دراسات وتوثيقات / دراسات وبحوث

المقاومة الفلسطينية بين اتفاقي 2012 و2014

م.علاء الدين البطة

كاتب وباحث فلسطيني

تصدع كبير في الساحة السياسية الفلسطينية والعربية والدولية أحدثته مصر بعد طرحها لمبادرة سياسية تهدف (حسب الادعاء) إلى وقف النار بين كل من:

  • المجرمين الإسرائيليين المعتدين الذين يُلقون حمم الموت على قطاع غزة صباح مساء بمعدل غارة جوية كل 4 دقائق منذ ما يزيد على الثلاثين يوميا.
  • ومن جهة أخرى بين المقاومة الفلسطينية والتى تدافع عن نفسها من عدوان فاشي إسرائيلي وهمجي يستهدف المدنيين الفلسطينيين من الأطفال والنساء والشيوخ والذين يتعرضون لحرب إبادة تستهدفهم في وجودهم.

إسرائيل من طرفها سارعت إلى التقاط المبادرة المصرية وأعلنت قبولها بها باعتبار انه تتماهى مع أهدافها بل وتشكل طوق نجاة لها يعزز من شرعيتها أمام العالم ويحفظ لها ماء الوجه وخصوصا بعد أن تفاجأت بالصمود الأسطوري للشعب الفلسطيني والضربات النوعية المؤلمة للمقاومة الفلسطينية ضد جيشها الغازي.

فيما المقاومة الفلسطينية وحركة حماس أعلنت رفضها الكامل للمبادرة بل واستغربت من طرحها بهذه الطريقة وبصورة مفاجئة ودون أدنى تشاور معها بل واعتبرتها مسيئة لدماء شهداء،وفيها مساواة بين الجلاد والضحية، كما أنها تشكل التفافا على ضربات المقاومة النوعية والتي أثخنت العدو وأوجعته ضرباً في عمقه الاستراتيجي بل وأطاحت بسمعة الجيش الخامس في العالم والجيش الذي لا يقهر وجيش النخبة في العالم والجيش الذي هزم ستة جيوش عربية، وليس ذلك وحسب بل إنها تدعو إلى وقف إطلاق النار فوراً ومن ثم المفاوضات مع الجانب الإسرائيلي بما تحمله من مخاطر الوقوع في التسويف والخداع الإسرائيلي وبضمان مصري فقط ثبت من خلال السنون الماضية ضعفه وعجزه وعدم جدواه.

من جهتهم السياسيون والكتاب والباحثون انقسموا أيضاً إلى قسمين:

القسم الأول/ يرى أن حماس مخطئة في رفضها المبادرة المصرية ويعتبرون أنها تكرار لمبادرة وقف إطلاق النار أثناء حكم مرسي عام 2012 وبالتالي يرون أن رفض حماس للمبادرة هو رفض ايدولوجيا يعكس خلافها مع نظام السيسي ويشكل استهانة بمصر ودورها وتاريخها وهذا ما ذهب إليه الكثير من الُكتَاب والصحفيين الذين يدورون في فلك النظام المصري وأمثالهم في الإمارات والسعودية وممن أُطلق عليهم مصطلح "العرب المتصهينة".

القسم الآخر/ والذين اعتبروا أن المبادرة المصرية في حقيقتها مبادرة إسرائيلية (بأيدي مصرية) مستندين في ذلك إلى شروطها المجحفة بحق المقاومة ورفض قوى المقاومة لها بل ويعتبرون أن هذه المبادرة تأتي في السياق التأمر على المقاومة في ظل التحالف الجديد المقدس بين مصر - السيسي وإسرائيل وهذا ما ذكرته صحيفة هاآرتس الإسرائيلية والتي أكدت أن الأجهزة الأمنية الإسرائيلية هي التي صاغت تلك المبادرة.

و هنا سنحاول أن نضع القارئ الكريم في ابرز الفروق بين المبادرتين حسب نص كل منهما:

1.اتفاق 2012 كان قد تم بعد إجراء مفاوضات –غير مباشرة - بين حماس وإسرائيل برعاية مصرية و( تحت النار) وقد أفضت التفاهمات إلى اتفاق التهدئة وبموافقة الطرفين.

فيما مبادرة 2014 قامت الأجهزة الأمنية المصرية باستشارة نظيرتها الإسرائيلية ولم تستشر المقاومة فيها على الرغم أن المقاومة ضربت ولأول مرة مدينة حيفا التي تبعد حوالي 160 كلم وعطلت الحركة في مطار بن غوريون الدولي بعشرات الصواريخ وأثخنت الجيش الإسرائيلي البرى بضربات مؤلمة أفضت إلى عشرات القتلى في صفوفه وعليه فمن البديهي ان يؤدى ّذلك إلى تحسين شروط المقاومة.

2. في اتفاق 2012 وضعت المقاومة شروطها واضطرت إسرائيل لقبولها وكان من أهمها إنهاء الحصار وفتح المعابر وبالفعل قامت إسرائيل بفتح جزئي للمعابر وتخفيف الحصار ثم وقف إطلاق النار

أما مبادرة 2014 فإنها تدعو لوقف النار دون أي ضمان حقيقي لتنفيذ شروط المقاومة بل تضع المقاومة وتضحياتها تحت رحمة الإسرائيليين وتسويفهم وخداعهم.

