فلسطين التاريخ / الواقع والمأمول

المصالحة الفلسطينية

 

 

 

المصالحة الفلسطينية

 

 

مركز بيت المقدس للدراسات التوثيقية ـ فرع غزة ـ الشيخ / تميم شبير ,,, مدير معهد دار الحديث خانيونس ، ومدير مشروع رواد بيت المقدس .

 

 

 

يحدونا الأمل في ظل المصالحة الفلسطينية نحو مستقبل أفضل للإسلام والمسلمين , ولحل القضية الفلسطينية.

ومن بدهيات المنهج السلف رضي الله عنهم  الحرص على توحيد الكلمة على كلمة التوحيد , وأن الحق اجتماع الخلق على الهدى والحق , ونبذ الخلافات والأهواء الشخصية والحزبية , وتقديم مصالح الأمة على المصالح الخاصة ؛ إذ إن الاجتماع والوفاق نعمة , كما أن الاختلاف والافتراق شؤم وعذاب ونقمة .

قال تعالى : { إِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أمة وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاعْبُدُونِ } الأنبياء : 92 .

وقال تعالى : { وَاعْتَصِمُواْ بِحَبْلِ اللّهِ جَمِيعاً وَلاَ تَفَرَّقُواْ وَاذْكُرُواْ نِعْمَتَ اللّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنتُمْ أَعْدَاء فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُم بِنِعْمَتِهِ إِخْوَاناً وَكُنتُمْ عَلَىَ شَفَا حُفْرَةٍ مِّنَ النَّارِ فَأَنقَذَكُم مِّنْهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ } آل عمران : 103 .

وقال عز وجل : { إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعًا لَسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيْءٍ إِنَّمَا أَمْرُهُمْ إِلَى اللَّهِ ثُمَّ يُنَبِّئُهُمْ بِمَا كَانُوا يَفْعَلُونَ} الأنعام : 159 .

وقال تعالى : { وَأَطِيعُواْ اللّهَ وَرَسُولَهُ وَلاَ تَنَازَعُواْ فَتَفْشَلُواْ وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُواْ إِنَّ اللّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ } الأنفال : 46 .

 

وإن من أعظم ما امتن الله تعالى به على رسوله صلى الله عليه وسلم وعلى صحابته رضي الله عنهم ألفة قلوبهم بعد العداوة , واتفاقهم بعد الفرقة والاختلاف .

{ وَإِنْ يُرِيدُوا أَنْ يَخْدَعُوكَ فَإِنَّ حَسْبَكَ اللَّهُ هُوَ الَّذِي أَيَّدَكَ بِنَصْرِهِ وَبِالْمُؤْمِنِينَ ( 62 ) وَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ لَوْ أَنْفَقْتَ مَا فِي الأَرْضِ جَمِيعًا مَا أَلَّفْتَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ أَلَّفَ بَيْنَهُمْ إِنَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ } الأنفال : 62 , 63.

{ وَاذْكُرُواْ نِعْمَتَ اللّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنتُمْ أَعْدَاء فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُم بِنِعْمَتِهِ إِخْوَاناً وَكُنتُمْ عَلَىَ شَفَا حُفْرَةٍ مِّنَ النَّارِ فَأَنقَذَكُم مِّنْهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ } آل عمران : 103 .

 

وقد نهى الإسلام أتباعه عن الانقسام والخصومة والهجران.

ففي الصحيحين من حديث أبي أيوب الأنصاري رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( لا يحل لمسلم أن يهجر أخاه فوق ثلاث يلتقيان فيصد هذا , ويصد هذا وخيرهما الذي يبدأ بالسلام ) . وفي رواية :  

( ....... فيعرض هذا ويعرض هذا , وخيرهما الذي يبدأ بالسلام )  البخاري .

وفي الصحيحين من حديث أنس بن مالك رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ( لا تباغضوا ولا تحاسدوا ولا تدابروا وكونوا عباد الله إخوانا , ولا يحل لمسلم أن يهجر أخاه فوق ثلاث ليال ) .

وفي مسند الإمام أحمد بإسناد صحيح عن هشام ابن عامر قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ( لا يحل لمسلم أن يهجر مسلما فوق ثلاث ليال فإن كان فوق ثلاث فإنهما ناكبان عن الحق ماداما على صرامهما وأولهما فيئا فسبقه بالفيء كفارته , فإن سلم عليه فلم يرد عليه ورد عليه سلامه ردت عليه الملائكة, ورد على الآخر الشيطان , فإن ماتا على صرامهما لم يجتمعا في الجنة أبدا )

لكن إن كانت هناك حاجة شرعية تدعو إلى الهجران فوق ثلاث فلا بأس ما دامت الحاجة الشرعية , والمقصد منها مقصدا شرعيا صحيحا ليس فيه انتصار للنفس , ولا إشباع للشهوة , ولا الحقد على المسلم , كما حدث في هجر كعب بن مالك , ومرارة بن الربيع , وهلال بن أمية خمسين ليلة .

