القدس والأقصى / خطب مقدسية

حرب غزة خطوة في زوال دولة يهود (1-2)

 

 

حرب غزة خطوة في زوال دولة يهود (1-2)

 

لفضيلة الشيخ / عبد الرحمن عبد الخالق حفظه الله

 

بتاريخ: 26/محرم/1430هـ 23/1/2009م

 

 

إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا من يهده الله فهو المهتد ومن يضلل فلن تجد له ولياً مرشداً .

وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمداً عبده ورسوله..

أما بعد ، فإن خير الكلام كلام الله تعالى وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم وشر الأمور محدثاتها وكل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار .

 

وبعد ... إخواني الكرام ، الجهاد في سبيل الله فريضة ماضية منذ شرعه الله تبارك وتعالى إلى يوم القيامة شرعه الله تبارك وتعالى على النبي صلى الله عليه وآله وسلم وعلى هذه الأمة بدءاً من قوله جل وعلا: "أذن للذين يقاتلون بأنهم ظلموا وإن الله على نصرهم لقدير، الذين أخرجوا من ديارهم بغير حق إلا أن يقولوا ربنا الله ولولا دفع الله الناس بعضهم ببعض لهدمت صوامع وبيع وصلوات ومساجد يذكر فيها اسم الله كثيراً ولينصرن الله من ينصره إن الله لقوي عزيز" الحج/39-40

وكان هذا بعد عمر الرسول الرسالي في مكة، عشر سنوات لم يؤمر النبي صلى الله عليه وسلم فيها بالقتال وأمر بالصبر على أذى المشركين وقد بلغ آذاهم غايته في السنة التاسعة عندما تآمروا على قتل النبي صلى الله عليه وسلم فأنجى الله تبارك وتعالى رسوله وأخرجه من بين أظهرهم كما قال جل وعلا: "إلا تنصروه فقد نصره الله إذ أخرجه الذين كفروا ثاني اثنين إذ هما بالغار إذ يقول لصاحبه لا تحزن إن الله معنا فأنزل الله سكينته عليه وأيده بجنود لم تروها وجعل كلمة الذين كفروا السفلى وكلمة الله هي العليا والله عزيز حكيم" التوبة: ٤٠ فقد نصر الله تبارك وتعالى نبيه وأخرجه من بعد أن تآمر أهلها عليه ليقتلوه أو كذلك من خياراتهم أن يسجنوه أو أن ينفوه، واختاروا بعد ذلك قتله، فأنجاه الله تبارك وتعالى وأخرج الله نبيه من مكة سالماً مهاجراً إلى المدينة ، ثم كانت هناك العصبة القوية التي أمر الله تبارك وتعالى وشرع الله لهم القتال .

وأول ما شرع الله لهم القتال كان قتالاً للدفع عن المسلمين في قوله: "أذن للذين يقاتلون بأنهم ظلموا " الآية.

ثم إن الله تبارك وتعالى بعد ذلك أمرهم بقتال كل من قاتلهم قال تعالى: "وقاتلوا في سبيل الله الذين يقاتلونكم ولا تعتدوا إن الله لا يحب المعتدين" البقرة: ١٩٠،  ثم أمروا بعد ذلك بقتال المشركين كافة فقال : "وقاتلوا المشركين كافة كما يقاتلونكم كافة" ، ثم أمروا بعد ذلك بقتال اليهود والنصارى لكفرهم وعنادهم قال جل وعلا: "قاتلوا الذين لا يؤمنون بالله ولا باليوم الآخر ولا يحرمون ما حرم الله ولا يدينون دين الحق من الذين أوتوا الكتاب حتى يعطوا الجزية عن يد وهم صاغرون"  التوبة: ٢٩

وأمرهم الله تبارك وتعالى بأن يحملوا هذا الدين إلى العالم كله، وبشرهم الله تبارك وتعالى بأنه سينصرهم على كل من عادهم كما قال جل وعلا : "هو الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله وكفى بالله شهيداً"  الفتح: ٢٨

