدة مشهور بن حسن آل سلمان

إعداد / اللجنة العلمية

 

قبسات من أقوال أمير البيان شكيب أرسلان في القضية الفلسطينية (الحلقة الأولى)

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه، وبعد:

نورد في هذه السلسلة المباركة قبسات من أقوال أمير البيان شكيب أرسلان في القضية الفلسطينية وذلك من خلال ما ورد ذكره وبيانه في كتاب "فلسطينكم أيها العرب" من تأليف الشيخ مشهور بن حسن آل سلمان "حفظه الله، حتى نوثق من خلال تلك الكلمات المباركات موقف الأمير شكيب تجاه قضايا العرب والمسلمين.

من كلمات الشيخ مشهور آل سلمان في الأمير شكيب أرسلان:

"إن فكرة جمع جهود الأمير شكيب أرسلان في نصرة قضية فلسطين، ومحاربته اليهود والتهويد والصهيونية؛ فكرة قديمة، لطالما راودتنا، وألحت علينا الوقائع والماجريات التي تحدث الآن -في فلسطين بعامة، وغزة بخاصة - بإخراجها، وازداد الإلحاح علينا لنترجمها إلى عمل واقع بازدياد إجرام اليهود الذي أصبحنا نراه ليل نهار، وفي بث حي ومباشر".

"وعهدنا بالأمير شكيب أرسلان طويل، ومعرفتنا به -من خلال مصنفاته وعملنا عليها- عميقة، مكنتنا أكثر من غيرنا- من الاطلاع على جهوده العظيمة، وجهاده الطويل في سبيل قضية العرب والمسلمين (قضية فلسطين)".

"الأمير شكيب راصد مبكر للخطر الصهيوني وسباق في التحذير من التهويد".

"جهاد شكيب أرسلان؛ جهاد قديم، من المهد إلى اللحد، ولطالما أطلق صيحته الشهيرة «أوصيكم بفلسطين»".

"كانت الهجرات اليهودية تتم بالروية والخفاء، بعيدة عن أعين الإعلام، وبطريقة لا تلفت الانتباه، ولكنها لفتت انتباه الأمير شكيب أرسلان؛ فكان كما قيل، بل أكثر مما قيل: «إن الفتنة إذا أقبلت عرفها العالم، وإذا أدبرت عرفها كل جاهل»".

"يعتبر الأمير شكيب -رحمه الله- من أوائل الذين تنبهوا للخطر الصهيوني قبل حلول نكبة ١٩٤٨ م بأعوام عديدة، قبل وعد بلفور المشؤوم سنة ١٩١٧م".

"حذر الأمير شكيب القوى الداخلية من الوقوع في الخلاف؛ لأنه يضعفهم، ويلحق الضرر بقضية فلسطين، كما يمهد ويسهل الطريق لإنشاء الوطن القومي لليهود؛ فدعاهم إلى وحدة الصف والتراص في مواجهة عدوهم ".

"حذر الأمير شكيب العرب في فلسطين من بيع الأراضي لليهود، أو السماح لهم باستصلاح الأراضي القابلة للزراعة، أو بناء المستوطنات، فان توسعوا اقتصاديا وعمرانيا، واشتروا الأراضي؛ تنازل العرب تدريجيا عن سيادتهم في فلسطين، مما يحقق لعدوهم خطته المحكمة في التهويد، من خلال تحويل فلسطين بأكملها وطنا قوميا ليهود".

"انبرى الأمير شكيب بهمة واقتدار مدافعا عن حقوق المسلمين في فلسطين، وكرس جهده ووقته وجاهه وماله من أجل هذه القضية، ولعب دورا مهما ومؤثرا في النشاط السياسي في أكثر من موقع... دعا الأمير شكيب العرب في أعقاب حادثة البراق (١٩٢٩م) إلى انتهاج أسلوب الكفاح المسلح لتحرير فلسطين وإنقاذها من خطر اليهود، ورفض الصلح مع اليهود ما دام اليهود والبريطانيون مصرين على تنفيذ فكرة الوطن القومي".

