فلسطين التاريخ / تقارير

أحداث رفح المصرية .. الفاعل مجهول والمستفيد معلوم

غزة ـــ محمد الناجي ـــ مركز بيت المقدس للدراسات التوثيقية

بتاريخ الخامس من أغسطس للعام 2012 م كانت محافظة رفح المصرية على موعد مع حادث مفجع وهجوم دامٍ أودى بحياة ستة عشر جنديا مصريا مهمتهم حراسة نقطة حدودية في منطقة الماسورة  .

هذا الحادث الأليم لم يعلن أي تنظيم أو جماعة مسؤوليتها عنه وكانت طبيعته كالتالي :

هجوم مسلح على موقع عسكري مصري وقتل وجرح جميع أفراد الموقع أثناء استعدادهما لتناول طعام الإفطار .

بعد الهجوم والإجهاز على جميع أفراد القوة استولى المسلحون على مدرعة وشاحنة عسكرية تتبع لأفراد القوة وذهبوا باتجاه الحدود الإسرائيلية بالتحديد عند معبر كارم أبو سالم ( المعبر الذي خطف من عنده الجندي جلعاد شاليط ) , وهو المعبر التجاري للفلسطينيين الذي تدخل من خلاله البضائع من الكيان الصهيوني لقطاع غزة , وهو شريان غزة الوحيد ومتنفسها الأوحد في هذه الأوقات .

فور وصول المسلحين بالآليات العسكرية تجاه الجانب الصهيوني قامت قوة عسكرية صهيونية بالاشتباك معهم , ومن ثم قامت مروحية تابعة لسلاح الجو الصهيوني بقصف المدرعة , وقتل من فيها .

الجدير ذكره أن هذه العلمية كان لها مساندة من قبل أفراد من قطاع غزة بقذائف الهاون وطلقات من الأسلحة المتوسطة تجاه أفراد الجيش الصهيوني المتواجدين عند معبر كارم أبو سالم التجاري ( طبعا إطلاق النار من قطاع غزة تجاه الثكنة العسكرية الصهيونية المراد تنفيذ الهجوم فيها , وهو بمثابة تغطية على منفذي الهجوم وإشغال للعدو الصهيوني وإرباك لقواته ) .

وتوجه إيهود باراك ( وزير الحرب الصهيوني ) بالشكر لأفراد جيشه , وعزى هذا الإنجاز للجهود الاستخباراتية الدقيقة التي كان الاحتلال الصهيوني على علم بوقوع العملية .

اللافت للانتباه أنه قام بنيامين نتانياهو وإيهود باراك بزيارة موقع الحدث مع أنه لم يسفر عن أي خسائر في الجانب الصهيوني , وهذا بلا شك له دلالة سياسية من قبل الاحتلال الصهيوني .

إن هذا الحادث المفجع كشف عن أمور خطيرة وبالغة الحساسية وفرضيات متعددة ومن بينها :

الفرضية الأولى : إن منفذي تلك العملية ـــــ  وإن كان الاحتلال الصهيوني لم يصنعهم ويسخرهم أداة طيعة لتنفيذ تعليماته ــــ  فإنه وبلا شك قد اخترق تلك المجموعة منفذة الهجوم , وما يؤكد ذلك تصريحات مدير المخابرات المصرية السابق اللواء مراد موافي الذي أشار إلى أن العدو الصهيوني قد سلم جهاز المخابرات العامة المصرية  قائمة بأسماء  تسعة من جماعة التوحيد والجهاد ونيتهم تنفيذ هجوم ضد مصالح حيوية .

وكذلك التصريح الذي صدر عن مكتب مكافحة الإرهاب التابع لمكتب رئيس الوزراء الصهيوني مباشرة قبل ثلاثة أيام من وقوع العملية والذي يفيد بضرورة إخلاء الرعايا الإسرائيليين من شبه جزيرة سيناء فورا وعلى وجه السرعة ؛ وذلك بسبب نية مسلحين تنفيذ أعمال إرهابية ــــ على حد تعبير التصريح ـــــ !! .

أيضا عملية الاغتيال التي نفذتها قوة من سلاح الجو الصهيوني بحق ناشط من عناصر السلفية الجهادية في  غزة ظهر يوم تنفيذ الهجوم , واتهم الكيان الصهيوني هذا الناشط الفلسطيني بالتخطيط لعمليات ضد الكيان الصهيوني انطلاقا من سيناء المصرية .

والمتتبع للأحداث يجد أن كل العمليات التي وجهت للكيان الصهيوني في منطقة إيلات انطلاقا من سيناء المصرية رد عليها الاحتلال الصهيوني عن طريق اغتيال قادة ونشطاء فلسطينيين متهما إياهم بالضلوع في تنفيذ تلك العمليات .