فكان هذا جهاد الطلب ، جهاد الطلب الذي خرج النبي صلى الله عليه وسلم بنفسه يطلب الكفار، يطلب الروم صلوات الله وسلامه عليه ، ويقاتلهم ... يقاتل هرقل .. وكذلك أنذر جميع ملوك ورؤساء الأرض في وقتهم فأرسل إلى كسرى يقول له: أسلم تسلم وإن لم تسلم فإنما عليك إثم الفرس، وقال كذلك لهرقل: أسلم تسلم وإن لم تسلم فإنما عليك إثم الروم .

ثم أمرت هذه الأمة أن تخرج بهذا الدين تقاتل به في سبيل الله، وتهيأ هذا للأمة بعد قتال أبي بكر للمرتدين الذين ارتدوا من العرب ثم أقطاعهم، ثم بعد ذلك خرجت جيوش الإسلام تقاتل جهاد الطلب للكفار في كل مكان ينالونه في الأرض ، وفتح الله تبارك وتعالى عليهم الفتوح في شرق الأرض وشمالها وجنوبها وغربها فلم يتوقف قتال الطلب إلا في القرن الماضي فقط بعد سقوط خلافة بني عثمان آخر خلافة للمسلمين، وكانت تجاهد جهاد الطلب وفي هذه الخلافة فتحت القسطنطينية وهي أولى الكنيستين التي بشر النبي بأن المسلمين يفتحونها، القسطنطينية ثم روما وكان مقصدهم فتح الكنيسة الثانية لكن بعد ذلك عادوا عنها عندما ضربهم الرافضة من خاف ظهورهم، فاضطروا إلى أن يعودا أدراجهم بعد أن كانوا قريباً من ذلك كانوا على أسوار (فينا) ، ثم بعد ذلك عادوا أدراجهم.

الشاهد أن قتال الطلب لم يتوقف إلا بعد سقوط الخلافة ووقوع بلاد المسلمين عامة بعد الحرب التي عرفت بالحرب الكونية والحرب العالمية الأولى تحت ما عرف بالاستعمار.

جاهد المسلمون منذ سقوط بلادهم تحت الاستعمار جاهدوا متفرقين دون أن تكون لهم خلافة واحدة جاهدوا ما عرف بالاستعمار، وهي سيطرت هذه الدول التي استعمرت واحتلت بلادهم على رأسها بريطانيا وفرنسا وإيطاليا كل هذه كانت لهم مستعمرات وألمانيا لها مستعمرات في بلاد المسلمين وهولندا كذلك فاضطر المسلمون إلى أن يحاربوا، وهذا الحرب التي بدأت في القرن الماضي وإلى اليوم كانت حرب دفع ، دفع المسلمون عن أرضهم وعن ديارهم لإقامة دين الإسلام، وقد أنفق المسلمون في هذا أنفساً كثيرة وأموالاً طائلة، فمثلاً بلد كالجزائر قتل فيها أكثر من مليون شهيد ، وكذلك ما قتل من المسلمين في الشام لتحريرها وفي مصر لتحريرها من هذه الدول الكافرة التي استعمرت بلاد المسلمين.

