فلسطين التاريخ / الواقع والمأمول

تكنولوجيا المقاومة والصراع القادم

طه أبو طه – مركز بيت المقدس - غزة

أقدم الكيان الصهيوني على قصف مبنى المختبرات العلمية والذي يُعد من أهم مباني الجامعة الإسلامية بل ويعتبر عمودها الفقري ... وتعرضت الجامعة الإسلامية في 28 من كانون أول/ ديسمبر 2008م لقصف من قبل الكيان الصهيوني والتي تعتبر الصرح العلمي الأول في قطاع غزة، إن إقدام الكيان الصهيوني الغاشم على هذه الجريمة النكراء آنذاك كان اعتداء صارخاً على حق الفلسطينيين في التعليم.

لقد أدرك الكيان الصهيوني أين تكمن قوة الفلسطيني، فقام بقصف مبنى المختبرات عله أن يوقف الفلسطيني عن التفكير،  ولكن هيهات هيهات.

المقاومة بدورها عرفت نقاط قوتها فقامت بتطوير نفسها على صعيد التكنولوجيا بشكل أحدث مفاجآت للبعيد والقريب وللصديق قبل العدو.

ولعل أبرز ما تضمنته حرب الأدمغة ما يلي:

أولاً: عملية زيكيم التي قام بها مقاومون قطعوا خلال البحر سباحة سبعة كيلومترات إن لم يكن أكثر، فالناظر لهذه العملية المتفحص لجوانبها يجد مدى التطور التكنولوجي النوعي الذي وصلت إليه المقاومة فقطع هذه المسافة في هذا البحر وبكل جرأة لدخول قاعدة عسكرية مجهولة المعالم ليس لوحدها المفلت للنظر، بل غرابة الأجهزة الحديثة والتكنولوجية التي تستخدمها المقاومة تحت الماء مثل السلاح وجهاز التنفس وتحديد المكان بدقة من داخل أعماق البحر، والقدرة على التخفي دون الاكتشاف طيلة هذه المسافة، بل وعنصر المفاجأة في اقتحام المقاومين للقاعدة دون اكتشافهم من قبل العدو إلا بعد أن أحدثوا الخسائر في جانب العدو.

ثانياً: ضرب الدبابات والجيبات العسكرية بكل دقة عن بعد ثلاثة أكيال، فمجرد أن تلمح المقاومة آلة عسكرية تقوم المقاومة باستهدافها بشكل دقيق عبر صاروخ الكورنيت، وليس التطور في قدرة الصاورخ بقدر قدرة المقاومة على اقتناص هدفها عن بعد اثنين أو ثلاثة أكيال وإصابته بدقة، أضف إلى ذلك الضرب تحت أجواء مليئة بطائرات الاستطلاع الاستكشافية الصهيونية.

ثالثا: قصف مدينة تل ابيب بعد تحذير من طرف المقاومة بتحديد الزمان وبتحد واضح لمنظومة القبة الحديدية ذات التكلفة المليونية أن تتصدى لهذا الصواريخ، وأيضا تحت أجواء ملبدة بالطائرات الاستطلاعية الغادرة، فقيام المقاومة بتطوير تقنية تجعل من الصعب على القبة الحديدية اعتراض الصاروخ أو اكتشافه حتى.

رابعاً: قيام المقاومة بنصب كمين عسكري بحري لوحدة بحرية صهيونية حاولت تنفيذ عملية وتقدمت باتجاه الشواطئ الغزية فلم تعمد المقاومة لصدها بل نصبت لها كميناً واشتكبت معها في معركة شغلت وسائل الإعلام عدة ساعات أوشكت أن تنتج أسر جنود صهاينة واضطر العدو للاعتراف بجرح أربعة جنود دون تحديد خسائره البشرية والمادية بشكل صريح، ولقد فجر صنع الكمين في الليل الحالك وسط التطور التكنولوجي النوعي للعدو الصهيوني وطائراته المحلقة في السماء ويمتلك أسلحة فتاكة، صعقة جعلت العدو يعترف بإصابات وإن كان لا يصدق في العدد لكن هذا مؤشر واضح أن هناك خسائر فادحة جعلته يمتص وسائل الإعلام بتخفيف حجم المصاب، الذي تتداوله وسائل الإعلام الفلسطينية والصهيونية طيلة وقت العملية.

خامساً: الضرب المتواصل للمقاومين للمدن القريبة والبعيدة عن قطاع غزة في تحدٍ واضح للطائرات الاستكشافية التي لا تفارق سماء القطاع وتحلق فوق مستويات منخفضة.

