دراسات وتوثيقات / دراسات وبحوث

حالة القضية الكونية







حالة القضية الكونية




   د. عبد الله سافر الغامدي

       تعد القضية الفلسطينية من أهم القضايا التي شغلت الأمة الإسلامية لعقود عديدة، والتي بدأ ظهورها عام 1897م، وذلك مع المؤتمر الصهيوني الأول؛ الذي غرز اليهود في أرضنا الفلسطينية، لتبدأ هجرتهم إليها؛ عندما ضعفت الدولة العثمانية، وعندما وجدوا السند والمدد من قوى الشر والظلم، والذين لا يزالون يدعمونهم ويحمونهم حتى هذه اللحظة.

      ولقد عانى الفلسطينيون من تواجد اليهود بينهم، ووجدوا منهم أشد أنواع البطش والتنكيل، والقتل والتدمير، فقاتلوهم سنين طويلة، وصارعوا لوحدهم أزمنة مديدة، ولم يتوقفوا عن المطالبة بحقوقهم، والنضال من أجل استرداد أرضهم وكرامتهم، ففي عام 1987م  قامت منهم انتفاضة سميت انتفاضة الحجارة، ولكن في عام 1993م وقعت منظمة التحرير الفلسطينية اتفاقية سلام مع دولة الاحتلال، واعترفت بدولة إسرائيل على أراضي 1948م ، فهي بهذا الاعتراف تكون قد تخلت عن تحرير حوالي 78% من الأراضي الفلسطينية، وفي مقابل ذلك يكون للفلسطينيين في قطاعي غزة والضفة الغربية  حكم ذاتي فقط، وليس دولة لها سيادة مستقلة.

      وفي عام 2007م فازت حركة حماس بالانتخابات، إلا أن كوادر السلطة الفلسطينية لم تتعاون مع السلطة الجديدة، وبدأوا بالانقلاب عليها؛ ليقوم الكيان الصهيوني بمحاصرتها، وإغلاق معابرها، وطرد شبابها، وهدم بعض المنازل فيها، وتضييق المعيشة على أهلها، وهذا ديدن اليهود ومنهجهم، وقد بيَّن الله تعالى صفاتهم في القرآن الكريم، والتي منها: الغدر والخيانة، الجبن والبخل، الدسائس والمؤامرات، العلو والاستكبار، وفيهم قال الله تعالى: (كُلَّمَآ أَوْقَدُواْ نَاراً لِّلْحَرْبِ أَطْفَأَهَا الله وَيَسْعَوْنَ فِى الارض فَسَاداً والله لاَ يُحِبُّ المفسدين) (المائدة: 64).

       وفي عام 2011م وقعت الثورات في بعض الدول العربية؛ ونتج عنها تهاون الحكومات بهذه القضية، وانشغلت بتضميد جراحها، ومعالجة أحوالها وهمومها المضافة إلى شعبها، ونسوا بذلك أهلنا في فلسطين؛ حتى من عبارات التنديد والإدانة، والشجب والاستنكار، التي كانوا يرددونها، على الرغم من تكرار العدوان، واستمرار الطغيان من بني صهيون، وهذا هو ديدنهم، ومنهج حياتهم؛ الذي قال الله تعالى فيه: (لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَدَاوَةً لِّلَّذِينَ آمَنُواْ الْيَهُودَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُواْ)، (المائدة: 82).

      حتى الحديث عن هذه القضية في القنوات الإعلامية، والتغطية الإخبارية؛ تراجع كثيراً عن متابعة القضية الفلسطينية، لتغدو أخبارها من الأخبار الهامشية العابرة، والتي لا يلقى لها بالاً، ولا تجد من القائمين عليها عناية ولا اهتماماً، بينما الجور يتنامى، والاعتداء يتصاعد، حيث لم يكن اليهود في يومٍ من الأيامِ دعاةَ سلامٍ، ولا طلاب أمان، وهم الذين تجمعوا في دولة عنصرية واحدة، وجاءوا من بيئات اجتماعية مختلفة، فقلوبهم متنافرة غير متجانسة، ينخر في نسيجها الطبقية والأمور الحزبية، مما يمكننا بذلك إضعافهم، وتعميق مشكلاتهم، ليسهل بذلك دحرهم والقضاء عليهم.