لكن أعظم مشروع للهجوم على أمة الإسلام كان المشروع اليهودي الذي عمره الآن أكثر من مئة عام، فهذا المشروع اليهودي إنما جاء كفكرة حتى يقام لليهود دولة في أرض الشام ..ز أرض فلسطين، كما كانت لهم دولة قبل نحو ثلاث آلاف سنة عندما قامت دولتهم بعد موسى عليه السلام بقيادة يوشع بن نون ثم حطمت، ثم قام هيكلهم الثاني المزعوم ثم حطم بعد ذلك، كما قال تبارك وتعالى : "وقضينا إلى بني إسرائيل لتفسدن في الأرض مرتين ولتعلن علواً كبيراً، فإذا جاء وعد أولهما بعثنا عليكم عباداً لنا أولي بأس شديد فجاسوا خلال الديار وكان وعداً مفعولاً، ثم رددنا لكم الكرة عليهم وأمددناكم بأموال وبنين وجعلناكم أكثر نفيراً، إن أحسنتم أحسنتم لأنفسكم وإن أسأتم فلها فإذا جاء وعد الآخرة ليسئوا وجوهكم وليدخلوا المسجد كما دخلوه أول مرة وليتبروا ما علوا تتبيراً الإسراء: ٤ - ٧

المهم أنهم كان لهم دولة في فلسطين.. أراد اليهود بعد هذه السنين المتطاولة أن يعودوا مرة ثانية وأن يقيموا مشروعهم بما يسمونه بإقامة الهيكل الثالث أو الدولة الثالثة! في أرض فلسطين والتي يحلمون بأن تكون دولتهم إلى الأبد، وهذا المشروع قاومه المسلمون من أول ما جاء اليهود أفراداً وجماعات للاستيطان في أرض فلسطين، ولكن اليهود انتصروا في عامة الحروب التي خاضها المسلمون ضدهم.

خاض المسلمون ضدهم هذه الحروب منذ مئة سنة إما مترفقين بعصابات متفرقة وكان أولها تحت الاحتلال البريطاني بعد أن أعطت لهم بريطانيا عندما احتلت بلاد الشام ما عرف بوعد بلفور وقام أهل الشام وأهل فلسطين لمقاومتهم لكن أفراد أو جماعات متفرقة وانتصر اليهود بعد ذك، ثم قررت الدول العربية أن تدخل الحرب معهم في سنة 48 لكنها هزمت وأقيمت أول دولة رسمية معترف بها اعترفت بها جميع دول العالم في وقتهم ومنها الدول الكبرى أول دولة اعترفت هي روسيا ثم تلتها بعد ذلك الولايات المتحدة وتقاطرت الدول الأخرى في الاعتراف بها كانت هذه حرب حارب فيها المسلمون وهزموا ، ثم في سنة 56 كذلك حاربهم المسلمون بعد أن قام رئيس مصر آن ذاك جمال عبد الناصر بطرد اليهود في ظنه وزعمه وقال سنطردهم ونلقيهم في البحر ، استعانت اليهود بفرنسا وبريطانيا فيما عرف بالعدوان الثلاثي وهزم المسلمون كذلك في هذه هزيمة كبرى ، ثم بعد ذلك كانت الهزيمة الأكبر من هذا في الحرب الثالثة لهم وهي الحرب التي عرفت بحرب 67 أو حرب الأيام الستة ، عندما قام أيضاً الزعيم عبد الناصر بغلق خليج العقبة للملاحة عندهم، فأظهر اليهود أنهم معتدى عليهم ثم قامت الحرب التي لم تستمر إلا سويعات قليلة حُطّم فيها الجيش المصري واستطاع اليهود أن يضموا ما عرف بفلسطين كلها ، حدود فلسطين كلها مما عرف بالضفة الغربية وغزة وكذلك ضموا لهم هضبة الجولان ، وأقيمت إسرائيل الكبرى الآن التي هي قائمة الآن على أرض فلسطين كلها ، قاومهم بعد ذلك المسلمون بما عرف بحركات المقاومة التي استمرت منذ ذلك الوقت، كانت بدأت هذه الحركات من 65 واستمر الحال على هذا المنوال بعد 67 إلى أن قامت أول حرب كان العرب المسلمين فيها البادرة في سنة 73 حطم ما عرف بخط بارليف ودخل المصريون إلى أرض سيناء وكانت هزيمة وأول كسرة لليهود في هذه الحروب المتتابعة، ولكن بعد هذه الكسرة لليهود نشأ أمر جديد بين المسلمين واليهود وهو ما عرف بمعاهدة كامب ديفيد التي أعطت اليهود سلاماً دائماً من المصريين، سلام أبدي وأن هذه الحرب حرب 73 هي آخر الحروب، وتبعها بعد ذلك المعاهدة التي عقدت بين الأردن وبين اليهود ودخل المسلمون مع اليهود في أمر جديد وهي معاهدات السلام والتي شلت أيدي المسلمين عن استمرار هذه الحرب حتى يخرج اليهود من أرض فلسطين كما دخلوها ، وهو الذي من أجله حارب المسلمون في بداية الأمر.

