دراسات وتوثيقات / دراسات وبحوث

العمل الخيري في فلسطين

 

 

 

 

العمل الخيري في فلسطين

 

عيسى القدومي

 

 

 

أمتنا أمة الخير والعطاء ، لأن العمل الخيري في الإسلام ليس أمراً جانبيا أو ثانويا ؛ فكما أن المسلم مطالب بالركوع والسجود والعبادة ، فإنه مطالب بفعل الخير ، وقد ورد في سياق قرآني قبل الجهاد في سبيل الله تعالى وذلك في قوله تعالى " يا أيها الذين آمنوا اركعوا واسجدوا واعبدوا ربكم وافعلوا الخير لعلكم تفلحون " الحج : 77 . ثم قال تعالى في الآية التي تليها " وجاهدوا في الله حق جهاده " الحج : 78 .

وقد استجاب الصحابة رضوان الله عليهم لتوجيه النبي صلى الله عليه وسلم بفعل الخير خير استجابة ؛ والتاريخ الإسلامي حافلٌ بنماذج مضيئة في فعل الخير وبذل المعروف والتطوع في سبيل الله ، فمن تجهيز جيش العسرة وتسبيل المزارع والدور والآبار ؛ إلى بذل جلّ المال  في سبيل الله بنماذج أعظم من أن تحصى.

والقطاع الخيري في الإسلام كان القطاع الأول للتنمية وتلبية احتياج حقوق الإنسان ، والحضارة الإسلامية عبر التاريخ نتاج هذا القطاع بل كان موقعه الإداري والتنموي قبل القطاع الحكومي والقطاع التجاري .

والحديث عن العمل الخيري في فلسطين حيث ذو شجون يختلط فيه العزة بالألم ، والفقه بالتاريخ ، وعظمة السلف وما اقترفته أيدي الخلف ، حديث عن تاريخ عظيم لم تشهد له البشرية مثيلاً ، بلغ فيه المسلمون ذروة السمو والإخلاص لله تبارك وتعالى ، أقاموا أوقاف لكل وجوه الخير والتي تعدت حاجة الإنسان إلى حاجة الحيوان والنبات ... تكافل ورعاية وحضارة لم يعرفها غرب ولا شرق حتى اليوم .

حيث كان أول الأوقاف وأعمال الخير في بيت المقدس هو المسجد الذي بناه أمير المؤمنين الفاروق عمر بن الخطاب رضي الله عنه حيث كان المسجد يتسع لثلاثة آلاف من المصلين ؛ وجاء في أحسن التقاسيم للمقدسي أن من عناية عثمان بن عفان رضي الله عنه في القدس أنه أمر في خلافته بوقف قرية سلوان المجاورة للقدس ذات العيون والحدائق على ضعفاء المدينة المباركة .

واستمرت الأوقاف في فلسطين والقدس في القرون الأولى وما بعدها من قرون فكان البناء الأموي للمسجد الأقصى ولمسجد قبة الصخرة . وأوقفت بعدها السبل والتكايا والمستشفيات ودراسة الطب والآبار والمساجد والمدارس والمعاهد ؛ بل أوقفت الأوقاف للصرف على طلاب العلم ومدرسيهم وإيواء الطلبة والوافدين وإطعامهم وكفالتهم بمبالغ نقدية تدفع لهم ، وأوقاف للمقابر ، وكفالة العجائز ( الأرامل ) ممن شدت الرحال إلى المسجد الأقصى وانقطعت هناك بعد وفاة زوجها .

وكان الوقف في القدس وفلسطين يقوم بما تحمل أعباءه عدة وزارات مجتمعة كوزارة الشئون الاجتماعية والعمل ، والصحة والتربية والتعليم العام ، والإسكان والتعمير والدفاع والري فضلا عن وزارة الأوقاف .

 

الاحتلال البريطاني وبداية المشروع :

عندما تبنت بريطانيا المشروع الصهيوني بإقامة وطن قومي لليهود وإلغاء حقوق أهل فلسطين في أرضهم والحلول مكانهم في الفترة مابين 1917 إلى 1948؛ كان الهدف الأول للاحتلال البريطاني دعم إقامة المؤسسات المدنية الصهيونية ودعم العصابات المسلحة وتدريبها وتوفير العتاد لها ، وتفعيل دور اللجان الطوعية والمجتمعية ؛ وفي المقابل كان العمل على تدمير العمل المؤسسي الفلسطيني.

وفي مقدمتها الأوقاف الإسلامية في القدس وفلسطين ، حيث أتْبعت الأوقاف والمحاكم الشرعية لدائرة العدل والقضاء التي يرأسها مستشار قضائي " المستر بنتويش " وهو يهودي ومن رجال الحركة الصهيونية الأقحاح. 

