فتاوى فلسطينية / الجهاد في سبيل الله

تحرير مدينة القدس / للشيخ محمد ناصر دين الألباني

السؤال: حَولَ تحرِيرِ مدينةِ القُدسِ، هناكَ مِنَ الناسِ مَنْ يَقولُ: إنَّ تحريرَ القُدسِ هذهِ المرةَ مِنْ أيدي اليهودِ، لَنْ يتَِمَ إلاَّ بواسطةِ المُسلمينَ الحقيقيينَ، أتْباعِ الكِتابِ والسُّنَّةِ؛ فَهَلْ هُناكَ ما يُثْبِتُ هذا الكلامَ؟ أمْ أنَّ تحريرَ القُدسِ هذهِ المرَّةَ أيضًا يُمكنُ أنْ يَتِمَّ عَلى أيدي مُسلمينَ بالاسمِ فَقَطْ، وعلى غَيرِ أساسِ الجِهَادِ الإسلاميِّ؟

وهَلْ هذا العُلوُّ في الأرضِ هذهِ المرةَ لليهودِ، هو آخِرُ عُلوٍّ لَهُم في الأرضِ قَبلَ يومِ القيامةِ؟(1)

الإجابَةُ: هذا كُلُّه لا يُمكِنُ الإجابةُ عَنْهُ إلاَّ ظنًا ورجَمًا بالغيبِ؛ لأَنَّ الجَزْمَ بأنَّهُ لا يتَمَكَنُ مِنْ فَتْحِ القُدسِ إلاَّ المؤمنونَ الطيبونَ، هذا ما عَليهِ دَليلٌ عِندَنا، وإنْ كانَتْ ظواهرُ النصوصِ تَقْتَضِي أنَّ اللهَ إنَّما يَنْصُرُ عِبادَهُ المؤمنينَ، ولكنَّ هذا لا يَسْتَلْزِمُ نَفْيَ وُقوعِ القُدسِ وطَرْدِ اليهودِ مِنْهُ مِنْ جَماعَةٍ ليسوا أهلاً لأَنْ يَنْصُرَهُم اللهُ على اليهودِ، ولَكِن مِنَ المُمْكِنِ أنْ يَحتلَّ القُدسَ ناسٌ آخرونَ ولَوْ كَانوا في الظاهرِ مُسلمينَ، ويكونونَ في الحقيقةِ هُمْ كاليهودِ مِن حَيثُ أنَّ هذا الإسلامَ لَمْ يُفِدْهُمْ شيئًا، فَحينذاكَ يُمكِنُ أنْ يُقالَ إنَّ القُدسَ فُتِحَتْ، والناسُ هُمْ في الظاهرِ مُسلمونَ ولَكِنْ ليسوا هُمُ المؤمنونَ الذينَ ذُكِروا في مَطْلَعِ السؤالِ.

خُلاصَةُ القولِ: الأمورُ الغَيْبِيَّةُ لاَ يَجوزُ القولُ فيها بالآراءِ والأقيسةِ النظريَّةِ، لأَنَّ اللهََ لا يُحيطُ أحدٌ بِسُنَّتِهِ.

ولِذَلكَ في اعتقادي: أنَّ الواجبَ علينا نَحْنُ أنَّ نَعْمَلَ ذاكَ العملَ الذي سَبَقَ الإشارةُ إليهِ جوابًا على السؤالِ السابقِ الذِكْرِ، عَمَلاً إسلاميًّا جَماعيًّا قائمًا عَلى الكِتابِ والسُّنَّةِ، لنِكونَ نَحْنُ الذينَ يَفتحونَ القُدسَ ولَيسَ غَيْرُنا مِمَّن يُمكنُ أنْ يُسلِّطهُمُ اللهُ على اليهودِ، كما سَلَّطَ قَبلَ ذلكَ عليهِم مَنْ يَكونونَ مِنَ المُسلمينَ بالاسمِ فَقَطْ.

أمَّا ما جاءَ في آخرِ السؤالِ عَنِ اليهودِ وعُلُوِّهم: فهذا مِمَّا لا نَستطيعُ أنْ نَنْفيَهُ أو أنْ نُثْبِتَه فالعِلْمُ عِندَ الله؛ ثُمَّ هذهِ كُلُّها أمورٌ نَظَريَّةٌ لا يَتَرتَبُ مِن ورائِها أَمرٌ عَمليٌّ، وعلى هذا فلا يَجِبُ أنْ نَشْغَلَ أنْفُسَنا في هذهِ الأمورِ؛ أَنَّ ذلكَ سوفَ يَصْرفُنا لا سِيَّما إذا ما تَمَكَّنَ في نُفوسِ بعضِنا رأيٌ سَلْبيٌّ يَحْمِلُ صاحبَه على التواكلِ وعلى تَرْكِ العملِ ، لذلكَ لا نَبُتُّ في الجوابِ على مِثْلِ هذا السؤالِ وما تَضَمَّنهُ؛ لا نَبُتُّ بِشَيْءٍ وإنَّما نَقولُ كَما قالَ اللهُ جَلَّ وعَلاَ: )وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ ۖ وَسَتُرَدُّونَ إِلَىٰ عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ( التوبة ﴿١٠٥﴾



([1]) المرجع: كتاب الحاوي في فتاوى الأَلبَانِيّ ، (2/302-303).


موسوعة الفتاوى الفلسطينية : ص87-88

.