فلسطين التاريخ / تهويد وتزوير وإجرام

رسائل خاصة من الطفل اليهودي إلى الطفل الفلسطيني

 

التقرير :

 

      طلب أحد الباحثين الإسرائيليين لإغراض أكاديمية من 84 طفلاً إسرائيلياً أن يكتب كل واحد منهم رسالة لطفل فلسطيني يتصور أنه يعرف عنوانه ويريد أن يقول له شيئا ، بهدف أن يتعرف الباحث على مشاعرهم نحو نظرائهم الفلسطينيين فإذا النتيجة كارثة ، وهي أن حقد الإسرائيليين على الفلسطينيين متأصل وفطري والسلام بينهما من أصعب ما يكون ، وفق ما ذكره آري شيرابي عن محتويات رسالة دكتوراه بالعلوم النفسية ، الاجتماعية ، قدمها إلى معهد لندن للعلوم الاقتصادية حيث يدرس الآن في العاصمة البريطانية ، ويقول شيرابي ، وهو ضابط متقاعد لسنوات في وحدة مكافحة الإرهاب بالجيش الإسرائيلي : إنه أراد التعرف إلى مشاعر الأطفال الإسرائيليين نحو نظرائهم الفلسطينيين وسط الانتفاضة الدائرة رحاها منذ عام وأشهر ، وقد وجدت في النتيجة ما يدعو إلى البكاء ، على حد تعبيره لصحيفة معاريف اليهودية التي نشرت ملخصات عما توصل إليه ليس فقط بسبب حقد أطفالنا العميق على أطفال الفلسطينيين ، إنما لأن السلام الذي نتحدث عنه جميعا كبالغين ، فارغ من الجذور الضرورية والإيجابيات على الصعيد النفسي الاجتماعي منذ الصغر ، وأورد شيرابي نماذج من الرسائل الموجهة إلى أطفال الفلسطينيين من صغار الإسرائيليين ، ومعظمهم من الكيبوتزات وفي مرحلة الدراسة الابتدائية ، ومنها واحدة تخيل فيها طفل لا يزيد عمره على 9 سنوات بأنها ستصل عبر البريد إلى طفل فلسطيني سماه محمودا ، وفيها يقول له : أسألك عن شيء لا أفهمه ، فهل تجيبني ؟ لماذا نبدوا دائما بمظهر حسن وجميل ، وأنتم تبدون سود البشرة وبشعين ولكم رائحة ؟ لماذا عندما أكون خارج البيت وأشم رائحة كريهة ، ألتفت دائما وأرى أنها من واحد منكم يمر بقربي ؟ وكتب آخر في العاشرة من عمره رسالة لطفل فلسطيني سماه محمدا ، وظن أن رسالته ستصل إليه أيضا بالبريد ، وبدأها يقول : إلى محمد المسموم ، أتمنى لك أن تموت ، شالوم لي وليس لك ، فيما كتب طفل إسرائيلي آخر عمره 9 سنوات رسالة لنظير فلسطيني بالعمر ، أي 9 سنوات أيضا وأطلق عليه اسم ياسر : يا عربي ، يا حقير وغبي ، لو رأيتك قرب بيتنا فسأشرب من دمك يا ياسر . 

 

      وكتبت طفلة في التاسعة من العمر تقول لطفلة فلسطينية : إلى الغبية والحمارة لا أريد أن أذكر اسمك في مقدمة الرسالة ، كي لا أتسخ ، توقفي عن رمي الحجارة علينا ، وإلا فإن شارون سيزوركم بالبيت ويحمل معه عقارب وأفاعي وفئرانا .

 

      أما الأغرب ، فكانت طفلة في الثامنة من عمرها ، كتبت تقول لنظيرة لها بالعمر فلسطينية:  شارون سيقتلكم ، أنتم وجميع سكان القرية ، سيحرق أصابعكم بالنار أخرجي من قرب بيتنا يا قردة ، لماذا لا تعودون من حيث جئتم ؟ لماذا تريدون سرقة أرضنا وبيوتنا ؟ وها أنا أقدم لك هذا الرسم لتعرفي ماذا سيفعل بكم شارون ، ها ها ها ، ولم يكن الرسم سوى لرئيس الوزراء الإسرائيلي ، وهو يحمل بيديه رأس طفلة فلسطينية ينزف دماً .