ورافق ذلك تدمير العمل المؤسسي الفلسطيني ، وعرقلة جميع المؤتمرات والاجتماعات التي عبرت عن رفضها لوعد بلفور ولقرار الانتداب وللمشروع الصهيوني ، ولاحقت كل القيادات الإسلامية وتجمعاتهم ومؤسساتهم وكل من التف حولهم ؛ وطاردت العمل الجهادي ضد مشروعها على أرض فلسطين ، وعمدت القوات البريطانية إلى إعدام أي مقاوم للتواجد اليهودي والبريطاني في فلسطين .

ووقفت بريطانيا – كما هو ديدن الاحتلال والاستعمار في المنطقة العربية - موقفا عدائياً من جميع المجالس والهيئات الفلسطينية ، وكان أبرزها الموقف من المجلس الإسلامي الأعلى الذي انتخبه الفلسطينيون لإدارة المحاكم الشرعية والأوقاف والشئون الإسلامية في فلسطين عام 1922م ، فلاحقت رئيسه محمد أمين الحسيني لعرقلة جهوده في الدفاع عن فلسطين وتبيان حقيقة المشروع البريطاني وتمكينهم لليهود لإقامة كيانهم على تلك الأرض المباركة .

وتدخل البريطانيون في الأوقاف وعملوا على إضعافها والتدخل في شؤونها وأضعاف دخلها ، ولكنهم لم يستطيعوا تأميم الأوقاف كما  فعل محمد علي باشا في عام 1224هـ حينما أمم العمل الخيري بتأميم الأوقاف والمساجد وأنظمتها ، وذلك بمشورة بعض الخبراء الفرنسيين ، وأصبحت الأعمال الخيرية مرسَّمة وتابعة للدولة على حساب الأمة .

وبهذا التأميم والترسيم أُعطيت الأعمال الخيرية فضول المواقع الإدارية والأوقات والأموال لتعطي فضول النتائج ، وأصبحت بذلك الأوقاف والمؤسسات الإسلامية وبيوتات المال تعاني العجز والإهمال وعبئا على الدولة ، بعد أن كانت وعلى مدى 12 قرناً من الزمان قوة مساندة للأمة ، تقف في مواجهة النوازل والنكبات. وهكذا فعل الفرنسيون في الجزائر .  

وردا على تأسيس المجلس الإسلامي أصدرت بريطانيا في 1922 كتابا أبيض اشتمل على "دستور" فلسطين الذي نص على تشكيل مجلس تشريعي لفلسطين من  22 عضواً ، منهم 10 انجليز و8 مسلمين و3 مسيحيين و2 من اليهود على أن يكون المندوب السامي رئيساً للمجلس !! 

ومع ذلك أوقفت العديد من الأوقاف من المسلمين في فلسطين  على أن يصرف ريعها على وجوه الخير وقد جمعها عارف العرف في كنابه تاريخ القدس المفصل.

 

العمل الخيري في فلسطين ... تحديات وآمال

العمل الخيري المعاصر في فلسطين – كعمل مؤسسي - كانت بداياته منذ العشرينات من القرن العشرين، عندما كانت الحاجة شديدة في ظل ضعف الدولة العثمانية وسيطرة بريطانيا على المنطقة وسماحها لليهود بامتلاك الأرض ومصادر الحياة المختلفة، مما رفع نسب الفقر والبطالة بين السكان الأصليين واجبر العديد منهم على الهجرة.

ومع اشتداد الأزمة واندلاع ثورة العام 1936 انتشرت مظاهر العوز  الجوع بين الفلسطينيين، بسبب سلب عصابات اليهود للأرض الفلسطيني وملاحقتهم للقرويين ومحاصيلهم، مما استدعى قيام أشخاص بنشاطات خيرية تعد شكلا من أشكال العمل الخيري على مستوى المناطق والأحياء لمساعدة الأسر الموعزة وكان لأئمة المساجد والخطباء الدور الريادي في ذلك.

ومع حلول نكبة العام 1948 وهجرة مئات آلاف الفلسطينيين من ديارهم وانتقالهم للإقامة، فيما تبقى من الأرض الفلسطينية( الضفة الغربية وقطاع غزة)، زادت معاناة آلاف الأسر، بسبب فقدانها مصدر رزقها الأساسي وهو الأرض وما عليها من محاصيل ؛ وشكلت لجان لمساعدة اللاجئين واستيعابهم في الأرياف وضواحي المدن وتجميع المساعدات لهم. وانطلقت تلك اللجان التي حملت الطابع الشعبي في مراكز المدن الرئيسة ومنها مدينة نابلس، حيث ساعدت الكثير من الأسر في إيجاد مأوى ملائم وتوزيع الأغطية عليه خاصة أن ما قدمته وكالة الغوث الدولية لم تكن كافية حينها في توفير كافة مستلزمات المهجرين.

