فلسطين التاريخ / الواقع والمأمول
ستبقى غزة حية رغم مجزرة الحرية
ستبقى غزة حية رغم مجزرة الحرية
غزة – محمد الناجي – مركز بيت المقدس للدراسات التوثيقية
لم يتفاجأ أحد مما حدث فجر يوم الاثنين من اعتداء صهيوني غاشم على أسطول الحرية الذي كان يُقل متضامنين من عدة دول إسلامية وعربية ودولية لفك الحصار عن قطاع غزة بالإضافة إلى مساعدات ومعونات تشتمل على غذاء وأدوية وما إلى ذلك من المواد الأساسية التي لا غنى لسكان عن قطاع غزة عنها وهي من أدنى مقومات الحياة , وسقط جراء ذلك الاعتداء الآثم العشرات من الضحايا والجرحى , وهنا يجب الوقوف على ذلك الحدث بكافة جوانبه .
أولاً : اقتضت حكمة الله سبحانه وتعالى أن تبقى قضية فلسطين وقضية المدينة المقدسة حيًّة وعالقة في الأذهان ؛ وأن يبقى الصراع مع أعداء الله اليهود مستمراً إلى قيام الساعة ليتحقق وعد الله سبحانه وتعالى . فالقارئ والمتتبع للتاريخ يرى أنه بمجرد انتهاء انتفاضة المساجد التي حدثت عام 1987م أعقبتها انتفاضة الأقصى عام 2000م التي حركت العالم وأعادت قضية فلسطين إلى الصدارة , وها هي اليوم تعود إلى الصدارة بعدما أغفلها البعض أو نسيها ولكن هذه المرة بطعم آخر خاصة أن القضية اليوم تحمل عالمية الحدث ودوليته .
كما اقتضت حكمة الله سبحانه وتعالى أن يكشف اللثام عن وجوه اللئام الكافرين من اليهود والمنافقين والمتخاذلين ؛ فالاعتداء الصهيوني على تلك السفينة المدنية التي جاءت للتضامن ورفع الحصار عن المستضعفين في قطاع غزة كشف للزيف الصهيوني الذي يدعي بأنه يقاتل الإرهاب فقط , فها هو يقتل المدنيين وهذا ليس جديداً علينا كفلسطينيين فهو قتل الأبرياء من الأطفال والنساء وغيرهم من المدنيين , ولكن هنا يجب على الجميع من جميع دول وأقطار العالم أن يعلموا حقيقة ذلك الكيان الصهيوني الغاشم القائمة على الإرهاب والقتل وسفك الدماء .
ثانياً : لقد أثبت الكيان الصهيوني من خلال تلك العملية أنه دولة فوق القانون , وأنه لا يقدر أهمية النفس الإنسانية , والمبادرات الدولية . وبدا ذلك واضحاً من خلال حالة اللامبالاة التي شهدناها من الكيان الصهيوني عقب تلك العملية الغاشمة ويفسر ذلك بالغطاء المستمر والمتواصل الذي تمنحه الدول الكبرى الظالمة التي ما توقفت عن تقديم الدعم للكيان الصهيوني في المحافل الدولية فلو أن ذلك العالم الظالم الذي يكيل بمكيالين وقف وقفة قوية في وجه الكيان الصهيوني عقب الحرب على غزة لما فعل الاحتلال فعلته ولما أقدم عليها , كذلك نذكر ضعف الدول العربية والإسلامية وهو ما تجلى في ردود الفعل الباهتة والفاترة التي ما لامست الحد الأدنى من متطلبات الشعوب التي ترنو إلى الحرية وإلى الخلاص من ذلك السرطان الذي يريد أن يؤسس لكيانه من البحر إلى النهر كما يحلم .
ثالثاً : إن الرسالة التي أراد أن يوصلها المتضامنون قد وصلت كل شبر في قطاع غزة المحاصر بل أنها وصلت لجموع العالم ـ وإن لم يصلوا بأبدانهم وأجسادهم ـ فصبر وصمود المتضامنين لا يقل شأناً عن صبر ومعاناة أهل غزة فهم قد جاءوا وتحملوا وعثاء السفر ولم يبالوا بالتهديدات الجدية , وحملوا أرواحهم على أكفهم , وخطوا وصاياهم في عرض البحر وبايعوا وعاهدوا الله على الشهادة أو الوصول إلى غزة , وهم لم يريدوا بذلك شهرة أو سمعة , ولم يترددوا في الوصول إلى غزة لإيصال رسالتهم التي جاءوا من أجلها ـ نسأل الله عز وجل أن يكتب ذلك لهم وأن يثيبهم عليه خير الثواب ـ.
