دراسات وتوثيقات / دراسات وبحوث
حكم الإسلام في مظاهرة العدو المحتل وملاحقة المجاهدين
حكم الإسلام في مظاهرة العدو المحتل وملاحقة المجاهدين
الدكتور صالح الرقب
الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم، على سيدنا محمد خاتم الأنبياء والمرسلين، وعلى آله وأصحابه أجمعين، والتابعين، ومن تبع هداهم بإحسان إلى يوم الدين، وبعد..
معنى الولاء:
الولاية هي النصرة والمحبة والإكرام والاحترام والكون مع المحبوبين ظاهراً وباطناً،, هو حُب الله ورسوله والصحابة والمؤمنين الموحدين ونصرتهم.
معنى البراء:
هو بُغض من خالف الله ورسوله والصحابة والمؤمنين الموحدين ، من الكافرين والمشركين والمنافقين والمبتدعين والفساق. والبراء: هو البعد والخلاص والعداوة بعد الإعذار والإنذار.
فكل مؤمن موحد ملتزم للأوامر والنواهي الشرعية، تجب محبته وموالاته ونصرته. وكل من كان خلاف ذلك وجب التقرب إلى الله تعالى ببغضه ومعاداته وجهاده بالقلب واللسان بحسب القدرة والإمكان، قال تعالى:(والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض)
الولاء والبراء ركن من أركان العقيدة، وشرط من شروط الإيمان، تغافل عنه كثير من الناس وأهمله البعض فاختلطت الأمور وكثر المفرطون.
صور ولاء المؤمن لأخيه:
ولاء المؤمن لأخيه صور متعددة نذكر منها:-
1. ولاء الود والمحبة: وهذا يعني أن يحمل المسلم لأخيه المسلم كل حب وتقدير، فلا يكيد له ولا يعتدي عليه ولا يمكر به. بل يمنعه من كل ما يمنع منه نفسه، ويدفع عنه كل سوء يراد له، ويحب له من الخير ما يحب لنفسه، قال صلى الله عليه وسلم:(مثل المؤمنين في توادهم، وتراحمهم، وتعاطفهم، مثل الجسد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى) رواه مسلم .
2. ولاء النصرة والتأييد: وذلك في حال ما إذا وقع على المسلم ظلم أو حيف، فإن فريضة الولاء تقتضي من المسلم أن يقف إلى جانب أخيه المسلم، يدفع عنه الظلم، ويزيل عنه الطغيان، فعن أنس رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:(انصر أخاك ظالما أو مظلوما. قالوا يا رسول الله: هذا ننصره مظلوما، فكيف ننصره ظالما؟ قال:تأخذ فوق يديه) أي تمنعه من الظلم. رواه البخاري، فبهذا الولاء يورث الله عز وجل المجتمع المسلم حماية ذاتية، تحول دون نشوب العداوات بين أفراده، وتدفعهم جميعا للدفاع عن حرماتهم، وعوراتهم.
3. النصح لهم والشفقة عليهم: فعن جرير بن عبد الله رضي الله عنه قال:"بايعت رسول الله صلى الله عليه وسلم على إقام الصلاة وإيتاء الزكاة والنصح لكل مسلم " متفق عليه.
4.احترامهم وتوقيرهم وعدم تنقصهم وعيبهم.
5- أن يكون معهم في حال العسر واليسر والشدة والرخاء.
6-احترام حقوقهم، فلا يبيع على بيعهم، ولا يسوم على سومهم، ولا يخطب على خطبتهم، ولا يتعرّض لما سبقوا إليه من المباحات.
7-الدعاء لهم والاستغفار لهم.
