فلسطين التاريخ / الواقع والمأمول
في ذكرى النكبة
في ذكرى النكبة
تَمرُّ بنا هذه الأيام ذكرى إعلان دولة لليهود على أرض فلسطين المباركة , بعد سلسلة من الخطوات الممنهجة التي اتبعتها الحكومة البريطانية ومنذ بدء احتلالها فلسطين عام 1917م كلها تصب في مصلحة تكوين دولة لليهود في فلسطين .
لقد تزامن دخول اليهود لفلسطين مع سقوط آخر خلافة إسلامية كانت تحكم المسلمين وتدافع عن قضاياهم وتكون ندًا لأعدائهم , فأصبح المسلمون مكشوفين أمام أعدائهم وفاقدين لأي مضلة تحميهم وترد كيد عدوهم .
ومن قدر الله على أهل فلسطين أن يكون عدوهم وسبب مصيبتهم ومن احتل أرضهم هم اليهود -المغضوب عليهم- أعداء الأنبياء والرسل وَقتلتِهِمْ, وكأنما رجعت عقارب الساعة إلى الوراء بعد غياب طويل, أي منذ تآمرهم على رسول الله صلى الله عليه وسلم ، رجع اليهود ليثأروا منا المسلمين تحت مسميات عدّة منها العودة إلى أرض الميعاد أرض الآباء والأجداد .
سمي ذلك اليوم (بيوم النكبة) وحق له أن يُسمى نكبة فسقوط المسجد الأقصى المبارك وعقر بلاد الشام, -التي باركها الله في كتابة, وفي فضلها ذكِرَتْ الكثير من الأحاديث النبوية الشريفة-، بأيدي اليهود لهو الكارثة العظمى ودلالة قوية عن تراجع المسلمين عن رسالتهم التي أناطها الله بهم .
لقد ترتب على تلك النكبة قضايا مهمة نحاول ذكرها في الأسطر القليلة القادمة .
الهجرة :
بعد المذابح التي تعرض لها شعبنا الفلسطيني على أيدي العصابات اليهودية, هاجر عدد كبير منهم إلى مناطق داخل فلسطين وخارجها ، ولاشك أن هذه مصيبة عظيمة .
ولكن ِليُعْلمْ أن الهجرة هي من سنن الأنبياء عند تعرضهم للابتلاء فهذا أبو الأنبياء إبراهيم عليه السلام هاجر من أرض مولده بعد ابتلاءه وقذفِهِ في النار على أيدي أبناء جلدته قال تعالى :(وَنَجَّيْنَاهُ وَلُوطاً إِلَى الأَرْضِ الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا لِلْعَالَمِينَ ) (الأنبياء71) ، وقال تعالى:( فَآَمَنَ لَهُ لُوطٌ وَقَالَ إِنِّي مُهَاجِرٌ إِلَى رَبِّي إِنَّهُ هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ * وَوَهَبْنَا لَهُ إِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَجَعَلْنَا فِي ذُرِّيَّتِهِ النُّبُوَّةَ وَالْكِتَابَ وَآَتَيْنَاهُ أَجْرَهُ فِي الدُّنْيَا وَإِنَّهُ فِي الْآَخِرَةِ لَمِنَ الصَّالِحِينَ) العنكبوت.
بعد الهجرة أعطي إبراهيم عليه السلام هذه النعم النبوة في ذريته والكتاب .
والنبي موسى عليه السلام هاجر أيضًا بعد أن خشي على نفسه من القتل قال تعالى : (وَجَاء رَجُلٌ مِّنْ أَقْصَى الْمَدِينَةِ يَسْعَى قَالَ يَا مُوسَى إِنَّ الْمَلأَ يَأْتَمِرُونَ بِكَ لِيَقْتُلُوكَ فَاخْرُجْ إِنِّي لَكَ مِنَ النَّاصِحِينَ ) (القصص20) ، فتوجه إلى مدين قال تعالى : (وَلَمَّا تَوَجَّهَ تِلْقَاء مَدْيَنَ قَالَ عَسَى رَبِّي أَن يَهْدِيَنِي سَوَاء السَّبِيلِ)،(القصص22)، فكانت نتيجة الهجرة أن وجد موسى عليه السلام عملاً وزوجة، واصطفاه الله ورجع إلى عدوه فرعون بآيات ومعجزات باهرة حتى كانت نجاة بني إسرائيل ونهاية فرعون الطاغية على يديه .
