دراسات وتوثيقات / دراسات وبحوث
هدف "إسرائيل" من هذه الحرب على غزة هو وضع قوات دولية على حدودها مع القطاع
حسان القطب
لم تكن هذه المعركة او الحرب المجنونة على قطاع غزة التي تدور اليوم بكل شراسة وهمجية وإجرام من قبل اسرائيل والتي تستهدف سكان القطاع من الفلسطينيين، مجرد ردة فعل على المصالحة الفلسطينية – الفلسطينية، أو بسبب مقتل ثلاثة مستوطنين في الضفة الغربية، او لممارسة الضغط على حركة حماس سعياً لوقف استعداداتها المتواصلة لمواجهة الكيان الإسرائيلي وعدوانه..أو حتى لإطلاق الحوار على مستقبل السلطة الفلسطينية ودورها في المنطقة.. بل هي حرب تم الإعداد لها بدقة سياسياً من حيث الأهداف والتوجهات والغايات، وتحديد ما ترمي إسرائيل إلى الوصول إليه من غايات واهداف من لحظة إشعال الصراع عسكرياً بحدة وجنون لا يوازيه ما جرى في أيٍ من الحروبً السابقة التي استهدفت غزة او لبنان... والتصعيد الإسرائيلي يسعى او يهدف لاستصدار قرار من مجلس الأمن الدولي يقضي بوقف إطلاق النار فوراً وإدخال قوات دولية لحفظ الأمن والفصل بين الجانبين وتامين المعابر الحدودية بذريعة ضمان مصالح الشعب الفلسطيني ووقف نزيف الدم وتأمين امن إسرائيل ....
لقد أدركت إسرائيل ان حركة حماس قد تجذرت في قطاع غزة وأسست لاستقرار سياسي وجهزت قدرات عسكرية لا طاقة للسلطة الفلسطينية حتى بعد تشكيل حكومة الوحدة الفلسطينية من التخلص منها او مواجهتها منفردة.. والوحدة الفلسطينية التي اعلن عنها واعترضت عليها اسرائيل قد بدات بارساء استقررا سياسي وإطلاق الحوار بين القوى الفلسطينية المختلفة قد اشاعت جواً من الارتياح بين أبناء الشعب الفلسطيني وكذلك العربي الذي يرى في القضية الفلسطينية قضيته المركزية وجوهر جهاده.. وركيزة صموده.. فالاهداف الإسرائيلية من هذا العدوان هي:
- تصعيد العدوان واستهداف اكبر عدد من المدنيين الفلسطينيين بالقتل والاصابة والاعاقة..بهدف تعبئة الشعب الفلسطيني ضد العمل المسلح والمواجهة المسلحة مع الكيان وخاصةً في غزة ضد حماس وسائر الفصائل الفلسطينية...
- استنزاف طاقات وقدرات حماس العسكرية المادية منها والبشرية مع زيادة الضغط الشعبي عليها لوقف المواجهة المسلحة والقبول بالهدنة وشروط وقف إطلاق النار مهما كانت قاسية ومجحفة امام آلام الشعب الفلسطيني وعذاباته وتضحياته الرائعة والرهيبة في آنٍ معاً...
- احتلال أجزاء محددة من غزة تشعر إسرائيل انها مهمة بالنسبة لحماس وسائر الفصائل المسلحة وكذلك تعطيها أي إسرائيل إمكانية التقاوض من موقع قوة نتيجة احتلالها اجزاء من الأرض.. ولكن كما هو واضح وجلي فإن إسرائيل لا تنوي أبداً إعادة احتلال قطاع غزة او التوسع في عملياتها البرية أكثر من ذلك بل هي تقوم بالتهويل على المواطنين الفلسطينيين وحركات وفصائل غزة المسلحة وعلى رأسها حركة حماس لكي تقبل بالتهدئة ووقف إطلاق النار وفقاً لشروط إسرائيل..
- وهو الأهم بالنسبة لإسرائيل عدم الانسحاب إلا بعد تسليم هذه المنطقة لقوات دولية تشكل فاصلاً وعازلاً بينها وبين الفصائل الفلسطينية في غزة...في تكرار لسيناريو الحرب اللبنانية التي خاضتها إسرائيل ضد لبنان عام 2006، وانتهت بدخول القوات الدولية لتفصل بين الطرفين...وصدر حينها قرار مجلس الأمن رقم 1701.. الذي لا زال سارياً المفعول إلى اليوم وتستفيد منه إسرائيل، كما حزب الله الذي يتورط عميقاً في الأزمة السورية وسائر أزمات المنطقة بناءً على مضمون هذه الاتفاقية....
- ومن اهم ما هو مطلوب من القوات الدولية هو ضمان الأمن على جانبي الحدود ومراقبة تحركات حماس ومنع بناء وإنشاء الانفاق...وانعاش سكان القطاع اقتصادياً وبناء شبكة علاقات اجتماعية ومساعدة السلطة الفلسطينية..
- إن اتفاقاً من هذا النوع سوف يجعل الحكومة الإسرائيلية تقدم نفسها لمواطنيها على انها خرجت منتصرة استراتيجياً رغم خسارتها اقتصادياً وهبوط سمعة مؤسستها العسكرية في الداخل والخارج..
- إن مستقبل نتنياهو السياسي قد أصبح على المحك وقد يكون مصيره كمصير من سبقه (أولمرت)..
- في حال الاتفاق على وجود قوات دولية في منطقة الحدود للفصل بين القطاع وإسرائيل فإن الأخيرة سوف تستفيد امنياً من وجودها مع خسارتها لمعظم جواسيسها وعيونها التي أطفاتها حماس ومنعتها من تقديم المعلومات المناسبة للكيان وقيادته.. وهذا ما يجب ان تتنبه له الحركة..