"كتب شكيب مقالا في جريدة «الفتح»، في 6 شباط ١٩٣٠ م، أوضح فيه خطورة المشروع الصهيوني، وكرر دعوته للعرب لمقاومة الانتداب، والصهيونية، ووعد بلفور، حتى يتحقق الاستقلال لفلسطين، وتنضم إلى عصبة الأمم ".

"أيد شكيب أرسلان فكرة عقد المؤتمر الإسلامي في القدس عام ١٩٣١ م، وعده وسيلة لمقاومة الانتداب والصهيونية، وخطوة لتوحيد العالم الإسلامي، واقترح على الحاج أمين الحسيني إرسال الدعوات للمشاركة إلى جميع بلدان العالم الإسلامي".

"يرى شكيب أن هناك ترابطا قويا بين الحركة الشيوعية والحركة الصهيونية، لا سيما في عدائهما المشترك للإسلام، ويؤكد أن الوطن الصهيوني المقترح ما هو إلا وكر للشيوعية في المشرق".

"ظهرت ذروة جهاد الأمير ضد الصهيونية في مجلته «الأمة العربية» «la nation arabe»، التي امتلأت أعدادها بمقالات الأمير حول أهم قضايا أمتنا العربية والإسلامية في هذا العصر، وفي كل عصر: قضية فلسطين."

"وقد حظيت تلك المجلة باهتمام بالغ من طرف كل المهتمين بالقضايا العربية، وعلى رأسهم الملك فيصل الأول، الذي ربطته صداقة حميمة مع الأمير، وكان إلى جانبه حين توف في مدينة Berne في خريف العام ١٩٣٣ م".

"تعرض الأمير رحمه الله- بسبب مواقفه من قضية فلسطين لكثير من الاتهامات الباطلة التي لم تقتصر على المستعمرين، بل طالته من أبناء جلدته"

"حاول الخديوي السابق عباس حلمي الضغط على الأمير شكيب أرسلان لإقناع الزعماء الفلسطينيين للتوصل إلى اتفاق مع اليهود، والدعوة إلى نزوح عرب فلسطين إلى شرق الأردن؛ فاستغل الخديوي الأزمة المالية التي كان يعاني منها الأمير شعيب أرسلان عام ١٩٣٠م "

"آمن الأمير أن قضية فلسطين هي القضية الأهم للعرب والمسلمين، إن خسروها ذلوا، وإن هزموا فيها لم تقم لهم قائمة، وسلبت منهم العزة والكرامة، وقد دندن الأمير وعاد وزاد في ذكر هذا المعنى والتذكير فيه مرارا وتكرارا."

"ربط شكيب أرسلان قضية فلسطين ربطا مصيريا بالأمة العربية، وحدد الملامح الرئيسة لهذا الربط، في الحديث الذي دار أمام مجموعة من الناس، الذين تحلقوا حوله على ظهر الباخرة التي أقلته إلى وطنه عام ١٩٤٦م؛ فقال: «إن فلسطين الباسلة في كفاحها ضربت المثل الأعلى للبلاد في البطولة والرجولة، وإن العرب لا ينالون الحرية إلا بإنقاذ فلسطين، وطريقة إنجادها لا تكون إلا بعمل حازم من الدول العربية»."

"إن رؤية شكيب أرسلان للصراع الدائر في الأرض المحتلة لم تكن تختلف عن رؤيته لواقع المسلمين العام؛ فبعض الصراع الفلسطيني ليس سوى انعكاس لنبض الأمة في صراعها من أجل بقائها ووجودها الثقافي والحضاري، والحالة الفلسطينية ليست سوى نموذجا مصغرا للحالة العربية؛ بل لنقل: إنها انعكاس للحالة العربية."

"شكيب أسس لموقف إسلامي، أو شارك مع مجموعة من المؤسسين في صياغة وتأسيس الموقف الإسلامي من الغرب، وهو تأسيس قام على المواجهة الثقافية والسياسية والعسكرية مع الاستعمار، ومع الأفكار والتميزات والتحيزات ضد المسلمين، وأصبح هذا الموقف متوارثا وعميقا ومنتشرا عبر تلاميذ لأفكاره وممثلين لها، وأصبح له رصيد ثقافي هائل في العالم الإسلامي."