الفرضية الثانية : لربما يكون هذا الهجوم من تدبير الكيان الصهيوني ومن صنع أناس استعملهم الاحتلال لهذا الغرض ولعل بعض المعطيات على أرض الواقع تؤكد ذلك .

عملية إيلات النوعية والتي قتل فيها عدد من الصهاينة خلال العام 2011 م , وادعى الاحتلال الصهيوني أن عددا من النشطاء قد نفذها إلا أنه وحتى اللحظة وقد مضى عام على وقوع العملية لم يعلن الاحتلال عن أسماء منفذي الهجوم !! , واكتفى باتهام لجان المقاومة الشعبية الفلسطينية بالعملية وقام في يوم العملية باغتيال ستة من أبرز قادة اللجان بينهم أمين عام اللجان , والقائد العام العسكري للألوية , مع أن لجان المقاومة الشعبية نفت صلتها بالهجوم .

كذلك الصواريخ التي تطلق بين الحين والآخر ضد العدو الصهيوني في إيلات انطلاقا من رفح المصرية , ولا تعلن أي منظمة فلسطينية أو مصرية مسؤوليتها عن تلك الرشقات الصاروخية.

وبغض النظر عن هوية منفذي الهجوم فإن الكيان الصهيوني هو المستفيد الأول والأخير من تلك العملية , وإن كانت تلك القرارات الأخيرة للرئيس المصري محمد مرسي آذت الاحتلال ونغصت عليه .

فالاحتلال مع أنه لم يتضرر من ذلك الهجوم إلا أنه سارع بإغلاق معبر كارم أبو سالم التجاري مشددا الحصار الخانق على الغزيين .

كذلك سارعت القوات المصرية بإغلاق الأنفاق متنفس أهل غزة وبديلهم عن المعابر المغلقة , وكذلك أغلق معبر رفح البري الخاص بالمسافرين , متسببا هذا الإغلاق في ازدياد معاناة أهالي قطاع غزة من المرضى والمقيمين .

وأيضا هذا الهجوم كاد أن يخلق فتنة بين أوساط المصريين والفلسطينيين , ولكن إرادة الله وحكمته أرادت دون ذلك .

وهذا الهجوم كان من شأنه أن يوقع بين الحكومة الفلسطينية في غزة التابعة لحركة المقاومة الإسلامية حماس وبين المنظمات السلفية الجهادية الفاعلة في غزة , وهذا ما أشارت إليه صحيفة الشرق الأوسط في أحد أعدادها من تصريحات لقائد تلك الجماعات والمكنى بأبي عبد الله المهاجر من استدعاء الحكومة الفلسطينية لأحد العناصر الفاعلة في جماعة التوحيد والجهاد والذي يدعى أبو صهيب رشوان للتحقيق , وهو جريح إثر غارة صهيونية وكان التحقيق بأوامر من الأمن المصري , ولكن فطنة الجانبين حالت دون ذلك فذهب قادة السلفية الجهادية وسارعوا لعقد اجتماع مع وزير الداخلية الفلسطيني أكدوا فيه عدم صلتهم بالهجوم .

كذلك أرادوا أن يوقعوا بين الحكومة الفلسطينية والمصرية من خلال تلك الأحداث والزج بقطاع غزة في تلك الأحداث .

ومن نافلة القول فإن الدعوة السلفية في قطاع غزة قد استنكرت الهجوم , وبينت الموقف الشرعي الذي يحرم هذا الهجوم , شأنها في ذلك شأن جميع الفصائل الفلسطينية العاملة  في قطاع غزة التي نددت بالهجوم وشجبته بأشد أنواع الشجب والاستنكار .

فبدوره جرَّم مدير عام مركز بيت المقدس للدراسات التوثيقية الشيخ محمود المشهدي في لقاءين صحفيين منفصلين أحدهما لقناة الجديدة المصرية , و الآخر لقناة الكتاب الفضائية الفلسطينية هذا العمل الإجرامي واعتبره عملا إجراميا مشينا لا يعبر عن صفات الإسلاميين , مؤكدا أن هذا العمل لا يخدم سوى الاحتلال الصهيوني .

وأخيرا يمكن القول بأن هذا الأمر يحتاج إلى حكمة في التعامل , وعدم الحكم على الأمور بظاهرها , وعدم التعامل مع التسريبات والشائعات إلى حين ينتهي ذوي الاختصاص من التحقيقات والأمور اللازمة , خصوصا إذا ما علمنا أن الاحتلال الصهيوني قد قتل عددا من الجنود المصريين في أكثر من مرة , ولم يحرك المصريين ساكنا , فلماذا سارعت بعض القوى المصرية بالزج بقطاع غزة , ونعتت قطاع غزة بأنه قطاع إرهابي , وبرأت الاحتلال الصهيوني من تلك الحادثة الأثيمة .

.