فلسطين التاريخ / الانتفاضة والأسرى والمعتقلين
وثيقة الأسرى .. صمام أمان أم عنوان لحرب أهلية ؟!
وثيقة الأسرى .. صمام أمان أم عنوان لحرب أهلية ؟!
في العاشر من مايو تم الإعلان عن وثيقة صاغ بنودها الأسرى في أحد سجون الاحتلال, سميت تجاوزًا "وثيقة الأسرى"، وأيدها الأسرى من كافة الفصائل مبدئياً، وتحفظ على بعض بنودها حركتا حماس والجهاد الإسلامي، على الرغم من أن أحد قادة حماس في المعتقل وأحد قادة حركة الجهاد كانا من بين الموقعين عليها.
الهدف منها جمع كلمة الصف الفلسطيني، بعد الحال المرير الذي وصل إليه الخلاف بين حماس وفتح، وحال إعلانها وجدت الوثيقة ترحيبًا من الرئيس محمود عباس وحركة فتح، وبها تنفسوا الصعداء واعتبروها خطوة في الاتجاه الصحيح للخروج من المأزق, وقام رئيس السلطة بفرضها بقوة على الحكومة التي تقودها حماس مهدداً بأنه سيعرض هذه الوثيقة على الشعب الفلسطيني من خلال الاستفتاء الشعبي إذا فشل الحوار الفلسطيني، وانتهت مدة الحوار، وتحدد تاريخ الاستفتاء في 26 يوليو المقبل.
وبدلاً من أن تكون وثيقة الأسرى محل اتفاق أصبحت نقطة خلاف جديدة بين حركتي حماس وفتح, حيث اعتبرتها حركة حماس التفافاً على الخيار الشعبي الفلسطيني, وقفز على الانتخابات التشريعية التي بموجبها أدلى الشعب الفلسطيني بصوته وقال كلمته, وأنه لا يمكن لأحد إجراء استفتاء للتنازل عن أي حق من حقوق الشعب الفلسطيني, وقد صدرت عدة تصريحات من بعض قادة حماس وأعضاء بالمجلس التشريعي تقضي ببطلان هذا الإجراء لعدم وجود نص قانوني أو دستوري يسمح بإجراء هذا الاستفتاء, وأن مثل هذا الإجراء لا يمكن أن يتم بدون مصادقة المجلس التشريعي، والذي فشل كذلك في جلسته الاستثنائية والتي خصصها حول موضوع الاستفتاء في التوصل لنقاط اتفاق حولها، وخرجت إلى جانب حماس حركة الجهاد الإسلامي ببيان أوضحت فيه رفضها للاستفتاء الشعبي في إشارة واضحة لرفضها الوثيقة المذكورة.
الكيان اليهودي من جانبه سارع إلى التصريح برفض التفاوض مع الفلسطينيين بناءاً على وثيقة الأسرى, ورحب في نفس الوقت وفي خطوة مناقضة الإجراء الذي سيتخذه أبومازن وقيامه بطرح هذه الوثيقة للاستفتاء الشعبي, باعتبار أن الوثيقة بداية تحقيق المكاسب والاستعداد لجملة من التنازلات الأخرى والتي يمكن أن تقدمها الحكومة الجديدة.
الاستفتاء والأمر الواقع:
جاء في المادة رقم 2 من المرسوم الرئاسي الذي أصدره الرئيس عباس حول إجراء الاستفتاء على وثيقة الأسرى ما يلي: يكون الاستفتاء بإبداء الرأي حول السؤال التالي "هل توافق على وثيقة الأسرى أم لا؟" وتكون الإجابة بنعم أو لا مع عدم صلاحية الوكالة أو الكفالة!!!