هذا من جهة علاقة الأمة بعضها ببعض والذي يحددها واجب الولاء. أما من جهة علاقة الأمة أو المجتمع المسلم بغيره من المجتمعات الكافرة والتي يحددها واجب البراء، فقد أوجب الله عز وجل على الأمة البراء من الكفر وأهله، وذلك صيانة لوحدة الأمة الثقافية والسياسية والاجتماعية، وجعل سبحانه مطلق موالاة الكفار خروجا عن الملة وإعراضاً عن سبيل المؤمنين، قال تعالى:{لا يتخذ المؤمنون الكافرين أولياء من دون المؤمنين ومن يفعل ذلك فليس من الله في شيء}آل عمران:28 فكأنه بموالاته للكافرين يكون قد قطع كل الأواصر والعلائق بينه وبين الله، فليس من الله في شيء.
وتحريم الإسلام لكل أشكال التبعية للكافرين, لا يعني حرمة الاستفادة من خبراتهم وتجاربهم، كلا ، فالحكمة ضالة المؤمن أنى وجدها فهو أولى الناس بها، ولكن المقصود والمطلوب أن تبقى للمسلم استقلاليته التامة، فلا يخضع لكافر، ولا يكون ولاؤه إلا لله ولرسوله وللمؤمنين.
إن الإسلام لا يقبل أن يقف المسلم في خندق واحد مع الكافر ضد إخوانه المسلمين، قال تعالى:(يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا الكافرين أولياء من دون المؤمنين أتريدون أن تجعلوا لله عليكم سلطانا مبينا)النساء:144، وقال أيضاً:(ولو كانوا يؤمنون بالله والنبي وما أنزل إليه ما اتخذوهم أولياء ولكن كثيرا منهم فاسقون) المائدة:81. يقول ابن تيمية عن هذه الآية:'فذكر جملة شرطية تقتضي أن إذا وجد الشرط وجد المشروط بحرف لو التي تقتضي مع الشرط انتفاء المشروط فقال:(ولو كانوا يؤمنون بالله والنبي وما أنزل إليه ما اتخذوهم أولياء) فدلّ ذلك على أن الإيمان المذكور ينفي اتخاذهم أولياء ويضاده، لا يجتمع الإيمان واتخاذهم أولياء في القلب، ودلَّ ذلك على أن من اتخذهم أولياء، ما فعل الإيمان الواجب من الإيمان بالله والنبي، وما أنزل إليه.
منزلة عقيدة الولاء والبراء في الإسلام:
أولاً:أنها جزء من معنى الشهادة، وهي قول:(لا إله) من (لا إله إلا الله) فإن معناها البراء من كل ما يُعبد من دون الله. وقال شيخ الإسلام ابن تيمية:(إن تحقيق شهادة أن لا إله إلا الله يقتضي أن لا يحب إلا لله، ولا يبغض إلا لله، ولا يواد إلا لله، ولا يُعادي إلا لله، وأن يحب ما أحبه الله، ويبغض ما أبغضه الله).
ثانيًا :إنها شرط في الإيمان كما قال تعالى:(ترى كثيرًا منهم يتولون الذين كفروا لبئس ما قدمت لهم أنفسهم أن سخط الله عليهم وفي العذاب هم خالدون ولو كانوا يؤمنون بالله والنبي وما أنزل إليه اتخذوهم أولياء ولكن كثيرًا منهم فاسقون).فمن لم يحقق الشرط بولاء المؤمنين ومعاداة الكافرين بطل إيمانه.
ثالثًا :أن هذه العقيدة أوثق عرى الإيمان، لما روى أحمد في مسنده عن البراء بن عازب رضي الله عنه قال:قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:(أوثق عرى الإيمان الحب في الله والبغض في الله). وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال:قال رسول صلى الله عليه وسلم لأبي ذر: أي عرى الإيمان أوثق؟)) قال: الله ورسوله أعلم، قال: الموالاة في الله، والمعاداة في الله، والحب في الله، والبغض في الله.
رابعًا:أنها سبب لتذوق حلاوة الإيمان ولذة اليقين، لما جاء عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال:(ثلاث من وجدهن وجد حلاوة الإيمان:أن يكون الله ورسوله أحب إليه مما سواهما، وأن يحب المرء لا يحبه إلا لله، وأن يكره أن يرجع إلى الكفر بعد أن أنقذه الله منه كما يكره أن يقذف في النار) متفق عليه.
