فلسطين التاريخ / الواقع والمأمول

للمرة 1947 لا للدم السني الفلسطيني المسلم ....!

للمرة 1947 لا للدم السني الفلسطيني المسلم ....!

    

 بقلم الأستاذ: عمر غانم حفظه الله

 

            لم يعد سراً ما يخطط له الكيان الصهيوني ويرنو إليه ويصبو إليه، ومن ورائه آجلاً أو قل لاحقاً السعي الحثيث من أجل خلق فتنة في الشارع الفلسطيني، وإشعال فتيل الحرب الأهلية كي يُرى الدم الفلسطيني يسفك بأيدٍ فلسطينية، وهي فتنة تطبخ منذ أمد على المستوى السياسي والإعلامي الموجه لدى العدو الصهيوني وجره إلى ويلات يعرف أولها ولا أحد يعرف آخرها, تأكل الأخضر واليابس وتحرق كل ما أصطلح على تسميته بالمنجزات الضخمة التي حققها هذا الشعب المنكوب، ومن ثم تمرير المشاريع الصليبية الصهيونية التي عفا عليها الزمن, والتي ما زال أصحابها يعقدون الأمل عليها!! وإيجاد أجهزة أمنية فلسطينية قوية تأخذ على عاتقها توفير الأمن لإسرائيل.

            وبين ثنايا الفتنة السياسية, الرضا عن هذا الطرف ومباركة سياسته, والسخط على ذلك الطرف والتنديد بتصلبه. لأن ثمَّ أطراف إقليمية ودولية تريد رأس حماس بأي ثمن, وتحاول إفشالها واثبات أن خيار المقاومة عاجز عن الحكم وتوفير مستلزمات الحياة للشعب الفلسطيني, وإجبارها على القبول بالشروط الإسرائيلية المغلفة عربياً وأمريكياً.

            ولأن المقام مقام جد لا هزل فيه، إذا دقت طبول الحرب، لتهلك الحرث والنسل!! وتشيع في الأرض الدمار والخراب! وهي مجرد بداية كما يقولون، ثم تتلوها صواعق أخرى، ولأن العاقل لا ينتظر حتى يقع الفأس في الرأس! وحينها لا ينفع الندم! فان هناك أمور لا يحل لمسلم أن يتعداها عند وقوع الفتن مهما كانت الظروف ومهما كانت الضائقة، لأنه لا فائدة في رفع السلاح بين أبناء هذا الشعب مهما كانت الأسباب والمسببات الساعية لإشعال نار الفتنة وإيقاد أتونها، وهو الذي حذرنا منه U فقال: "قُلْ هُوَ الْقَادِرُ عَلَى أَنْ يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عَذَاباً مِنْ فَوْقِكُمْ أَوْ مِنْ تَحْتِ أَرْجُلِكُمْ أَوْ يَلْبِسَكُمْ شِيَعاً وَيُذِيقَ بَعْضَكُمْ بَأْسَ بَعْضٍ انْظُرْ كَيْفَ نُصَرِّفُ الْآياتِ لَعَلَّهُمْ يَفْقَهُونَ" (الأنعام:65) ، وعليه فلا بد أن يعلم الجميع هذه الأصول:-

            أولاً: لا يحل ترويع المسلم في المسجد أو البيت أو السوق أو الطريق أو المؤسسات أو في أي مكان عموماً، وفي هذه البلاد المقدسة  "خاصة فلسطين". وإن تعظيم أمر الدماء، وتغليظ العقوبة عليها، واشتداد غضب الله على المجترئين عليها بغير حق، مما استفاض تقريره في الشريعة المطهرة، وأكدت عليه نصوص الوحيين قرآناً وسنة، فلا يزال العبد في فسحة من دينه ما لم يصب دماً حراماً، وكل ذنب عسى الله أن يغفره إلا الرجل يموت كافراً، أو مؤمناً يقتل مؤمناً متعمداً، ومن هنا كانت عقوبة القصاص في الشريعة، صيانة لدماء البشر، وحماية لها من المفسدين في الأرض! وكانت عقوبة الحرابة - وهي أشد وأغلظ - حماية للمجتمع من غوائل المارقين عليه، وتأكيد لحرمة الأمن العام في الشريعة المطهرة، قال تعالى: "ومن يقتل مؤمناً متعمداً فجزاؤه جهنم خالداً فيها وغضب الله عليه ولعنه وأعدّ له عذاباً عظيماً" ( النساء : 93)،  وقال تعالى: "ولكم في القصاص حياة يا أولي الألباب لعلكم تتقون"  (البقرة:179) وجاء في الأثر أن غلاماً قُتل غيلة – في اليمن – فلما بلغ عمر الأمر قال: "لو اشترك فيه أهل صنعاء لقتلتهم" أخرجه/ مالك والبخاري، وقال e: "من قتل معاهداً لم يرح رائحة الجنة وإن ريحها يوجد من مسيرة أربعين عاماً" أخرجه البخاري.