"قام أرسلان بدور المثقف المنذر الموجه المربي، والمنغمس طوال وقته بقلمه وقلبه وعقله ويده ولسانه في المنافحة عن العالم الإسلامي، دون نظر للون ولا جنس ولا قومية، فقومه هم المسلمون، والقومية عنده هي بلاد الإسلام، وأهله هم المسلمون من ألمانيا إلى البلقان إلى المغرب وفلسطين وسوريا والملايو وإفريقيا"

"من نعم الله الخفية على الأمة المحمدية: أن الذي رسم الصورة الحقيقية لأعدائها أيام الاستعمار ثم الانتداب أمثال الأمير شكيب؛ فظهرت المعالم بالأدلة والبينات، واتضحت الصورة في حقيقتها بالبيان، ولم يسبق - لا قدر الله- الأعداء لفعل ذلك، مع محاولة جهودهم في التغيير والتبديل"

"لم يكن موضوع فلسطين موضوعا عابرا عند الأمير شكيب أرسلان؛ بل كان أمرا عاش يناضل من أجله، وبذل وقته وجهده وماله في الدفاع عنها، وفضح الإنجليز واليهود بإبراز جرائمهم وفظائعهم، ونقلها إلى الغرب، ولم ينس قضية فلسطين حتى آخر أيام حياته؛ فقد كانت فلسطين وصيته الأخيرة."

"كلام الأمير شكيب عن فلسطين ليس ككلام غيره؛ لعلو كعبه، وسعة معرفته، وعمق صلته بجمع من الرؤساء والزعماء، سواء كانوا من العرب أو الغربيين، وكذا علاقته المتميزة مع الزعماء الفلسطينيين، ولم يكن مجرد كاتب متفرج على الأحداث؛ بل انخرط في العمل السياسي، وعمل لسنوات طويلة ممثلا لفلسطين من خلال عضوية المؤتمر السوري الفلسطيني"

"لقد دفعت المكانة المرموقة التي أضحى الأمير شكيب يتمتع بها على الساحتين العربية الاسلامية والأوروبية، دفعت بإحدى الشخصيات الإنجليزية السامية أن تقترح عليه سنة ١٩٣٠م عقد لقاء بينه وبين الزعيم الصهيوني (حاييم وايزمان)؛ لتبادل الآراء بينهما حول القضية الفلسطينية، لإيجاد حل يرضي الطرفين، لكنه رفض الاقتراح؛ انطلاقا من إيمانه بعدالة قضية الشعب الفلسطيني، وبطلان المزاعم الصهيونية في فلسطين"

"وفي الفترة الممتدة بين ١٩٣١ و١٩٣٣م حضر المؤتمر الإسلامي العام المنعقد بالقدس، وزار بلاد البلقان التي كانت له فيها اتصالات بالرئاسة الدينية الاسلامية هنالك، وحضر مؤتمر الطلاب الشرقيين في روما، ومنها عاد إلى سويسرا لزيارة الملك فيصل الذي كان يعالج في مدينة بيرن، ولما توفي أم صلاة الجنازة على جثمانه."

"شكيب كاتب مخضرم عاصر التحولات السياسية والإقليمية، وهذا جعله أكثر إلماما بخلفيات الأحداث، والأسباب والمسببات، وعاصر رجالات فلسطين في جميع الميادين، وكان ذا علاقة متينة مع أغلبهم، ومتميزة مع أبرزهم، أمثال: الحاج أمين الحسيني، وكان مؤثرا فيه وفي مواقفه، واستطاع شكيب - بتوفيق الله له - أن يوفق بشكل مذهل بين نضاله عن قضية فلسطين ودفاعه عنها"

"كان شكيب ذكيا، لماحا، سريع الخاطر، حاضر الذهن، ذا أخلاق مجيدة، وذاكرة عجيبة تفوق حد الوصف، وله درجة عالية من الأخلاق والالتزام بالمبادئ التي يؤمن بها، وأعطاه ذلك قوة في موقفه؛ فاجتمع له حسن التصور مع حسن القصد، وهذه نعمة عظيمة لله - عز وجل- عليه"