خامسًا:أنها الصلة التي يقوم على أساسها المجتمع المسلم (إنما المؤمنون إخوة) .
سادسًا:بتحقيق عقيدة الولاء والبراء تنال ولاية الله ، لما روى عن ابن عباس رضي الله عنهما قوله (من أحب في الله، وأبغض في الله ووالى في الله، وعادى في الله، فإنما تنال ولاية الله بذلك، ولن يجد عبد طعم الإيمان وإن كثرت صلاته وصومه حتى يكون كذلك، وقد صارت عامة مؤاخاة الناس على أمر الدنيا، وذلك لا يجدي على أهله شيئاً).
سابعا:أن عدم تحقيق هذه العقيدة قد يدخل في الكفر، قال تعالى:(ومن يتولهم منكم فإنه منهم).
ثامنًا: كثرة ورود عقيدة الولاء والبراء في الكتاب والسنة يدل على أهميتها.
تاسعا: عقيدة الولاء والبراء تبين من هو من حزب الله أو حزب الشيطان:(وَمَن يَتَوَلَّ اللّهَ وَرَسُولَهُ وَالَّذِينَ آمَنُواْ فَإِنَّ حِزْبَ اللّهِ هُمُ الْغَالِبُونَ)المائدة56،وقال تعالى:(لا تَجِدُ قَوْماً يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءهُمْ أَوْ أَبْنَاءهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ أُوْلَئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الْإِيمَانَ وَأَيَّدَهُم بِرُوحٍ مِّنْهُ وَيُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ أُوْلَئِكَ حِزْبُ اللَّهِ أَلَا إِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْمُفْلِحُونَ)المجادلة22.
عاشرا:الأنبياء يتبرؤون من الكافرين ويعادونهم: قال تعالى:{قَدْ كَانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إِبْرَاهِيمَ وَالَّذِينَ مَعَهُ إِذْ قَالُوا لِقَوْمِهِمْ إِنَّا بُرَاءؤا مِنكُمْ وَمِمَّا تَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ كَفَرْنَا بِكُمْ وَبَدَا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةُ وَالْبَغْضَاء أَبَدًا حَتَّى تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَحْدَهُ{[سورة الممتحنة: 4].
من صور موالاة ومظاهرة ومناصرة اليهود:
1- تثبيت وجود اليهود على أرض فلسطين المسلمة، من خلال التنازل عن 78% من الأرض التي احتلوها سنة 1948م من أرض فلسطين المسلمة. وقد اعترف محمود عباس في كتابه (طريق أوسلو ص7) بهذا التنازل إذا قال حرفيا:"التوقيع على التنازل عن جزء كبير من الوطن".
2- الاعتراف بشرعية كيان العدو الصهيوني الذي أقامه على أرض المسلمين المحتلة، ومطالبة الآخرين بهذا الاعتراف.
3- مساعدة اليهود في بناء الجدار الفاصل الذي التهم 52% من أراضي الضفة الفلسطينية، وهذا وقع فيه وزراء وشخصيات أخرى محسوبين على حركة فتح.
