فلسطين التاريخ / الواقع والمأمول

التوضيحات الشرعية حول النبوءات المزعومة في مقتلة غزة!!

التوضيحات الشرعية حول النبوءات المزعومة في مقتلة غزة!!

إعداد/ اللجنة العلمية بمركز بيت المقدس للدراسات التوثيقية

 

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه، وبعد:

انتشر في هذه الأيام منشورٌ عبر مواقع التواصل بعنوان: (نبوءات عن مقتلة غزة كما أخبر بها رسول الله ﷺ)، يذكر فيه ثلاثة أحاديث نبوية يزعم صاحبها صحتها، تشير إلى عدة فضائل لغزة وعسقلان وأهلها، من ذلك:

أنها أحد العروسين، ويبعث منها يوم القيامة سبعون ألفا، لا حساب عليهم، ويبعث منها خمسون ألفا شهداء، وفودا إلى الله، وبها صفوف الشهداء، رؤوسهم مقطعة في أيديهم، إلى غير ذلك مما ذكر..

ولنا مع هذا المنشور عدة وقفات وتوضيحات:

أولا: النبوءات التي هي أخبارٌ غيبية لأحداث ووقائع مستقبلية أخبر عنها النبي ﷺ -كعلامات الساعة الصغرى والكبرى- هي إعجاز نبوي بوحي من الله للنبي ﷺ؛ نؤمن بها ونوقن بتحققها، شرط ثبوت صحتها ونسبتها للنبي ﷺ.

ثانيا: طريقة السلف الصالح هي الطريقة المثلى للتعامل مع أحاديث آخر الزمان؛ فميزانهم ميزان دقيق وبحذر شديد، من خلال التسليم للنص وعدم التكلف بتفسيرات مبالغ فيها أو تأويلات غير صحيحة؛ فلا ينزلون حديثاً – بعد ثبوت صحته - على حادثة أو واقعة في مكان ما، ولا يربطونها بحديث مباشرة؛ بل يقولون: "قد يكون والله أعلم"!

يقول الشيخ محمد إسماعيل المقدم في كتابه "فقه أشراط الساعة" ص273: نلاحظ أن عامَّة شارحي الأحاديث الشريفة كانوا يُفيضون في شرحها، واستنباط الأحكام منها، حتى إذا أتوا على أبواب الفتن، وأشراط الساعة، أمسكوا أو اقتصدوا في شرحها للغاية، وربما اقتصروا على تحقيق الحديث، واكتفوا بشرح غريبه؛ بخلاف ما يحصل من بعض المتعجلين المتكلفين اليوم؛ فإنه بمجرد ظهور بوادرَ لأحداث معينة؛ سياسية كانت، أو عسكرية، محلية، أو عالمية تستخفهم البُداءات، وتستفزهم الانفعالات، فيُسقطون الأحاديث على أشخاص معينين، أو وقائع معينة، ثم لا تلبث الحقيقة أن تبيت، ويكتشفوا أنهم تهوروا، وتعجلوا.

ثالثا: العجيب أن صاحب المنشور أكد صحتها ولم ينقل أو يذكر مَن صححها من علماء الحديث ولا المصدر! والنبي ﷺ يقول -كما في المتفق عليه-: "مَن كَذَبَ عَلَيَّ مُتَعَمِّدًا، فَلْيَتَبَوَّأْ مَقْعَدَهُ مِنَ النّارِ".

وفي صحيح مسلم يقول النبي ﷺ: "مَنْ حَدَّثَ عَنِّي بِحَدِيثٍ يُرَى أَنَّهُ كَذِبٌ، فَهُوَ أَحَدُ الْكَاذِبِينَ".

رابعا: ثبت في فضل عسقلان - وغزة تابعة لها وكانت تعرف بـ "غزة عسقلان"- حديث صحيح كما في السلسلة الصحيحة 3270 أن النبي ﷺ قال: "فَعَلَيْكُمْ بِالْجِهَادِ، وَإِنَّ أَفْضَلَ جهادِكُمُ الرِّبَاطُ، وَإِنَّ أَفْضَلَ رباطِكُمْ عَسْقَلَانُ".

خامسا: بيان عدم صحة الأحاديث الواردة في المنشور:

الحديث الأول: "عسقلان أحد العروسين، يبعث منها يوم القيامة سبعون ألفا، لا حساب عليهم، ويبعث منها خمسون ألفا شهداء، وفودا إلى الله، وبها صفوف الشهداء، رؤوسهم مقطعة في أيديهم، تثج أوداجهم دما يقولون: ربنا آتنا ما وعدتنا على رسلك إنك لا تخلف الميعاد، فيقول: صدق عبيدي، اغسلوهم بنهر البيض، فيخرجون منه نقاء بيضا، فيسرحون في الجنة حيث شاؤوا".