3. في اتفاق 2012 نكصت إسرائيل وتراجعت عن الاتفاق، وللأسف لم يتحرك الضامن والوسيط المصري للضغط على الجانب الإسرائيلي ولكن ما أسكت حركة حماس هو وجود أكثر من 1500 نفق تحت الأرض يربط بين مصر وغزة، الأمر الذي ساهم كثيراً في استمرار عجلة الحياة بل كسر وتخفيف الحصار عبر توفير كل ما يلزم للحياة فى غزة عبر هذه الانفاق.

 أما في مبادرة 2014 فإنها تدعو المقاومة لمفاوضات وظهر المقاومة مكشوف حيث تتفاخر السلطات المصرية بانها أغلقت أكثر من 1600 نفق يربط بين مصر وقطاع غزة الأمر الذي أدى إلى تضاعف حجم المعاناة فى القطاع الصامد بل وحدوث انهيار اقتصادي في كافة القطاعات يهدد كافة مناحي الحياة بل ويهدد المشروع السياسي لحركة حماس.

4. في اتفاق 2012 كانت السلطات المصرية تساند المقاومة وكانت تثق المقاومة فى أٍن مصر تلعب دور الضاغط على الطرف الإسرائيلي أو أكثر من وسيط - كما وصفها القيادي د.موسي أبو مرزوق-

أما فى مبادرة 2014 فان السلطات المصرية تُجاهر بعداء المقاومة - وحركة حماس على وجه الخصوص – بل وتتلاقى مع دولة الاحتلال فى اعتبار حركة حماس حركة إرهابية بل ولم يتوارى إعلام النظام المصري فى الدعوة للتحالف مع إسرائيل من أجل إسقاط حكم حركة حماس فى غزة.

5. كان البند الثاني في اتفاق 2012 ينص على أن تقوم الفصائل الفلسطينية بوقف كامل العمليات ولم يصفها بالعدائية، أما البند الثاني في مبادرة 2014 فقد طالب المقاومة الفلسطينية ب( إيقاف جميع الأعمال العدائية) وهو ما اعتبرته المقاومة تجاوبا مع المطالب الإسرائيلية ومساواة غير مقبولة بين الجاني والضحية

6. أيضا في البند الثاني في اتفاق 2012 ينص على "ان تقوم الفصائل الفلسطينية بوقف كافة العمليات باتجاه الجانب الإسرائيلي، أما البند الثاني في مبادرة 2014 فقد أضاف إلى العبارة السابقة جملة ( وتحت الأرض ) وهو ما ترفض حركة حماس الحديث عنه باعتبار أن إسرائيل بكل ما تملك لم تستطع معرفة ما يدور تحت الأرض من أنفاق وعمل متكامل فكيف يتم تقديم ذلك بهذه البساطة لإسرائيل.

7. البند الثالث في اتفاق 2012 نص على "فتح المعابر وتسهيل حركة البضائع والأشخاص خلال 24 ساعة من دخول الاتفاق "

 أما البند الثالث في مبادرة 2014 فقد نص على " فتح المعابر وتسهيل الحركة للبضائع والأشخاص في ضوء استقرار الأوضاع الأمنية على الأرض " وهذا ما يشكل ذريعة واضحة وصريحة للاحتلال للتنصل من الاتفاق فى أية لحظة باعتبار أن موضوع استقرار الوضع الأمني هو موضوع نسبى وغير واضح التعريف ويتيح للاحتلال المرواغة والتنصل..

8. عدا عن أنه وخلال عدوان 2012 قام الرئيس مرسي بفتح المعبر منذ اليوم الأول للعدوان لخروج الجرحى وإدخال مئات الوفود الطبية والتضامنية الرسمية والشعبية عدا عن إدخال مئات الشاحنات الإغاثية، فيما في عدوان 2014 استمرت مصر فى إغلاق معبر رفح بل ولم تسمح بفتحه امام الجرحى إلا في اليوم الخامس للعدوان فيما منعت وصول الوفود الطبية والاغاثية ومنعت وصول المساعدات الطبية والإنسانية وأبقت على وضع المعبر مغلقا باستثناء بعض الساعات فقط التي يتم السماح فيها لوفود " معينة " بالدخول دون غيرها.

وعليه فان المتمعن فى البنود السابقة يلاحظ أن هناك فرقا أو فروقا موضوعية كبيرة ومهمة بين كل من مبادرتي مصر للتهدئة عام 2012 وعام 2014، وهذه الفروق تشكل ذرائع كافية لقوى المقاومة لرفض هذه المبادرة بل والتمرد عليها والتشكيك بها

هناك حالة من الشك والريبة والتخوين تسود العلاقة بين الطرفين منذ حدوث الانقلاب فى مصر في يوليو 2013 وهى أيضا تشكل دافعا إضافيا لرفض المبادرة المصرية بصورتها الحالية.

.