4- توفير الأمن للعدو المحتل بتنفيذ خارطة الطريق التي هي مشروع أمريكي صهيوني، فمن صاغها هما: مدير مكتب كوندليزا رايس -لما كانت مستشار الأمن القومي الأمريكي- ودوف فايسغلاس مدير مكتب شارون. جاء في خارطة الطريق:'يلتزم الفلسطينيون على الفور بوقف العنف بشكل غير مشروط وفقًا للخطوات المفصلة فيما يلي؛ ويجب أن ترافق مثل هذه العملية خطوات داعمة من جانب إسرائيل،ويستأنف الفلسطينيون والإسرائيليون تعاونهم الأمني بناء على خطة تِينِت لوقف العنف والإرهاب والتحريض بواسطة أجهزة أمنية فلسطينية فعّالة أعيدت هيكلتها'. وهذا ما تقوم به الأجهزة الأمنية التابعة لعباس في الضفة تحت قيادة وإشراف الجنرال الأمريكي كينث دايتون، من بسحب أسلحة المجاهدين ومصادرتها وسجنهم وتعذيبهم وأحيانا قتلهم. وقد طالعتنا الأخبار صبيحة يوم الاثنين 8/6/2009م أن دايتون أعد خطة جديدة لمواجهة قوى المقاومة في الصفة تنفذها أجهزة أمن عباس. وجاء في خارطة الطريق:' تُصدر القيادة الفلسطينية بيانًا جليًا لا لبس فيه يؤكد حق إسرائيل في الوجود بسلام وأمان، ويدعو إلى وقف إطلاق نار فوري وبدون شروط، وإلى وقف العمليات المسلحة وجميع أعمال العنف ضد إسرائيليين في كل مكان. وتتوقف جميع المؤسسات الفلسطينية الرسمية عن التحريض ضد إسرائيل. وهذا ما يصرح به عباس وينادي به في كل مكان.
5- مولاة الكفار بمساعدتهم بالدلالة على المجاهدين ولو كان بأمر بسيط جدا كأن يخبرهم أين يوجدون أو أين يختبئون،أو الاشتراك معهم في اغتيال المناضلين والمجاهدين. ويدخل في هذا النوع من المساعدة ما يسمى بالتعاون الأمني القائم بين دولة العدو الصهيوني وبين أطراف فلسطينية ألزمت نفسها بالاتفاقيات الظالمة وغير المعتبرة شرعاً، وما كان العدو لينجح في قتل واغتيال واعتقال المئات من المناضلين لولا هذا التعاون الأمني، ومساعدة الأجهزة الأمنية المعدة لهذا الأمر. مع تحقيّر المقاومة، وكيل لها الاتهامات لها بأنها عبثية ووصف الشهداء والعمليات الاستشهادية بأنها عمليات حقيرة.
إن التعاون الأمني ما هو إلا خيانة وعمالة للعدو، إذ العميل من يمد العدو بالمعلومات عن المجاهدين وأماكن أسلحتهم، أي يظاهر العدو المحتل على المسلمين ويتصل بأعدائهم ويعطيهم أخبار المجاهدين، أو يتعقبهم ويكشف أسرارهم العسكرية لينتفع بها العدو في البطش بالمجاهدين، وإلحاق الأذى والضرر بهم أو ببلادهم. فما بال من يسلم العدو-باسم التعاون الأمني- ملفات كاملة عن المجاهدين وتحركاتهم وأسلحتهم، وأماكن وجودهم ليغتالهم أو يعتقلهم. وأحيانا تتعدى إلى تسليم أسلحة المجاهدين للعدو، وتسليم المجاهدين أنفسهم كتسليم خلية صوريف.
6-الوقوف معهم في قتال المسلمين:كوقوف سلطة رام الله مع اليهود في عدوانهم الإجرامي ضد الفلسطينيين في غزة(ولقد اعترف ليبرمان وغيره من القيادات الصهيونية، وأيضا اجتماع لفني مع دحلان في القاهرة قبل العدوان بيومين)
7- جمع المعلومات عن مقار الوزارات والمؤسسات الحكومية والأهلية الفلسطينية أو بيوت القادة والمجاهدين وأماكن وجودهم، كما حصل من نفر من حمقى فتح في قطاع غزة -تم إلقاء القبض على كثيرين منهم- الذين جمعوا مثل هذه المعلومات وقدموها لمسئوليهم في رام الله الذين قاموا بدورهم بتسليمها للعدو الصهيوني كي يقوم بقصفها وتدميرها كما في الحرب العدوانية الأخيرة على قطاع غزة. وقد ترتب عليه قتل النفس التي حرم الله قتلها.وهدم البيوت والمؤسسات وقتل وجرح من فيها.