 

 

 

التعليق :

 

      هذا التقرير كان من باحث أكاديمي ، ومعلوم أن البحث الأكاديمي يقوم على المسح والإحصاء ، وتحري الدقة قدر الإمكان ، لا سيما إذا كان الباحث سينال عليه درجة العالمية الدكتوراه كما هو الشأن في هذا البحث .

 

 

 

ومن الدلالات التي تؤخذ من نتيجة هذا البحث ما يلي :

 

      أولا : تجذر عداء أهل الكتاب للمسلمين ، حتى غدا وكأنه عداء فطري يولد عليه أطفالهم ، وتلك قضية محسومة في شرعنا ، إذ أن أهل الكتاب خاصة اليهود حسدوا الأمة العربية على أن يكون خاتم الرسل منهم ، وقد كانوا ينتظرون أن يكون من اليهود ، لكثرة الرسل الذين أرسلوا إليهم ، ولأنهم أمة تعلم الكتاب والرسالات بخلاف الأمة العربية قبل بعثة خاتم النبيين عليه الصلاة والسلام ، وكان اليهود في المدينة يفاخرون على العرب بهذه الخصيصة التي يرون أنهم مختصون بها ، ويتوعدونهم بالقتل والسبي والغلبة عليهم حين خروج هذا النبي ، الذي ينتظرونه ويظنون أنه سيكون منهم ، فلما بعث محمد صلى الله عليه وسلم وكان من العرب حسد اليهود العرب على ذلك كما قال الله تعالى : ] وَدَّ كَثِيرٌ مِّنْ أَهْلِ الكِتَابِ لَوْ يَرُدُّونَكُم مِّنْ بَعْدِ إِيمَانِكُمْ كُفَّاراً حَسَداًّ مِّنْ عِندِ أَنفُسِهِم مِّنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الحَق [ (البقرة : 109) . قال ابن عباس رضي الله عنهما : كان حيي بن أخطب و أبو ياسر بن أخطب من أشد يهود العرب حسدا إذ خصهم الله برسوله صلى الله عليه وسلم وكانا جاهدين في رد الناس عن الإسلام ما استطاعا فأنزل الله فيهما هذه الآية ( تفسير ابن كثير 1/212 ) .

 

      لقد كان اليهود يعرفون وصفه من كتبهم ، ويعرفون أن مهاجره إلى المدينة ، لكنهم بدل أن يؤمنوا به ويكونوا من أتباعه كفروا به ، لأنه بعث من الأمة العربية ، وتلك عنصرية ما بعدها عنصرية ، إذ أعماهم حسدهم وحقدهم عن الحق فرفضوه وحاربوه ، وهم يعلمون بأن الغلبة له ، فأهلكوا أنفسهم ، واستوجبوا عقاب الله تعالى واستحقو لعنته كما قال الله فيهم : ] وَلَمَّا جَاءَهُمْ كِتَابٌ مِّنْ عِندِ اللَّهِ مُصَدِّقٌ لِّمَا مَعَهُمْ وَكَانُوا مِن قَبْلُ يَسْتَفْتِحُونَ عَلَى الَّذِينَ كَفَرُوا فَلَمَّا جَاءَهُم مَّا عَرَفُوا كَفَرُوا بِهِ فَلَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الكَافِرِينَ [ ( البقرة : 89 ) .

 

      جاءهم القرآن مصدقا للتوراة ، وعرفوه وأيقنوا صدق من جاء به ، لكنهم كفروا به ، لأنه لم يكن منهم فلعنة الله عليهم .

 

      والنصوص من الكتاب والسنة كثيرة في هذا الباب ، ويأتي هذا التقرير من باحث يهودي ، ليكشف عن تجذر هذه العداوة في أطفالهم ضد المسلمين .

 

 

 

      ثانيا : لا بد من سؤال يطرح من الذي ربى أطفال اليهود على كراهية المسلمين ، والحقد عليهم ، حتى عبروا عما في قلوبهم بتلقائية وعفوية غير متكلفة .

 

      إنه الإعلام والتعليم والأسرة ، إنه البرامج التليفزيونية اليهودية ، والصناعة السينمائية التي برع فيها اليهود ، إنه الصحف والمجلات اليهودية التي تشوه صورة المسلمين ، وتلصق بهم وبدينهم كل نقيصة ، وتشوه تاريخهم ، وتشكل في عقلية المتلقي عن هذه الوسائل الإعلامية صورة المسلم بأنه وحشي متسلط سفاك للدماء لا يعرف الرأفة والرحمة ، ولا يفقه أبجديات الحضارة والتقدم .