"كان ذا علم غزير في الاجتماع والتربية، فصيح العبارة، ذا مشاعر رقيقة، وعبارات سيالة؛ فهو أمير البيان، وذا دراية بالتاريخ، وخصوصا بلاد الأندلس، وما حل فيها من نكبات، مع دراسة أسبابها، وكيف تقلبت أحوالها، مما مكنه من عقد المقارنات، والوقوف على أسباب النكبات التي حلت بالبلدين!... وكان الأمير - رحمه الله تعالى- منصفا نقده، وبين بوضوح أن أسباب الخيانة: اللامبالاة، مع عدم وجود روح التضحية، وكان ذلك من أسباب ضياع فلسطين، ناهيك عن الاختلاف والفوضى التي عاشها آنذاك العالم الإسلامي، وضيق شكيب على المسوغين لوجود هذا النمط، وشرح العوامل المختلفة التي أدت إلى وجود هذه الحالة، وحللها، وتمكن من التوصيف الدقيق للأمراض الاجتماعية والسياسية والاقتصادية، وما عاشه المسلمون آنذاك من السوء والتعقيد، وانعكس ذلك على الناس جراء السياسة الاستعمارية التجهيلية! مما أدى الزعماء إلى الانحراف عن دورهم الحقيقي إزاء أمتهم! "

"ركز الأمير شكيب على غياب التضامن الإسلامي، وضعف الأخوة الإسلامية، وهو الذي جعل المسلمين يقفون موقف المتفرج أمام قضاياهم المصيرية، وعلى رأسها القضية الفلسطينية، ولم ينس الأمير شكيب التقاعس والتخاذل والإحجام عن تقديم يد العون والمساعدة لإخوانهم المجاهدين، ولا سيما عند الاشتباكات الدموية مع يهود، ولا سيما في غزة العزة آنذاك، وسطر كلاما كأنه يكتب ما تعانيه غزة هذه الأيام من التقتيل والتجويع والتدمير "

"من أهم ما كتب الأمير شكيب في النقد: أن السبب في ضياع فلسطين لا يكمن في قوة اليهود ماليا وعسكريا، ولا في الدعم الكبير الذي قدمته لهم الدول الغربية الكبرى، وإنما هو في ضعف التضامن الإسلامي، وانفصام عرى الأخوة الإسلامية، فلو توفرت الإرادة اللازمة، وهب المسلمون لنجدة الشعب الفلسطيني، بإظهار مناصرته، وجمع التبرعات، وحث الناس على التطوع في صفوف المقاومة، وإغراق أرض فلسطين بالعرب؛ لما تمكن الصهاينة من إنشاء دولتهم القومية. "

"لم ينس الأمير شكيب سلاح المقاطعة الاقتصادية؛ فهو يرى أن الدعم المادي للمجاهدين الفلسطينيين يقتضي منهم عدم شراء البضائع من الأجنبي؛ جريا وراء تخفيضات زهيدة، يوفرونها عند الشراء من اليهودي والإنجليزي آنذاك. "

"اعلن شكيب الحرب الضروس على من زعم عدم جدوى مقاطعة اليهود أو الأعداء لاختلال ميزان القوى بين الفريقين، وكذلك على خطر فئة من الناس تحولوا إلى أدوات لخدمة الأطماع اليهودية، شعروا أو لم يشعروا، وما أكثرهم - للأسف- هذه الأيام! "

"باختصار: فقد ربط الأمير شكيب بين قضية العلم وقضية التحرر الاقتصادي، ومنه التحرر السياسي، ولذلك ثمن قرار المؤتمر السوري الفلسطيني بإنشاء جامعة إسلامية في فلسطين، معتبرا إياها من أهم القرارات، خاصة بعد قيام اليهود بتأسيس الجامعة العبرية بالأرض الفلسطينية، داعيا البلدان الإسلامية للمساهمة في هذا المشروع، ومما قاله في هذا المضمار: «إن العلم والذل للأجنبي لا يتساكنان، وأن المعرفة والاستقلال توأمان؛ فلتكن للمسلمين جامعتهم التي تسير فيها العلوم العصرية إلى جانب العقيدة الاسلامية الصافية، على أن تكون اللغة العربية هي لغة التعليم الأولى في هذه الجامعة باعتبارها لغة الإسلام الدينية»."

