القدس والأقصى / خطب مقدسية
عظائم الشعب الظالم.
عظائم الشعب الظالم
فضيلة الشيخ: عبد المحسن بن محمد القاسم حفظه الله
إمام وخطيب الحرم المدني
ملخص الخطبة:
1- محاسن الإسلام. 2- قبائح وفضائح اليهود. 3- يهود اليوم هم يهود الأمس. 4- أسباب النصر.
الخطبة الأولى:
أما بعد:
فاتقوا الله ـ عباد الله ـ حق التقوى، فالتقي من أطاع مولاه، وجاهد نفسه وهواه.
أيها المسلمون، إن الإسلام دين الله المتين، لا يُقبل من أحدٍ دينٌ سواه، جامعٌ بين العلم والعمل، وسطٌ في العبادة والمعتقد، صِدقٌ في الأخبار، عدلٌ في الأحكام، وقد ضلّت طوائف عن الصراط المضيء، ممتطيةً كبرها أو جهلها، تنكَّبت طريقاً معتماً، وسلكت وادياً مجدباً، وسنةُ الله ماضية في كشف ستره عن الظالمين ولو بعد تتابع الدهور، قال عز وجل: "وَكَذَلِكَ نفَصّلُ ٱلآيَـٰتِ وَلِتَسْتَبِينَ سَبِيلُ ٱلْمُجْرِمِينَ" [الأنعام:55].
واليهود أضلُّ الملل، لاح في ديانتها العوج والخلل، أبان الله في كتابه أحوالهم تصريحاً وإسهاباً، إيماءً واقتضاباً، في مئات الآيات، ووصفهم وصفاً مطابقاً عادلاً، حذَّر منهم ووضعهم في مقدمة صفوف أعداء المؤمنين: "لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ ٱلنَّاسِ عَدَاوَةً لّلَّذِينَ ءامَنُواْ ٱلْيَهُودَ وَٱلَّذِينَ أَشْرَكُواْ" [المائدة:82].
واجهوا الإسلام بالعداء والإباء، واحتضنوا النفاق والمنافقين، وحرضوا المشركين وتآمروا معهم ضد المسلمين، اكتوى المسلمون بنار عداوتهم وكيدهم، تطاولت ألسنة السفهاء منهم على خالقهم، جمع لهم نبيُّهم بين الأمر والنهي والبشارة والنذارة، فقابلوه أقبح مقابلة، كانوا معه في أفسح الأمكنة وأرحبها وأطيبها هواءً، سقفُهم الذي يلظهم من الشمس الغمام، وطعامهم السلوى طيرٌ من ألذِّ الطيور، وشرابهم من العسل، ويتفجَّر لهم من الحجر اثنتا عشرة عيناً من الماء، فكفروا النعم وسألوه الاستبدال بما هو دون ذلك، طلبوا الثوم والبصل والعدس والقثاء، وهذا من قلة عقلهم وقصور فهمهم، يعتقدون الصواب والحق مع من يشدِّد ويضيِّق عليهم.
عُرضت عليهم التوراة فلم يقبلوها، فأمر الله جبريل عليه السلام، فقلع جبلاً من أصله على قدرهم، ثم رفعه فوق رؤوسهم، وقيل لهم: إن لم تقبلوها ألقيناه عليكم، فقبلوها كُرهاً، قال تعالى: "وَإِذ نَتَقْنَا ٱلْجَبَلَ فَوْقَهُمْ كَأَنَّهُ ظُلَّةٌ وَظَنُّواْ أَنَّهُ وَاقِعٌ بِهِمْ خُذُواْ مَا ءاتَيْنَاكُم بِقُوَّةٍ وَٱذْكُرُواْ مَا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ" [الأعراف:171].
ولما بُعث نبينا محمدٌ صلى الله عليه وسلم حرَّضوا الناس عليه وقاتلوه، آذوه عليه الصلاة والسلام، وتآمروا على قتله والغدر به مراراً، همُّوا بإلقاء حجر كبير عليه في بني النضير من أعلى بيتٍ كان يجلس تحته، فأتاه خبر السماء، وأهدوا إليه شاة مشوية فيها سمٌّ، فلات منها عليه الصلاة والسلام شيئاً، وضلَّ متأثراً بما لاته منها حتى توفي، ومكروا به صلى الله عليه وسلم ، فسحروه حتى كان يُخيَّل إليه أنه يفعل الشيء ولم يفعل، فكفاه الله وخلصه من ذلك.