ويرى بعض المحللون أن سؤال الاستفتاء يكتنفه الغموض الشديد، من حيث الآتي: هل سيُستفتى الشعب الفلسطيني على هذه الوثيقة كأساس للحوار الوطني الفلسطيني؟ أم كأساس للتفاوض مع ما تعرف بإسرائيل؟ وهل ستعبر هذه الوثيقة عن موقف استراتيجي ونهائي للشعب الفلسطيني في صراعه مع المحتل؟ أم أنها مجرد تكتيك؟
وللإجابة على تلك التساؤلات سنعرض وجهتي النظر الرافضة والقابلة لوثيقة الأسرى ولفكرة الاستفتاء:
أولاً: تستند وجهة النظر الرافضة للوثيقة والاستفتاء على ما يلي:
- الوثيقة لا تعبر عن رأي جميع الأسرى، وإنما عن أسرى سجن هداريم.
- الوثيقة منحازة لوجهة نظر «فتح» ومفرداتها فتحاوية.
- الوثيقة وقعها معتقلون وهم في محنة.
- التركيز على وثيقة الأسرى وإهمال الوثائق الأخرى انتقائية مرفوضة.
- الوثيقة تتضمن اعترافاً ضمنياً بـ"إسرائيل". وتنازل من دون مقابل.
- هل سيلتزم "محمود عباس" في كل بنود الوثيقة من دون نقصان.
- طرح الاستفتاء غير لائق واستخفاف بالحوار والمتحاورين ووسيلة ضغط وتهديد وابتزاز لـ «حماس».
- الاستفتاء استباق للأمور وعدم إعطاء الآخرين الوقت الكافي وتحميلهم مسؤولية الفشل.
- على رئيس السلطة المساعدة على تقريب وجهات النظر، بدل طرح المهلة والاستفتاء ما يدل على أنه لا يريد الاتفاق.
- الاستفتاء يتجاوز المجلس التشريعي، وهو التفاف على نتائج الانتخابات.
- الاستفتاء محاولة لتوظيف الحصار الخانق والعزلة الدولية لتمرير مشاريع تتضمن تنازلات جديدة.
- الاستفتاءات في العادة تجري في ظروف طبيعية، وعندما تكون الشعوب متحررة كلياً من الضغوط، حتى يأتي قرارها منطقياً.
- الاستفتاء الآن غير مناسب لأن الشعب الفلسطيني كله مضغوط ومحتقن فكيف يأتي حكمه في هذا الاستفتاء صائبا ً؟
- الفلسطينيون سيصوتون بأمعائهم لا بعقولهم.
- الاستفتاء غير قانوني لأن القانون الأساس لا ينص عليه، ولأنه سيجري بين ثلث الشعب الفلسطيني، فماذا عن أغلبية الشعب الفلسطيني في الخارج؟
ثانيا : وجهة النظر المؤيدة لوثيقة الأسرى وإجراء الاستفتاء في حال عدم الاتفاق في الحوار ، تستند إلى ما يلي:
- وثيقة الأسرى متوازنة وشاملة ولا تعبر عن وجهة نظر فريق لوحده.
- الوثيقة تجمع بين المفاوضات والمقاومة بينما وجهات النظر الأخرى تركز إما على المفاوضات أو على المقاومة.
- تتميز وثيقة الأسرى عن الوثائق الأخرى كونها الوثيقة الوحيدة التي وقع عليها ممثلون من «فتح» و«حماس» والجبهتين الشعبية والديموقراطية و«الجهاد الإسلامي»، وأعلن تأييده لها معظم الفصائل والأحزاب والقطاع الخاص والمنظمات الأهلية والشعبية والفعاليات الوطنية.
- أما التشكيك بسلامة آراء الأسرى وهم تحت الأسر، فهذا يمكن الرد عليه من خلال أن سيرتهم ومواقفهم تدل على سموهم وتماسكهم رغم الاعتقال.
- وثيقة الأسرى ليست مقدسة ولا ملزمة، ويمكن أن تقبل أو ترفض، وهي مجرد مساهمة في الحوار الوطني.