هذه الحرب القائمة الآن وهي ما قام به المسلمون من أهل غزة حرباً لليهود هي حرب دفع، قلنا أن المسلمين تركوا حروب الطلب منذ أن سقطت الخلافة وأصبحت حروبهم مع عدوهم من الدول الأوربية وغيرها إنما هي حروب دفع، يدفعونهم عن أنفسهم، وحروب الدفع هذه غير حروب الطلب، فحرب الطلب يشترط فيها الإمام القائم أو الخليفة القائم ويشترط فيها الجماعة القائمة وأمر منظم وأن لا يبدأ أحد قتال الكفار إلا بإذن هذا الإمام ونحو ذلك من هذه الشروط التي اشترطت لجهاد الطلب ، وأما جهاد الدفع فإنه لا يشترط فيه مثل هذه الشروط وإنما يجب فيها القتال وأن يدفع كلاً من المسلمين عن نفسه وعن عرضه وعن أهله وعن ماله، بل يجب القتال على من لا يجب عليه القتال أصلاً من امرأة وشيخ وولد كل هذا واجب عليهم وواجب على كل مسلم يستطيع دفع هذا الأمر أن يدفع ، فالمرأة المسلمة في قتال الدفع واجب عليها والولد كذلك واجب عليه القتال، ولا إذن في هذا القتال لا لإمام لأنه قد لا يوجد إمام ولا كذلك لزوج ولا لأب بل في قتال الدفع الكل يجب أن يدافع.

فالقتال القائم في فلسطين الآن قتال دفع... أناس يدفعون عن أنفسهم ... وهذا أول مرة لعلها في التاريخ قوم يقاتلون في مثل هذا السجن الكبير، فإن اليهود بمكرهم ودهائهم وفي خطواتهم المتعاقبة في إفراغ فلسطين من أهلها وإحلال أنفسهم مكانهم، وهذا هدفهم منذ قام المشروع اليهودي أنهم شعب قدموا أنفسهم للعالم الذي يساعدهم على أنهم شعب مفرق مقسم في الأرض دون وطن وأن هناك أرض لا شعب فيها وطن لا شعب فيه ، فقالوا فلسطين هي أرض بلا شعب لشعب بلا أرض أو بلا وطن ، وهكذا روجوا لمشروعهم في أول الأمر أنه لا يوجد في أرض فلسطين شعب وأرض فلسطين أرض فارغة ونحن نريد أن نقيم فيها وطناً لنا من الشتات وحازوا على عطف العالم لقضيتهم منذ البداية، وأن يمكنهم من هذا الأمر، وكان هذا إما من باب العطف أو إما من باب النصرة من خطر المسلمين ، فإن الصليبين من الدول الأوربية قد حاربت أهل الإسلام نحو مئة سنة حملات متتالية فيما عرف بالحروب الصليبية، وكان قتال المسلمين للصليبين في هذا الوقت قتال دفع يدافعوا عن أنفسهم بعد الغزوات والحملات الصليبية المتعاقبة والتي اشترك فيها نحو أكثر من ثلاثة أو أربعة من ملوك أوربا، من مثل ملك بريطانيا وملك فرنسا وملك ألمانيا، كانت تأتي في هذه الحروب المتعاقبة حيث يخرج الشعب برجاله ونسائه وأطفاله، وقد حاربهم المسلمون إلى أن طهرت هذه الأرض، وفي هذه الحروب احتلت بيت المقدس نحو مئة سنة، وطهرها منهم صلاح الدين الأيوبي. الشاهد أن النصارى كذلك وجدوا من أهل أوروبا وغيرهم، وجدوا في قتال اليهود للمسلمين وإقامتهم دولة لهم في هذا المكان نوع من الإنتصار لحروبهم الصليبية السابقة.