وخلال الفترة من 1948 حتى 1967ونشطت لجان الزكاة وانتشرت وأصبحت لها تواجد في كل المدن وحتى الأرياف والمخيمات وسجلت نجاحات كبيرة أثلجت صدور آلاف الأسر التي استفادت من عطائها. كانت تلك اللجان الزكاة تتمركز في مسجد تاريخي في المدينة القديمة. ويأتي التمويل بشكل كبير من الأثرياء المسلمين المقيمين في الجوار كالتزام منهم بفريضة الزكاة، ولكن يأتي أيضا من عائدات بعض أوقاف العقارات – أموال تم التبرع بها لفائدة لجان الزكاة.

وخلال المرحلة الثانية من 1968 -1994 طوّرتْ اللجان نشاطاتِها: التعهد بأعمال خيرية مختلفة ومشاريع الجالية، ويبدأ ذلك بتأمين الأموال الخارجية من الهيئات مثل الحكومة الفرنسية والبنك العالمي، وكذلك تستثمر أموالها الخاصة للمستقبل.

المرحلة الثالثة ، من سنة 1994 إلى اليوم  عاشت الساحة الفلسطينية تنافسا بين الجمعيات الخيرية الإسلامية ومنها الزكاة وبين منظمات أخرى موجودة وأخرى ولدت حديثا. وقد وصفت 39% من منظمات المجتمع المدني الفلسطيني نفسها، على أنها (جمعيات خيرية)، بينما اختارت 36% منها وصف (منظمات مدنية)، و14% منها (منظمات وطنية)، و10% منها(اتحاد عام).

وصعد الكيان الصهيوني ومؤسساته الحرب على المؤسسات الخيرية وجمد في عام 96 أموال "لجنة الإغاثة الإسلامية" التي تقوم بجمع التبرعات من داخل الأراضي الفلسطينية المحتلة عام 48 لرعاية المحتاجين، وكفالة الأيتام، وتقديم المساعدات الاجتماعية الطبية للعائلات الفلسطينية، علما بأن تلك الجمعية كانت العائل الوحيد لأكثر من 10 آلاف يتيم فلسطيني .

وترادف مع ذلك صدور كتاب في عام 1996  لـ "بنيامين نتنياهو" أسماه "مكافحة الإرهاب والتطرف" كتب فيه أنه يجب أن تحارب الجماعات الإسلامية ومن ضمنها الجماعات الإسلامية الفلسطينية ، ولم يكتف بذلك بل وسع دائرة التحريض والدس ، فوجه الاتهام للمسلمين المقيمين في العالم الغربي ، وقال : " إن أنشطتهم ليست سوى مراكز للإسلام الحربي ، وأن جموعهم تعد جسراً للإرهاب وامتداداً له" .

وفي خاتمة كتابه تحت عنوان " ما ينبغي عمله " : للقضاء على الإرهاب وإبادته على حد زعمه ذكر عدة بنود منها :تجميد ثروات المنظمات الإسلامية .إدخال تغييرات على القوانين والتشريعات تمكن القيام بعمليات أكثر شمولية ضد المنظمات المحرضة على العنف  تدخل في دائرتها كل الجمعيات الخيرية -  وذلك باعتبار الآتي :اعتبار جمع الأموال وتحويلها إلى منظمات إرهابية خروجاً عن القانون وجريمة يعاقب عليها القانون ، ويحذر من صناديق الزكاة في العالم الإسلامي والغربي .

وفي خطوة كانت قد اتخذتها وزيرة الخارجية الأمريكية السابقة "مادلين أولبرايت" في عام 1997 حيث أعلنت آنذاك " وقف أي تبرعات للشعب الفلسطيني بحجة أنها أموال تدعم الإرهاب " .

وتزامن آنذاك قرار "أولبرايت" مع قرار من الكيان اليهودي مشابه بالإعلان عن " حظر خمس مؤسسات خيرية خارجية "، متسترًا بالحجج ذاتها، رغم أن تلك المؤسسات تعمل أساسا على جمع التبرعات من الجاليات الفلسطينية والعربية في أوروبا بهدف دعم الأسر والفئات المحتاجة في الأراضي المحتلة .

وتزامن مع تلك التصريحات نشر الكيان اليهودي قائمة اللائحة السوداء التي تشمل كل الجمعيات الخيرية في فلسطين – تقريباً- العاملة في مجال الإغاثة ولم تغفل منها أحد، وأدرجت معها كذلك بعض لجان الزكاة الصغيرة التابعة للقرى والمجالس القروية...