قوم يُشعلون الفتن، ويوقدون الحروب، ويبثُّون الضغائن، ويثيرون الأحقاد والعدوات: "كُلَّمَا أَوْقَدُواْ نَاراً لّلْحَرْبِ أَطْفَأَهَا ٱللَّهُ" [المائدة:64].
يكتمون الحق، ويحرفون الكلم عن مواضعه، أصحاب تلبيس ومكر وتدليس: "يٰأَهْلَ ٱلْكِتَـٰبِ لِمَ تَلْبِسُونَ ٱلْحَقَّ بِٱلْبَـٰطِلِ وَتَكْتُمُونَ ٱلْحَقَّ وَأَنتُمْ تَعْلَمُونَ" [آل عمران:71].
ينقضون العهود، وينكثون المواثيق، قتلوا عدداً من الأنبياء الذين لا تُنال الهداية إلا على أيديهم، بالذبح تارة، والنشر بالمناشير أخرى، أراقوا دم يحيا، ونشروا بالمنشار زكريا، وهمُّوا بقتل عيسى، وحاولوا قتل محمد صلى الله عليه وسلم مراتٍ، ولا خير فيمن قتل نبياً، "أَفَكُلَّمَا جَاءكُمْ رَسُولٌ بِمَا لاَ تَهْوَى أَنفُسُكُم ٱسْتَكْبَرْتُمْ فَفَرِيقًا كَذَّبْتُمْ وَفَرِيقًا تَقْتُلُونَ" [البقرة:87].
اليهود لنِعم الله وآلائه جاحدون، إن أحسنت إليهم أساؤوا، وإن أكرمتهم تمرّدوا.
نجاهم الله من الغرق مع موسى فلم يشكروا الله، بل سألوا موسى إباءً واستكباراً أن يجعل لهم إلهً غير الله، يعبدون الله على ما يهوون، ولأنبيائه لا يوقِّرون، قالوا لنبيهم: لن نؤمن لك حتى نرى الله بأعيننا جهرة، "فَأَخَذَتْهُمُ ٱلصَّاعِقَةُ وَهُمْ يَنظُرُونَ" [الذاريات:44].
قوم حساد، إن رأوا نعمةً بازغة على غيرهم سعوا لنزعها، وفي زعمهم أنهم أحق بها، يقول النبي صلى الله عليه وسلم: ((إن اليهود قوم حسد)) رواه ابن خزيمة.
دمروا الشعوب والأفراد بالربا، يستمتعون بأكل الحرام، يستنزفون ثروات المسلمين بتدمير اقتصادهم، وإدخال المحرمات في تعاملهم، يفتكون بالمسلمين لإفلاسهم، ويسعون إلى فقرهم، يتعالون على الآخرين، بالكبر تارة، وبالازدراء أخرى، يتعاظمون على المسلمين عند ضعفهم، ويذلّون عند قوّتهم، في أنفسهم أنهم شعب الله المختار، وغيرهم خدمٌ لهم، إنما خُلقوا لقضاء حاجاتهم.
ألسنتهم لا تتنزه عن الكذب والفحش والبذاءة، قالوا عن العظيم سبحانه: يده مغلولة، وقالوا عن الغني تعالى: إنه فقير ونحن أغنياء، ورموا عيسى وأمه بالعظائم، وقالوا عن المصطفى صلى الله عليه وسلم: إنه ساحر وكذاب، تتابعت عليهم اللعنات، وتوالت عليهم العقوبات، افتتنوا بالمرأة ونشروا التحلل والسفور، يقول النبي صلى الله عليه وسلم: ((أول فتنة بني إسرائيل في النساء)) رواه مسلم .
