فلسطين التاريخ / الواقع والمأمول

أسرى فلسطين... بانتظاركم.

أسرى فلسطين... بانتظاركم

 

بقلم الأستاذ: عمر غانم

 

بعد تشكيل - ما يسمى - بحكومة الوحدة الوطنية، ومعها ما يسمى بوزارة شؤون الأسرى، أصبح من الضروري بمكان وفي محاولة لإكمال نسيج وحدة المجتمع الفلسطيني وتماسكه، التفكير بالأسرى الفلسطينيين الذين كانوا مغيبين – غالباً - من الحكومات السابقة وفصائل المقاومة أيضاً وبشكل ملاحظ!!

صحيح أن حماس ومعها الجندي الأسير شاليط غيرت مسار سرب التغريد، ولكن بالمقارنة إلى عدد الأسرى الفلسطينيين ومع استمرار الاعتقال اليومي،  فإن أعداد الأسرى بازدياد وبشكل متسع بحيث أصبحنا نحتاج إلى الكثير من أمثال "شاليط" حتى نتمكن من فداء أسرانا, بينما لم يكن النبي صلى الله عليه وآله وسلم يهدأ له بال أو يقر له قرار ولديه أسير أو أسيرين... فكيف ونحن نرى الأعداد تتضخم إلى الآلاف والآلاف ونحن ننظر وننتظر!! تكتظ بهم سجون الكيان اليهودي  شباباً ولا يطلقوا إلا كهولاً أو أمواتاً.

المقاومة من جهتها تدرك أنه لا وزارة شؤون الأسرى ولا عدة وزارت تستطيع أن تطلق سراح أسير واحد، ومن يدري فقد يصبح وزير الأسرى أسيراً مثل باقي وزرائه!! ولا أظن كذلك أن النداءات المتكررة عبر القنوات الدبلوماسية من هنا وهناك سواء حقوق الإنسان أو الأمم المتحدة  ستجدي نفعاً ... الحل الوحيد مع العدو اليهودي تعرفه المقاومة جيداً بل وكل طفل من شعبنا بل كل من يعرف  طبيعة العدو الصهيوني.

لا أقول هذا الكلام تخذيلاً أو استهزاءً، بل أقوله لأن هذا التأخر من جانب الفصائل والتيارات ككل في إطلاق الأسرى لا أجد له سبباً إلا ما عناه الإمام القرطبي رحمه الله وقد عبر عنه من إهمال المسلمين في عصره من تخليص الأسرى من أيدي الكفار بسبب الصراع القائم بين أهل القبلة أنفسهم وكان حالهم كحالنا اليوم مع الفارق طبعاً. فكان مما قال رحمه الله: ( تظاهر بعضنا على بعض ! ليت بالمسلمين ! بل بالكافرين ! حتى تركنا إخواننا أذلاء صاغرين يجري عليهم حكم المشركين) تفسير القرطبي (ج3-2) .

والآن وبعد أن بدأت الأمور تعود لمجراها الطبيعي من الترابط، إلا أنه لن يصبح حقيقة على أرض الواقع ولن يكتمل المشهد، ولن يكون واقعاً في سلوكيات الأمة، ما لم يتوج بإطلاق الأسرى...

هذه الوصفة السحرية في علاج المجتمع الفلسطيني المحاصر مالياً ومكانياً لترسخ قوة الترابط واللحمة بين أبناء الشعب الواحد.

وقد جاء وصفها من سيد البشرية محمد صلى الله عليه وآله وسلم بما رواه الحجاج بن أرطاة عن الحكم عن جده أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كتب كتاباً بين المهاجرين والأنصار أن يعقلوا معاقلهم ويفدوا عانيهم بالمعروف والإصلاح بين المسلمين. الجصاص  (1/57) . وفك الأسرى هو ما عناه الرسول صلى الله عليه وآله وسلم، وكأن الإصلاح بين المسلمين وفك الأسارى ليس خطاباً للمهاجرين والأنصار الذين ضربوا أروع الأمثلة في الأخوة والألفة حتى يصعب أن تجد لها مثيلاً على مر العصور، ولكن من وراء ذلك العصر النبوي الشريف كمثل الحالة التي  توجد في فلسطين وغزة والضفة تحديداً ... ليكون كلام الرسول صلى الله عليه وآله وسلم مثالاً للإعجاز النبوي وحلاً تعجز كل الفلاسفة في فلسفته وفي كلمات بلاغية موجزة أغنت عن آلاف الكتب المؤلفة في علم الاجتماع والسلوك!!

ولم يقف الرسول صلى الله عليه وآله وسلم عند الإصلاح الذي لا تقف عجلته، والعمل على فك الأسرى، بل أطلق نصيحته للقادة والشعب بإطعام الجائع وعيادة المريض ويدخل في ذلك بلا شك الجريح والمصاب في وصية مكملة للمشهد الفلسطيني ... فقد ثبت من طريق أبي موسى الأشعري رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "أطعموا الجائع وعودوا المريض وفكوا العاني" قال سفيان والعاني "الأسير" رواه البخاري وأبو داوود.

فكم من جائع في ظل ذلك الحصار!! وكم من مصاب جريح ومريض من آثار العدوان المستمر!! إن من يقرأ هذين الحديثين المكملين لبعضهما البعض ليدرك من كان يخاطب الرسول صلى الله عليه وآله وسلم ويدرك الحل الناجع بعيداً عن الترهات والكلام الذي لا يجدي عملاً من هنا وهناك. ويدرك أن حصار الكفار  يعني بالضرورة التسبب في الخلاف والمرض ووقوع الجرحى والفقر والأسر مجتمعة كلها بعضها مع بعض، مع أنها تبدو في الظاهر لا علاقة ولا ترابط عضوي بينها لمحدودي النظر، ولكن الشرع المطهر جاء للعالمين وجاء لكل الأزمان والعصور, وحتى نرى كيف يجسد الرسول صلى الله عليه وآله وسلم  الحلول.

وإنّ في السيرة العملية لعبراً تؤثر عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم في فك الأسارى وفدائهم، ومن ذلك القيام بالفداء عن طريق تبادل الأسرى فعن عمران بن حصين رضي الله عنه أنّ النبي صلى الله عليه وآله وسلم فدى رجلاً برجلين، 1217 – إرواء الغليل .

وكان من ديدنه عليه الصلاة والسلام نصرة الأسرى بسهام الدعاء التي لا تخطئ أبداً, كما ورد عن أبي هريرة رضي الله عنه أنّ النبي صلى الله عليه وآله وسلم كان إذا رفع رأسه من الركعة الأخيرة من صلاة الصبح قال: اللهم أنج الوليد بن الوليد وسلمة بن هشام وعياش بن أبي ربيعة والمستضعفين بمكة، اللهم اشدد وطأتك على مضر واجعلها عليهم سنين كسني يوسف" أخرجه البخاري ومسلم.

أنها الحكمة النبوية والحل الناجع والإعجاز النبوي التشريعي إن هو إلا وحي يوحى.

 

.