      إن القضية الفلسطينية هي قضية استراتيجية ومحورية لكلِّ مسلم غيورٍ على دينه، وحريص على أمته، تراه يتعبَّد الله سبحانه وتعالى بالاهتمام بهذه القضية، التي لم تكن عرقية، ولا قومية، ولا وطنية، ولم تكن من أجل أرض، أو بسبب تراب، بل هي صراع بين التوحيد والشرك، والإيمان والكفر، والنور والظلام، والحق والباطل، ولهذا على كل فرد مسلم دور عظيم في دعمها، والعمل على مناصرتها؛ بما يستطيع فيه ويقدر عليه.

       وإن كل فرد قادر على أن يتحول إلى وسيلةٍ إعلاميةٍ لمن حوله، فيعرض عليهم آخرَ التطورات والمستجدات في هذه القضية، وأن يسهم كذلك في نشر ثقافة العطاء، فإن مصارف الزكاة الثمانية تنطبق بكاملها على أهل فلسطين، إذ فيهم الفقير والمسكين، الذي فقد ماله وأهله، وبيته ومزرعته، وفيهم الأسير المقيد في السجون الصهيونية، وخلفه أسرة لا عائل لها ولا منفق، وفيهم ابن السبيل المشرد عن داره، والذي يعيش في المخيمات، وفيهم الغارم الذي تراكمت عليه الديون نتيجة البطالة وفقدان الممتلكات، وهم أجمعين من المجاهدين والمرابطين في سبيل الله، الذين يقاتلون عدواً شرساً لأكثر من مائة عام.

       ولكي تنجح هذه القضية، ونظفر فيها بالفوز والنصر؛ فلابد من العودة الصادقة إلى الله تعالى والرجوع إليه، فما نزل بلاء إلا بذنب، ولا رُفع إلا بتوبة، كذلك لابد من التفاؤل، والبعد عن اليأس والتشاؤم، فمهما كانت الفواجع والمواجع، فإن الظلم زائل وإن طال أمده، والانتصار سيتحقق وإن تأخر زمنه، قال صلى الله عليه وسلم: «لا تقوم الساعة حتى يقاتل المسلمون اليهود فيقتلهم المسلمون، حتى يختبئ اليهودي من وراء الحجر والشجر، فيقول الحجر أو الشجر: يا مسلم يا عبد الله هذا يهودي خلفي فتعال فاقتله، إلا الغرقد فإنه من شجر اليهود» رواه مسلم.

 

      إن أرض الإسراء المسلوبة، والقدس المأسورة؛ لن تعود إلينا إلا بالجهاد في سبيل الله تعالى، وهو الطريق الوحيد لتحريرها، وهذه هي الحقيقة الساطعة على مرّ التاريخ، فما فتح المسلمون بيت المقدس إلا بالجهاد، وما أُخْرِج الصليبيون من فلسطين إلا بالجهاد، وما سوى ذلك فهو مضيعة للوقت والجهد والمال، وكم من مفاوضات وتنازلات؛ لم يجن منها غير الذل والخنوع، والتعاسة والشقاء، ولهذا لابد وضع خطط استراتيجية شاملة؛ لمواجهة الصهيونية بالمال والرجال، والعدة والعتاد.

      ومما ينبغي الاهتمام به، والحرص عليه كذلك؛ حماية الأمة من حالة الذِلَّ والخضوع، والشعور بالضعف والانكسار؛ إلى صناعة عوامل للعزة والقوة، وبناء قدرات للنصر والتمكين، وهذا لن يكون ولن يتم؛ مالم نلجأ إلى خالقنا سبحانه وتعالى، فالدعاء من أقوى أسلحة المؤمنين في حربهم مع الكافرين، وهو الركن الرئيس من أركان النصر؛ فما تركه عليه الصلاة والسلام أبدًا، والذي كان من دعائه: (اللهم منزل الكتاب، ومجري السحاب، وهازم الاحزاب، اهزمهم وانصرنا عليهم، اللهم أنت عضدي ونصيري، بك أحول وبك أصول، وبك أقاتل)، وإن تأخَّرت الاستجابة  للدعاء، فالمؤمن موقن أن البلاء لا يرفعه إلا استمرار الدعاء، وأن الكيد والمكر لا يُحبطه إلا الالحاح في الدعاء، وأن النصر لا يُنَال إلا مع الصبر وطلب العزيز الجبار؛ طوال الليل، وأثناء النهار.

 

 

.