فلسطين التاريخ / تهويد وتزوير وإجرام

الهجرة اليهودية والعودة إلى المجهول !!

 

الهجرة اليهودية والعودة إلى المجهول !!

     

 عيسى القدومي

 

صرحت حكومة الاحتلال الصهيوني في نهاية عام 2007م أن الهجرة اليهودية إلى "إسرائيل" وصلت إلى حدها الأدنى مقارنة بالعشرين عاما الماضية ، حيث بلغت أعداد اليهود المهاجرين 20 ألف فقط خلال العام 2007م ؛ ويسمح "قانون العودة" الصهيوني لأي شخص يهودي أو متزوج من يهودية أو إذا كان أحد أبويه أو جديه من اليهود بمنحه حق المواطنة في أرض فلسطين كما يمنح الجنسية الإسرائيلية !!

ولا يزال مصدر المعلومات فيما يتعلق بأعداد اليهود القادمين إلى فلسطين والمغادرين منها مقتصر على المؤسسات اليهودية المعنية بهذا الشأن وفي مقدمتها الوكالة اليهودية ، باعتبار "الهجرة" اليهودية و"الهجرة" المعاكسة مسألتين أمنيتين - إستراتيجيتين ولا تسمح تلك المؤسسات سوى بنشر المعطيات والأرقام العامة والإجمالية في هذا المجال ، بعيدا عن التفاصيل الكمية والوصفية التي تعتبرها ذات مضمون أمني – استراتيجي ، فتلك الإحصاءات صادرة من مراكز يهودية ، والإحصاءات تقريبية في بعض جوانبها ولعل بعضها مبالغ فيه لأهداف يكنها اليهود في أنفسهم ، وتخدم كيانهم الغاصب ، وتتصل تلك الإحصاءات كذلك بعدد اليهود داخل فلسطين وخارجها في الماضي والحاضر ، وتوزيعهم حول العالم ، ولهذا تبقى تلك الإحصاءات والأرقام مجال بحث وتثبت ولا تبنى عليها ثوابت وحقائق ؛ والتصريحات بهذا الشأن – كما ذكرنا - لا تأتي من فراغ ، بل تحقق أهدافاً يهودية قادمة .

 

خطورة مصطلح "الهجرة اليهودية":

ما يطلق عليه اليهود هجرة إنما هو في الحقيقة استعمار إحلالي، بمعنى : انتقال كتلة بشرية من مكانها إلى مكان آخر، وطرد السكان الأصليين ، ويعتمد الكيان الغاصب إلى الآن على الهجرة اليهودية لزيادة عددهم في فلسطين لدعم القدرة العسكرية التي من شأنها المحافظة على ديمومة الاحتلال ، والأصح أنهم محتلون مغتصبون ؛ وفي إطلاق مُسمى "مهاجرون" عليهم إبعادٌ لصفة الاغتصاب والاحتلال لأرض فلسطين وإعطاؤهم شرعية إقامة المستعمرات، وغصب الأراضي، وتوجيه السلاح لحماية ممتلكاتهم المزعومة . فهم مستعمرون جاؤوا إلى فلسطين في سياق الممارسات الصهيونية لاحتلال أرض فلسطين وتفريغها من سكانها العرب الأصليين والعبث في التوزيع الديمغرافي فيها

 

أرض بلا شعب لشعب بلا أرض:

وتعد مقولة " أرض بلا شعب لشعب بلا أرض " من القواعد الأساسية التي اعتمدت عليها الحركة الصهيونية لإقناع اليهود بالهجرة إلى فلسطين أي إلى الأرض الخالية التي لا يسكنها أحد – زعموا - ويوحي هذا الشعار بأن فلسطين بقيت خالية من السكان منذ أن طرد اليهود منها على يد الرومان قبل ألفي عام تقريباً ولذلك فإن من حقهم العودة إليها والاستيطان فيها وتعميرها بصفتها غير مأهولة ، فأشاعوا أن أرض فلسطين خالية خربة تنتظر عودة اليهود إليها .