ورسولنا الكريم محمد صلى الله عليه وسلم أخرجَ أيضًا من بلده ، وقد اخبره بذلك ورقة بن نوفل كما ورد عَنْ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ رضي الله عنها أَنَّهَا قَالَتْ:... فَقَالَ لَهُ وَرَقَةُ يَا ابْنَ أَخِي مَاذَا تَرَى فَأَخْبَرَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَبَرَ مَا رَأَى فَقَالَ لَهُ وَرَقَةُ هَذَا النَّامُوسُ الَّذِي نَزَّلَ اللَّهُ عَلَى مُوسَى يَا لَيْتَنِي فِيهَا جَذَعًا لَيْتَنِي أَكُونُ حَيًّا إِذْ يُخْرِجُكَ قَوْمُكَ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَوَمُخْرِجِيَّ هُمْ قَالَ: نَعَمْ لَمْ يَأْتِ رَجُلٌ قَطُّ بِمِثْلِ مَا جِئْتَ بِهِ إِلا عُودِيَ وَإِنْ يُدْرِكْنِي يَوْمُكَ أَنْصُرْكَ نَصْرًا مُؤَزَّرًا...الحديث (رواه البخاري).
خَرج رسول الله صلى الله عليه وسلم مطلوبًا من كفار قريش هو وصاحبه أبو بكر رضي الله عنه فرجع فاتحًا لمكة عزيزًا وقاهرًا لأعدائه ، لقد تحولت الهجرة من محنه في حقهم إلى منحة بسبب صبرهم ومثابرتهم، وليكن أنبياء الله لنا قدوة نحن الفلسطينيين ولنحول الهجرة إلى نصر على أعدائنا وتمكين لديننا.
لقد مدح الله المهاجرين حيث قال جل وعلا (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَاجَرُوا وَجَاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أُولَئِكَ يَرْجُونَ رَحْمَتَ اللَّهِ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ)(البقرة:218).
قال ابن سعدي رحمه الله: "هذه الأعمال الثلاثة، هي عنوان السعادة، وقطب رحى العبودية، وبها يعرف ما مع الإنسان من الربح والخسران، فأما الإيمان فلا تسأل عن فضيلته...، وأما الهجرة فهي مفارقة المحبوب والمألوف لرضا الله تعالى، فيترك المهاجر وطنه وأمواله وأهله وخلانه تقربًا إلى الله ونصرة لدينة، وأما الجهاد فهو بذل الجهد في مقارعة الأعداء، والسعي التام في نصرة دين الله وقمع دين الشيطان. وهو ذروة الأعمال الصالحة، وجزاؤه أفضل الجزاء. فحقيق بهؤلاء أن يكونوا هم الراجين رحمة الله؛ لأنهم أتوا بالسبب الموجب للرحمة". وقوله تعالى: (فَالَّذِينَ هَاجَرُوا وَأُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ وَأُوذُوا فِي سَبِيلِي وَقَاتَلُوا وَقُتِلُوا لأُكَفِّرَنَّ عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَلأُدْخِلَنَّهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ ثَوَابًا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَاللَّهُ عِنْدَهُ حُسْنُ الثَّوَابِ) (آل عمران:195).قال ابن سعدي: "فجمعوا بين الإيمان والهجرة، ومفارقة المحبوبات من الأوطان والأموال طلبًا لمرضاة ربهم، وجاهدوا في سبيل الله" ، وفي آية أخرى قال تعالى: (وَالَّذِينَ هَاجَرُوا فِي اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مَا ظُلِمُوا لَنُبَوِّئَنَّهُمْ فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَلأَجْرُ الآخِرَةِ أَكْبَرُ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ ) [النحل:41].
قال ابن جرير رحمه الله: "يقول تعالى ذكره: والذين فارقوا قومهم ودورهم وأوطانهم عداوة لهم في الله على كفرهم إلى آخرين غيرهم (مِنْ بَعْدِ مَا ظُلِمُواْ) يقول: من بعد ما نيل منهم في أنفسهم بالمكاره في ذات الله (لَنُبَوِّئَنَّهُمْ فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً) يقول: لنسكننهم في الدنيا مسكنًا يرضونه صالحًا...وقوله: (وَلأَجْرُ ٱلآخِرَةِ أَكْبَرُ لَوْ كَانُواْ يَعْلَمُونَ) يقول: ولثواب الله إياهم على هجرتهم فيه في الآخرة أكبر؛ لأن ثوابه إياهم هنالك الجنة التي يدوم نعيمها ولا يبيد".
