فلسطين التاريخ / تاريخ

مركز بيت المقدس للدراسات التوثيقية ينفرد في حوار حصري مع أحد شهود العيان الذين شاهدوا النيران وهي تلتهم المسجد الأقصى

في الذكرى الثالثة والأربعين على إحراق المسجد الأقصى المبارك ..

أجرى مركز بيت المقدس للدراسات التوثيقية ــــ فرع غزة حوارا مع الشاهد على إحراق المسجد الأقصى  الحاج / كامل حافظ حمودة صادق  ( أبو عمار ) , وذلك يوم الأحد الموافق السادس والعشرين من شهر أغسطس 2012 م .    والحاج صادق هو من مواليد محافظة خانيونس عام 1949 م وإليكم نص الحوار :

مركز بيت المقدس للدراسات التوثيقية : بسم الله الرحمن الرحيم . الحمد لله رب العالمين , والصلاة والسلام على الرسول الكريم , وعلى آله وصحبه والتابعين , ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين وبعد ,,

في البداية نرحب بحضرتك في مركز بيت المقدس للدراسات التوثيقية في هذا الحوار الذي سنحاول من خلاله نقل مجريات ما حدث من إحراق للمسجد الأقصى وشهادتك الحية التي عايشتها في ذلك الوقت العصيب .

أود أن أعرف منك الأسباب التي جعلتك تتواجد في المدينة المقدسة خلال حداثة إحراق المسجد الأقصى ومكنتك من مشاهدته في اللحظة الأولى من اندلاع الحريق ؟

الحاج صادق : لقد أكرمني الله عز وجل , وعملت في شبابي في الكسارات , ومن ثم انتقلت للعمل في منطقة أريحا في منطقة البحر الميت , وكنت أعمل لدى عائلة فلسطينية عريقة يطلق عليها عائلة العمد وكان لهم مطعم وكنت أعمل فيه خادما , وهذه العائلة كان لها فندق يطلق عليه فندق الأراضي المقدسة , وباللغة الانجليزية ( Holy land Hotel  )  , وهذا الفندق يقع مقابل باب الزاهرة في القدس , ويحده ضريبة الدخل ومبنى البريد الفلسطيني , والذي يعود لأيام الحكم الأردني لمناطق الضفة الغربية , ويقع باب الزاهرة شرق باب العامود .

المركز : هل صليت في المسجد الأقصى قبل إحراقه ؟

الحاج صادق : نعم صليت فيه ثلاث مرات حيث كان الشيخ عبد الكريم المشهدي ـــ رحمه الله ــــ , وهو أحد علماء الأزهر الشريف ورجل مشهود له بالخير والصلاح يعلمنا أمور ديننا قبل عام 1967 م وكان يحثنا على الصلاة في الأقصى , ويبين لنا فضل الصلاة فيه .

ولكن صلاتي في المسجد الأقصى كانت بعد عام 1967 م أي بعد احتلال العدو الصهيوني للمسجد الأقصى .

المركز : كيف كان وضع المسجد الأقصى والمدينة المقدسة ما بين عامي 1967 م و1969 م أي بعد احتلال اليهود للأقصى وقبل إحراقه على يد متطرف صهيوني ؟

الحاج صادق : كانت الحياة جيدة , وكان عرب الضفة و48 يزورون القدس , وكان أهالي غزة ينظمون زيارات جماعية , ورحلات للقدس , ولكن بشكل ضعيف وقليل نظرا لقلة ذات اليد , وفقر الناس , وعدم اهتمامهم في ذلك الوقت  وهذا كله بعد احتلال القدس أي بعد عام 1967 م .

أما قبل عام 1967 م فكنا نحن أهل غزة في واد وأهل الضفة الغربية في واد آخر , وغزة كانت تتبع للحكم المصري , والضفة كانت تتبع للحكم الأردني .

