فلسطين التاريخ / تهويد وتزوير وإجرام
الانتـقـام من القـسام
بعد مرور عدة سنوات على استشهاد الشيخ عز الدين القسام ما زال اليهود يرون أنه يشكل عامل تحريض للفلسطينيين على المقاومة ، إذ أخذت اعتداءات اليهود على المقبرة التي دفن فيها الشيخ المجاهد طابعاً جدياً في إزالة قبره والعبث فيه ، وعندما أحس المسلمين في مدينة حيفا بهذا المخطط بتقويض مقبرة الشيخ عز الدين القسام عمل متطوعون مسلمين على مدى أسابيع على حمايتها خوفاً من تعرضها للتدنيس على أيدي اليهود ، ثم قامت قوات من الشرطة الإسرائيلية بمداهمة المكان واعتقال الحراس الخمسة وأبقتهم لديها قيد الحجز قرابة خمس ساعات دون أسباب موجبة ، وبعد الإفراج عنهم وجدوا المقبرة قد تعرضت للتدمير والعبث ، حيث تم اقتلاع الأشجار المزروعة فيها وتحطيم السياج وجرف الأراضي وانتهاك حرمة القبور والأموات ومنها قبر الشيخ القسام.
والتي تهدف إلى الانتقام من الشيخ القسام الذي عرف بضراوته في مقاومة الاحتلال وجيش الانتداب البريطاني ، فالشيخ القسام من مواليد مدينة جبلة على الساحل السوري وقد قاد الثورة السورية ضد الاحتلال الفرنسي بين عام 1918م إلى عام 1920م وانتقل إلى حيفا في فلسطين بعد أن حكم عليه الفرنسيين بالإعدام وبدأ نشاط الشيخ في فلسطين حيث عرف بعلمه وورعه وذكائه وجرأته وشجاعته .
حيث حذر الشيخ عز الدين القسام في خُطَبِهِ من التساهل مع الهجرة اليهودية التي تحتل البلاد ، ودعاهم إلى استقبال هذا العدو القادم بعربات الانتداب البريطاني وحمايته كعدو لا كمهاجر أو ضيف .
واعتبر الانتداب البريطاني على فلسطين ومخطط الوطن القومي اليهودي على أرضها المقدسة انتهاكا لسلامة دار السلام ، ودعا للجهاد الذي أصبح فرض عين ملزما لجميع المسلمين ، فكانت انتفاضة القسام المقدمة بل البداية الحقيقية للثورة ضد اليهود ، وكان أكثر المشايخ تطرقاً لضرورة الجهاد ، ولمنع اليهود من أن يحققوا أحلامهم في بناء وطن قومي على أرض فلسطين في حين سخر البعض من قوله بأن (( اليهود ينتظرون الفرصة لإفتاء شعب فلسطين والسيطرة على البلد وتأسيس دولتهم )) .
وما زاده ذلك إصراراً على الجهاد ، وبما يملك الشيخ القسام من شخصية شجاعة ومن تجارب جهادية سابقة ومن علم وفقه ونشاط قام بتكوين تنظيم على مدى عشر سنوات من العمل السري الدؤوب ( 1925 – 1935 ) وسمي بتنظيم المشايخ ، فمن بين أربعين عضواً نشرت أسماؤهم ، سبق اسم 37 منهم لقب " شيخ " وأعلن هذا التنظيم الجهاد في نوفمبر 1935 تحت شعار ( هذا جهاد نصر أو استشهاد ) ، وكان التدريب على بندقية واحدة وكان القسام يخرج بالسر مع كل مجموعة وعددها من 3 – 5 أفراد ويعلمهم فك وتركيب البندقية وتنظيفها وكيفية استخدامها .
وفي مرحلة إعداده للجهاد تصدى للفرق الباطنية من البهائية والقاديانية ، حيث يصفه ( محسن صالح في كتابه : التيار الإسلامي في فلسطين ) بأن الشيخ القسام سلفي العقيدة وكان بعيداً عن التقليد محاربا لانحرافات المتصوفة حتى نشروا في محاربتهم له الكتب والمقالات ، ولم يأل جهداً في محاربة البدع المنتشرة بين الناس ، وكان من أكبرها حج النساء إلى مزار الخضر على سفوح جبل الكرمل ليذبحوا له القرابين ، وأصدر كتيب في بدعية التهليل والعويل خلف الجنائز .