وقد قرن الجهاد مع الهجرة كما في الحديث النبوي الشريف : "إن الهجرة لا تنقطع ما دام الجهاد".( صحيح ) انظر حديث رقم : 1991 في صحيح الجامع.
وفي فضل الهجرة قال صلى الله عليه وسلم: [ أتعلم أول زمرة تدخل الجنة من أمتي ؟ قلت : الله ورسوله أعلم . فقال : المهاجرون ؛ يأتون يوم القيامة إلى باب الجنة ويستفتحون فيقول لهم الخزنة : أو قد حوسبتم ؟ فيقولون : بأي شيء نحاسب ؟ ! وإنما كانت أسيافنا على عواتقنا في سبيل الله حتى متنا على ذلك . قال : فيفتح لهم فيقيلون فيه أربعين عاما قبل أن يدخلها الناس ] . ( صحيح: السلسلة الصحيحة مختصرة . )
إن الهجرة إذا احتسبت في سبيل الله فلها الأجر والفضل العظيم وتتحول إلى نصر وتمكين بإذن الله, وفي سيرة الأنبياء عليهم السلام أكبر مثال .
الجهاد :
لقد ترتب على دخول اليهود إلى أرضنا إحياء فريضة الجهاد في سبيل الله وهو ذروة سنام الإسلام والتجارة التي تنجينا من العذاب الأليم, قال تعالى : (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى تِجَارَةٍ تُنْجِيكُمْ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ * تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ * يَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَيُدْخِلْكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ وَمَسَاكِنَ طَيِّبَةً فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ * وَأُخْرَى تُحِبُّونَهَا نَصْرٌ مِنَ اللَّهِ وَفَتْحٌ قَرِيبٌ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ ) (الصف).
وقد وعد الله بالشهادة كل من يدافع عن عرضه وماله ونفسه .فقال صلى الله عليه وسلم: "من قُتل دون ماله فهو شهيد ومن قُتل دون دمه فهو شهيد ومن قُتل دون دينه فهو شهيد ومن قُتل دون أهله فهو شهيد" .( صحيح الجامع رقم : 6445)
وعن علقمة عن أبي جعفر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من قُتل دون مظلمته فهو شهيد" (رواه النسائي :تحقيق الألباني : صحيح).
قال ابن حجر رحمه الله: (قال ابن المنذر؛ والذي عليه أهل العلم؛ أن للرجل أن يدفع عما ذكر، ماله أو نفسه أو حريمه، إذا أريد ظلمًا بغير تفصيل) (فتح الباري: 5/156).
وقد أفتى أهل العلم بضرورة دفع الصائل وهو المعتدي على العرض والنفس والمال , قال ابن تيمية رحمه الله: (وأما قتال الدفع؛ فهو أشد أنواع دفع الصائل عن الحرمة والدين، واجب إجماعًا، فالعدو الصائل الذي يفسد الدين والدنيا، لا شيء أوجب بعد الإيمان من دفعه، فلا يشترط له شرط، بل يدفع بحسب الإمكان، وقد نص على ذلك العلماء أصحابنا وغيرهم) (الفتاوى الكبرى: 5/530).
وقال الإمام الشافعي رحمه الله: (إذا دخل الرجل منزل الرجل ليلاً أو نهارًا بسلاح، فأمره بالخروج فلم يخرج، فله أن يضربه وإن أتي على نفسه)، أي: إذا قتل المدفوع. وأضاف الشافعي رحمه الله: (سواء كان الداخل يعرف بسرقة أو فسوق، أو لا يعرف به) (الأم: 6/33).
لقد تداعى أهل فلسطين للجهاد في سبيل الله ومنذ دخول الجنود البريطانيين بقيادة (اللنبي) إلى أرض فلسطين فهبوا جماعات وفرادى وكادوا أن يحرروا هذه الأرض الطاهرة من رجس اليهود والنصارى. فقامت ثورة البراق عام 1929م وثورة 1936 الكبرى التي استمرت إلى1939م وهو وقت نشوب الحرب العالمية الثانية.
لقد وصلت الثورة في صيف عام 38 إلى قمة نفوذها وقوتها وكانت تحضى بدعم شعبي واسع ، وخضعت لسيطرتها مناطق واسعة من فلسطين وخاصة شمال فلسطين ووسطها ودخل الثوار الكثير من المدن المهمة. حيث أصبح الثوار هم الحكام الإداريون في المدن الواقعة تحت سيطرتهم، وذلك لعدم وجود حكومي في تلك المناطق.