 

حملات صهيونية ضد المؤسسات الخيرية في فلسطين  :

واصل الاحتلال اليهودي الهجوم على مؤسسات والجمعيات حتى بعد قيام السلطة الفلسطينية عام 1994م ، ذلك عبر القرارات العسكرية بإغلاقها أو مصادرتها أو حرمانها من الرخص واعتبارها خارجة عن القانون ، ولم تسلم لجان الزكاة في المجالس القروية من الإغلاق ومصادرة الممتلكات والمداهمة واعتقال أعضائها.

كان العاملين في المؤسسات والخيرية وما زالوا معرضين في أية لحظة للاعتقال وإغلاق مؤسساتهم المدنية والتطوعية ؛ وما زال بعضهم قابع في سجون الاحتلال لأكثر من سنتين بتهمة العمل في مؤسسة خيرية على الرغم أنهم لا يتبعون التنظيمات المسلحة ، وليس لهم انتماءات حزبية وحركية ، بل طالت الاعتقالات أعضاء لجان زكاة تتبع المجالس القروية .

ووصل الأمر لإغلاق المؤسسات الصحية والإعلامية منها ، متجاهلة كافة الانتقادات المحلية والدولية ، على الرغم أن قادة اليهود قبل غيرهم يعلمون أن تلك المؤسسات لا تتبع حماس وأعضاؤها ممن يخدمون في مؤسساتهم الخيرية كافة فئات المجتمع الفلسطيني  وليس لهم انتماءات تنظيمية !!

وتعدت الاعتداءات على المؤسسات الخيرية لتصل إلى  مداهمة منشآت تجارية في المدن ومنها مصانع للحديد وأخرى للبلاستيك !! كما حدث في مدينة نابلس ؛

وبدعوى أنها تابعة لمؤسسات خيرية إسلامية ؛ واعتبرت الحركات السياسية في الضفة الغربية أن حملة الاستهداف الصهيونية للجمعيات والمؤسسات هي مثابة طور جديد في الحرب الشاملة التي تشن على الشعب الفلسطيني لكسر إرادته وفرض الإملاءات السياسية التصفوية لقضيته العادلة ونضاله المشروع ؛ وأن إغلاق هذه المؤسسات الخيرية في الضفة استمرار لحلقات الإجرام اليهودي الممنهج ضد المؤسسات الإسلامية والجمعيات الخيرية التي ترعى الأسر الفقيرة والأطفال الأيتام ؛ بل وانتهاك حرمات المساجد ودور تحفيظ القرآن الكريم .

 

تفريغ القدس من المؤسسات الفلسطينية لماذا ؟!!

تعد القدس من أكثر المناطق والمدن في فلسطين التي تم تفريغها من المؤسسات الفلسطينية عبر الكثير من القرارات والإجراءات التي اتخذتها مؤسسات الاحتلال بذرائع وحجج هدفها : " طمس العمل المؤسسي والمدني والاجتماعي الفلسطيني في القدس " !!

والمؤسسات التي لم يصيبها داء الإغلاق ، ساهم الجدار العازل في إخراجها من القدس قسراً !! ونقلت مقراتها من القدس وضواحيها لتستطيع تحقيق ولو الجزء اليسير من أهدافها التي أنشأت من أجلها ، بعد أن منع أعضائها من الوصول للقدس ممن لا يحمل هوية مقدسية .

وفي نفس الوقت ساهم الممولين الغربيين لعدد من المؤسسات والمراكز الأهلية المقامة في القدس ، بتقديم الإغراءات لنقل المقرات والعمل في مدن الضفة وبالذات في رام الله ، بحجة أن الجمهور المستفيد متواجد فيها ، وصعوبة وصول الأعضاء لها !!

والبعض يحمل السلطة الفلسطينية ومنظمة التحرير جزء من مسؤولية عدم الحفاظ على تواجد المؤسسات الفلسطينية في القدس ، بسبب تسريع عملية نقل بعضها إلى المدن الأخرى ، ورفع الدعم والموازنات لتلك المؤسسات مما ساهم في إغلاق بعضها ، وإهمالها في عدم متابعة الإغلاق قضائياً وقانونياً برفع القضايا وتوكيل المحامين من أجل إعادة إحيائها  . وتزامن كل ما سبق مع رفض الاحتلال إعطاء أية تراخيص جديدة لإقامة مؤسسات فلسطينية في القدس .

فالكيان اليهودي مارس منذ احتلاله لمدينة القدس أبشع الإجراءات والاعتداءات على الأوقاف الإسلامية ، بدءا من تدمير حارة المغاربة الوقفية التي كانت تضم 135 بيتاً وأربعة مساجد والمدرسة الأفضلية وأوقاف أخرى. 

