فلسطين التاريخ / تهويد وتزوير وإجرام

هل باع الفلسطينيون أراضيهم لليهود كما يزعمون؟!

 

هل باع الفلسطينيون أراضيهم لليهود كما يزعمون؟!

من الأسئلة التي تتكرر في العديد من الأقطار العربية والإسلامية، القول: هل باع الفلسطينيون فعلا أرضهم لليهود؟ البعض يسأل على استحياء، والبعض يقول تلك العبارة وكأنها من الثوابت والمسلمات التي لا مجال للنقاش حولها.

ولا شك أن القول ببيع الفلسطينيين أراضيهم لليهود، يعد من أشهر وأنجح الأكاذيب التي راجت بدعاية إعلامية يهودية موجهة، فأشاعوا أنهم لم يأخذوا أرض فلسطين إلا بيعا من الفلسطينيين، وشراء من اليهود، وهذا القول الذي سرى كالنار في الهشيم انطلى على الكثيرين حكاما ومحكومين ووجهاء وعقلاء وأصحاب منابر وأقلام في مشارق الأرض ومغاربها.

حينما تذكر الحقائق يستغرب البعض، بل يقول: هل تلك الإحصاءات والأرقام مثبتة فعلا؟، ووصل الأمر بباحثة بريطانية اسمها روز ماري وقد عاشت وعملت بين أوساط الشعب الفلسطيني ومخيمات اللاجئين في لبنان قرابة ثلاثين عاما، وسجلت من الوقائع والأحداث والشهادات، وصف انتشار تلك المقولة بالقول: «لقد آذى التشهير بالفلسطينيين أكثر مما آذاهم الفقر، وأكثر الاتهامات إيلاما، كان الاتهام بأنهم باعوا أرضهم، أو أنهم هربوا بجبن، وقد أدى الافتقار إلى تأريخ عربي صحيح لعملية الاقتلاع - التي لم ترو إلا مجزأة حتى الآن - بالجمهور العربي إلى البقاء على جهله بما حدث فعلا» ووثقت ذلك القول بكتابها «الفلاحون الفلسطينيون من الاقتلاع إلى الثورة».

وتضيف روز ماري عن تلك الأكذوبة ومصدرها: «إن أكثر الاتهامات إيلاما للفلسطينيين: أنهم باعوا أرضهم لليهود.. وتلك الحماقة كررها على مسامعي صحاف معروف في صحيفة واسعة الانتشار عام ١٩٦٨ م».

ومن الحقائق التي يجب أن تعرف: أن الاحتلال البريطاني لفلسطين استمر حتى عام ١٩٤٨ أي نحو ثلث قرن لم يتمكن خلالها وبرغم كل المحاولات من انتزاع أكثر من 5.6% إلى 6.6% على أكثر تقدير من مساحة فلسطين، الذي مارس كل السياسات التي فرضت على شعب أعزل من خلال قلب قوانين الأراضي العثمانية، وعبر سياسة إفقار شعب فلسطين واعتصاره وتحويل أرضه من ينبوع للخير إلى جحيم ، ومع ذلك فإن كل ما استطاع اليهود وبريطانيا انتهابه لم يزد بحال عن 6.6% من إجمالي مساحة فلسطين حتى عام ١٩٤٨، وهو ما يعكس مدى تمسك أهل فلسطين بأرضهم ومقدساتهم، ولا شك أن ما يقدمه الشعب الفلسطيني اليوم من تضحيات وبطولات بعد مضي أكثر من نصف قرن على احتلال أرضه، وإصراره على مقاومة المحتل، بالرغم من ضخامة المؤامرة ضده، واقع يكشف زيف أكذوبة بيع الأرض التي استثمرتها أبواق الدعاية اليهودية الصهيونية، وخير دليل على تمسكه بأرضه المقدسة المباركة وعدم تفريطه فيها؟!