في يوم الخميس (22/1) أكدت الأجهزة الأمنية المختصة في قطاع غزة، نجحت في ضبط مراسلات رسمية بين ضباط أجهزة أمنية بائدة في قطاع غزة، وبعض القيادات الأمنية الهاربة إلى الضفة الغربية، تشير إلى أن قيادة رام الله تقدمت بطلبات "احتياج" عاجلة لعناصرها في قطاع غزة، برفع تقارير عاجلة وخرائط تفصيلية بمواقع منازل قادة كتائب القسام الرسمية والبديلة، إلى جانب تحديد مخازن السلاح والأنفاق. وذكرت أنه تم ضبط مراسلات أخرى وجهت من غزة إلى رام الله، وتتضمن معلومات تفصيلية عن منازل قيادات في حركة "حماس" و"كتائب القسام" ومواقع مفترضة كمواقع لتخزين السلاح والأنفاق بما فيها مساجد ومؤسسات صحية. وأشارت إلى أنها اعتقلت عدداً من هؤلاء الضباط المجرمين والعناصر المحسوبة على حركة "فتح" وقدموا اعترافات تفصيلية عن دورهم في تقديم معلومات عن حركة "حماس" والمقاومة في غزة.
8- تواطؤ سلطة عباس مع الاحتلال في حصار الفلسطينيين في قطاع غزة، وإحكام الإغلاق على القطاع من كافة النواحي وحرمانه من أبسط مقومات الحياة الإنسانية. ولم يقف عدوانه إلى هنا بل واصل هذه التصريحات التي لا تخدم سوى الاحتلال وتعزز من حصار غزة كدليل على موافقته على هذا الحصار والإغلاق المستمر. ولعل آخر تصريحاته تؤكد هذا الكلام حيث اعتبر وهاجم (عباس) إعلان ليبيا إرسال سفينة لقطاع غزة بأنه عبارة عن دعاية رخيصة، وأنه يدرس إعلان قطاع غزة إقليماً متمرداً، بالتوزاي مع إعلان الاحتلال الصهيوني للقطاع إقليما معاديا، واستخف عباس في مقابلة نشرتها الخميس (11/12/2008م) صحيفة "الشرق الأوسط" السعودية التي تصدر من لندن، بوصول السفن إلى قطاع غزة.
حكم مظاهرة وموالاة الكافرين:-
قال أبو الوفاء بن عقيل الحنبلي:(إذا أردت أن تعلم محل الإسلام من أهل الزمان، فلا تنظر إلى زحامهم في أبواب الجوامع، ولا ضجيجهم في الموقف بلبيك، وإنما انظر إلى مواطأتهم أعداء الشريعة..وهذا يدل على برودة الدين في القلب) .
1- موالاة ومساعدة العدو ضلال:قال تعالى:(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاء تُلْقُونَ إِلَيْهِم بِالْمَوَدَّةِ وَقَدْ كَفَرُوا بِمَا جَاءكُم مِّنَ الْحَقِّ يُخْرِجُونَ الرَّسُولَ وَإِيَّاكُمْ أَن تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ رَبِّكُمْ إِن كُنتُمْ خَرَجْتُمْ جِهَاداً فِي سَبِيلِي وَابْتِغَاء مَرْضَاتِي تُسِرُّونَ إِلَيْهِم بِالْمَوَدَّةِ وَأَنَا أَعْلَمُ بِمَا أَخْفَيْتُمْ وَمَا أَعْلَنتُمْ وَمَن يَفْعَلْهُ مِنكُمْ فَقَدْ ضَلَّ سَوَاء السَّبِيلِ)الممتحنة1. 2-
2- مظاهرة وموالاة الكافرين كفر وردة عن الدين: إن من يظاهر الكافرين على المؤمنين لأجل طمع في الدنيا يرجى، أو رياسة وغيرها، فلا عصمة لدمه، حيث عُلم أن مظاهرة الكافرين كفر وردة عن الدين، وقد أجمع أهل العلم على أن من ظاهر الكفار من أهل الكتاب وغيرهم من الملل الكفرية على المسلمين وساعدهم بأي نوع من المساعدة فهو كافر مثلهم، وقال تعالى:(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَتَّخِذُواْ الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاء بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ وَمَن يَتَوَلَّهُم مِّنكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللّهَ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ)المائدة51 وقوله تعالى(ومن يتولهم منكم) معناه فإنه يصير من جملتهم،وحكمه حكمهم. قال الإمام الطبري في تفسير هذه الآية:(والصواب من القول في ذلك عندنا أن يقال:إن الله تعالى ذكره نهى المؤمنين جميعاً أن يتخذوا اليهود والنصارى أنصاراً وحلفاء على أهل الإيمان بالله ورسوله، وأخبر أنه من اتخذهم نصيراً وحليفاً وولياً من دون الله ورسوله والمؤمنين، فإنه منهم في التحزب على الله وعلى رسوله والمؤمنين،وأن الله ورسوله منه بريئان). وهذه الموالاة تدل على فساد في اعتقاد صاحبها، خاصة من جهة منافاتها لعمل القلب من الحب والبغض، فالحب والبغض كما هو معلوم أصل الولاء والبراء، فمحبة المؤمنين تقتضي موالاتهم ونصرتهم، وبغض الكافرين يقتضي البراءة منهم ومن مذاهبهم وعداوتهم ومحاربتهم، فإذا عادى المرء المؤمنين وأبغضهم، ووالى الكافرين وناصرهم على المؤمنين فقد نقض أصل إيمانه. وقال ابن حزم:صح أن قول الله تعالى:{وَمَن يَتَوَلَّهُم مِّنكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ (إنما هو على ظاهره: بأنه كافر من جملة الكفار، وهذا حق لا يختلف فيه اثنان من المسلمين (المحلى:13/35). وقال ابن تيمية:'أخبر الله في هذه الآية:أن متوليهم هو منهم وقال سبحانه:(ولو كانوا يؤمنون بالله والنبي وما أنزل إليه ما اتخذوهم أولياء) سورة المائدة:81. فدلّ على أن الإيمان المذكور ينفي اتخاذهم أولياء ويضاده، ولا يجتمع الإيمان واتخاذهم أولياء في القلب. فالقرآن يصدق بعضه بعضاً (انظر الإيمان لابن تيمية ص14).
3- مظاهرة الكافرين ومعاونتهم على المؤمنين من أخص صفات المنافقين: إن مظاهرة الكافرين ومعاونتهم على المؤمنين من أخص صفات المنافقين، فهم في الظاهر مع المؤمنين، لكنهم في الحقيقة مع الكفار عيوناً وأعواناً، لهم، يكشفون لهم عورات المسلمين وأسرارهم ويتربصون بالمؤمنين الدوائر. قال تعالى:(بَشِّرِ الْمُنَافِقِينَ بِأَنَّ لَهُمْ عَذَاباً أَلِيماً الَّذِينَ يَتَّخِذُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاء مِن دُونِ الْمُؤْمِنِينَ أَيَبْتَغُونَ عِندَهُمُ الْعِزَّةَ فَإِنَّ العِزَّةَ لِلّهِ جَمِيعاً)النساء 138-139. وقال تعالى:(فَتَرَى الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ يُسَارِعُونَ فِيهِمْ يَقُولُونَ نَخْشَى أَن تُصِيبَنَا دائرة فَعَسَى اللّهُ أَن يَأْتِيَ بِالْفَتْحِ أَوْ أَمْرٍ مِّنْ عِندِهِ فَيُصْبِحُواْ عَلَى مَا أَسَرُّواْ فِي أَنْفُسِهِمْ نَادِمِينَ)المائدة52، والمرض هنا مرض القلب وهو النفاق.
4- فقدان ولاية ونصرة الله تعالى:قال تعالى:{وَلَن تَرْضَى عَنكَ الْيَهُودُ وَلاَ النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ قُلْ إِنَّ هُدَى اللّهِ هُوَ الْهُدَى وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءهُم بَعْدَ الَّذِي جَاءكَ مِنَ الْعِلْمِ مَا لَكَ مِنَ اللّهِ مِن وَلِيٍّ وَلاَ نَصِيرٍ}البقرة120.