وذكر كذلك ( علي حسين خلف في كتابه عز الدين القسام ) أن القسام هاجم الملل المنحرفة مثل القاديانية ووصفهم بالكفرة ، وكان شيخ القاديانية يحرم الجهاد ، ومدعوماً من الإنجليز ( وهم جماعة دينية جاءت من باكستان والهند ) واستوطنت جبل الكرمل ، كما هاجم الشيخ القسام البهائيين الذين نقلوا ( مقام الباب ، أصل ديانتهم ، من بلاد فارس إلى منحدر جبل الكرمل في حيفا عام 1908م ، وانتصر للشيخ القسام في آرائه الشيخ كامل القصاب والشنقيطي وغيرهم . . وكان يرى أن أولوية الجهاد مقدمة إلى كل الأمور في الظرف الذي يعيشه الشعب تحت وطأة الانتداب البريطاني والتغلغل اليهودي ، ولذلك كان يرى أن أعداد الشعب للجهاد وتسليحه لخوض المعركة أفضل وأحق من تشييد المساجد والمباني ، لذلك قاوم بشدة إنفاق أموال الأوقاف في تشييد الأبنية مثل فندق الأوقاف في القدس ، وتزيين المسجد حتى لو كان المسجد المزين هو المسجد الأقصى المبارك موضحا أن المبالغ المنفقة قدرت بمئات الآلاف من الجنيهات الإسترلينية حتى أنه يمكن تسليح آلاف المجاهدين بها ، وسعى القسام لتكريس معاني الجهاد بحيث تحفر في القلوب وحرص على إثبات شرعية جهاده فاستصدر فتوى من قاض دمشق الشرعي بدر الدين التاجي الحسيني تحلل القتال ضد الإنجليز واليهود لمنع إقامة وطن قومي لليهود في فلسطين ، وأكد القسام أن هدف الجهاد هو طرد الانتداب البريطاني وإسقاط مخطط الوطن القومي اليهودي واقامة الحكم الإسلامي وكان القسام يؤكد أن الحكم الإسلامي فيه مجد المسلمين وعزهم .
وكان منهج القسام واضحاً بلا تعقيد متبعاً للكتاب والسنة على الأمة جاداً في الإعداد للجهاد حيث باع الشيخ القسام بيته الوحيد في حيفا وباع أصحابه حلي زوجاتهم وبعض أثاثهم واشتروا بثمنها رصاصاً وبنادق ، وقبل الخروج ذهب كل مجاهد منهم إلى أهله يستودعهم الله ، واشتبكوا مع دورية يهودية تقوم بحراسة مستعمرة ، ومن ثم مع القوات البريطانية .
وأخذ الشيخ القسام يثير روح الجهـاد والاستشهـاد في نفوس إخوانه ، والتحم الجانبان في معركة استمرت حتى العصر ، خسر العدو خلالها 15 جندياً ، واستشهد في هذه المعركة القسام وبعض إخوانه ، وبعد انتهاء المعركة فتش الجنود ملابس القسام فوجدوا في جيبه مصحفا و 14 جنيها ، واهتزت فلسطين اهتزازاً عظيماً اثر استشهاد الشيخ المجاهد عز الدين القسام واخوانه ، وأجبر أبناء فلسطين السلطة البريطانية على تسليم جثثهم ، وخرجت الجنازة التي شارك فيها حوالي 30 ألفا جاءوا من مختلف أنحاء فلسطين .
لقد كان لاستشهاد الشيخ عـز الدين القسام وقع بليغ هائل في نفوس أبناء فلسطين ، ويجمع كتّاب ومؤرخو فلسطين الذين عاصروا تلك الفترة على ذلك فلقد ألهبت حركته واستشهاده (( في الشعب الحماس والهياج وصارت مثلاً رائعاً للجرأة والجهاد العلني ضد المستعمر )) .
ومع قصر عمر حركة القسام إلا أنها كانت كالومضـة في قوة وهجها وسرعة خبئها ، إلا أنها عميقة الدلالة فالمؤامرة اليهودية والدولية كانت أكبر من حجم بكثير فكانت معركة أحراش يعبد التي استشهد فيها القسام وإخوانه الشيخ يوسف الزيباري والشيخ الحنفي قد أكسبت الجهاد في فلسطين بعده الإسلامي ذلك أن القسام كان سوريا ويوسف الزيباري كان فلسطينيا ومحمد الحنفي كان مصرياً ، فكان الدم المبتور من أول يوم : إسلامياً عاماً ، ولم يكن إقليمياً محدوداً.
.