ولم يكن حينها بإمكان أهل غزة زيارة القدس , وكان الذي يريد أن يذهب ويزور القدس يحتاج لرحلة طويلة ومكلفة وشاقة ؛ حيث كان يسافر إلى مصر ومنها للأردن , ومن الأردن للضفة الغربية حتى يصل إلى مدينة القدس ليصلي في المسجد الأقصى , وما يكون يقوم بذلك إلا أصحاب الأموال وميسوري الحال , وللأسف كان أصحاب الأموال لا يهتمون بالقدس ولا يذهبون لها , وبذلك غابت القدس عن أذهان أهل غزة .

المركز : هل بإمكاننا القول أن تلك الأسباب وغيرها مجتمعة سهلت على الاحتلال الصهيوني الغاشم احتلال أجزاء واسعة من الضفة الغربية وقطاع غزة , واحتلال المسجد الأقصى وبسط السيطرة والنفوذ عليه ؟

الحاج صادق : قلة الاهتمام , وضعف العرب وتخاذلهم كل ذلك كان وراء تجرؤ العدو الصهيوني لاحتلال المسجد الأقصى المبارك .

المركز : كيف كان الناس ينظرون لاحتلال العدو الصهيوني المدينة المقدسة خصوصا ؟

الحاج صادق : كان الناس ينظرون بإحباط ويأس لما حل ووقع لهم خصوصا ما كان يحدث من مقدمات قبل احتلال العدو الصهيوني لهذه المساحة الكبيرة من وطننا .

حينما اجتمعت مع أهالي الضفة الغربية كانوا يحدثوني بأن الأردن لو قامت بوضع صخور بين الضفة الغربية والأراضي المحتلة عام 1948 م لاستطاعوا أن يمنعوا العدو الصهيوني من التقدم واحتلال هذا الجزء الكبير من الأراضي الفلسطينية .

ولكن عمالة وخيانة الحكومات العربية في ذلك الوقت نفذت هذا المشروع , وكانت تلك الحكومات متواطئة مع الاحتلال بشكل أو بآخر .

والأردن تحديدا متواطئة ولها دور كبير في ضياع المسجد الأقصى المبارك , وأهالي الضفة الغربية وقد أمضيت جزءا كبيرا من حياتي بينهم حدثوني بأنه لم تطلق طلقة واحدة تجاه العدو الصهيوني , وحدثني أهل نابلس بأن الملك حسين ــــ ملك الأردن السابق ـــ توعدهم بأن يجعل في كل بيت مناحة وحزن إذا ما تعرضوا للعدو الصهيوني وقاموا بمقاومته !! .

وأستطيع أن أقول لك بأن الأردن سلمت فلسطين والمسجد الأقصى للاحتلال الصهيوني تسليما عن طريق الخيانة .

المركز : ماذا كان رد الحكومتين المصرية والأردنية على احتلال غزة والضفة والقدس ؟

الحاج صادق : مصر ـــ الله يساعدها ويكون بعونها ـــ كانت خارجة من حرب 1956 والعدوان الثلاثي عليها , وكانت أيضا قد احتلت جزء من أراضيها في عام 1967 م فكانت تخطط لاستعادة تلك الأراضي من يد العدو الصهيوني حيث أن معظم جيشها قد تلقى ضربة قوية بفعل خيانة زعمائه .

وكانت إسرائيل عبر نشراتها الإخبارية تستهزأ بالمصريين وتسخر منهم وتقول : ( سوف نزرع قناة السويس بطاطس ونقسمها بيننا وبين المصريين ) .

