فلسطين التاريخ / تهويد وتزوير وإجرام
"الجامعات العبرية" و "جيش البروفسورات".
"الجامعات العبرية" و "جيش البروفسورات"
"جيش البروفسورات" يطلقه البعض على الأساتذة والأكاديميين الذين كلفوا من المؤسسة العسكرية اليهودية بتأدية مهمات مباشرة للبحث والكتابة في الشئون العربية والفلسطينية وقضايا الصراع في المنطقة ، وكذلك التحقيق في كتبنا التراثية والمخطوطات التي سرقوها من المكتبات الفلسطينية العريقة بعد أن تمكنوا من احتلال أرضها.
وأصبح من المتعذر التمييز بين أكاديمي أو باحث مدني وآخر عسكري في الكيان الصهيوني، من ناحية الارتباط بالمؤسسة العسكرية ، فيغلب على العملية البحثية في الكيان اليهودي طابع "العمل المؤسسي" المرتبط وظيفياً بأداء الدولة وتوجهاتها، حيث ينتمي معظم الباحثين إلى مؤسسات بحثية- رسمية أو خاصة- تعنى بتنظيم نشاطاتهم، وتمدهم بالمعلومات الأولية وبالمعطيات اللازمة لعملهم، ثم تزج بنتاجهم في خدمة المشروع اليهودي ككل.
وهذا ما دعا نقابة الجامعات والمعاهد ببريطانيا «يو سي يو» كبرى نقابات التعليم العالي في بريطانيا الذي يضم في عضويته أكثر من 120 ألف منتسب ، تبني قرار مقاطعة الجامعات العبرية تضامناً مع الفلسطينيين. بل طالب القرار الاتحاد الأوروبي العمل على مقاطعة المؤسسات الأكاديمية العبرية ووقف الدعم المالي لها.
لأن الاستقلالية المعرفية للأبحاث الصهيونية ذابت ، وتستخدم في حقيقتها كوسيلة صراعية، أي كسلاح في مواجهة الأمة العربية والإسلامية ، والجامعات العبرية تعد الأطر الأكثر اتساعاً في العملية البحثية داخل فلسطين المحتلة، إذ تتوفر لها وفيها الكفاءات والخبرات العلمية والظروف الأكاديمية، فضلاً عن توفر الإمكانات المادية والمعنوية اللازمة لعمليتي التدريس والبحث.. حيث تولي هذه الجامعات اهتماماً كبيراً للعمل في ميادين العلوم الإنسانية والاجتماعية والقانون. وتدخل دراسة شؤون العرب والصراع والشؤون السياسية العامة في صلب عمل العديد من الكليات والأقسام في الجامعات ، نذكر منها على سبيل المثال لا الحصر:
الجامعة العبرية في القدس
تضم الجامعة العبرية في القدس مكتبة ضخمة فيها نحو مليون ونصف المليون مجلد، ويعمل فيها 60 أمين مكتبة رئيساً وثانوياً، و20 كاتباً وموظفاً ، وقد عنيت هذه المكتبة بالحصول على تركات كثير من المستشرقين والباحثين اليهود من مختلف أنحاء العالم، وأفردت داخلها أجنحة خاصة لمكتباتهم ومؤلفاتهم، وفي مقدمة هؤلاء المستشرقين الهنغاري اليهودي الشهير آجنتس غولد تسيهر، الذي تضم مكتبة الجامعة مختلف المواد البحثية التي كان يعتمدها أو ينتجها.
ومنذ العام 1949م أنشئ في الجامعة العبرية فرع يدعى "الشرق الأوسط في الحقبة المعاصرة" أنيط به تعليم التاريخ المعاصر للبلاد العربية ، وشدد المعهد على مواضيع خاصة، مثل "تاريخ اليهود في البلاد العربية" و "فلسطين في التاريخ الإسلامي واليهودي والعربي" ، واعتباراً من العام 1962م أطلق على هذا المعهد اسم "معهد الدراسات الأفريقية – الآسيوية"، ولوحظ أن الدراسات العربية ظلت تتصدر اهتماماته الذي عني بجمع المخطوطات القديمة، وآلاف الصور والرسوم لمبان إسلامية وكثير من التحف الفنية.