ومن الأمور التي يدركها اليهود تماماً أن فلسطين ليست " أرضاً بلا شعب " كما زعمت دعايتهم ، وأن الفلسطينيين ليسوا مجرد شعب ، ومقاومتهم للاحتلال وما نشاهده عبر شاشات التلفزة تذكر اليهود بأن كيانهم على أرض فلسطين يستند إلى أكذوبة تاريخية ، وجهاد أهلها يحطم مقولتهم وخرافتهم ، فبعد أكثر من نصف قرن من الاستعمار والاغتصاب والقتل والتشريد فإن هذا الشعب يقاوم ويعمل على نيل حقوقه والحفاظ على مقدساته ، ودينه ، وتاريخه ، وثقافته .

وحول هذا عبر وزير الخارجية للكيان اليهودي الأسبق "شلومو بن عامي" معلقا على الأحداث التي تبعت اقتحام شارون للمسجد الأقصى المبارك : " إن الفلسطينيين قد أثبتوا أنهم مقاتلون أشداء لا يمكن الاستخفاف بهم مطلقاً ، ويضيف بن عامي " لقد علمنا ما كان يجب أن نعلمه منذ زمن أن تصميم الشعب الفلسطيني على رفض العيش تحت الاحتلال سيدفع أبناءه إلى الاستبسال من أجل التخلص من واقع بائس ، من الطبيعي أن يسعوا للتخلص منه " .

وجاء في كتاب الخداع لبول فندلي – العضو السابق في الكونجرس الأميركي : " إنه لم يكن ( قبل وعد بلفور) في فلسطين شعب فقط ، بل ومجتمع فلسطيني ثابت الأركان له خصائصه الفريدة ، وكان فيها مفكرون محترمون وطبقات مهنية ومنظمات سياسية واقتصاد زراعي عميق الجذور ، آخذ في التوسع نحو بدايات بسيطة للصناعات الحديثة " .

فالحقيقة التي لا جدال فيها أن " فلسطين ... أرض بها شعب " حقيقة أكدتها الأيام ، ووثقتها الأحداث . فلسطين التي ظنها اليهود " أرضا بلا شعب"، وإذا هي أرض شوكية وعرة يقطنها شعب مسلم ، أثبتت أجياله المتعاقبة ، إلى الآن أنهم لم يفرطوا بأرضهم ، ولن يتنازلوا عن حقوقهم ، وما زالوا يضحون من أجلها. 

 

نضوب الهجرة اليهودية :

رغم ما حقق المشروع الصهيوني من إنجازات ، إلا أنه يواجه مشكلة وتحدياً حقيقياً يتمثل في أعداد اليهود في دولة الاحتلال ، فعلى الرغم من تمكنهم في الفترة 1948-2006م من استجلاب نحو مليونين و900 ألف يهودي إلى فلسطين ؛ إلا أن هاجس نضوب الهجرة اليهودية إلى فلسطين ما زال يشكل أحد أبرز التحديات ، فالمورد الرئيس الذي استجلب منه اليهود في الفترة التي تلت إنشاء الكيان اليهودي مباشرة، ولا سيما في خمسينيات القرن العشرين هو العالم العربي والإسلامي. وعلى مدى أربع سنوات (1948-1951) تضاعف عدد اليهود في فلسطين بهجرة 687 ألف يهودي جاء نحو 442 ألفاً منهم من بلدان العالم العربي والإسلامي ؛ حيث أسهمت هجرة "يهود العرب" في توفير المادة البشرية واليد العاملة التي رسخت وجود الدولة العبرية وأمدتها بعناصر النمو والحماية ، وشكلوا بذلك أحد أعمدة المشروع الصهيوني .

وتبعاً لأزمة الهجرة اليهودية بفعل تراجع العوامل الجاذبة ستسعى الحكومات الصهيونية الحالية واللاحقة - بالتعاون والتنسيق مع الوكالة اليهودية - في تمويل حملة كبيرة ومنظمة ، لجذب نحو 200 ألف يهودي من الأرجنتين ، وعدة آلاف من يهود الفلاشا في أثيوبيا ، فضلاً عن محاولات حثيثة لاجتذاب نحو 80 ألفاً من يهود الهند وجنوب أفريقيا، في وقت باتت فيه أبواب هجرة يهود أوروبا وأميركا الشمالية في حدودها الدنيا .

وفي هذا الصدد يذكر أن يهود العالم يتركزون بشكل رئيس في الولايات المتحدة فمن بين (13) مليون يهودي في العالم في عام 2007، هناك 5.6 ملايين يهودي في الولايات المتحدة، ثم في الكيان العبري 5.7 ملايين يهودي، ثم فرنسا 560 ألفا، وروسيا 400 ألف يهودي، فكندا 360 ألفا ، وأوكرانيا 280 ألفا ، وبريطانيا 280 ألفا، والأرجنتين 220 ألفا.