نقول: هذا القتال القائم في غزة الآن هو من قتال الدفع، وهو قتال واجب على المسلمين إذا احتلت أرضهم أو هاجمهم عدو، وجب عليهم أن يدافعوا عنها، والفلسطينيون والعرب المسلمون في أرض الشام يحاربون اليهود منذ مئة سنة، قتال دفع لعدو يريد أن يخرجهم من أرضهم وأن يستأصل شأفتهم، وقد تحقق لهم في هذا ما تحقق ... فنصف شعب فلسطين الآن في الشتات والنصف الباقي إما تحت الإحتلال وإما في هذا السجن الذي وضعوه في غزة، سجن محكم الإغلاق.

وقد رأيتم كيف تدار الحرب ويصب عليهم النيران بحراً وجواً وبراً، وقد كان من مبشرات هذه الحرب عن كل الحروب السابقة في حروب الدفع لليهود، أن هذه أول مرة يرفع فيها شعار الإسلام، يعني حقيقة يقاتل الناس بإسم الإسلام وبإسم الدين هذه واحدة ، الأمر الآخر هو الصبر والصمود فإنه في الحروب السابقة قد ولى المسلمون الأدبار في 48 سبع جيوش عربية ولت الأدبار أمام اليهود، وكذلك في 56 وفي 67 وكذلك كانت هزيمة وكسرة في سنة 73 ، لكن هذه الحرب يقودها شعب ثابت في مكانه يصبر ويقع منه هذه المقتلة العظيمة وهو صابر في مكانه هذا من مبشرات النصر، ولا يستسلم ولا يولي الأدبار ولعل هذا السجن الذي قد وضعهم فيه عدوهم هو من أسباب قوتهم لا من أسباب ضعفهم وهذا أمر عظيم جداً، لعل هذا لمن اعتصم بالله تبارك وتعالى.

على كل حال جهاد أهل فلسطين في غزة لعدوهم هذا فرض واجب ويجب عليهم أن يقاتلوا عدوهم لأن عدوهم إنما هو محتل لأرضهم وهو يحاربهم، وهذا واجب على من اعتدي عليه في أرضه من الكفار ، أن يدفع عنه وواجب على المسلمين جميعاً نصرتهم فنصرة أهل الإسلام واجبة ، وخاصة من يلونهم كما قال الله تبارك وتعالى : "يا أيها الذين آمنوا قاتلوا الذين يلونكم من الكفار وليجدوا فيكم غلظة واعلموا أن الله مع المتقين" التوبة: ١٢٣،  فواجب على المسلمين ممن يواليهم في المكان أن يكون نصره لهم أولاً بأول، و نصرة المسلمين للمسلمين واجبة لكل أحد، فنصرة هؤلاء واجبة لكل من يستطيع بالنفس والمال والدعاء والشعور أن هذا أمر واحد وأن هذه قضية واحدة ، فالمسلمين قضيتهم وأمرهم أمر واحد. الشاهد من هذا أن الحرب لم تنتهي بين المسلمين وبين اليهود، هذه حرب مستمرة ومن ظن أن هذا السلام هو الخيار النهائي وأنه باقي فإنه واهم.