حديث موضوع.

أخرجه ابن الجوزي في الموضوعات (2/53)، وأخرجه أحمد في المسند برقم 13356، قال شعيب الأرنؤوط: موضوع.

الحديث الثاني: أن النبي صلى الله عليه وسلم قد صلى على مقبرة، فقيل له: يا رسول الله، أي مقبرة هي؟ قال: مقبرة بأرض العدو، يقال لها: عسقلان، يفتتحها ناس من أمتي، يبعث الله منها سبعين ألف شهيد، فيشفع الرجل في مثل ربيعة ومضر، ولكل عروس، وعروس الجنة عسقلان.

حديث موضوع.

أخرجه ابن الجوزي في الموضوعات (2/52)، وأخرجه الدولابي في الكنى والأسماء (2/842)، وقال: هَذَا حَدِيثٌ مُنْكَرٌ جِدًّا، وَهُوَ يُشْبِهُ حَدِيثَ الْكَذَّابِيْنَ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

الحديث الثالث: عن أبي النضر، أن عوف بن مالك، أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله أوصني. قال: عليك بجبل الخمر. قال: وما جبل الخمر؟ قال: أرض المحشر.

جبل الخمر: هو جبل في بيت المقدس، ورد في الحديث الصحيح أن يأجوج ومأجوج يسيرون إليه ويصعدون عليه ويرمون نشابهم إلى السماء.

ولا أدري ما علاقته بغزة أو عسقلان أو ما يجري الآن من حرب إبادة لا مثيل لها لأهلنا في غزة فرج الله عنهم؟! وهذا يشير إلى أن الناشر لم يتثبت في نشره أو يدقق!

ثم ذكر الناشر حديثا آخر فقال: وبإسناده عن عطاء الخراساني: بلغني أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: رحم الله أهل المقبرة. ثلاث مرات، فسئل عن ذلك، فقال: تلك مقبرة تكون بعسقلان. فكان التابعي عطاء بن أبي مسلم، الفقيه، والمُفسر، والمجاهد، وأحد رواة الحديث النبوي، يرابط في غزة وعسقلان كل عام مدة أربعين يوما حتى مات في القدس."؛ وهذا حديث ضعيف، ضعفه الألباني في ضعيف الجامع الصغير 3107.

سادسا: هذا التوضيح والبيان بعدم صحة وثبوت الأحاديث المذكورة لا يقلل من مكانة الأرض المباركة فلسطين -ومنها غزة العزة- فهي أرض الرباط والطائفة المنصورة، ومحل الأمن والأمان والإيمان آخر الزمان؛ ففضائلها في القرآن واردة ومناقبها في السنة ثابتة.

سابعا: ومما جاء في المنشور قوله: "أنشروا البشريات لا تقف عندكم ليعلم أهل غزة عظيم أجرهم في صبرهم وثباتهم وصدق نبيهم محمد صل الله عليه وسلم"..

نعم من المهم في زمن الضعف والهوان والخِذلان نشر روح الأمل والطمأنينة والتفاؤل، وعدم اليأس والقنوط من روح الله، وتسلية المؤمنين في مصابهم وتثبيتهم، ولكن من خلال الآيات القرآنية وتحري الأحاديث النبوية الصحيحة، والفضائل الثابتة، والمواقف البطولية التاريخية المؤكدة.

كما أن نشر البشريات لابد أن يكون منضبطا بنصوص الشرع مع مراعاة الواقع، وعدم المبالغة العاطفية والاندفاع الحماسي، الذي قد يولد نتائج عكسية كارثية، فيصاب أهل الإيمان بالتثبيط والانتكاس، لأنهم تعلقوا بأمور مبالغ فيها فتمنوا شيئاً وحصل العكس!

أخيراً: اعلموا أن معركة الوعي هي أدق وأهم وأخطر معركة في الصراع بين الحق والباطل، وأي خلل أو خطأ أو زلل فيها ستكون عواقبه على الأجيال وخيمة وآثاره عقيمة، وعليه لابد من تحري الدقة والمصداقية والثبوت، والنظر للمآلات والمقاصد والمصالح والمفاسد، قبل النقل والنشر والتداول.

اللهم أبرم لهذه الأمة أمر رشد يُعزُ فيه أولياؤك ويُذلُ فيه أعداؤك..

اللهم فرجك القريب عن أهل غزة، وعليك بالصهاينة المجرمين فإنهم لا يعجزونك.

يمكن تحميله  PDF من هنا 👇

.

تحميل الملف المرفق