 

      إنه مقررات التعليم اليهودية التي تكرس العنصرية لعرقهم وشعبهم المختار ، حسب زعمهم، وتزرع كراهية غيرهم في قلوب تلاميذهم ، خاصة الأمة المسلمة ، وتنشئهم على ذلك .

 

      إنه الأسرة اليهودية التي يرى فيها الولد والديه يكرهان المسلمين ويشتمانهم ويتهمانهم بكل رذيلة .

 

      ومع هذه التربية التي حاصرت الطفل اليهودي في البيت والمدرسة والشارع في المقررات الدراسية والبرامج التلفازية والإذاعية ، في القصص والراوايات والصحف والمجلات ، كان لا بد من أن تتشكل عقلية هؤلاء الأطفال اليهود على حسب ما يخطط له دهاقنة اليهود من حاخامات وسياسيين ومفكرين وهو كراهية غيرهم ، والاعتزاز بعرقهم ودينهم وجنسهم ، وإحساسهم بالتميز عن غيرهم ، والرفعة عليهم ، لضمان بقائهم ، وحفاظا على كيانهم وهويتهم ، لأنهم أمة قليلة معرضة للذوبان في الأمم التي تفوقها من حيث الكثرة العددية .

 

      ومع بالغ الأسى والأسف فإن الأمة المتميزة بدينها الذي هو دين الأنبياء أجمعين ، ونبيها الذي هو خاتم النبيين وأفضلهم ، وثقافتها المختصة من بين سائر الثقافات باستمدادها من الوحي الرباني يربي أطفالها في كثير من الأقطار على الذوبان في الآخر باسم السلام ، ومحبة الآخر ، وتحت مشروع التطبيع مع المحتل الغاصب ، الذي انتهك الحرمات ، واستباح الدماء ، ودنس المقدسات .

 

 

 

      ثالثا : يحلو لكثير من العاملين العرب ماركسيين كانوا أم ليبراليين ، انتقاد المناهج الدينية التي تدرس لطلاب المسلمين ويرون أنها تكرس العداء للآخرين ، وتربي الطالب على كراهية من ليس على دينه ، وتؤدي إلى التفرقة العنصرية ، والإحساس بالتفوق الديني على أصحاب الديانات الأخرى ، لا سيما ما يتعلق بفقرات الولاء للمؤمنين والبراءة من الكافرين التي تأخذ باباً أو أكثر من أبواب كتب العقيدة والتوحيد ، وكذلك النصوص القرآنية التي تثبت عداوة أهل الكتاب ، اليهود والنصارى للمسلمين وتحذر منهم ، وكذلك السيرة النبوية التي تلقي الضوء على خيانات اليهود وغدرهم وكيفية تعامل النبي صلى الله عليه وسلم معهم سواء مع بني قريظة أو النضير ، أو قينقاع ، أو في خيبر ، ويرى هؤلاء العلمانيون أن مثل هذه المقررات تكرس العداوات ، وتعارض ثقافة السلام والمحبة ، ولطالما طالبوا بحذفها من المناهج الدراسية ، حتى قال قائل منهم : إذا لم يعترف المسلمون بأن اليهود والنصارى سيدخلون الجنة مثلهم فهم أعداء للسلام ، وقال آخر في قطر آخر : إذا لم يعلن الأصوليون المسلمون بأن النصارى سيدخلون الجنة مثلهم فهم ضد الوحدة الوطنية .

 

      ومما يحزن أن بعض الجهات التعليمية والثقافية في البلاد الإسلامية استجابت لمثل هذه الدعوات ، وبدأت بتجفيف منابع ما يسمونه : كراهية الآخر ، وألغت كثيراً من مقررات التوحيد والتفسير والسيرة النبوية ، إرضاء لليهود ومن ورائهم ، في الوقت الذي كان اليهود ولا يزالون يزرعون في عقول أطفالهم كراهيتهم للعرب وللمسلمين ويحرضونهم على الإنتقام منهم والتشفي فيهم ، وكان من نتائج ذلك : تلك الرسائل التي كتبها أطفال يهود بمحض إرادتهم واختيارهم .