لقد عد وزير المستعمرات آنذاك فلسطين "أصعب بلد في العالم" ووصف مهمة المندوب السامي والقائد العام للقوات البريطانية من أشق المهام التي واجهت الحكومة البريطانية بعد الحرب العظمى.
لقد كانت معركة (بني نعيم) عام 1938التي قادها المجاهد عبد القادر الحسيني حيث كان معه ألف مجاهد يقابلهم ثلاثة آلاف من الجنود البريطانيون مثالاً على شراسة المقاومة الفلسطينية ضد المعتدين .
قتل القائد عبد القادر الحسيني رحمه الله في معركة القسطل في السابع من ابريل عام 1948 بعد أن خاب ظنه في الحصول على السلاح من الجامعة العربية آنذاك , وتمكنت قوات الجهاد المقدس من السيطرة على القدس والتحكم في طرق الإمدادات التي تربط أغلب المستعمرات اليهودية في فلسطين .
إن تحرير فلسطين من دنس اليهود واجب إسلامي يتحمله كل المسلمين ويجب أن تعد له الأمة الإسلامية العدة الإيمانية والمادية ، وأن تكون الراية خالصة لوجه الله لا لنصرة حزب أو فكرة قومية أو وطنية أو من أجل تراب أو غصن زيتون، لقد حدد شرعنا مبدأ القتال الحق الذي يكون به التمكين والنصر بإذن الله, قال تعالى : (وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُم فِي الأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُم مِّن بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْناً يَعْبُدُونَنِي لا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئاً وَمَن كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ)(النور55). وقال تعالى : (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن تَنصُرُوا اللَّهَ يَنصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ) (محمد7).
قال الإمام السعدي رحمه الله: وهذا يدل على حكمة الجهاد، وأن المقصود منه إقامة دين الله، وذب الكفار المؤذين للمؤمنين، البادئين لهم بالاعتداء، عن ظلمهم واعتدائهم، والتمكن من عبادة الله، وإقامة الشرائع الظاهرة.
كشف حقيقة اليهود :
منذ تدمير الهيكل الثاني على يد الإمبراطور الروماني (تيطس أو تايتوس) (70م ) ، وإخماد ثورة (باركوبا) اليهودي ضد الرومان ، وإبعاد بقية اليهود عن القدس على يد الإمبراطور (هادريان) .( 132- 135م) ، لم يكن لليهود وجود مميز يؤثر في مسرح التاريخ سوى بعض الوجود في اليمن وفي جزيرة العرب تم انهاءه بدخول يهود اليمن في الإسلام وأخرج يهود الجزيرة في المدينة وخيبر إلى خارجها، بعد ذلك خَفَت ضوء اليهود وبقيت المساجلة قائمة بين النصارى والمسلمين في حروب طاحنة سُميت فيما بعد قسم منها بالحروب الصليبية ، وكانت الغلبة والسيطرة في معظم تلك الحروب للمسلمين .
خلال تلك الفترات عاش اليهود كتجمعات تحت كنف المسلمين وحمايتهم في بلدان المسلمين , كذلك قسم منهم كان تحت سلطان النصارى وقد تعرضوا لكثير من الاضطهاد .
لم يمثل اليهود وخلال فترة طويلة تحدي للمسلمين وبالتالي كان العدو الأول للمسلمين هم النصارى حيث خرج اليهود من حلبة الصراع في وقت مبكر ، وبما أن العدو الأول للمسلمين هم اليهود كما قال سبحانه وتعالى (لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَدَاوَةً لِّلَّذِينَ آمَنُواْ الْيَهُودَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُواْ وَلَتَجِدَنَّ أَقْرَبَهُمْ مَّوَدَّةً لِّلَّذِينَ آمَنُواْ الَّذِينَ قَالُوَاْ إِنَّا نَصَارَى ذَلِكَ بِأَنَّ مِنْهُمْ قِسِّيسِينَ وَرُهْبَاناً وَأَنَّهُمْ لاَ يَسْتَكْبِرُونَ) (المائدة82 )، فقد شاء الله سبحانه وتعالى أن يعود أخطر عدو للمسلمين إلى حلبة الصراع وتعود الكراهية لهذا الصنف أعداء الله والأنبياء .
إن كثيرًا من المسلمين قد لا يحكم على كثير من المسلمات إلا من خلال المشاهدة والإحساس فمن لا يتأثر بالدليل الشرعي فهذا دليل كوني شاهد على خبث ومكر وإجرام اليهود .