سادسا: وأختم بها وهي تصنيع المقاومة لطائرات ذات مهام متنوعة وإرسالها فوق الأراضي المحتلة التي لم يكشفها إلا بعد دخولها لمدة 30 كيلو وفي تحليلي أن التأخير في اكتشافها أن العدو يعتبر إقدام المقاومة على هذا الفعل والتطورمن المستحيلات بل تستحق أن تكون ثامن أعجوبة في الدنيا، والمتعمق في هذا التطور النوعي والخطير يجد أن المقاومة لم يغب عن ذهنها إرسال طائرات بدون طيار منذ سنين وكانت أول محاولة عندما أدخل العدو عن طريق عملائه طائرة مفخخة وانفجرت في أبناء المقاومة واستشهدت المجموعة حينها، ولعلي أرى أن حلم امتلاك الطائرة كان يراود المقاومة وبالأخص كتائب القسام والتي سبق أن أسقطت طائرة استكشافية بدون طيار عن طرق برامجية غير صاروخية، ولأن من يصر على حلمه يتحقق فقد أصبحنا اليوم على دخول طائرتنا الفلسطينية الصنع الاستكشافية الهجومية على المجال الجوي لأراضينا المحتلة ليكتشفها العدو بعد أن بلغت حوالي 30 كيلو فيحرك منظومة الباتريوت لحماية مجاله وكأن المقاومة التي استهان بها ضعاف النفوس حركت الباريوت بعد إجازة 20 عاما وأظنها إجازة العمر كانت، أما عن الطائرة فكشفت المقاومة أنها تحمل اسم أبابيل 1 وأنتجت منها كتائب القسام 3 نماذج،

 طائرة  A1Aوهي ذات مهام استطلاعية. 

طائرة A1Bوهي ذات مهام هجومية.

طائرةA1Cوهي ذات مهام هجومية-انتحارية. 

وأوضحت المقاومة أن قيام الطائرات صباح هذا اليوم بأكثر من طلعة جوية وصلت لعمق الكيان ربما تصل ل60 كيلو متر، وفقد الاتصال مع الطائرات في طلعات تالية الأمر الذي يوضح أن الطائرات نفذت طلعات جوية وعادت بسلام، فيما صرحت المقاومة أنها ليس المرة الأولى التي ترسل فيها الطائرة لمهمات متنوعة في ضربة استخبارية لم يسبق لها مثيل للعدو، من خلال كشفها أن الطائرات قامت بمهمات فوق مبنى وزارة الحرب الصهيونية بتل ابيب أكبر المدن الصهيونية وأكثرها حيوية، كل هذا مع الأخذ بالاعتبار أن دولة الاحتلال تأتي في المرتبة الثانية عالمياً في صناعة التكنولوجيا العالية والتكنولوجيا فائقة التطور .

إن الناظر لما سبق يشهد التطور النوعي الذي تشهده المقاومة من خلال الاعتناء بقدراتها الذهنية وتشكيل حرب أدمغة يجعلنا في غنىً عن كل الدول التي تسعى لمكاسب سياسية من وراء دعمهم للمقاومة.

إن حرب الأدمغة المستمرة بيننا وبين الكيان الصهيوني قد تؤدي مستقبلاً لمفاجآت ستذهل الجميع وتجعلنا ننظر لمفاجآتهم الحالية أنها متواضعة جداً بحجم القادم، مما يجعل وصف أي حالة حربية قادمة ستكون أشد ضراوة وفتكاً من أي حرب مضت، من يعلم  قد يقوم القسام بتعطيل طائرات استطلاع العدو عن مهامه وقد يقوم بالتدخل في برمجتها وتحويل صواريخها لمدن داخل الكيان، وقد تكون طورت منظومة إسقاط الطيران وحينها ليس أمام الكيان حلاً سوى الرضوخ الكامل لشروط المقاومة،  كل هذا ليس بمستغرب فالمقاومة الذي فاجأتنا على ما لم نتعود به ليس غريباً أن نرى منها ما عجزت عنه جيوش عربية على مدى عقود ليس ذلك فحسب، بل كل هذا بأقل التكاليف.

معركة العاشر من رمضان وتداعياتها نقطة فارقة في تاريخ القضية الفلسطينيَّة، ستعمل نهاية على تغيير الخارطة السياسية القادمة، ويجعل التعامل معها يأخذ منحىً آخر من خلال وجود نقاط قوة لدى المفاوض الفلسطيني لن يستخدمها علناً رفعاً للحرج وبوصف المقاومين إرهابيين في العرف الدولي الظالم، ولكنها ستؤدي لرفع سقف مطالبه لاستمرار المفاوضات وإما أن ينسحب لأنه يعلم بانسحابه أن لا خيار سوى التصعيد، الأمر الذي سيشكل عقبة تجعل الكيان يفكر ألف مرة لإعادة المفاوض الفلسطيني إلى الطاولة خوفاً من تصاعد وتيرة الأحداث التي ستجعل سكان الكيان الغاصبين يزورن الملاجئ كزيارتهم للمنتزهات والأندية.

.