 

 

 

      رابعا : إن المسوقين لثقافة السلام ، الداعين إلى التطبيع مع الأعداء من بني قومنا يمارسون أبشع صور التغرير والخداع ، إذ يخدرون الأمة بالوعود الكاذبة ، والأمانية المفلسة ، في الوقت الذي يضمر فيه الآخرون لنا العداء والشر ، ويخططون للقضاء علينا باتخاذ الوسائل الكفيلة بذلك سياسياً وعسكرياً واقتصادياً وثقافياً ، فلا السلام تحقق ، ولا بنى المسلمون قوتهم ، ووحدوا صفهم، لمواجهة هذا العدو الغادر الخائن ، ولم يسكت بعد دعاة التطبيع ، والإخاء الإنساني ، والمحبة بين بني البشر عن دعواتهم الجوفاء ، رغم ما يشاهدونه كل يوم في فلسطين من قتل ودمار واعتداء ، ألا أخرس الله ألسنتهم وكسر أقلامهم .

 

      خامسا : يبين هذا التقرير حجم المهزلة التي صدقها بعض بني قومنا بإنشاء جمعية بذور السلام التي اختاروا فيها عددا من أطفال اليهود ، مع بعض أطفال المسلمين من فلسطين وغيرها، وقاموا برحلة سياحية لدعم السلام ، وإزالة العداء ، وبذر بذور السلام في الأطفال لما عجز الساسة والمحللون والمفكرون والإعلاميون عن الكبار ، فها هم صغار اليهود ، وهذه هي مقولاتهم ، وتلك هي نظرتهم لأقرانهم الفلسطينيين ، فما عادت بذور سلام ، وإنما هي بذور عداء لكل مسلم .

 

 

 

      سادسا : لقد برع اليهود في تربية أطفالهم على تزوير الحقائق ، وأقنعوهم بأن ملاك الأرض الحقيقيين هم اليهود ، وأن الفلسطينيين مغتصبون لها ، وهذا ظاهر في الرسالة الأخيرة للطفلة الإسرائيلية التي قالت فيها تخاطب نظيرتها الفلسطينية : لماذا لا تعودون من حيث جئتم ؟ لماذا تريدون سرقة أرضنا وبيوتنا ؟

 

      لقد كذب اليهود وبرعوا في الكذب وصدقوا كذبهم ، وأقنعوا به أطفالهم ، حتى قالت هذه الطفلة اليهودية ما قالت بكل براءة يتسم بها أي طفل .

 

      إنها التربية اليهودية التي تعني بالأطفال قبل الكبار ، وتشاركهم في هموم أمتهم ، وتقنعهم بحقوق ليست لهم ، وغدا سيصبح هؤلاء الأطفال حاملي هذه العقليات المعدة إعدادا جيدا ، هم المسئولون ، وصناع القرار ، ومديرو دفة السياسة في بلادهم ، وحينذاك هل يا ترى سيستطيع العرب بأطروحاتهم العلمانية إقناعهم بأن آباءهم قد قدموا إلى فلسطين من شذاذ الآفاق ، ومختلف الأقطار ، ليغتصبوا الأرض من أهلها الأصليين ؟ وإذا كان العرب قد عجزوا عن إقناع من اخترعوا الكذبة بأنها كذبة ، فكيف بمن ولدوا في أحضانها ، هل سيصدقون أنها كانت كذبة .

 

      وأخيرا : لعل نكرة من دعاة التطبيع يقول : لنكن خيرا ًمن اليهود فإذا ضربونا فلنبتسم ، وإذا قهرونا فلنصبر ، وإذا أهانونا فلنقبل ، وإذا ربوا أطفالهم على كراهيتنا فلنرب أطفالنا على محبتهم .

 

      لنتنازل لهم عن أرضنا ومسجدنا وقدسنا ودمائنا التي تنزف بغزارة كل يوم .

 

لنعطهم القدس ولتكن أورشليم العاصمة الموحدة لإسرائيل التي يحلمون بها ، بل لنعطهم أرضنا من النيل إلى الفرات ، لنكن خيرا ًمنهم على كل حال .

 

      هل تصدق أيها القارئ ، أن ليبرالياً عربياً قالها وكتبها في صحيفة مشهورة وحجته في ذلك  أننا إذا فعلنا ذلك نحرجهم لنعطهم ما يريدون ثم ننظر ماذا يريدون زيادة على ذلك ، فإذا لم يقبلوا قلنا للعالم : انظروا إلى اليهود ، أعطيناهم كل ما يريدون ، ومع ذلك لم يقبلوا ولم يرضوا عنا ، وحينئذ نثبت للعالم أنهم هم أعداء السلام ، ولسنا نحن ، ويكفينا مكسبا هذا الإثبات ولو خسرنا كل شيء ، يا له من مكسب كبير ، ألا قاتل الله الهوان ، وفضح المنافقين .

 

 

 

 

 

المرجع: مجلة الجندي المسلم - العدد 105

.