5- براءة الله تعالى منه: قال تعالى:(لاَّ يَتَّخِذِ الْمُؤْمِنُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاء مِن دُوْنِ الْمُؤْمِنِينَ وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ فَلَيْسَ مِنَ اللّهِ فِي شَيْءٍ إِلاَّ أَن تَتَّقُواْ مِنْهُمْ تُقَاةً وَيُحَذِّرُكُمُ اللّهُ نَفْسَهُ وَإِلَى اللّهِ الْمَصِيرُ) سورة آل عمران: 28.
6- عدم قبول صلاته: قال تعالى:(اتْلُ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنَ الْكِتَابِ وَأَقِمِ الصَّلَاةَ إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ)العنكبوت45، ومن المنكر الأكبر موالاة الكافرين ومناصرتهم ومساعدتهم بما يسبب ضررا للمسلمين.ومن لم تنهه صلاته عن الفحشاء والمنكر فلا صلاة له. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:من صلى صلاة لم تنهه صلاته عن الفحشاء والمنكر لم يزدد من الله إلا بعدا).
فتاوى علماء العصر في مظاهرة الكفار ومعاونتهم على المسلمين:
لقد صدرت فتاوى عديدة في هذا العصر من كبار العلماء المسلمين يبينون فيها الحكم الشرعي فيمن يظاهر الكافرين ويواليهم ويساعدهم. وعدّو فعله ناقضا من نواقض الإسلام، وأن حكمه القتل كفرا لتوليه الكفار.
1-ذكر الشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله في نواقض الإسلام:الناقض الثامن:مظاهرة المشركين ومعاونتهم على المسلمين، والدليل قوله تعالى:(وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ المائدة: 51).
2-وجاء في موسوعة المفاهيم لمجمع البحوث التابع للأزهر الشريف:..والذي يدل اليهود على عورات المسلمين، ويتسبب في قتل الأبطال على أيدي اليهود يعد محاربا يستوجب قتله؛ لأنّه تسبب في قتل المسلمين، وسبب السبب يأخذ حكم السبب، ومن أعان على القتل ولم يباشره كان قاتلاً أيضاً، على أن هذا الأمر الذي قام به من التعاون مع الأعداء يعد خيانة لله وخيانة لرسوله صلى الله عليه وسلم، وخيانة لهذا الدين، وخيانة للمسلمين، وقد صحّ عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال:'من أعان ظالماً بباطل ليدحض بباطله حقاً فقد برئ من ذمة الله تعالى وذمة رسوله'.أخرجه الطبراني، السلسلة الصحيحة:1020.
3- قد أفتى العلماء بقتل هذا الخائن الجاسوس للضرر الملحق بجماعة المسلمين منه.ويطبق عليه حد الحرابة. وقد أفتى الشيخ حسن مأمون مفتي مصر الأسبق بقتل من يتعاون مع الأعداء ملحقاً الأذى والضرر في صفوف المسلمين.
4- وقال أحمد شاكر رحمه الله في(في كتابه كلمة الحق صـ126- 137، تحت عنوان
"بيان إلى الأمة المصرية خاصة وإلى الأمة العربية والإسلامية عامة":"أما التعاون مع الإنجليز بأي نوع من أنواع التعاون، قلّ أو كثر، فهو الردّة الجامحة، والكفر الصّراح، لا يقبل فيه اعتذار، ولا ينفع معه تأول، ولا ينجي من حكمه عصبية حمقاء، ولا سياسة خرقاء، ولا مجاملة هي النفاق، سواء أكان ذلك من أفراد أو حكومات أو زعماء. كلهم في الكفر والردة سواء، إلا من جهل وأخطأ، ثم استدرك أمره فتاب وأخذ سبيل المؤمنين، فأولئك عسى الله أن يتوب عليهم، إن أخلصوا من قلوبهم لله لا للسياسة ولا للناس..'.وقال:'ولا يجوز لمسلم في أي بقعة من بقاع الأرض أن يتعاون معهم بأي نوع من أنواع التعاون، وإن التعاون معهم-أي الفرنسيين- حكمه حكم التعاون مع الإنجليز: الردة والخروج من الإسلام جملة، أيا كان لون المتعاون معهم أو نوعه أو جنسه".