"وحديثه هنا هو دعوة إلى الوحدة الثقافية، التي تشمل التعليم بكل مراحله، والبرامج التعليمية، ومناهج التدريس، والإدارة التربوية، وتكوين الإطارات... وغيرها من أساسيات إنجاح العمل التربوي المشترك بين البلدان الإسلامية.

"لعل أصعب المراحل التي تمر بها الأمم هي مراحل التحولات التاريخية الكبرى تنتقل بها من طور إلى طور، في هذه التي تعتبر مفصلية في حياة الشعوب؛ المراحل تكثر الآراء والتحليلات، بل وتكثر قراءة الأحداث وفق وجهات النظر المتصارعة؛ فتجد للحادثة الواحدة تأويلات متناقضة من الصعب التوفيق بينها، من هنا تبرز الحاجة إلى قراءة ما بين السطور، وتفلية الأخبار ظاهرا وباطنا، وتعريتها من الأهواء، وصولا إلى أقرب قول للحقيقة، هذه العملية تحتاج إلى عقلية علمية مستقرئة متجردة واعية، ولا يمكن أن توجد مثل هذه العقلية مع الأحكام المسبقة، والتعامل مع الحقائق على طريقة الكلمات المتقاطعة، التي يسعى فيها المتعامل مع الأحداث إلى اختيار ما يناسبه ليملا فراغا يختاره".

"برأيي أن أمير البيان شكيب أرسلان لم يحظ حتى الآن بالدراسات التي تنصفه كما ينبغي، والتي تظهر موسوعيته العلمية والأدبية والتاريخية، إلى جانب حنكته السياسية وجهاده في سبيل قضايا أمته؛ فهو كان مثالا للمصلح العليم الواعي المدرك لمشاكل أمته وللمؤامرات التي تحاك ضدها، وكان لا يترك فرصة يمكنه من خلالها أن يقدم لأمته عملا أو نصيحة إلا ابتهلها، باذلا من جاهه العلمي والسياسي، ومستغلا موقعه المهم عند الباب العالي لخدمة قضايا أمته بصدق وتجرد، حتى لو كانت تلك الخدمات تعرضه لسخطة حكام الولايات فيما كان يراه خروجا من قبل ولاة المناطق -وبخاصة والي دمشق يومها جمال باشا- عن الانتظام العام، وغالبا ما كان يؤدي تدخله إلى كسر قرار الحاكم جمال باشا بأمر من الباب العالي، الأمر الذي أوغر صدر جمال باشا عليه، لكنه ما كان يبالي، وإنما كان همه خدمة بلده ودينه وأمته، بل وحتى خدمة الدولة التركية بحمايتها من أخطاء ولاتها ".

"شكيب المصلح، ومجالات الإصلاح عنده لا تقل عن شكيب السياسي؛ بل الإصلاح السياسي المعتنى به في «فلسطينكم أيها العرب» هو جزء من نظرية شكيب للإصلاح، ولوجود الترابط بينها أحببت هذا الاستطراد، وذكرته هنا، ليدرك القراء الكرام أننا أمام شخصية فذة، وبحر عذب لا تكدره الدلاء!... ولد الأمير شكيب في الشويفات، مركز العائلة الأرسلانية التي بناها الأمير مسعود الأرسلاني منذ أكثر من ألف سنة، وأبوه حمود بن حسن الذي يرقى نسبه إلى الأمير أرسلان المتوفى سنة ١٧١ هجرية. ولد في بيت الأسرة -حارة الأمراء- يوم الاثنين أول ليلة من رمضان المبارك سنة ١٢٨٦ هـ الموافق للخامس والعشرين من كانون الأول سنة ١٨٦٩م.