معهد بن تسفي للدراسات اليهودية
تشكلت النواة الأولى لهذا المعهد عام 1948، كمؤسسة تعنى بالأبحاث الخاصة بتاريخ الجماعات الطوائف اليهودية، منذ نهاية العصور الوسطى إلى الوقت الحاضر وحمل المعهد فيما بعد اسم يتسحاق بن تسفي - أول رئيس للكيان اليهودي - وتشمل اهتماماته الشؤون الثقافية اليهودية، وضمناً الأبحاث حول اليهود الذين عاشوا في المنطقة العربية، والإسهامات الفكرية والدينية للشخصيات اليهودية خلال الفترات العربية والإسلامية المتعاقبة، ويركز المعهد على المواضيع التي تسبغ "الهوية اليهودية" على فلسطين بشكل خاص ، مستخدماً لهذه الغاية جهود المستشرقين والباحثين الإسرائيليين ومجموعات كبيرة من الوثائق التاريخية والصور الفوتوغرافية لوثائق من الأراشيف العالمية ، وينظم المعهد ندوات ومؤتمرات تدور موضوعاتها حول القضايا المذكورة ولا سيما في الجوانب الدينية والأثرية ، ويقدم الحجج والذرائع التي يعتمدها الكيان اليهودي في توجهاته السياسية والإعلامية. وبهذا يزود المعهد اليهود عموماً وقيادة الاحتلال خصوصاً بالمادة البحثية التي يمكن استخدامها في تسويق المفاهيم والتصورات الصهيونية حول الأرض الموعودة ، والجهود التي بذلها اليهود في سبيل ما يسمى " الانبعاث القومي على أرضهم التاريخية". فمعهد به تسفي هو جزء مكمل لأجهزة البحث الإسرائيلية في شؤون الصراع.
أمثلة لدراساتهم وبحوثهم
لا تكاد تجد بحثاً وكتاباً أو تحقيقاً وإصداراً للباحثين اليهود في الجامعة العبرية في القدس ، أو من الباحثين والمؤلفين في معهد بن تسفي للدراسات إلا ويؤكد أن قدسية مدينة القدس يشوبها الكثير من الشكوك ، وأن تاريخ المسلمين في الجزيرة العربية فيه الكثير من المغالطات !! ...فلم يكتف هؤلاء بسلب القدس واحتلال أرض فلسطين بالقوة والسلاح ، بل ما زالت محاولات اليهود مستمرة لسلب القدس من أصحابها الشرعيين تراثاً وتاريخاً عبر كتاباتهم ودراساتهم ونشراتهم ، والتي حاولوا أن يتصنعوا المنهج العلمي والسمة الموضوعية فيما يكتبون ، وهم في الحقيقة ضربوا بعرض الحائط كل قواعد البحث العلمي ، ليعيدوا صياغة تاريخ القدس بأسلوب خبيث أدخلوا فيه الكثير من الطعن والدس ليخلصوا في النهاية بأن القدس ليست مقدسة في الشرع الإسلامي . منهم :
كتّاب يهود من أمثال "إسحق حسون"– العضو في معهد الدراسات الآسيوية والأفريقية في الجامعة العبرية - في المقدمة التي وضعها في تحقيقه لكتاب " فضائل بيت المقدس " لأبي بكر الواسطي والذي قامت بطباعته الجامعة العبرية باللغة العربية ، بعد أن كانت تلك المخطوطة الفريدة والنفيسة تقبع في مكتبة جامع أحمد باشا الجزار، في مدينة عكا، أصبحت الآن أسيرة في الجامعة العبرية!
وظهرت مطبوعة ومحققة عن الجامعة العبرية بالقدس على يد "إسحاق حسون" ، الذي حققها ولازمه في العمل عليها الهوى اليهودي الملازم لهؤلاء الباحثين ، الذي أقصاه عن الطريق الذي يسلكه العلماء في بحوثهم الرصينة.
ودس فيها : إن علماء المسلمين لم يتفقوا جميعا على أن المسجد الأقصى وهو مسجد القدس . إذ رأى بعضهم انه مسجد في السماء يقع مباشرة فوق القدس أو مكة ويستعين في هذا الصدد بأقوال كاتب فرنسي هو ديمومين !! وأن الأحاديث الخاصة بفضائل القدس قد ازدهرت في هذه الفترة وإن هذه الأحاديث تستند على أقوال أهل الكتاب ، سواء ما كان منها نصاً مروياً أم أسطورة ، كما أن زيارة أماكن خاصة في القدس ، ابتدأت في هذه الفترة !!
وهكذا يتضح لماذا سطا الصهاينة على هذه المخطوطة العربية, فأسروها في الجامعة العبرية كما أسروا من قبلها, مدينة عكا التي ضمتها بين حناياها, أزمانًا طويلة.
وكذلك " كستر kister M.j " ، وهو من العاملين في معهد الدراسات الآسيوية والأفريقية في الجامعة العبرية بالقدس المحتلة ، يقول في كتاباته المنشورة : " أن هناك جدلاً بين المسلمين حول أفضلية المسجد الأقصى ، وأنه كانت قبل القرن الثاني الهجري ، اتجاهات لتأكيد قدسية مكة والمدينة والتقليل من قدسية القدس ، وأن التحول بالنسبة إلى قداسة القدس إنما قصد منه أن لا تكون محجاً للناس مثل مكة ، لأن بعض المسلمين كادوا يساوون بين المسجد الحرام في مكة والمسجد الأقصى في القدس!!