أولاً: هو يخالف سنن الله تبارك وتعالى ويريد أن يبطل ما أمر الله بتارك وتعالى فيه من الجهاد ، فالجهاد فريضة ماضية إلى يوم القيامة وإلا غزانا الكفار ، وعندما سكت المسلمين عن جهاد الطلب وقعوا في هجوم الكفار وأصبحوا في جهاد دفع ، ونحن في جهاد دفع منذ مئة وخمسون سنة، والمسلمون يدافعون عن أنفسهم وسيظل المسلمون في جهاد دفع إلى أن يشاء الله تبارك وتعالى بتطهير الأرض من كل الكفار وأن يعم بعد ذلك الإسلام في كل مكان، وهذا الذي بشر به النبي صلوات الله وسلامه عليه ، كما قال صلى الله عليه وسلم: "ليبلغن هذا الدين ما بلغ الليل والنهار بعز عزيز يعز الله به الإسلام وأهله وبذل ذليل يذل الله به الكفر وأهله" ، "ولن يبقي الله تبارك وتعالى بيت حجر ولا مدر إلا أدخل الله تبارك وتعالى عليه الإسلام بعز عزيز وبذل ذليل" ، وهذا أمر لابد قائم، فالجهاد في سبيل الله فريضة قائمة إلى يوم القيامة ولا يعطله شيء.

جهاد الطلب هذا لا يجوز تعطيله لكنه قد عطل منذ أن رمى الكفار المسلمين عن قوس واحدة وأصبح المسلمون أرضهم محتلة فأصبح الواجب بعد ذلك جهاد آخر وهو جهاد الدفع أن يدافعوا عن أوطانهم وأولادهم وأنفسهم ، والمقتول فيها شهيد، والشهادة نصر من الله تبارك وتعالى، واعلموا أن الشهادة في سبيل الله نصر واختيار من الله تبارك وتعالى كما قال الله تبارك وتعالى للمؤمنين في أُحد بعد كسرتهم فإن حروب النبي صلوات الله وسلامه عليه لم تكن كلها نصراً على الكفار وإنما أزيل من الكفار وأزال الله تبارك وتعالى له الكفار، فكانت بدر في أولها نصر من الله تبارك وتعالى لم يتوقعه المسلمون ولم ينظروه! فإن المسلمين خرجوا في بدر لا يريدون إلا عير أبي سفيان ففوجئوا بأن قريش قد خرجت بحدها وحديدها والمسلمون وقفوا على الحد يعني ممكن خطوة وينتهي كل هذا الأمر ، ولذلك رفع النبي صلى الله عليه وسلم يديه بعد أن فوجئ المسلمون وقال: اللهم إن تهلك هذه العصبة لا تعبد، حتى قال له أبو بكر: يا رسول الله بعض مناشدتك ربك فإنه منجز لك ما وعدك ، وكان النصر غير المتوقع فئة قليلة غلب الله تبارك وتعالى بها هذه الفئة الكبيرة، ثم كانت بعد ذلك غزوة أحد وكان فيها كسرة للمؤمنين ، فقد قتل من المسلمين سبعون ومثل بجثثهم ووقف أبو سفيان على فرسه وهو ينادي: اعل هبل، فقال النبي لهم: ألا تجيبوه؟ قالوا : ماذا نقول؟ قال: قولوا الله أعلى وأجل، وكان المسلمون الذين يجيبونه كانوا في حالة الجراح ومن الكسرة الشديدة، فقال المسلمون وهم بقايا المسلمين حيث أن أكثر المسلمين كانوا قد فروا من المعركة فبقي هؤلاء وقالوا: الله أعلى وأجل ، فقال لهم: يوم كيوم بدر والحرب سيجال ، وقال: أفيكم محمداً فالنبي قال: لا تجيبوه أفيكم أبو بكر أفيكم عمر ، فالنبي قال لهم: لا تجيبوه ، وكان النبي قد ضُرب بسهم ودخل السهم في المغفر ودخلت حلقة المغفر في صدغ النبي صلى الله عليه وسلم فكسرت رباعيته صلوات الله عليه وشج رأسه وكان المسلمون في حالة شديدة، الشاهد لما كانت هذه الكسرة قال الله تبارك وتعالى للمسلمين "وليعلم الله الذين آمنوا ويتخذ منكم شهداء والله لا يحب الظالمين" ، فجعل الله تبارك وتعالى اتخاذ الشهداء من المسلمين نصر لهم واختيار من الله تبارك وتعالى ، الشاهد من هذا أن الشهادة ليست هزيمة يعني قتل من يقتل من المسلمين ليس هزيمة، هذا نصر وغنم واختيار من الله تبارك وتعالى.