ومن أسباب نضوب الهجرة اليهودية ، تناقص اليهود في تجمعاتهم بالعالم ، وكذلك الحياة المادية والترف الذي يفضلونه في البلدان التي يقطنون فيها على "أرض الميعاد"، وتصاعد المقاومة الفلسطينية الذي أدى إلى تدهور الأوضاع الاقتصادية ، وما تبع ذلك من اعتبار الكيان العبري موطناً غير مستقر ، فهو المكان الوحيد الذي يخشى فيه اليهود على حياتهم ؛ ومن جانب آخر تعاظم "الهجرة" اليهودية العكسية ، إضافة إلى نتائج الحروب الأخيرة التي أسقطت أسطورة القوة المميزة للآلة العسكرية العبرية .

وغيرها الكثير من الأسباب ... التي يعد أهمها ما لخصه "عاموس إيلون " بقوله إن : " الإسرائيليين أصبحوا غير قادرين على ترديد الحجج البسيطة المصقولة وأنصاف الحقائق المتناسقة التي كان يسوقها الجيل السابق ". فمن الواضح أن المستوطنين الصهاينة ، في لحظات صدق كثيرة ، أدركوا أن أرض فلسطين كانت مأهولة وأنهم جاؤوا لاغتصابها وأن أهلها إزاء ذلك سيبذلون أرواحهم وأغلى ما يملكون دفاعاً عن حقوقهم ومقدساتهم .

وهكذا يمكن إيجاز العوامل التي أدت إلى تناقص عدد اليهود في العالم فيما يلي:

·                                 تزايد معدلات الاندماج ، وإخفاء الهوية اليهودية ، والتسجيل على أنهم غير يهود .

·                                 التنصر واعتناق عبادات أخرى وإسقاط تسمية " يهودي " .

·              تزايد معدلات الزواج المختلط ، وتفسخ الأسرة اليهودية وتزايد نسبة الطلاق ، مع تأخر سن الزواج والإحجام عن الإنجاب ما أدى إلى تناقص نسبة المواليد اليهود.

·                                 انخفاض معدل خصوبة الأنثى اليهودية والتي قد تعد من أقل الإناث خصوبة في العالم .

·                                 تصاعد معدلات العلمنة عند اليهود ، ما أدى إلى تفشي قيم اللذة الفردية والأنانية وانتشار الإباحية الجنسية والذي قلل من نسبة المواليد .

·                                 تزايد عدد الشواذ جنسياً بين اليهود والذي قد يصل إلى 30 % .

·                                 عدم الإحساس بالطمأنينة والأمان والحرص على الدنيا والقلق من المستقبل ، الأمر الذي أدى إلى إحجام بعض اليهود عن الإنجاب .

 

شتات اليهود والعودة إلى أرض الأحلام !!

تعد الهجرة اليهودية من أهم ركائز استمرار هذا الكيان المصطنع في المنطقة ، وهناك أسباب كامنة لنضوب الهجرة اليهودية، أو على الأقل تراجع أرقامها ، وفي مقدمة تلك الأسباب تراجع عوامل الطرد لليهود في بلادهم الأصلية، فضلاً عن تراجع عوامل الجذب الاقتصادية والأمنية لشتات اليهود في العالم للعودة إلى أرض الأحلام !!

ولأهمية استمرار الرافد البشري اليهودي ومعالجة شح معدلات الهجرة إلى الكيان اليهودي عقدت المؤسسات الصهيونية خلال الفترة ما بين 2000- 2007 م مؤتمرات دورية سنوية استراتيجية في مدينة هرتسيليا، وأكد المؤتمرون في توصياتهم على ضرورة إعطاء الهجرة اليهودية إلى فلسطين - سواء في الأراضي التي احتلت في العام 1948م أو الأراضي المحتلة في عام 1967م - أهمية فائقة نظراً لتراجع موجات الهجرة اليهودية ، في مقابل النمو الطبيعي المرتفع بين العرب سواء داخل الخط الأخضر أو في الضفة الغربية وقطاع غزة.