أما البرفسور "أمنون كوهين" في كتابه " القدس ، دراسات في تاريخ المدينة " والذي يرأس معهد بن تسفي للدراسات ، جاء فيه : " أن القدس لم تكن يوماً من الأيام مدينة عربية ، ولم تكن عاصمة البلاد ، وبقيت مدينة جانبية ، ولم تلعب في الإسلام قط دور مركز ثقافي ، بسبب أن المسلمون شعروا أنها كانت في الأساس مكاناً مقدساً لليهود والنصارى !! فكانت بعيدة عن اهتمام العرب !! والذين يصفهم بالبداوة والتنقل السريع بين البراري ، وأسماهم أبناء الصحراء ...
وعند دراسة هؤلاء لمعركة بدر تحدثوا عنها دون التأكيد في أي موضع بالضبط حدثت الواقعة، ودون معرفة عدد وهوية المقاتلين والجرحى ، وحتى دون استطاعة التأكيد كيف كانت نهايتها. فلم تبق مسافة بعيدة بين ذلك وبين نفي حدوثها أصلاً، وبالتالي انكسار السيرة النبوية والتشكيك فيها .. وفي نهاية المطاف التشكيك بشخص النبي محمد صلى الله عليه وسلم.
من لتراثنا ومخطوطاتنا وتاريخنا
على الرغم من اهتمام سلفنا الصالح من علمائنا الأعلام بالمسجد الأقصى والأرض المباركة ؛ فمؤلفاتهم ومصنفاتهم التي صنفت في فضائل القدس وبيت المقدس والمسجد الأقصى ، والحض على شد الرحال إليها ، لما ورد في فضائلها في كتاب الله تعالى ، وسنة رسول الله صلى اله عليه وسلم ، كانت وما زالت موضع اهتمام علماء المسلمين، وما كتبه علماء المسلمين في فضائلها في القرون الأولى وما تلاها لدلالة على مكانتها، وما زالت إلى اليوم تدرس وتحقق تلك المخطوطات والتي جرى عليها من الدراسات الإسلامية والدراسات ذات الصبغة العالمية ما لم يجرِ على أية بقعة إسلامية أخرى.
إلا أن جهود اليهود تتضافر للوصول إلى الغاية المنشودة وهي التدليل على المكانة الهامشية التي تحتلها القدس وبيت المقدس في الشريعة الإسلامية ، ومقابل ذلك السعي لإثبات أهميتها ومكانتها المركزية في التصورات اليهودية !! رادفه جهد كبير يبذله مستشرقون يهود وغربيون يشايعونهم ، بغرض إظهار أن لا مكانة مميزة لبيت المقدس في صدر الإسلام ، ولم يكن ذا أهمية شرعية أو حضارية للمسلمين الأوائل ، وأن فتح بيت المقدس كان طارئاً ولم يكن مقصودا لذاته ، والاستدلال على ذلك بمرويات واهية وساذجة لا يعتد بها.
لذا نوجه دعوتنا لتحقيق ونشر المخطوطات في فضائل بيت المقدس والمسجد الأقصى ، وإعادة تحقيق وطباعة ونشر المخطوطات التي عمل عليها محققين ودارسين يهود، ومستشرقين قريبين من وجهة نظر اليهود ... للحفاظ على التراث العلمي المتعلق ببيت المقدس والمسجد الأقصى وفلسطين ، وتنقية ما تم تحقيقه من كُتاب وباحثين وأكاديميين مستشرقين ويهود ، اللذين أضافوا إلى تلك التحقيقات الكثير من الأكاذيب والتشكيك ، لبث السموم وتوهين الثوابت في نفوس المسلمين ، ليخلصوا بأن بيت المقدس والمسجد لأقصى والقدس لا مكانة لهم ولا رابط ديني بينها وبين الإسلام . للانتقاص من مكانة القدس والتهوين من شأنها في الإسلام ، والإصرار على التشكيك في كل ما جاء في الكتاب والسنة حول فضائل المسجد الأقصى المبارك.
فمؤسساتنا العلمية والأكاديمية مدعوة للعمل على كتب التراث الإسلامي وقطع الطريق أمام "جيش البروفسورات" ، الذي يجمع ويسرق ويحقق وينشر تاريخنا وتراثنا ، ونحن مكتوفي الأيدي !! فهذا التراث العلمي وبالأخص ما يتعلق بفلسطين والقدس والمسجد الأقصى، حري بنا أن نقف أمامه وقفة احترام وتقدير ، الذي صنعه أسلافنا وعلماؤنا .
وما أجدرنا أن ننهض بعبء نشر ذلك التراث وتجليته ليكون ذلك وفاءً لعلمائنا ووفاء لأنفسنا وأبنائنا ولأرض المسلمين في فلسطين ، وأن يقدم الدعم الكامل لتلك الجهود العاملة على حفظ التراث الإسلامي ونشره ، وبالأخص كلياتنا الجامعية العلمية لتتبنى مشروع تكليف طلبة الدراسات العالية بقيام كل منهم بتحقيق مخطوط يمت بصلة إلى موضوع الرسالة التي يتقدم بها الدارس .
عيسى القدومي
.