            وهذا التعظيم للدماء في الإسلام شريعة عامة لا يفرق فيها في الأصل بين مسلم وغيره، فلا تستباح الدماء في دار الإسلام إلا بإحدى ثلاث:  القتل العمد العدوان، أو الزنا بعد الإحصان، أو الردة بعد الإيمان، قال صلى الله عليه وسلم: (لا يحل دم امرئ مسلم إلا بإحدى ثلاث: النفس بالنفس، والثيّب الزاني، والتارك لدينه المفارق للجماعة)، هذا وقد جاء عنه e أنه قال: "لا يحل لمسلم أن يروع مسلماً" أخرجه أبو داوود، بل قال e: "سباب المسلم فسوق وقتاله كفر" أخرجه أحمد والبخاري ومسلم والترمذي والنسائي وابن ماجة وغيرهم. ولا تستباح خارج دار الإسلام إلا في الحرب المشروعة التي تكون لدفع العدوان: العدوان على بلاد الإسلام، أو العدوان على الإسلام نفسه، بفتنة الناس عنه، أو صدهم عن سبيله، ووضع المعوقات في طريقه، ومصادرة حق البشر في اختياره، قال تعالى: (وقاتلوا في سبيل الله الذين يقاتلونكم ولا تعتدوا إن الله لا يحب المعتدين) ( البقرة : 190 ) وقال تعالى: (ومالكم لا تقاتلون في سبيل الله والمستضعفين من الرجال والنساء والولدان الذين يقولون ربنا أخرجنا من هذه القرية الظالم أهلها واجعل لنا من لدنك ولياً واجعل لنا من لدنك نصيراً) ( النساء : 75 ).

            ثانياً: معقد الولاء والبراء في الشريعة هو الإسلام وما جاء به من البينات والهدى، فقد حرر الإسلام بني البشر من التعصب للأعراق والألوان والألسنة، وجعل محض ولاءهم للحق الذي نزل من عند الله، وأمرهم أن يكونوا قوّامين بالقسط شهداء لله ولو على أنفسهم أو الوالدين والأقربين، فهذه شريعة عامة تخاطب المسلم أينما كان، فوق كل أرض وتحت كل سماء، فالمسلم لا ينصر أحداً على باطل، مسلماً كان أو غير مسلم، فرداً كان أو كياناً سياسياً، غربيّاً كان أو شرقيّاً, قال تعالى: (لا تجد قوماً يؤمنون بالله واليوم الآخر يوادون من حاد الله ورسوله ولو كانوا آباءهم أو أبناءهم أو إخوانهم أو عشيرتهم أولئك كتب في قلوبهم الإيمان وأيدهم بروح منه) (المجادلة : 21)، أي لا يوادون المحادّين ولو كانوا من الأقربين، وقال تعالى: (قل إن كان آباؤكم وأبناؤكم وإخوانكم وأزواجكم وعشيرتكم وأموال اقترفتموها وتجارة تخشون كسادها ومساكن ترضونها أحب إليكم من الله ورسوله وجهاد في سبيله فتربصوا حتى يأتي الله بأمره والله لا يهدي القوم الفاسقين) (التوبة : 24)، فأمر تعالى بمباينة من حاد عن الحق فطغى، واستحب العمى على الهدى، ولو كان من أقرب الأقربين، فالقضية إذن منهج عام، فلو أن أحداً من بني قومه تعدى وجار، فإن نصرته لله أن يضرب على يده، وأن يمنعه من الظلم، لا أن يشاركه فيه -من أجل المكاسب الحزبية والتنظيمات السياسية- ويعينه عليه، فإن من نصر قومه على الباطل فهو كالبعير الذي تردى، فهو ينزع بذنبه! كما قال صلى الله عليه وسلم، وليس لنا مثل السوء!  في قول الله تعالى: (إنما جزاء الذين يحاربون الله ورسوله ويسعون في الأرض فساداً أن يقتلوا أو يصلّبوا أو تقطع أيديهم وأرجلهم من خلاف أو ينفوا من الأرض ذلك لهم خزي في الدنيا ولهم في الآخرة عذاب عظيم).