فعلى كل حال ، أقول هذه الحرب الأخيرة التي كانت بين أهل غزة الذين رفعوا شعار الإسلام وبين عدوهم نصر بكل معايير النصر ، فإن الله تبارك وتعالى أولاً: أظهر في هذه آية عظيمة من آيات الله تبارك وتعالى أن تكون أمة مدججة بالسلاح على هذا النحو بكل أنواع الأسلحة وتصبها من كل مكان ثم يكون صمود الناس وصبرهم وجهادهم وإصرارهم على الحق وعدم فرارهم... هذا نصر ،  نصر عظيم من الله تبارك وتعالى، أن يستشهد البعض وأن يبقى الباقون على ثباتهم وعلى رباطة جأشهم وأنهم يقاتلون عدوهم ثم أن عدوهم يرجع خاسئاً لم ينل خيراً ، ولم ينل ما أمله! هذا كله من معاير النصر.

وقد قلت في موطن آخر أن هذه هي بداية إن شاء الله لنهاية اليهود والحرب معهم لم تنتهي، الحرب مع اليهود باقية وحرب هذه الأمة باقية معهم . كما أخبر النبي صلى الله عليه وسلم "لتقاتلن اليهود حتى يقول الشجر والحجر يا مسلم يا عبد الله هذا يهودي ورائي فاقتله" ، فالحرب بينهم باقية ما بقي الإسلام ، فإما جهاد الطلب عند قوة أهل الإسلام وإما جهاد دفع، وأن المسلم لا يستسلم ولا يجوز له أن يستسلم لأعداء الله تبارك وتعالى ، بل يجب أن يقاتل بكل مقوماته كما قال الله تبارك وتعالى في أول ما أوجب القتال على المسلمين فلو لم يأمرهم بالقتال لما بقي الدين ، قال تعالى: "أذن للذين يقاتلون بأنهم ظلموا وإن الله على نصرهم لقدير، الذين أخرجوا من ديارهم بغير حق إلا أن يقولوا ربنا الله ولولا دفع الله الناس بعضهم ببعض لهدمت صوامع وبيع وصلوات ومساجد يذكر فيها اسم الله كثيراً ولينصرن الله من ينصره إن الله لقوي عزيز"  الحج: ٤٠