لذا ركزت وسائل الإعلام الصهيونية على ضرورة تهيئة الظروف المختلفة لجذب مزيد من يهود العالم إلى الأراضي العربية المحتلة لتحقيق التفوق الديموغرافي على العرب في حدود فلسطين التاريخية في المستقبل ، وانصب الاهتمام على محاولة جذب يهود الهند والأرجنتين وإيران . وعمل أصحاب القرار في الكيان الغاصب على تهيئة عوامل طاردة لهؤلاء باتجاه الأراضي العربية المحتلة .

ومشروع الجذب ما زال فاشلا حيث يرى بعض المختصين أن يهود الولايات المتحدة ينظرون إلى الدولة العبرية باعتبارها "دزني لاند" يهودية ، أي مدينة ملاه يهودية يقصدونها بهدف الترويح عن أنفسهم . وقال بعضهم إنها بالنسبة لهم بمنزلة "متحف قومي يهودي " يدخلونه يقضون فيه بعض سويعات ثم يغادرونه . وهم يعتقدون أنه بوسعهم تحقيق هويتهم اليهودية بأن يدفعوا التبرعات للمؤسسات اليهودي والصهيونية ليريحوا ضمائرهم ، وحتى يمكنهم بعد ذلك أن يتمتعوا بحياتهم الأمريكية الاستهلاكية على عكس اليهودية دون أي حرج وبشراهة بالغة . وقد أطلق عليهم بعض الباحثين من اليهود مصطلح " يهود دفاتر الشيكات" لأنهم يكتفون بدفع التزاماتهم المالية فقط !!

 

تناقص عدد اليهود في العالم :

من الظواهر الواضحة وفق إحصاءات اليهود أنفسهم تناقص عدد اليهود في العالم بشكل ملفت للنظر حيث جاء في موسوعة اليهود واليهودية :" إن المختصين يتوقعون انخفاض تعداد يهود العالم ما بين خمسة أو ستة ملايين في عام 2025 م !" .

وقد طرحت في الغرب بعض العبارات والتوقعات والتي تشير إلى تناقص عدد اليهود عالميا مثل عبارات "موت الشعب اليهودي" و " الإبادة الصامتة " التي تشير إلى ارتفاع معدلات اندماج اليهود في المجتمع الأمريكي وكذلك تزايد الزواج المختلط بنسب عالية أي زواج اليهودي من غير اليهودية ، واليهودية من غير اليهودي ، والتي قد تصل في الولايات المتحدة إلى 60 % ، وفي بعض الدول مثل روسيا وأوكرانيا قد تصل إلى 80 % .

وقد حذرت محافل " الكونغرس اليهودي العالمي " من احتمالات تناقص أعداد اليهود المقيمين في دول العالم – باستثناء اليهود في فلسطين – خلال الثلاثين عاما القادمة إلى قرابة نصف عددهم الحالي المقدر بأكثر من 8.5 مليون نسمة ، إذا استمر اندماجهم وذوبانهم في المجتمعات التي يعيشون فيها ، ويعزو خبراء معهد الكونغرس اليهودي العالمي هذا التناقص إلى عامل الزواج المختلط بين اليهود وغيرهم في مجتمعات الدول التي تعيش الأقليات اليهودية وسطها.

 

هل سينقرض اليهود ؟!

مع هذا التخوف من تناقص عدد اليهود وفق الإحصاءات المختصة في تعداد يهود العالم إلا أن انقراض اليهود يعّد من التوقعات الغيبية التي لا يبنى عليها ولا تؤخذ بعين الاعتبار إلا إذا صدرت عن وحي إلهي ، ولدينا الخبر الصحيح الثابت في شرعنا الإسلامي بأن الوجود اليهودي سيستمر إلى آخر الزمان ولن ينقرض اليهود ، أنهم سيبقون يعادون المسلمين ويقاتلونهم حتى آخر الزمان ، روى مسلم في صحيحه عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " لا تقوم الساعة حتى يقاتل المسلمون اليهود ، فيقتلهم المسلمون ، حتى يختبئ اليهودي من وراء الحجر والشجر ، فيقول الحجر أو الشجر : يا مسلم ، يا عبد الله ، هذا يهودي خلفي فتعال فاقتله ، إلا الغرقد فإنه من شجر اليهود "

وجاء أيضاً في صحيح مسلم عن أنس بن مالك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : يتبع الدجال من يهود أصبهان سبعون ألفاً عليهم الطيالسة " .