            ثالثاً: تسويغ مظاهرة المشركين على المسلمين... متى قررت الإدارة الأمريكية واليهودية أن السلطة بقيادة (حماس)هي المسئولة عن انقطاع الرواتب بسبب مواقفها الرافضة للاتفاقيات السابقة، والصغير والكبير يعلم أنهم ضحايا لفعل أمريكي إسرائيلي مشترك لا ذنب للحكومة فيه! وقد علم من دين الإسلام بالضرورة بطلان ذلك وتحريمه إلى الأبد، وإذا كانت حكومات البلاد الإسلامية ومنظمة التحرير الفلسطينية  قد دخلت معها في عهود ومواثيق فذلك شأنها، ولا يلزمنا من ذلك شيء؟! لأنها عقدت بمسميات وطنية إقليمية لا تلزم جميع المسلمين وتم فرضها عليهم بالقوة والسلاح ولم يستشر فيها العلماء، وحسبنا قول الله عز وجل: (يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا عدوي وعدوكم أولياء تلقون إليهم بالمودة وقد كفروا بما جاءكم من الحق)) الممتحنة : 1)،  وقد نزلت هذه الآية وما بعدها فيما هو أدنى من ذلك بكثير، في كتاب كتبه حاطب بن أبي بلتعة في لحظة من لحظات الضعف البشري إلى أهل مكة  يخبرهم فيه بما اعتزم عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم من قتالهم، فكيف بمن يظاهر على فريق من أمته بالسلاح!!، ويشارك مشاركة فعلية فيما يشن عليه من حروب إبادة شاملة؟! قد استفاض في نصوص الوحيين قرآناً وسنة أن معقد الولاء والبراء هو الإسلام وحده، وأنه (لا يتخذ المؤمنون الكافرين أولياء من دون المؤمنين، ومن يفعل ذلك فليس من الله في شيء)، وأنه (لا تجد قوماً يؤمنون بالله واليوم الآخر يوادون من حاد الله ورسوله ولو كانوا آباءهم أو أبناءهم أو إخوانهم أو عشيرتهم)، وقد سبق تفصيل القول في ذلك في ما سبق! ولأن مثل هذا الحال يجتمع في تحريمه نوعان من الأدلة: أولهما: نصوص تحريم الاقتتال بين المسلمين من ناحية، وثانيهما: نصوص النهي عن مظاهرة المشركين على المسلمين من ناحية أخرى.

            رابعاً: وقد تقرر في جميع الشرائع السماوية، وجميع القوانين الوضعية، تحريم الانتقام  بالظنة، أو تتبع عورة الناس وفضحهم أو رميهم بما ليس فيهم, فالمتهم بريء إلى أن تثبت إدانته، والحدود الشرعية تدفع بالشبهات، وليس مسلم أو غير مسلم أن يقدم على عقوبة أحد لم تثبت في حقه الجريمة التي يتهم بها، فلا تستحل الدماء، وينشر الدمار، بمجرد ظنون وهواجس، ومن فعل ذلك فقد بغى وتجاوز الحد، وحق على العالم كله أن يوقفه، وأن لا يظاهره على بطشه ورغبته في الانتقام  بحال من الأحوال. فالحذر ... الحذر أن تطيع من يأمرك بقتل المسلم المؤمن بظن أو ثأر خدمة لقائدٍ أو زعيمٍ أو أي مسئولٍ إلا بالحق الذي أشار إليه ربنا بقوله تعالى: "وَلا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ " (الأنعام: 151)، لأن من نفذت أوامرهم لن يحملوا عنك العذاب ولن يدخلوا النار بدلاً منك، وستقول عندها ما ذكره الله تعالى: "وَقَالُوا رَبَّنَا إِنَّا أَطَعْنَا سَادَتَنَا وَكُبَرَاءَنَا فَأَضَلُّونَا السَّبِيلا" (الأحزاب:67)، بل لقد ذكر الله تعالى مشهد تحاجج الأتباع والمتبوعين في النار، فقال تعالى: "وَإِذْ يَتَحَاجُّونَ فِي النَّارِ فَيَقُولُ الضُّعَفَاءُ لِلَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا إِنَّا كُنَّا لَكُمْ تَبَعاً فَهَلْ أَنْتُمْ مُغْنُونَ عَنَّا نَصِيباً مِنَ النَّارِ * قَالَ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا إِنَّا كُلٌّ فِيهَا إِنَّ اللَّهَ قَدْ حَكَمَ بَيْنَ الْعِبَادِ" (غافر:47،48).