وقد حث الإسلام على إصلاح ذات البين , ونبذ الفرقة والاختلاف

قال تعالى: { .... فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَصْلِحُوا ذَاتَ بَيْنِكُمْ وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ } الأنفال : 1 ، وقال تعالى : { وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنْ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا ..... } الحجرات : 9 .

 

ومن الأهداف التي يمكن تحققها من خلال المصالحة :

 

1- وحدة الصف الفلسطيني في مواجهة العدو الغاصب " الاحتلال الصهيوني " الذي لا يرقب في مؤمن إلاًّ ولا ذمة , والذي يرمينا عن قوس واحدة , وآلته العسكرية لا تفرق بين مسلم ومسلم .

2- وحدة الأمة الإسلامية والعربية في تقديم الدعم المناسب للشعب الفلسطيني المجاهد والمرابط والمصابر ؛ إذ كثيرا ما تنصلوا واستنكفوا عن الدعم بدعوى الانقسام والخلاف الفلسطيني الداخلي .

3- توفير الدعم والأموال المستحقة للشعب الفلسطيني وإعادة إعمار غزة بعد الخراب والدمار الحاصل من حرب اليهود الأخيرة على غزة .

4- التسريع بفك الحصار عن الشعب الفلسطيني في غزة .

5- حماية الجبهة الداخلية من عوامل الضعف والشتات والانهيار ؛ لتستعصي على الاختراق ومحاولات اليهود لبث الفتنة وإشعال الحرب الأهلية من خلال جواسيسه المرتزقة .

6- اجتماع كلمة المسلمين للدفاع عن المسجد الأقصى , ومواجهة الحملة الشرسة لتهويد القدس شجرا وحجرا وبشرا , والعمل على فك قيد الأسرى , والتأكيد على حق العودة , والعمل المشترك للحفاظ على الثوابت والحقوق الفلسطينية .

7- العمل على تحرير فلسطين كاملة وإعادتها إلى الحضن الإسلامي إذ إن أرض فلسطين وقف إسلامي يجب استعادته والجهاد من أجل استرداده .

 

هذا وقد ابتهج المسلمون في مشارق الأرض ومغاربها بالمصالحة الفلسطينية , ونأمل أن تكون مصالحة حقيقية جادة نابعة عن قناعة تامة بأنها واجب شرعي , وعمل وطني , ومخرج واقعي من النفق المظلم الذي تمر به فصول القضية الفلسطينية , تأتلف بها على الحق القلوب , وتجتمع بها على الحق الكلمة , وترص الصفوف , ويصبح المرابطون على أرض فلسطين كالبنيان يشد بعضه بعضا امتثالا لقوله تعالى : { إِنَّ ٱللَّهَ يُحِبُّ ٱلَّذِينَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِهِ صَفّاً كَأَنَّهُم بُنْيَانٌ مَّرْصُوصٌ } الصف : 4 .

ولا غرابة ولا عجب أن يشكك اليهود في جدية المصالحة فتندلق أضغان الشاباك بمكنونات نفوسهم الخبيثة , وما تخفي صدورهم أكبر إذ إن المصالحة تقلقهم , وتقض مضاجعهم , وتزعج أمنهم , وهم لا يألون جهدا في إذكاء الانقسام الفلسطيني وتأجيج نار الفرقة وإشعال الحرب الأهلية ما استطاعوا إلى ذلك سبيلا .

إنهم أحفاد شاس بن قيس الذي غاظه ائتلاف الأوس والخزرج قديما فأرسل من يثير الفتنة ويذكرهم بالحروب والأيام الخالية كيوم بعاث وداحس والغبراء فتنادوا السلاح السلاح , وكادوا أن يعيدوها جذعة فأنزل الله تعالى على رسوله الآيات: { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تُطِيعُوا فَرِيقًا مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ يَرُدُّوكُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ كَافِرِينَ * وَكَيْفَ تَكْفُرُونَ وَأَنْتُمْ تُتْلَى عَلَيْكُمْ آيَاتُ اللَّهِ وَفِيكُمْ رَسُولُهُ وَمَنْ يَعْتَصِمْ بِاللَّهِ فَقَدْ هُدِيَ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ  }  آل عمران 100 , 101 . وسرعان ما وئدت الفتنة في مهدها , وتعانق الطرفان , وكفى الله المؤمنين القتال .

فينبغي على المرابطين على أرض فلسطين أن يتعاملوا مع المصالحة بجدية وشفافية وحذر من اليهود وأعوانهم من أهل النفاق أن يجهدوا هذا الوفاق .

ونذكر بحرمة دم المسلم وحرمة الاقتتال بين المسلمين، فقد قال صلى الله عليه وسلم : ( المسلم أخو المسلم لا يظلمه ولا يسلمه ولا يخونه ولا يكذبه كل المسلم على المسلم حرام دمه وماله وعرضه ) .

 

اللهم أصلح ذات بيننا , اللهم قنا الفتن ما ظهر منها وما بطن , اللهم احقن دماء المسلمين في كل مكان , اللهم فك أسرانا , وطهر مسرانا , وفك حصارنا وأهلك عدونا , وارزقنا صلاة في المسجد الأقصى , وقد ارتفعت راية الإسلام عالية عزيزة .

 

والحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات ,,,

 

.