والحقيقة أن دور كبار الملاك مبالغ فيه فلا يتعدى ما تم شراؤه منهم 2.5% فقط على أكبر تقدير، ولا يتعدى ما تم بيعه من كبار الملاك الفلسطينيين 0.96% - أي أقل من 1% - مما بيع من الأراضي الفلسطينية عن الطريق المباشر أو السماسرة أو الاضطرار لدفع الضرائب أو الخيانة والعمالة مع المحتل. والشعب الفلسطيني فتك بأولئك القلة الذين باعوا أراضيهم أو كانوا سماسرة للبيع وجرمهم على فعلتهم النكراء، بل صدرت الفتاوى من الهيئات واللجان العلمية ي فلسطين وخارجها بتجريم وتحريم بيع الأراضي لليهود أو السمسرة على بيعها.

ونقول: فإن كان هؤلاء قد باعوا الأرض فلماذا يقاومون سلب الأراضي ويدافعون بأجسادهم هدم البيوت، وجرف الأشجار؟! وللأسف ما زالت إلى اليوم بعض الصحف العربية الرسمية وغير الرسمية منها منبرا لأقلام وكتاب ومقالات غير موثقة تصريحا وتلميحا بأن الفلسطينيين باعوا أرضهم لليهود؟! هؤلاء وللأسف لم يكلفوا أنفسهم عناء البحث عن حقيقة هذه الأكذوبة.

ولو أن الفلسطينيين باعوا أرضهم، ورضوا بأن يعيشوا في ظل الاحتلال، ولم يقاوموا المحتل، ولم تبق فلسطين في قلوبهم وذاكرتهم وعبراتهم، أكان حالهم كما هو الآن، قتلا ودمارا وجرفا وتشريدا؟!

وهل هناك حاجة للمحتل أن يشتري ويدفع ثمنا لأرض قد احتلها، بعد أن اقترف المجازر من أجل طرد أهلها؟! وهل باعوا أرضهم ليعيشوا أذلة خارج وطنهم؟! وكل ما يحدث لهم هل لأنهم باعوا أرضهم أم لأنهم صامدون عليها؟!

وهل هذه التضحيات الجسام التي سطروها بدماء خيرة أبنائهم ورجالاتهم وأطفالهم، هل يمكن أن تكون من أناس خانوا أرضهم، ورضوا ببيعها والخروج منها؟! ونذكركم بشهادة المؤرخ البريطاني أرنولد ج. توينبي في مقدمة كتابه تهويد فلسطين: «من أشد المعالم غرابة في النزاع حول فلسطين، أن تنشأ الضرورة للتدليل على حجة العرب ودعواهم».

وإذا كان الفلسطينيون قد باعوا أرضهم لليهود!! فلماذا يرزح سكان المخيمات تحت عبء التشرد وضيق العيش إلى يومنا هذا في مخيمات تزرع البؤس، فهل هذه حال من باع أرضه، وتنعم بثمنها؟!

ولماذا مازالوا يطالبون بحق العودة إلى أرض فلسطين، ولا يتنازلون عن هذا الحق مهما كانت المغريات والتعويضات؟!

وهل قرار التقسيم الذي قسم فلسطين إلى منطقتين عربية ويهودية كان بناء على شراء اليهود لأراضي فلسطين؟! ولماذا المطالبة بتنفيذ القرارات الدولية الداعية إلى انسحاب الكيان اليهودي من مناطق الضفة والقطاع، إن كانت فلسطين أخذت بيعا؟! ولماذا يقاومون الاحتلال، ويسطرون أروع الأمثلة للتضحية والفداء دفاعا عن الأرض والمقدسات؟!

ولماذا لم يستطع اليهود إلى الآن مع كل هذا الجهد لشراء البيوت في شرقي القدس «بأثمان خيالية وبأساليب ملتوية» أن يحققوا مآربهم لتهويد القدس وطرد أهلها؟! ولماذا يشيع اليهود أنها كانت صحراء خاوية، وأرضا بلا شعب، وأن لهم فيها حقا تاريخيا، إن كانوا قد دفعوا ثمنها؟!

لأن الحقيقة: «أراضي القدس وفلسطين لم يبعها أهلها، ولا اليهود اشتروها».

كلمة العدد – مجلة بيت المقدس للدراسات – العدد الثاني عشر

 يمكن تحميله PDF من هنا 👇

 

.

تحميل الملف المرفق