فلسطين التاريخ / تقارير

غزة ... حياة بلا كهرباء

 

 

غزة ... حياة بلا كهرباء

 

غزة – محمد الناجي – مركز بيت المقدس للدراسات التوثيقية .

 

بعد توالي اكتشاف الكهرباء ، وما توصل له العلم الحديث ، أصبحت الكهرباء جنباً إلى جنب مع الهواء والماء وأضحت تمثل شيئاً كبيراً بالنسبة للإنسان ، ولم يعد بإمكان الواحد منا أن يستغني عن الكهرباء ولو للحظةٍ واحدة , ولا شك أن الكهرباء شكلت إحدى عوامل تقدم ورقي الإنسانية يوما بعد يوم خاصة أن المنازل والمدارس والمستشفيات والوزارات والصناعات أصبحت لا تستطيع السير بدونها ولا يمكنها الاستغناء عنها.

أما هنا في غزة فالأمر مختلفٌ تماماً فغزة تعيش في ظلام دامس في الوقت الذي لا يستطيع فيه أبناء العالم أن يعيشوا للحظة واحدة بدون تيار كهربائي ويشعرون بالملل والضجر إذا ما انقطع  ناهيك عن خسائر فادحة يتكبدها القطاع الاقتصادي والصناعي لمجرد انقطاع  التيار الكهربائي !!

انقطاع التيار الكهربي يتزامن مع تقديم كل من طلاب الثانوية العامة وطلاب الجامعات لامتحاناتهم النهائية ، لا ندري كيف سيقومون بتقديمها ، هل يخرجون للشوارع ، فلا يوجد أنوار بإمكانها تغطية حاجة الطلاب للدراسة ، ناهيك عن صوت المولدات التي يكاد المخ والرأي يتفجر من جرائها تمنع وبشكل قاطع التركيز .

كما أن لهيب السراج في درجة حرارة مرتفعة أكثر من معدلها اليومي ، تمنع الاقتراب منه ، لأن العرق سيفتت أوراق الكتب .

هنا في غزة الأطفال بدأت إجازتهم الصيفية التي لطالما انتظروها بفارغ الصبر وبدأت معها المعاناة حيث أطفئت الأنوار  بعد عام دراسي حافل بالمصاعب والآلام جراء الحصار الغاشم على أهل غزة , في الوقت الذي لا زال فيه طلاب الثانوية العامة يقدمون امتحاناتهم النهائية ويذاكرون دروسهم ما بين  ضوء الشموع وضجيج المولدات الكهربائية التي باتت تشتت انتباه الطلاب وتؤرقهم متحسبين ومتأهبين لأي حدث مفجع تنتجه تلك المولدات الصاخبة . 

غزة تغرق بالظلام الدامس فلا يجد الغزيون بُداًّ إلا الذهاب لمتنفسهم الوحيد الذي باتت تجثم عليه بوارج العدو وتبعث رائحة الموت من جنباتها فيجدون أن بحرهم قد تلحف بالظلام , وأصبح مكاناً مروعاً مخيفاً .

رجال غزة ونساؤها شيوخها وأطفالها  يعيشون  في هذا الصيف الحار الذي وصلت فيه درجات الحرارة أعلى من معدلاتها السنوية بلا كهرباء والبعض منهم يعيش في بيوت أسطحها الزينكو والاسبست !

 

إن الأوضاع التي تسود في قطاع غزة لتحملنا للتركيز على جملة من القضايا :

 

أولا : إن غزة منذ أربع سنوات مضت لم تنعم بالتيار الكهربائي وما يسمع ويثار في وسائل الإعلام من انفراج للأزمة ما هو إلا مسكنات وأشياء لا أساس لها على أرض الواقع ؛ فلقد ثبت مؤخراً أن حاجة قطاع غزة للكهرباء بشكل إجمالي هي ( 270 ميغاوات ) وكمية الطاقة التي تصل إلى قطاع غزة الآن ( 161 ميغاوات ) بعجز حوالي ( 109 ميغاوات ) , ويوماً بعد يوم تتقلص تلك الكميات وتزيد وتشتد المعاناة .

 

ثانيا : إن العدو الصهيوني وحلفاءه يحاولون الضغط على أهل غزة بكل الوسائل كي يتنازلوا ويستسلموا , ويتخلوا عن مقدساتهم الإسلامية وشعائرهم الدينية ؛ وما قطع التيار الكهربائي إلا حلقة من حلقات ذلك المسلسل الذي ينفذونه ؛ ولكن أهل غزة شيمتهم الصبر والصمود ولن يغير عقيدتهم ولن يضيرهم إغراق غزة بالظلام أو إحراقها بالنار .

 

ثالثا : يجب أن تعلم الأمة الإسلامية أن إغراق غزة بالظلام ليس أقل جُرماً من تجويعها ولقد بلغت تبعات قطع التيار الكهربائي مبلغها , فأعداد ضحايا قطع التيار الكهربائي في ازدياد مطرد جراء انفجار المولدات الكهربائية , أو الاختناق الحاصل للمواطنين من تلك المولدات أو توقف الأجهزة الطبية في المستشفيات والتي تعمل بالكهرباء , كما يجب عليها أن تدرك أن مسؤوليتها عظيمة أمام الله تجاه أهل غزة , ونخص بالذكر أصحاب القرار والمسئولين الذين يستطيعون تقديم الكهرباء لأهل غزة بشتى الوسائل أن يفعلوا ذلك بلا تردد , وأن لا يرهنوا مصير كهرباء غزة بيد العدو الصهيوني الغاشم ؛ لأن ذلك من شأنه أن يجعل من تلك القضية ورقة مساومة وابتزاز يمارسها العدو الصهيوني ويلوح بها تجاه غزة كلما أراد ذلك ويبتزهم ويساومهم للتخلي عن مبادئهم ومعتقداتهم .

 

رابعا : إن انقطاع التيار الكهربائي لا يحجب غزة عن الناظرين إليها بعين الأمل بأنه سيأتي اليوم الذي تتنسم فيه عبق الحرية والخلاص من المحتل الصهيوني , وتحرير المقدسات الإسلامية , ويراه العالم بعيداً ويراه أهل غزة قريباً بإذن الله سبحانه وتعالى . { وما النصر إلا من عند الله العزيز الحكيم } .

وإن انقطاع التيار الكهربائي عن أهل غزة لن يقطع أملهم بالله سبحانه وتعالى ولن ييأسوا ولن يكلوا ولن يملوا وسيبقوا لاجئين لله سبحانه وتعالى معتصمين به حتى يأذن بالفرج القريب ؛ إنه ولي ذلك والقادر عليه .



.