وطالت الاعتداءات قبور الأموات ، فأقاموا متحف أسموه " متحف التسامح " !! على أرض مقبرة " مأمن الله" التاريخية التي تضم رفات الصحابة والصالحين والفاتحين .

وسبق ذلك تدمير أكثر من 1200 مسجد في المناطق التي احتلوها عام 1948م ، وحولوا ما تبقى منها إلى بارات ومطاعم ومراقص وبيوت للخنا والفجور الذي يجيدوه .

 

ماذا أراد اليهود لهذا الشعب ؟!

أرادوا لهذا الشعب أن يستجدي " رغيف الخبز " وأضحت معاناته محل سخرية المسؤولين اليهود  ، فقد نشرت الصحافة العبرية ما قاله "دوف فايسغلاس" في لقاء لقيادة حزب كديما : "سنجعل الفلسطينيين يضعفون دون أن يموتوا " فانفجر المشاركون ضحكا!!

وتساءل بعض كتاب اليهود !! لماذا تحرص القيادة اليهودية على إفهام الشعب الفلسطيني أن الحصول على الطعام ولوازم الحياة يلزمه العودة إلى رشده والقبول بكل ما تريده القيادة اليهودية !!

ومحصلة المعاناة في قطاع غزة  أن : أسرتين من بين كل ثلاث أسر تعاني من الفقر ، وفي الضفة أسرة من بين كل ثلاثة أسر تعاني الفقر والعوز .

 

أهداف الحملة اليهودية ضد المؤسسات الخيرية والتطوعية :

لا شك أن الحملة على المؤسسات الخيرية والاجتماعية والصحية في مدن الضفة الغربية هي حملة غير مسبوقة وتستهدف أمور عده منها نذكر منها :

أولاً : هي حملة قريبة وإلى حد كبير من الحملة التي تقودها الولايات المتحدة ضد المؤسسات الخيرية الإسلامية في العالم أجمع واتهامها جزافاً والعمل على إصدار الأحكام ورفعها إلى مجلس الأمن الدولي ليقرها عالمياً ، وإن لم تمرر تلك القرارات  فإن بنوكنا العربية ستقوم بالواجب حتى من غير قرار وتتخوف من التحويلات !! لجمعيات خيرية لا ذنب لها ولم تدرج ضمن قائمة الإرهاب الظالمة .

ثانياً : ما حدث في الكثير من المدن الفلسطينية من إغلاق مدارس ومؤسسات خيرية وصحية وتعليمية وإعلامية إلى حد مصادرة باصات المدارس وأجهزة الحاسوب واقتحام بلدية نابلس ومصادرة محتويات تلفزيون آفاق، هو رسالة من قادة اليهود بأن مشروعهم مستمر وأن أيديهم ستطول من تريد من الأفراد والمؤسسات  والممتلكات ، وأن سيادة السلطة الفلسطينية في الضفة هي سيادة وهمية يراد منها فقط ضرب أي مشروع مقاوم للاحتلال وحفظ الأمن لليهود فقط !!

ثالثاً :  الكيان اليهودي يعتبر العمل الخيري لفلسطين خطراً لابد من بتره ، لأنه يمثل الرباط العقدي والنصرة الواجبة بين المسلمين ، فقطع الصلة بين أبناء هذه الأمة عبر ما يقدموه من دعم مادي ومعنوي لإخوانهم في أرض فلسطين  ، هدف يهودي لابد من تحقيقه خلال الفترة الحالية لعزل أهل فلسطين عن نصرة إخوانهم في العقيدة ؛ ولا شك أن إعلان الحرب على الشعب الفلسطيني ، القصد هو إيصاله إلى درجة الإحباط والاستسلام التام، لزعزعة أركانه ووجوده على أرضه وتمسكه بعقيدته ومقدساته .

رابعاً :  وهدف اليهود من هذا التضييق إبقاؤهم أذلاء على أبواب الاحتلال يستجدون لقمة عيشهم ولا يفكرون بكرامتهم وعزتهم ، أما الشعب العربي والإسلامي المتحرق لدعم الشعب الفلسطيني بكل السبل ؛ والذي يجد نفسه عاجزا أمامهم نكبتهم اليومية ولا يجد غير ماله ليجود به على إخوانه الفلسطينيين فإن المطلوب منه الآن التخلي عن ذلك القليل الذي يقدمه ، فلا مؤسسات يمكن دعمها والتعامل معها !!

 

إجراءات السلطة الفلسطينية :

وبشكل متزامن تعرضت مؤسسات العمل الخيرية لإجراءات غير مسبوقة من قبل أجهزة الأمن الفلسطينية في الضفة الغربية شملت إغلاق عدد كبير منها وتحويل إدارة البعض منها لأشخاص محسوبين على حركة فتح العمود الفقري للسلطة الفلسطينية بعد حل اللجان المشرفة السابقة.