- قد تقبل إسرائيل بفك الحصار عن غزة بحرياً وبرياً بوجود قوات دولية مشرفة على المعابر والمداخل الحدودية..
بالنسبة لحركة حماس وسائر الفصائل...طبعاً مع احترامنا الكامل لسائر الفصائل ودورها وتضحياتها إلا ان حركة حماس هي الأهم والأقوى والأفعل في ميدان المواجهة وهذه المعركة لا بد من ان تترك اثرها وتداعياتها ونتائجها على مستقبل الحركة السياسي والعسكري في المنطقة وبالتحديد في قطاع غزة:
- إن الضغط العسكري الإسرائيلي المتواصل والاستنزاف الهائل لقدرات الحركة وإمكانياتها البشرية والعسكرية مع الحصار شبه الكامل المفروض على قطاع غزة والذي يستهدف حركة حماس أساساً سوف يضغط على قيادة الحركة للقبول بوقف إطلاق النار او التهدئة..وهذا ما قد يتطلب منها تبريراً لجمهورها وتفسيراً لمواطنيها..
- مع وقف إطلاق النار بإمكان الحركة ان تقدم نفسها على انها منتصرة لمجرد صمودها وثباتها في وجه الآلة العسكرية الإسرائيلية الجامحة وعدم استسلامها لها.. بل على العكس فقد استطاعت مواصلة القتال وتسجيل النقاط في ساحة إسرائيل وفي صفوف جنودها وتعطيل اقتصادها واستهداف معظم مدن إسرائيل أو فلسطين المحتلة..وكذلك في حال تم فتح المعابر وفك الحصار ولو برعاية دولية ووجود قوات دولية...؟؟
- زيادة الضغط الشعبي على حركة حماس إنسانياً ومادياً بسبب الخسائر الهائلة التي أصابت القطاع وسكانه واقتصاده وبنيته التحتية والذي يجعل من حماس مسؤول مباشر عن بلسمة الجراح ولملمة الصفوف واستيعاب النتائج..
- إن على حماس إعادة وضع استراتيجية سياسية وعسكرية جديدة تتوافق مع المعطيات الجديدة وشروط التهدئة او وقف إطلاق النار المرتقب.. وان تتجنب المواجهة مع المجتمع الدولي او الدول العربية وخاصةً مصر..التي يجاهر نظامها الجديد بالعداء لحماس وسائر الفصائل الإسلامية المقاتلة..
- إن من الصعب بل من المستحيل على إسرائيل والمجتمع الدولي وحتى بعض العربي ان يقبل وجود ترسانة عسكرية متطورة ومنظومة صواريخ بعيدة المدى لدى حماس إلى جانب الطائرات دون طيار وهذا ما قد يشكل عامل ضغط على الحركة ونقطة تفاهم بين تلك القوى المعادية..
إن السلطة الفلسطينية والتي دخلت في تفاهم ومصالحة مع حركة حماس وقامت بتشكيل حكومة وحدة وطنية برئاسة (الحمدالله) في حال وجود قوات دولية لتفصل بين حماس وإسرائيل سوف تجد نفسها قادرة على لعب دورٍ أكثر فعالية في السيطرة على مفاصل السلطة في قطاع غزة واستيعاب التأييد الشعبي لها.. من خلال تقديم المساعدات العينية وإعادة بناء البنية التحتية بدعم دولي وعربي لا يزال غائباً إلى اليوم بانتظار ساعة الاتفاق والتفاهم ليتم تقديمه من خلال السلطة وأجهزتها.... وهذا قد يجعل السلطة في مواجهة مع بعض الفصائل التي تريد الالتزام الحرفي بالاتفاق على حساب مفهوم الكفاح المسلح مع الكيان الغاصب...
إن السلطة المصرية والتي تجاهر بعدائها لحماس ووجودها وقوتها في قطاع غزة والتي تتهمها بدعم حركة الإخوان في مصر التي ترفض السلطة الانقلابية.. هذه السلطة المصرية تمسك بالمعابر التي تربط قطاع غزة بالعالم الخارجي وقد تستغله هذه السلطة لممارسة الضغط أكثر فأكثر على قيادات حماس وتحد او تشل من قدرتها على مغادرة القطاع والعودة إليه واستلام المساعدات من الجهات المانحة، وكذلك على جمهورها ومناصريها، مستفيدةً من الوجود الدولي في غزة ومن حاجة ورغبة حماس لتجنب المواجهة السياسية والأمنية مع النظام المصري الجديد وبوجود قوات دولية وسلطة فلسطينية متفاهمة ومتناغمة مع النظام المصري ودوره المحوري مما يساهم في إرهاق وانهاك حركة حماس..
لذلك يجب الانتباه والحذر من جر القطاع وسكانه وفصائله إلى صراعات جانبية سواء مع السلطة الفلسطينية أو مع القوات الدولية التي سوف تحاول تقديم نفسها في قالب إنساني وخدماتي بهدف ترغيب السكان بالتخلي عن الكفاح المسلح وبالتالي عن حماس والقبول بالحدود الدولية المرسومة....ولا يمكن تجاهل او انكار اهمية الدعم المالي الذي سوف يتم تقديمه مستقبلاً لسكان القطاع لإعادة بناء ما تهدم وتأثيره على السكان مع هذا الكم الهائل من الشهداء والمصابين والدمار الرهيب والمخيف الذي أصيب به القطاع نتيجة هذه الحرب البربرية.. لتحقيق أهداف اسرائيل السياسية برعاية دولية...؟؟ وبغض طرف من قوى إقليمية..؟؟
المصدر: المركز اللبناني للأبحاث والدراسات
.