دعَوا إلى الإباحية والفساد مع التستُّر تحت شعارات خداعة كالحرية والمساواة، والإنسانية والإخاء، يفتكون بالشباب المسلم، ويغرونه بالمرأة والرذائل، فُتنوا بالمرأة، ويعملون جاهدين لفتنة غيرهم بها، ضاعفوا جهودهم لإخراج جيل من المسلمين خُواء، لا عقيدة له ولا مبادئ، ولا أخلاق له ولا مروآت، يلوِّثون عقول الناشئة بتهييج الغرائز و[الملذات]، تارة بالمرئيات، وأخرى بالفضائيات، يحسدون المرأة المسلمة على سترها وحيائها، يدعونها إلى السفور والتحلل من قيمها، ويزيِّنون لها مشابهة نسائهم في ملبسها ومعاملتها، ليحرفوها عن فطرتها، يزيِّنون للشباب والمرأة الشهوات، لينسلخ الجميع عن دينه وقيمه، فيبقى أسيراً للشهوات و[الملذات]، قال الله عنهم: "وَيَسْعَوْنَ فِى ٱلأرْضِ فَسَاداً وَٱللَّهُ لاَ يُحِبُّ ٱلْمُفْسِدِينَ" [المائدة:64].
يهدفون لِهدم الأسرة المسلمة، وتفكيك الروابط والأسس الدينية والاجتماعية، لتصبح أمةً لا خطام لها ولا لجام، ينشرون فيها الرذائل والفواحش، ويدمِّرون الفضائل والمحاسن، "ضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ ٱلذّلَّةُ أَيْنَ مَا ثُقِفُواْ إِلاَّ بِحَبْلٍ مّنْ ٱللَّهِ وَحَبْلٍ مّنَ ٱلنَّاسِ وَبَاءوا بِغَضَبٍ مّنَ ٱللَّهِ وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ ٱلْمَسْكَنَةُ" [آل عمران:112].
جُبناءُ عند اللقاء، قالوا لموسى: "فَٱذْهَبْ أَنتَ وَرَبُّكَ فَقَاتِلا إِنَّا هَـٰهُنَا قَـٰعِدُونَ" [المائدة:24]، يفرون من الموت، ويخشون القتال، "لاَ يُقَـٰتِلُونَكُمْ جَمِيعاً إِلاَّ فِى قُرًى مُّحَصَّنَةٍ أَوْ مِن وَرَاء جُدُرٍ" [الحشر:14]، يحبون الحياة، ويفتدون لبقائها، ذهبوا في كفرهم شيعاً لا يحصون، "تَحْسَبُهُمْ جَمِيعاً وَقُلُوبُهُمْ شَتَّىٰ" [الحشر:14]، اختلافهم بينهم شديد، ونزاعهم كليل، الألفة والمحبة بينهم مفقودة إلى قيام الساعة، قال تعالى: "وَأَلْقَيْنَا بَيْنَهُمُ ٱلْعَدَاوَةَ وَٱلْبَغْضَاء إِلَىٰ يَوْمِ ٱلْقِيَـٰمَةِ" [المائدة:64].
طمَّ بغيهم، وعمَّ فسادهم، لا تحصى فضائحهم، ولا تُعد قبائحهم، أكثر أتباع الدجال، أمرنا الله بالاستعاذة من طريقهم في كل يوم سبع عشرة مرة فرضاً، أفبعد هذا أهم شعب الله المختار أم هم أبناء الله وأحباؤه؟!
وبعد أيها المسلمون، فهذه نعوتٌ في كيد الشيطان وتلاعبه بتلك الأمة المغضوب عليها، يعرف بها المسلم الحنيف قدر نعمة الله عليه، وما منَّ به عليه من نعمة الهداية، وما اتصف به آباء اليهود بالأمس، يسير على ركابه الأحفاد اليوم، ظلمٌ في الأراضي المقدسة، إجلاءٌ من المساكن، تشريدٌ من الدور، هدمٌ للمنازل، قتلٌ للأطفال، اعتداءٌ على الأبرياء، استيلاءٌ على الممتلكات، نقض للعهود، غدرٌ في المواعيد، استخفاف بالمسلمين، هتكٌ لمقدساتهم، وإن أمةً موصوفةً بالجبن والخور وخوفِ الملاقاة وفزع الاقتتال حقيقٌ بنصر المسلمين عليهم، ولكن لما ضعُف المسلمون أصبحت لهم قوةٌ ودولة تعيش على دماء المسلمين، وواجب على المسلمين مؤازرة إخوانهم في الأراضي المباركة، وتوحيد الصف ونبذ النزاع، مع الإلحاح في الدعاء لهم، ومنذ ميلاد مأساة هذه المحنة من أكثر من نصف قرن، ولهذه البلاد مواقف تُحمد عليها في التاريخ لعتق رقِّ الأقصى، لينعم المسلمون بالصلاة فيه، كما ينعمون بالصلاة في الحرمين.