            ومع ما هو معلوم من أن المفاسد المذكورة وأضعافها لا تبيح قتل أو قتال امرئ مسلم بغير حق، وقد قال صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع فيما أخرجه مسلم وغيره: (فلا ترجعوا بعدي كفاراً يضرب بعضكم رقاب بعض)، وقد رأينا إجماع الفقهاء على أن الإكراه على القتل ليس بعذر، ولو أتى على نفس المكره لاستواء كلا النفسين في الحرمة، وبالتأكيد على بقاء الولاء خالصاً لله ولرسوله ولجماعة المسلمين. قال تعالى: (إنما وليكم الله ورسوله والذين آمنوا الذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة وهم راكعون، ومن يتول الله ورسوله والذين آمنوا فإن حزب الله هم الغالبون) (المائدة : 55 – 56).

خامساً: إن مؤسسات الأمة: مدارسها، جامعاتها، مستشفياتها، وزاراتها ومؤسساتها الخدمية وما يخص هذه المؤسسات من عدة وعتاد، هي ملك للأمة وليست ملكاً لطائفةٍ أو فئةٍ أو حزبٍ أو تنظيمٍ أو جماعةٍ أو حركةٍ خاصة وأنها بنيت بأموالٍ جمعت باسم الأمة، وتخريبها والاعتداء عليها فيه خيانة للدين والأمة والوطن.. والمؤسف أن المظاهرات وأعمال العنف التي حدثت وأثارت الفوضى تأتي من قوات الأمن الداخلي الموكلة على حفظ الأمن والاستقرار والهدوء!! لا أن تكون مصدر الفوضى وبداية لإشعال نار الفتنة!! خصوصاً وأن السبب الرئيس في هذه الضائقة المالية ليس الحكومة الفلسطينية بقيادة (حماس) التي حاولت إدخال الأموال عبر معبر رفح فتصدى لمحاولاتها من لهم مصلحة في استمرار هذه الضائقة, والاحتلال الإسرائيلي والإدارة الأمريكية, والعجيب أن الولايات المتحدة هي التي تحدد من هم خصومها من المسلمين! وأجهزة استخباراتها شهود عدول! متى قررت أن هذه الجهة أو تلك هي المتطرفة!!

            أخيراً فإن الواجب على علماء الأمة من داخل فلسطين وخارجها والمخلصين والعقلاء جميعاً في كل فرقةٍ أو فئةٍ أو حزبٍ أو تنظيمٍ أو حركةٍ تحمّل المسؤولية، قال U: "وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا فَإِنْ بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ فَإِنْ فَاءَتْ فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا بِالْعَدْلِ وَأَقْسِطُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ" (الحجرات:9)، وأن السكوت عنها يخشى أن يصيب الناس جميعاً بهذه الفتنة قال تعالى: (واتقوا فتنة لا تصيبن الذين ظلموا منكم خاصة واعلموا أن الله شديد العقاب ).

            فدول الكفر بقيادة الولايات المتحدة تعمل على تدليل الكيان الصهيوني، وتضمن له من التفوق العسكري ما يكفي لإحالة المنطقة كلها إلى كومة من الرماد، وفوق ذلك تبذل له من الدعم السياسي في الأمم المتحدة وغيرها من المحافل الدولية ما يحول دون مجرد صدور قرار بالشجب أو الإدانة، تستر به المنظمة الدولية عورتها، وتواري به سوأتها! أليست الولايات المتحدة هي التي تظاهر على إخراجنا وقتل أطفالنا في هذه الأرض المحتلة بأيدي يهودية؟ وتفرض الحصار علينا؟ أليس السلاح الأمريكي والتقنية الأمريكية هي التي تضمن لعدونا التفوق العسكري، وتحمله على أن يعربد على أرضنا كما يشاء؟ إذن فلما نحارب بعضنا بعضاً ونترك عدونا، أو من أجل اتفاقيات يستفيد منها حفنة من مصاصي المال العام؟!! ولا ينبغي بأي حال من الأحوال أن تكون تلك الحرب الأهلية بالوكالة يحقق للعدو الإسرائيلي هدفاً استراتيجياً طالما سعى لتحقيقه, ولكن نقول للمرة الألف الأمل معقود بعد الله عز وجل على العقلاء والحكماء من أبناء الشعب الفلسطيني.

 العدد الثالث – مجلة بيت المقدس للدراسات

.