- إذا كانت الظروف الطبيعية مطلوبة للاستفتاء، فهي مطلوبة أكثر لإجراء الانتخابات التي هي ذات قيمة سياسية وقانونية أعلى من الاستفتاء. فلماذا وافق البعض على المشاركة بالانتخابات تحت الاحتلال وفي ظل العدوان والحصار، ولا يوافق على إجراء الاستفتاء؟ الاستقامة تقتضي ممن يرفض الاستفتاء تحت الحصار أن يرفض الانتخابات تحت الاحتلال.
- إن الضرورات تبيح المحظورات، والضرورات جعلت الانتخابات تحت الاحتلال لا بد منها كوسيلة للتخلص من الاحتلال. وقد تجعل الاستفتاء وسيلة لابد منها لتحقيق الوحدة الوطنية الضرورية جداً للتخلص من الاحتلال.
- من يرفض الاستفتاء لأن الفلسطينيين سيصوتون بأمعائهم، لأنهم تحت الاحتلال والحصار عليه أن يعرف أن عدم اتفاق الفلسطينيين، وعدم تدخل الشعب عبر الاستفتاء لحسم الخلاف، سيجعل البديل الوحيد أمامهم هو الحرب الأهلية التي ستضعفهم جميعاً وتنهي ما تبقى من وحدتهم.
- إن إجراء استفتاء بحاجة إلى فتوى قانونية تجيز إجراءه لكن القانون الأساس لا يرفض إجراء الاستفتاء، ما يجعل إجراء الاستفتاء قانونياً. والاستفتاء قبل ذلك مسألة وطنية وسياسية بالإضافة إلى كونها قانونية.
- الاستفتاء أسلوب تلجأ إليه الدول الديموقراطية كافة رغم وجود حكومات منتخبة ديموقراطياً، عند حدوث خلافات كبرى أو لحسم القضايا المصيرية.
- إن من يدّعي أنه يمثل الشعب يجب أن لا يخشى من الاحتكام إليه مهما كانت الظروف والأحوال، وإقرار الشعب الفلسطيني لوثيقة تؤيد السلام وتحفظ الحقوق الفلسطينية يمكن أن يسقط سياسة اللاشريك "الإسرائيلية" ويقوي موقع الفلسطينيين في الصراع.
وعودة إلى آراء الرافضين للوثيقة، فهم يرون كارثية قبول وثيقة الأسرى ببنودها المطروحة، وطالبوا بنقدها وتعديلها من منطلق تناقضها في بنود ما يسمى بالشرعية الدولية ... وقالوا حتى لو افترضنا وجود إجماع فلسطيني يقول (نعم) لوثيقة الأسرى إلا أننا نقابل رفضاً يهودياً حتى لقرارات الشرعية الدولية مع ظلمها ولا يوجد أي آلية إلزامية لتنفيذ القرارات.
من أهم البنود المختلف عليها في وثيقة الأسرى:
تضمنت الوثيقة ثمانية عشر بندًا، من أهمها ونقطة خلافها البند الرابع الذي ينص التالي:
"وضع خطة فلسطينية للتحرك السياسي الشامل وتوحيد الخطاب السياسي الفلسطيني على أساس برنامج الإجماع الوطني الفلسطيني والشرعية العربية وقرارات الشرعية الدولية المنصفة لشعبنا تمثلها منظمة التحرير والسلطة الوطنية رئيساً وحكومة والفصائل الوطنية والإسلامية ومنظمات المجتمع المدني والشخصيات والفعاليات العامة من أجل استحضار وتعزيز وحشد الدعم العربي والإسلامي والدولي السياسي والمالي والاقتصادي والإنساني لشعبنا وسلطتنا الوطنية ودعماً لحق شعبنا في تقرير المصير والحرية والعودة والاستقلال ولمواجهة خطة إسرائيل في فرض الحل الإسرائيلي على شعبنا ولمواجهة الحصار الظالم علينا".
وخلاصة البند الرابع: "توحيد الخطاب السياسي الفلسطيني على أساس برنامج الإجماع الوطني الفلسطيني والشرعية العربية وقرارات الشرعية الدولية".