المركز : الآن نأتي ليوم إحراق المسجد الأقصى .. هل لك أن تخبرنا عن موعد الحريق , وأين كنت بالتحديد حينها , وكيف تلقيت النبأ ؟

الحاج صادق : حصل الحريق بعد صلاة الفجر بساعة تقريبا على حسب ما أذكر ( يعني أول إشراق الشمس ) , وكان النهار في أوله , وكنت أتواجد حينها في فندق الأراضي المقدسة والذي يقع كما ذكرت لكم مقابل باب الزاهرة , وفجأة رأي زملائي دخانا ينبعث من المسجد الأقصى فجاءوا وأبلغونا بأن المسجد الأقصى يحترق فما كان منا إلا أن هرعنا مباشرة للمسجد الأقصى لإنقاذ المسجد الأقصى ومحاولة إطفاء الحريق ودخلنا للمسجد الأقصى من باب الزاهرة الذي كان يقابل الفندق الذي أقيم فيه حينها , ولم يكن يتواجد حينها سوى عشرة أشخاص تقريبا ــ إن لم يكن أقل ـــ ولم يكن أحد غيرهم , وما هي إلا دقائق قليلة وإذ بالآلاف يحضرون لمشاهدة ما حل بالمسجد الأقصى .

المركز : هل تؤكد عدم وجود أحد سوى هذا العدد القليل أثناء الحريق ؟

الحاج صادق : نعم لم يكن أحد غيرنا , فالناس قد صلت الفجر وغادرت إلى بيوتها , ولم تكن الناس وقتها تجلس وترابط في المسجد الأقصى , وكان دين الناس سكر خفيف , وكان الدين عبارة عن مؤسسة الأزهر , ولم تكن الناس تسمع عن القسام أو الحاج الحسيني , ولم تكن سير الصالحين كالعز بن عبد السلام " بائع الأمراء "  , ولم يكن مبدأ التضحية والاستشهاد موجود لدى الناس في ذلك الوقت .

وأذكر أن الشيخ عبد الكريم المشهدي ــــــ رحمه الله ــــ حدثني بأنه زار أحد المشايخ المصريين من العلماء القدامى الكبار في بيته فقال هذا الشيخ لأولاده قد اقتربت من الوفاة وإلى لقاء الله فأوصيكم أن تقوموا بإحراق كل مؤلفاتي وكتبي فاستغرب أولاده , وسألوه عن السبب فقال : كنت مكرها على كتابة ما فيها وتأليف هذه الكتب , ولا أريد أن ألقى الله وهي منسوبة لي . فكان الملك فاروق ومن بعده يملون على العلماء ماذا يكتبون .

المركز : كيف كان وقع إحراق المسجد الأقصى على الفلسطينيين , وكيف تلقوا النبأ ؟

الحاج صادق : حاج صادق : طبعا الأجواء في حينها كما ذكرت لك كانت مهيأة لذلك فلا أذكر أنه حدث شيء سوى بعض المسيرات الغاضبة في الضفة الغربية استنكارا لما حدث , وقد شاركت في تلك المسيرات ولم يكن بوسع الناس فعل شيء سوى ذلك .

أما الدول العربية والإسلامية فقد اكتفت بالشجب والاستنكار كعادتها في كل حدث يحدث للمسجد الأقصى .

ولا أزال أذكر وسائل الإعلام عندما ذكرت بأن " جولدا مائير " رئيسة وزراء العدو لطمت وجهها وعملت ألف حساب لذلك , وكانت تتوقع أن تثور الأمة العربية ضد هذا الاحتلال الغاشم الجائر  فرد عليها أحد الوزراء في الحكومة الصهيونية وقال لها إنها زوبعة في فنجان .

وبالفعل كان له ما توقعه وما هو إلا يوم ومضى وعادت الأمور وكأن شيئا لم يكن , وبقي حريق المسجد الأقصى ذكرى نرددها كل عام فحسب .

 المركز : في نهاية هذا الحوار نشكر لك سعادة الحاج ( أبو عمار )  حضورك وشهادتك لمركز بيت المقدس للدراسات التوثيقية على حريق المسجد الأقصى , والله نسأل أن يثيبك خيرا وأن يجعل ذلك في ميزان حسناتك يوم القيامة .

الحاج صادق : شكرا لكم وبارك الله فيكم .

.