رابعاً : اختلطت اليوم دماء المسلمين في عرض البحر فسقط الفلسطينيون وكذلك الأتراك , وكذلك العرب , وهذا إن دل على شيء فإنما يدل على عالمية القضية الفلسطينية لأنها قضية المسلمين الأولى ، وهذا هو الأصل لا كما يحاول البعض أن يقصرها على أهل فلسطين وهذا هو المشهد الذي ينبغي أن نراه دوماً.
وفي الحقيقة نجد أن هناك فرصة نادرة للأمة لكي تنهض من سباتها وأن تهب في وجه الاحتلال الصهيوني وأن تدافع عن كرامتها وعزتها , وعلى أدعياء حقوق الإنسان والذين ينادون بتطبيق القانون , وإلى الذين ينادون بالإفراج عن الجندي الأسير لدى فصائل المقاومة في قطاع غزة التحرك العاجل والفوري لتحرير أولئك الأسرى الذين وقعوا رهائن في قبضة العدو الصهيوني وهم مدنيين لم يأتوا لكي يقاتلوا ولم يكونوا يحملوا قطعة سلاح بشهادة الجميع .
خامساً : لقد خسر الاحتلال الصهيوني تلك المعركة من جميع الجوانب سواء كان سياسياً أو عسكرياً أو إعلامياً أو قانونياً، فعلى الصعيد السياسي لقد شاهدنا كيف كان رد الفعل الشعبي من الشعوب الإسلامية والعربية والدولية , والهرولة تجاه السفارات الصهيونية لطرد مندوبي الكيان من تلك البلاد , وكذلك تعرية وجه إسرائيل الحقيقي أمام العالم , أما من الجانب العسكري فلقد أثبت الاحتلال الصهيوني فشله الذريع من خلال تسخيره لسلاح وحدة كاملة وهو سلاح البحرية في الجيش الصهيوني ومشاركة قائد تلك الوحدة بنفسه , بل مشاركة الطائرات ووحدات الإنزال الجوي , وكذلك استخدام الأسلحة الفتاكة والذخيرة الحية والقنابل المسيلة للدموع والناظر يظن أن هناك جيشاً عرمرماً سيقابل العتاد المذكور سلفاً ولكن حقيقة الأمر هم أناس متضامنون مدنيون عزل لا يملكون شيئا سوى سلاح الإرادة والصبر والعزيمة على المضي والوقوف في وجه العدو الصهيوني , وعلى المستوى الإعلامي فلقد افتضح أمر الكيان أمام كاميرات الصحافة وعلى شاشات التلفزة ولم يعد هناك مجالاً للتعتيم الذي حاولت فرضه قوات الاحتلال أو التكتم على ما حدث , وعلى المستوى القانوني فلا مبرر لمهاجمة الكيان الصهيوني ذلك الأسطول خاصة أن الأسطول لم يتجاوز بعد المياه الإقليمية التي هي ليست حكراً على أحد ـ مع ملاحظة أننا لا نؤمن بتلك الحدود والحواجز التي خطها الغرب واليهود ـ .
وفي الختام لقد فعل المتضامنون ما رأوه مناسباً لنصرة المستضعفين في قطاع غزة وبذلوا الغالي والنفيس من أجل غزة , ويبقى الدور على المسئولين أن يهبوا لنصرة غزة وأن ينفذوا القرارات والوعود التي قطعوها على أنفسهم فيما يخص قطاع غزة وفك الحصار عنه .
ونحن ما زلنا نرقب وننتظر ماذا بعد ؟؟ هل سيكون هناك رد حاسم من الدول الإسلامية والعربية أم أنهم سيكتفون بالشجب والإدانة والاستنكار كما هو الحال في كل جريمة , مع الأخذ بعين الاعتبار أنه لو كان الشجب هو سيد الموقف سيكون للاحتلال الصهيوني كلمته في مدينة القدس والمضي في تهويدها وهدمها ـ لا قدر الله ـ .
.