لقد أخبرنا رسولنا صلى الله عليه وسلم على أن معركة آخر الزمان هي مع اليهود قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :"تقاتلون اليهود فتسلطون عليهم حتى يختبئ أحدهم وراء الحجر فيقول الحجر : يا عبد الله هذا يهودي ورائي فاقتله .( صحيح الجامع: رقم : 2977).
ويكون قتلُ الدجال ومعه سبعين ألفًا من يهود أصبهان على أرض فلسطين الطاهرة.
فبعد احتلال فلسطين عادت البوصلة لاتجاه العدو الأساسي ألا وهم اليهود ولعل هذا من شؤم صنيعهم فعسى أن يُعطي هذا الهممْ لأبناء ملتنا في حرب اليهود واجتثاثهم كما فعل رسولنا الكريم وصحابته الميامين في بني قريظة وبني النضير وبنو قينقاع وغيرهم نسأل الله أن يكون قريبًا.
بشارة الله بنصرة المظلوم :
كم ظُلم الشعب الفلسطيني بإخراجه من أرضه وتشريده وتقتيلِه وحتى إن كان القتل بغير أيدي اليهود فهو من تدبيرهم ، هذا الشعب الفلسطيني الذي يُعتبر عقر بلاد الشام ومنبع البركة من أرضه, والذي قال في فضل أرضه صلى الله عليه وسلم :"عليكم بالشام فإنها صفوة بلاد الله يسكنها خيرته من خلقه فمن أبى فليلحق بيمنه وليسق من غدره فإن الله عز و جل تكفل لي بالشام وأهله" .( صحيح الجامع: رقم : 4070).
لايظن أن هذا الظلم لهذه الأرض الطاهرة يذهب سدى وقد بشر الله سبحانه وتعالى بأن يكون الظلم هو سبب هلاك الدول قال تعالى : (وَتِلْكَ الْقُرَى أَهْلَكْنَاهُمْ لَمَّا ظَلَمُوا وَجَعَلْنَا لِمَهْلِكِهِم مَّوْعِداً) (الكهف59).
ودعوة المظلوم ليس بينها وبين حجاب , قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :"اتقوا دعوة المظلوم ؛ فإنها تحمل على الغمام، يقول الله جل جلاله : وعزتي وجلالي لأنصرنك ولو بعد حين" .(السلسة الصحيحة : حسن رقم 870 ).
فكم من امرأة فلسطينية دعت في جوف الليل على ظالمها بسبب قتل ابنها أو إخراجها من بيتها وكم من رجل فلسطيني دعى على ظالمه بسبب اعتقاله وتعذيبه . لقد بشرنا ربنا بأنه ناصر المظلوم قال تعالى:(أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَإِنَّ اللَّهَ عَلَى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ)(الحج39)
فعن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال: لما أُخرج النبي صلى الله عليه وسلم من مكة قال أبو بكر:" أخرجوا نبيهم إنا لله وإنا إليه راجعون ليهلكن فنزلت (أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَإِنَّ اللَّهَ عَلَى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ) فعرفت أنه سيكون قتال، قال ابن عباس فهي أول آية نزلت في القتال. (سنن النسائي: تحقيق الألباني : صحيح الإسناد).
قال الإمام القرطبي رحمه الله - في تفسير هذه الآية - :
قوله تعالى: (أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ) قيل : هذا بيان قوله (إِنَّ اللَّهَ يُدَافِعُ عَنِ الَّذِينَ آمَنُوا) أي: يدفع عنهم غوائل الكفار بأن يبيح لهم القتال وينصرهم ،
لقد بشرنا ربنا بالنصر على أعدائنا، ولكن بعد الابتلاء والاختبار, والمحن بعدها منح بإذنه تعالى قال جل وعلا : (أَمْ حَسِبْتُمْ أَن تَدْخُلُواْ الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُم مَّثَلُ الَّذِينَ خَلَوْاْ مِن قَبْلِكُم مَّسَّتْهُمُ الْبَأْسَاء وَالضَّرَّاء وَزُلْزِلُواْ حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُواْ مَعَهُ مَتَى نَصْرُ اللّهِ أَلا إِنَّ نَصْرَ اللّهِ قَرِيبٌ) (البقرة214).
نسأل الله بمنه وكرمه أن يكون نصر الله قريب.. اللهم آمين.
وليد ملحم
مركز بيت المقدس – اليمن – صنعاء
18/5/2011
.