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: "وَلَيَنصُرَنَّ ٱللَّهُ مَن يَنصُرُهُ إِنَّ ٱللَّهَ لَقَوِىٌّ عَزِيزٌ" [الحج:40].
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني الله وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم، أقول ما تسمعون، وأستغفر الله لي ولكم ولجميع المسلمين من كل ذنب فاستغفروه، إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية:
الحمد لله على إحسانه، والشكر له على توفيقه وامتنانه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له تعظيماً لشأنه، وأشهد أن نبينا محمداً عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وسلم تسليماً كثيراً.
أما بعد:
أيها المسلمون، النصر على الأعداء لن يتحقق إلا برايةٍ يستظل فيها المقاتلون براية التوحيد، ولن يكون إلا بالأخذ بالأسباب، والرجوع إلى الله، وتقوية الصلة به سبحانه، قال تعالى: "إِن تَنصُرُواْ ٱللَّهَ يَنصُرْكُمْ وَيُثَبّتْ أَقْدَامَكُمْ ، وَٱلَّذِينَ كَفَرُواْ فَتَعْساً لَّهُمْ وَأَضَلَّ أَعْمَـٰلَهُمْ" [محمد:7، 8]، وبهذا تقوى الأمة، وتُرهب عدوها، وإذا انغمست الأمة في عصيانها وغفلتها وبُعدها عن خالقها، فالأقصى عنها يُقصى.
فعلينا إصلاح أنفسنا من الداخل بالتسلح بسلاح العقيدة قولاً وعملاً وواقعاً، ولنحذر دسائس اليهود في تدمير المسلمين، وواجبٌ علينا الحفاظ على شبابنا وصونهم من المغريات والمحرمات، والاهتمام بنسائنا، وشغلُهن بما ينفعهن في دينهن، وعدم تعريضهن للفتن، ومنعهن من التبرج والسفور والاختلاط، وتحصين الجميع بالعلوم الشرعية، وتكثيف ذلك في دور التعليم، مع حسن الرعاية وكمال الأمانة في القيام بهم، وعلينا السعي إلى إصلاح الأسرة المسلمة، وأن لا نهزمها من داخل أروقتها بما تتلقاه مما يعرضه أعداؤها عليها، ففي مراحل التاريخ لا يخلو منه عِقد إلا ولليهود في الإفساد يد.
فاتقوا الله عباد الله، وخذوا بأسباب نصركم، وأصلحوا شبابكم ونساءكم، وأصلحوا بيوتكم، وابتعدوا عن مشابهة أعدائكم، واعتزوا بدينكم تُنصروا على عدوكم، واحذروا مكرهم وغدرهم، فإنهم لا يألون جهداً في إضعاف المسلمين وإفساد دينهم وعقيدتهم، "وَٱللَّهُ غَالِبٌ عَلَىٰ أَمْرِهِ وَلَـٰكِنَّ أَكْثَرَ ٱلنَّاسِ لاَ يَعْلَمُونَ" [يوسف:21].
وصلوا وسلموا على البشير النذير، والسراج المنير، فقد أمركم الله بالصلاة والسلام على نبيه، فقال في محكم التنزيل: "إِنَّ ٱللَّهَ وَمَلَـٰئِكَـتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى ٱلنَّبِىّ يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءامَنُواْ صَلُّواْ عَلَيْهِ وَسَلّمُواْ تَسْلِيماً" [الأحزاب:56].
اللهم صل وسلم على نبينا محمد، وارضَ...