 

حرب ديمغرافية :

يعد قادة الاحتلال العامل الديمغرافي الأهم وجزءًا من الأمن القومي للكيان " لدولة إسرائيل" ، لذا يخشى الكيان اليهودي من خسارة "الحرب" الديمغرافية، بسبب ارتفاع معدلات الزيادة الطبيعية بين الفلسطينيين وانخفاضها لدى اليهود ، مع تراجع معدلات الهجرة اليهودية إلى فلسطين ، وتزايد التزاوج المختلط في المجتمعات اليهودية في الدول الغربية . فالصراع الديمغرافي هو صراع وجود على هذه الأرض المباركة .

وتؤكد الإحصاءات تراجع نسب الهجرة إلى الكيان العبري حيث قدم إليها عام 2002 حوالي 33 ألفاً و500 يهودي ، مقابل 44 ألفا في العام 2001، وحوالي 60 ألف يهودي في العام 2000م ، وتمثلت ذروة الهجرة اليهودية بقدوم200 ألف شخص في العام 1990، و 176 ألفاً في العام 1991، ثم تأرجح العدد حول 60 ألفاً في الأعوام 1997 – 2000. ويقدر المختصون نسبة الهجرة العكسية بـ30% من إجمالي القادمين من الخارج .

 

أرض أكثر وعرب أقل :

تركز الهدف الصهيوني الأساس لإقامة "الدولة اليهودية" في أرض فلسطين على سرقة أكبر مساحة من الأرض واستجلاب أكثر عدد من اليهود . والعمل بالتالي على تغيير التوازن الديمغرافي في فلسطين لصالح اليهود وزيادة قوتهم البشرية والعسكرية والاقتصادية، تمهيدا للحظة الحسم العسكري الذي سيقرر نهائيا نجاح الحركة الصهيونية أو فشلها في إقامة "دولتها" وتوفير مقومات الحياة لاستمراريتها.   

وفي الوقت الذي تشكل "الهجرة" الصهيونية إلى فلسطين قاسما مشتركا لكافة الأحزاب والمؤسسات الصهيونية، من أقصى اليمين إلى أقصى اليسار، فإن "الهجرة" العكسية تشكل ضربة قاصمة لأهم أسس الصهيونية، وتعاظمها يعني تعميق التشكيك اليهودي بجدوى استمرار المشروع الصهيوني المتجسد بالدولة اليهودية التي تشكل "الهجرة" اليهودية إليها عمودها الفقري. لذا تساءل أبراهام بورغ رئيس "الكنيست" والوكالة اليهودية الأسبق :  "مَن مِن الإسرائيليين واثق بأن أولادهم سيعيشون هنا؟ 50% منهم في أحسن الأحوال، أي أن النخبة الإسرائيلية أصبحت منفصلة عن هذا المكان".

وفي السابق وعد شارون – رئيس الوزراء اليهودي السابق - خلال حملته الانتخابية بجلب ثلاثة ملايين مهاجر إلى الدولة العبرية في غضون عشر سنوات، فجاءت الأحداث لتثبت أن أعوامه في السلطة كانت الأسوأ على صعيد أرقام الهجرة، إلى جانب ظاهرتها الأخرى المثيرة والمتمثلة في الهجرة العكسية وتصاعد طموحات الشباب اليهودي للهجرة من الدولة، واعتراف 70% من اليهود في فلسطين بأنهم لا يرون مستقبلاً لأبنائهم في الدولة العبرية.

وفي الختام نقول إن المشروع الصهيوني بنى فكرته على أساس هجرة اليهود من أنحاء العالم إلى فلسطين، وعلى تشريد الفلسطينيين وانتزاع ممتلكاتهم وأراضيهم ، وتدفُق ملايين اليهود إلى "أرض الميعاد" ؛ وهذا حلم لم يتحقق للقادة الصهاينة ، فلا العرب اختفوا ولا اليهود تدفَّقوا ، فالدولة التي تم تأسيسها بزعم إنقاذ يهود العالم من ذئاب الأغيار وجدت أن عليها أن تطارد اليهود بلا هوادة " لإنقاذهم " . والكيان الذي يستجدي المال والبشر لن يدوم ، ولهذا سيستمر في إطلاق الصيحات تلو الصرخات لإنقاذهم وعدم التخلي عنهم

 

.