"حفظ الأمير شكيب جانبا من القرآن الكريم، ودخل مع أخيه مدرسة الأمريكان في العمروسية؛ ونال قسطا من العلوم واللغة الانجليزية، وفي سنة ١٨٧٩ م حينما بلغ العاشرة من عمره دخل مدرسة الحكمة في بيروت (١٨٧٩ - ١٨٨٦ م)، وتلقى اللغة العربية وتمكن منها على يد عبدالله البستاني؛ فنظم الشعر وبرع فيه، وفيها تعلم الفرنسية والتركية، وظهرت تباشير شاعريته وهو في الرابعة عشرة من عمره، وكان في سني دراسته مبرزا مع أخيه على أقرانهما، ثم التحق بالمدرسة السلطانية في بيروت ١٨٨٦ م، وحضر دروس «مجلة الأحكام العدلية» على محمد عبده، وأتقن اللغات: التركية والفرنسية، وعرف كثيرا من اللغة الألمانية، ومما لا يعرفه الكثيرون أنه كان يتحدث الإنجليزية".

"الأمير شكيب مثال نادر بين دعاة الوحدة العربية والاسلامية، فقد جمع بين النضال في سبيل القومية العربية مع الانتماء للإسلام، من خلال تبنيه فكرة الجامعة الاسلامية، وهو اتجاه نجده عند عدد قليل من المثقفين العرب والمسلمين في عصره".

"حذر الأمير شكيب القوى الداخلية من الوقوع في الخلاف؛ لأنه يضعفهم، ويلحق الضرر بقضية فلسطين، كما يمهد ويسهل الطريق لإنشاء الوطن القومي لليهود؛ فدعاهم إلى وحدة الصف والتراص في مواجهة عدوهم."

"وركز على غياب التضامن الإسلامي، وضعف الأخوة الإسلامية... ولم ينس الأمير شكيب التقاعس والتخاذل والإحجام عن تقديم يد العون والمساعدة لإخوانهم المجاهدين ".

"لم ينس الأمير شكيب سلاح المقاطعة الاقتصادية؛ فهو يرى أن الدعم المادي للمجاهدين الفلسطينيين يقتضي منهم عدم شراء البضائع من الأجنبي".

"إن رؤية شكيب أرسلان للصراع الدائر في الأرض المحتلة لم تكن تختلف عن رؤيته لواقع المسلمين العام؛ فبعض الصراع الفلسطيني ليس سوى انعكاس لنبض الأمة في صراعها من أجل بقائها ووجودها الثقافي والحضاري، والحالة الفلسطينية ليست سوى نموذجا مصغرا للحالة العربية".

"دعا الأمير شكيب العرب في أعقاب حادثة البراق (١٩٢٩م) إلى انتهاج أسلوب الكفاح المسلح لتحرير فلسطين وإنقاذها من خطر اليهود، ورفض الصلح مع اليهود ما دام اليهود والبريطانيون مصرين على تنفيذ فكرة الوطن القومي ".

"وقد أيد شكيب أرسلان فكرة عقد المؤتمر الإسلامي في القدس عام ١٩٣١م، وعده وسيلة لمقاومة الانتداب والصهيونية، وخطوة لتوحيد العالم الإسلامي "

"وباختصار: ربط الأمير شكيب بين قضية العلم وقضية التحرر الاقتصادي، ومنه التحرر السياسي... إن العلم والذل للأجنبي لا يتساكنان، وأن المعرفة والاستقلال توأمان".

"برأيي أن أمير البيان شكيب أرسلان لم يحظ حتى الآن بالدراسات التي تنصفه كما ينبغي، والتي تظهر موسوعيته العلمية والأدبية والتاريخية، إلى جانب حنكته السياسية وجهاده في سبيل قضايا أمته؛ فهو كان مثالا للمصلح العليم الواعي المدرك لمشاكل أمته وللمؤامرات التي تحاك ضدها".

"شكيب كاتب مخضرم عاصر التحولات السياسية والإقليمية، وهذا جعله أكثر إلماما بخلفيات الأحداث، والأسباب والمسببات، وعاصر رجالات فلسطين في جميع الميادين، وكان ذا علاقة متينة مع أغلبهم، ومتميزة مع أبرزهم، أمثال: الحاج أمين الحسيني، وكان مؤثرا فيه وفي مواقفه، واستطاع شكيب - بتوفيق الله له - أن يوفق بشكل مذهل بين نضاله عن قضية فلسطين ودفاعه عنها"

يمكن تحميله PDF من هنا 👇

.

تحميل الملف المرفق