ترى حماس وغيرها من الفصائل التي تقف بصفها أن في ذلك "إجبار لحماس على الاعتراف بالدولة الفلسطينية ضمن حدود الرابع من حزيران 1967، وهذا مخالف لمواقفها وثوابتها، وكذلك حصر المقاومة داخل هذه الحدود يعني وقف إطلاق القذائف ووقف كل العمليات المقاومة داخل عمق الكيان اليهودي .. وهذا بصمة من حماس على المبادرة العربية، ومن ثم الذهاب إلى خريطة الطريق على رغم أن الوثيقة لم تشر إليها من قريب أو بعيد، وعندها سيقال إن حماس وافقت على ما وافقت عليه فتح من قبل، وسيستخدم ذلك في حملة التشويه وصولاً إلى انتخابات جديدة ستبرر السلطة لها، وسترتب من أجل فوز معقول لفتح، وستضاف وثيقة الأسرى إلى وثائق أخرى في التاريخ الفلسطيني.
الخلاصة:
- ماذا سيكون الحل إن فشل الحوار وبقيت الأطراف مختلفة؟ الأفضل لحماس ولجميع الفصائل أن يتم التوافق على صيغة ما وأن يخرج الحوار باتفاق وطني، وأن يتم تفادي الاستفتاء.
- من حقنا التساؤل إن كنا ذاهبون للتفاوض بإقرار منا بأن فلسطين النهائية في حدود 1967، فماذا تركنا للمناورات ولطاولة التفاوض؟
- الوثيقة تتضمن عدة بنود قد نجد إجماعًا فلسطينيًا حولها، لكنها تتضمن بنودًا يصعب التوافق حولها، وحتى البنود التي قد ينعقد عليها إجماعًا تحتاج لشروط ومبادرات تسبقها، وإيضاح محدد لها ينهي الاجتهادات غير المقبولة، والتي قد تعمل على الفرقة لا الوحدة.
- الموافقة على بنود الوثيقة كما جاءت تعني الاعتراف بدولة العدو.
- أن الإشكالية ليست في بعض بنود الاتفاق فحسب، إنما في التنفيذ، الذي لم تحدد وتوضح الوثيقة آلياته، وهي عادة ما تكون من الإشكاليات المستعصية.
· البعد الإسلامي للقضية كان غائبًا، أما البعد العربي لها فكان حاضرًا على استحياء.
- وحقناً للدماء ندعو الأطراف المختلفة إلى نبذُ الخلاف وتوحيد الرّأي والوقوفُ صفّاً واحداً في مواجهَة الاحتلال والمتغيّرات العالميّة والثبات على نهجِ الوَحدة القائم على الشريعة الإسلامية؛ ومن دون ذلك فإن الأوضاع ستبقى في طريق التصعيد والاختلاف وتصب في صالح الاحتلال الذي يريد ذلك الخلاف لأنه يخدم مصالحه ويعزز مواقفه ويفتح الطريق لتنفيذ مخططاته وألاعيبه، فالحوار والالتقاء على الحدود الدنيا من المصالح للشعب الفلسطيني هما الطريق الأسلم.
· لا بد من دور إسلامي وعربي كوسيط يوفق بين الرؤى المختلفة للفصائل والوصول لحد أدنى من الاتفاق عن طريق دول أو لجان منبثقة من الجامعة العربية أو المؤسسات المدنية وغيرها، لأن الاحتلال كان ولا يزال وسيظلّ متوجّهاً إلى محاولة زعزعَة الصفوف والنيل من وحدة الأمة، وبالأخص في بؤرة الصراع "فلسطين"، فالأزمات والأحداثُ تحتاج أوّل ما تحتاج إلى رصّ الصّفّ وصِدق الموقِف والتّلاحم حتّى يفوتَ على الأعداء والعُملاء فرصتُهم في البلبَلة وبثّ الفُرقة وذهاب ريح الأمّة؛ قال تعالى:
والحمد لله رب العالمين