 فإن الله أول ما فرض الجهاد فرضه على موسى بن عمران يعني أول رسول فرض عليه الجهاد هو موسى عليه السلام، ولكن بني اسرائيل لم يطاوعوه في الحرب، ثم قام بالجهاد بعده أحد تلاميذه النبي يوشع بن نون عليه السلام ، ولما قاموا بالقتال كانوا قلة بالنسبة للكفار وأرجو أن نفهم هذا وسنفرد له كلاماً في آخره ، بعض الناس يظن أن الجهاد لا يجب على أهل الإسلام إلا إذا كان أعداد المسلمين مكافأة للكفار وهذا من أعظم الخطأ ومن أعظم الغرور ، لأن القتال من أول ما فرض، فرضه الله تبارك وتعالى على أهل الدين من قوم موسى عليه السلام كانوا قلة بالنسبة للكفار ، كذلك لما فرض الله القتال على نبيه صلوات الله وسلامه عليه لم يكن المسلمون في الأمم إلا قلة شعرة في جلد ثور أسود أو أبيض أين المسلمون من العرب الكفار ثم من الفرس ومن الروم كيف كانوا إنما هم قلة ، والله تبارك وتعالى فرض عليهم أولاً قتال الدفع عن المسلمين، وأخبر أنه ينصرهم وأنه لولا أن الله يأمر بذلك لما بقي لأهل الدين ولا لأهل الإسلام مكان يعبدوا الله تبارك وتعالى فيه لأن الكفر ظلم، والكافرون هو الظالمون ولم يتركوا المسلمون ليصلوا ، بل سيقتلوهم كما قال تبارك وتعالى: "ولا يزالون يقاتلونكم حتى يردونكم عن دينكم إن استطاعوا ومن يرتدد منكم عن دينه فيمت وهو كافر فأولئك حبطت أعمالهم في الدنيا والآخرة وأولئك أصحاب النار هم فيها خالدون"   البقرة: ٢١٧، فهذا هدف الكفار ألا يبقى مسلم يشهد أن لا إله إلا الله وألا يبقى في الأرض مسجد ، ولذلك رأيتم مثلاً من الأمور التي كانت في هذه الحرب الأخيرة أن اليهود مقصدهم كان هدم المساجد وهدم الجامعة الإسلامية لأن عدوهم هو الإسلام، وأن الناس لو تجردوا من الإسلام يمكن أن يسالموهم، ولذلك أمر الله تبارك وتعالى في قتال الدفع أن يقاتل المسلمون لأنه لو لم يقاتلوا لما بقي لهم شيء من دينهم ولا حتى مسجد يصلون فيه . ونصر الله تبارك وتعالى قادم بحوله تبارك وتعالى... واستغفر الله لي ولكم من كل ذنب.

 

الخطبة الثانية:

الحمد لله وحده والصلاة والسلام على عبده محمد سيد الأولين والآخرين ، الذي بلغ الرسالة وأدى الأمانة ونصح الأمة وجهاد في الله حق جهاده حتى أتاه اليقين فصلوات الله وسلامه عليه.

حق على أهل الإسلام نصر إخوانهم المسلمين المستضعفين الذين يقاتلون من الكفار في أي مكان، وهذا المكان هو أقرب مكان لنا الآن وواجب النصرة فيه محقق، وهذا حق علينا جميعاً النصر بكل ما يستطيع المسلم، أن ينصرهم بالدعاء بالمال والنفس إن استطاع ذلك، هذا أمر واجب.

 أما من خرج عن الإسلام وشمت في إخوانه المسلمين المستضعفين الذين يهزمون أو يقتلون فهذا كافر مرتد خرج من الإسلام ، من شمت في مسلم يقتله الكفار وقال: أنه يستحق هذا وأن هذا بفعله وأن هذا مما جنت يداه هذا يخرج من الإسلام خروجاً كاملاً، لأنه لا يشمت في مسلم مسلم قط وإنما واجب المسلم نحو المسلم نصرته والقيام معه، فواجب الموالاة للمسلمين حتى وإن ظلمك هذا المسلم فإنه لا يجوز أن تشمت به بل يجب موالاته. فالله تبارك وتعالى قال: "إنما وليكم الله ورسوله والذين آمنوا الذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة وهم راكعون" المائدة: ٥٥

فيجب أن يوالى المسلمون بعضهم بعضاً في الله تبارك وتعالى  وأن ينصر بعضهم بعضاً  والنصر آت إن شاء الله.

استغفر الله لي ولكم من كل ذنب... اللهم اغفر للمسلمين والمسلمات والمؤمنين والمؤمنات الأحياء منهم والأموات إنك سميع قريب مجيب الدعوات ، اللهم اغفر لنا ذنوبنا وإسرافنا في أمرنا وثبت أقدامنا وانصرنا على القوم الكافرين ، أقول قولي هذا وأقم الصلاة.  

 

.