وجاء التشديد في الفترة ( 2007- 2008) على الجمعيات الخيرية الإسلامية في الضفة الغربية وقطاع غزة بذريعة أنها تدعم الحركات والجماعات الإسلامية "الأصولية"، رغم أنّ الأمر يتعلق بشبكة خدمات اجتماعية فاعلة تقدم يد العون إلى الجمهور الفلسطيني المتضرر من سياسات التجويع والتجهيل والإفقار.

وأعلن رئيس وزراء حكومة تسيير الأعمال في الضفة الغربية  سلام فياض، خلال اللقاء الذي عقد مع ممثلين عن الصحف المحلية الفلسطينية بتاريخ 27/8/2007م، عن توقيع وزير الداخلية على قرار حلّ 103 جمعيات خيريّة وهيئات أهلية، "وذلك تحت مبرر "بعد أن تأكّد للحكومة بالبحث والدراسة مخالفة الجمعيات الصادر بحقها القرار للقانون في أنشطتها المالية والإدارية، ممّا اقتضى تدخل الجهات الرسمية لتصويب هذا الوضع". الأمر الذي فنده القائمون عليها .

ودافع وزير الداخلية في حكومة فياض بقرارات ملاحقة الجمعيات والمؤسسات  بقوله " نحن كوزارة داخلية طالبنا بتصويب أوضاع الجمعيات حسبما نص القانون ولا نقوم بهذا ضد أي جمعية بسبب تبعيتها.

وما يثير الغرابة برأي مراقبين أن تعمد السلطة الفلسطينية إلى تسييس ورقة العمل الخيري وتشديد الخناق على الجانب الإنساني، كإصدار "مرسوم رئاسي" بإلغاء تسجيل الجمعيات والمؤسسات الأهلية ذات النفع العام القائمة، وفي مقدمتها الجمعيات الخيرية، وهو ما عدّه حقوقيون بمثابة "مجزرة قانونية"؛ لأنه يلحق الضرر البالغ بحياة الشريحة الفقيرة الواسعة من الشعب الفلسطيني، التي تدفع الثمن غالياً بسبب هذه السياسات التي تكتسب طابع التواطؤ المبرمج.

وهذه جريمة ترتكب بحق الشعب الفلسطيني , وتدمير للعمل الخيري ، تزيد معاناته , وتقطع العمل الخيري عن هذا الشعب، لأن البديل ليس موضع ثقة بل هو متهم بالسرقات وانعدام الأمانة ، فالجميع يتساءل أين أموال منظمه التحرير لسنوات عديدة والتي كان مصيرها كما نرى ونسمع؟ بل إن فتح نفسها تنتقد المنتفعين والفسدة في داخل هيكلها التنظيمي !! 

وفُرض على حكومة عباس أن تكمل هذا الإغلاق والتضييق حتى أصبحت عدد المؤسسات الخيرية في الضفة لا تتعدى 57 مؤسسة وأغلبها غير فاعل، ولجان الزكاة خلال 2008 قلصت من  98 لجنة إلى 11 لجنة مركزية وفي المقابل الكيان اليهودي  يرعى 40 ألف مؤسسة خيرية وتطوعية ومجتمعية، توفر 235 ألف فرصة عمل والإيرادات تتعدى 11 مليار سنوياًَ !!

وأكملت المسيرة السلطة الفلسطينية وازداد التشديد في عامي 2007 و 2008م التشديد والتضييق والإغلاق للعديد من الجمعيات الخيرية فقد تم تجميد حسابات وإغلاق 103 جمعيات ومؤسسات بذريعة ارتكابها مخالفات قانونية وإدارية أو مالية، وأعادت الحكومة في الضفة النظر في مئات التراخيص الخاصة بجمعيات تصنف بأنها خيرية، وذلك في إطار التضييق على عملها الإنساني لأسباب سياسية محضة، وفي أحيان أخرى تنفيذا لأوامر الكيان اليهودي !!

 وزاد من قسوة الأمور على الفلسطينيين أن هذه الحملة تصاعدت في ظل تدهور الأوضاع المعيشية للمواطنين الفلسطينيين !! مما أفقد الآلاف من الأسر الفقيرة والأرامل والأيتام مخصصاتهم جراء هذه الإجراءات، وازدادت الضغوطات على مؤسسات العمل الخيري في فلسطين، وتم إغلاق عدد كبير منها وغُيرت مجالس إدارتها إلى جانب تحجيم عملها؛  مما أدى إلى تراجع  المشاريع التي تنفذها في كل من الضفة والقطاع رغم اختلاف طبيعة كل منطقة والظروف المحيطة بها .

وزيادة في التضييق صدر قرار من السلطة الفلسطينية بتوحيد لجان الزكاة في الضفة الغربية، وتشكيل 11 لجنة مركزية بحيث تحتوي كل محافظة على لجنة مركزية واحدة فبعد أن كان عدد لجان الزكاة في المحافظات الفلسطينية 93 لجنة حتى نهاية 2007م تقلص عددها الآن إلى 11 لجنة مركزية، وأصبحت هذه اللجان تضم أعضاء جدداً ولم تسلم من ذلك لجان الزكاة في القرى التي حلت مجالسها والتي هي الأقرب لحاجات القرى وأهلها، فمعظم كفالات الأيتام التي كانت تنفذها لجان الزكاة تم تحويلها على الشؤون الاجتماعية؛ وحتماً سيؤدي ذلك إلى فقد الثقة والمصداقية لأنها ستعمل وفق أجندات حزبية وحكومية ضيقة بعدما كانت تعمل في فضاء العمل الخيري دون تدخل أو توجيه من أحد مما يعني المس بقدرتها على العمل.

وحسب التقارير الرسمية كان عدد الجمعيات المسجلة في الضفة الغربية وقطاع غزة في العام 2002 بلغ حوالي 1250 جمعية؛ منها حوالي 675 جمعية في الضفة الغربية و 575 جمعية في غزة، ولا تتعدى نسبة الجمعيات والمؤسسات الخيرية والإغاثية الـ 45%، علما بأن عدد الجمعيات العاملة منها ليست أكثر من العُشر!! وبذلك تكون الهيئات الإغاثية الخيرية الفاعلة والعاملة في الضفة القطاع لا تتعدى 100 جمعية وقد أغلقت أكثرها !!

وحسب التقرير البحثي لمؤسسة التضامن الدولي لحقوق الإنسان فقد بلغ عدد الجمعيات والمؤسسات الخيرية والاجتماعية التطوعية التي دوهمت من قبل قوات الاحتلال وعبث بمحتوياتها وصودرت ممتلكاتها وأغلق بعضها خلال العام 2007م بلغت 55 مؤسسة؛ وخلال عام 2008م ارتفع العدد ليبلغ 78 مؤسسة .

إفرازات  إغلاق وتحجيم العمل الخيري الإسلامي في فلسطين:

لقد أدى غياب وتغييب مؤسسات العمل الخيري في فلسطين إلى بروز  العديد من المظاهر في المجتمع الفلسطيني بعضها ظاهر للعيان والآخر تحت الكواليس وبعيد عن الأنظار وابرز تلك المظاهر:

  • ضعف وتراجع مظاهر التدين في الشارع الفلسطيني بشكل لافت سواء الزي الشرعي(الجلباب) بالنسبة للإناث وانتشار أزياء فاضحة خاصة بين الناشئة لم يعدها المجتمع الفلسطيني سابقا.
  •  ضعف الإقبال على مراكز تحفيظ القرآن الكريم بسبب ضعف القائمين عليها وندرة حملات التشجيع لها وملاحقة المدرسين غيها.
  •  ازدياد حفلات الغناء والمجون والتي تقام في الجامعات والمراكز الشبابية دون السماح بنقدها أو تنظيم  ما يوازيها من حفلات إسلامية ملتزمة.
  •  انتشار الدعارة خاصة في البيئات الفقيرة بسبب ندرة المساعدات للأسر المحتاجة والتي فقدت مصدر معيشتها جراء إغلاق مؤسسات العمل الخيري.
  •  انتشار العلاقات المشبوهة بين طلبة الجامعات بسبب ضعف العمل الإسلامي في الجامعات الذي كان ينفذ أنشطة وفعاليات ممولة من الجمعيات الخيرية مثل تشجيع ارتداء الحجاب وتوزيع الكتب الدينية ومساعدة الطلبة الفقراء وتنظيم افطارات جماعية برمضان وتوزيع وجبات الإفطار.

 

وخلاصة الأمر المؤسسات والجمعيات الخيرية والتطوعية لها أثرها على الشارع الفلسطيني والمقدسي بالخصوص ، والتي تحسست حاجاتهم وآلامهم ، وعملت على تثبيتهم على أرضهم ، أريد لها أن تكون ضحية من ضحايا الاحتلال لإذلال هذا الشعب وجعله بلا مقومات للحياة والاستمرار.

فبينما تبلغ المؤسسات التطوعية في الكيان اليهودي 40 ألف مؤسسة.. قلص عدد الجمعيات الخيرية في ظل السلطة الفلسطينية إلى ما دون المائة وبعضها تراخيص من غير نشاط، ولجان الزكاة حُصرت إلى 11 لجنة مركزية فقط!!  ومجزرة تدمير القطاع الخيري انشطارية!! كما أن أشلاء ضحايا القصف اليهودي متناثرة!!

فمشروع ضرب العمل المؤسسي الفلسطيني مشروع بدأته بريطانيا في ظل انتدابها على فلسطين ، وأكملت المسيرة دولة الاحتلال اليهودي ، وعملت بمكر وخداع ودهاء لسلب أهل فلسطين من المؤسسات والهيئات والجمعيات ، ومازال مسلسل إغلاق المؤسسات المدنية والتطوعية والخيرية والثقافية والعلمية والمؤسسات الفردية وغيرها مستمر . 

الاحتلال اليهودي عمل بكل جهد ليكون المجتمع الفلسطيني بأكمله واقعاً تحت الفقر والإفقار وهدر كل حقوقه الفردية والجماعية ... وهذا ما يستدعي التمكين للمؤسسات الفلسطينية ... والضغط على السلطة الفلسطينية لتقديم رؤيتها الواضحة وموقفها من العمل المؤسسي على وجه العموم ، والخيري  والإغاثي على وجه الخصوص ...فلا حياد عن بناء المؤسسات الفاعلة والمتجددة وتفعيل الحراك الشعبي وكل ذلك مع الحفاظ على الثوابت سابقة الذكر .

 

التوصيات :

لا بد من دور العربي والإسلامي يرتقي إلى التخصصية والمنهجية لمواجهة المخططات اليهودية .. ومع كل العراقيل فما زلنا نملك الكثير ، ولنبدأ بأنفسنا ولنغير نظرة المجتمعات العربية الضيقة للعمل الخيري ، فلا بد من نشر الوعي لأهمية العمل الخيري والتطوعي ، وكشف أهداف ربطه بالممارسات الإرهابية ، ومعالجة النظرة الدونية من بعض فئات المجتمع والتي يلمسها العاملين في القطاع الخيري والإغاثي بشكل واضح .

ودراسة عقلية القوى التي تقف ضد العمل الخيري الإسلامي بكل أشكاله وأدواته ؛ وتحليل طبيعة الاتهامات الموجهة ضد العمل الخيري والمؤسسي. والرفض التام لربط العمل الخيري بالإرهاب ، وأن تولي الشعوب بداية العمل الخيري والعاملين فيه الثقة والدعم المعنوي والمادي ؛ وهذا يستدعي العناية الفائقة في اختيار المسؤولين للعمل في الجمعيات الخيرية بما يشكل إضافة مع تحقيق الاستفادة القصوى من الفاعلين في أوساط الشعب الفلسطيني .

وأن تولي الحكومة الفلسطينية والحكومات العربية والإسلامية العمل المؤسسي الثقة والاهتمام والدفاع ( كما حصل مع جمعية إحياء التراث في الكويت حين اتهمتها الولايات المتحدة بالإرهاب ووقف الجميع في الكويت من قيادة وحكومة وبرلمان وشعب ضد هذا الاتهام ، بل وفرت الحكومة لها لجنة محامين للدفاع عنها ) مما عرقل القرار بحمد الله ومنّه .    

والعمل على توفير الحصانة لرموز العمل الخيري ، ومؤسساتهم وتقديم العون لها لتخفف على الحكومة مهام لا تستطيع أن تتجاوب معها . مشاركة الجهات الحكومية والقطاع التجاري في حملات ومشاريع الجهات الخيرية والمؤسسات المجتمعية ، مما يعقد الأمر على من أراد أن يتهم ويضيق على تلك المؤسسات .

وتشكيل لجنة قانونية لحماية العمل الخيري بمؤسساته ومنشآته وانجازاته لتجنب الاتهامات المعلبة ؛ وتشكيل مجالس تضم المؤسسات الخيرية لتتكاتف الجهود والتواصل للدفاع عن المؤسسات التي تتهم والعمل على استمرار عملها .

والبعد عن الحزبية وعدم تأطير المؤسسة بإطار حزبي ، يخدم أهداف بعيدة.

فمن حق الفلسطينيين تأسيس وإنشاء الجمعيات والهيئات الأهلية المنظمة لمختلف الأنشطة الأهلية ، وممارسة النشاط الاجتماعي والثقافي والمهني والعلمي ، بما يتوافق مع أحكام الشريعة بما في ذلك الحق في تشكيل وتسيير الجمعيات والهيئات الأهلية ؛ فلماذا يحرم المجتمع الفلسطيني من هذا الحق !!

ولا بد من مواجهة  اتهامات العلمانيون الذين لعبوا دوراً بارزا في تشوبه العمل الخيري ومؤسساته وكانوا داعمين لتوجهات الغرب وأطروحاته في ضرب العمل الخيري الإسلامي ومؤسساته في العالم وعلى وجه الخصوص فلسطين .

 

.