5- وقال الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله:'وقد أجمع علماء الإسلام على أنَّ من ظاهر الكفار على المسلمين وساعدهم بأي نوع من المساعدة فهو كافر مثلهم'.(مجموع الفتاوى والمقالات 1/274) .وقال الشيخ بن باز أيضا:'أما الكفار الحربيون فلا تجوز مساعدتهم بشيء، بل مساعدتهم على المسلمين من نواقص الإسلام، لقول الله عز وجل (ومن يتولّهم منكم فإنه منهم).(فتاوى إسلامية، جمع محمد بن عبد العزيز المسند ج4 السؤال الخامس من الفتوى رقم 6901).
6- وقال الشيخ سليمان العلوان في كتابه(التبيان شرح نواقض الإسلام):'ومظاهرة المشركين ومعاونتهم على المسلمين فتنة عظيمة قد عمّت فأعمّت، ورزية رمت فأصمت، وفتنة دعت القلوب فأجابها كل قلب مفتون بحب المشركين، ولا سيما في هذا الزمن، الذي كثر فيه الجهل، وقل فيه العلم، وتوفرت فيه أسباب الفتن، وغلب الهوى واستحكم، وانطمست أعلام السنن والآثار...ثمّ اعلم أنَّ إعانة الكفار تكون بكل شيء يستعينون به، ويتقوون به على المسلمين'. وقال الشيخ سليمان العلوان:(وقد حكى غير واحد من العلماء الإجماع على أن مظاهرة الكفار على المسلمين ومعاونتهم بالنفس والمال والذب عنهم بالسنان والبيان كفر وردة عن الإسلام قال تعالى:{ومن يتولهم منكم فإنه منهم إن الله لا يهدي القوم الظالمين}. وأي تولٍ أعظم من مناصرة أعداء الله ومعاونتهم وتهيئة الوسائل والإمكانيات لضرب الديار الإسلامية وقتل القادة المخلصين.
7- وقال الشيخ صالح بن فوزان بن عبد الله الفوزان في كتابه(الولاء والبراء) إعانتهم – أي الكفار- ومناصرتهم على المسلمين ومدحهم والذب عنهم.من نواقض الإسلام وأسباب الردة نعوذ بالله من ذلك.
8- ويقول الشيخ الدكتور يوسف القرضاوي:'هؤلاء الخونة،الذين يعاونون أعداء أمتهم على الإثم والعدوان. هؤلاء حكمهم حكم اليهود المحتلين، لأن ولاءهم لهم، وعونهم لهم، والله تعالى يقول:(ومن يتولهم منكم فإنه منهم) المائدة: 51. بل الحق أني أرى هؤلاء شرا من اليهود الغزاة المعتدين، فإن اليهودي عدو واضح معروف، وهذا عدو من جلدتنا، ويتكلم بلساننا، فهو من المنافقين الذين قال الله عنهم:(إن المنافقين في الدرك الأسفل من النار ولن تجد لهم نصيرا) النساء: 145. فالمنافق شر من الكافر.
9- وقال الشيخ حمود بن عقلا الشعيبي:(أما مظاهرة الكفار على المسلمين ومعاونتهم عليهم فهي كفر ناقل عن ملة الإسلام عند كل من يعتد بقوله من علماء الأمة قديما وحديثا) وقال:(وبناء على هذا فإن من ظاهر دول الكفر على المسلمين وأعانهم عليهم كأمريكا وزميلاتها في الكفر يكون كافرا مرتدا عن الإسلام بأي شكل كانت مظاهرتهم وإعانتهم).
ثمرات إحياء عقيدة الولاء والبراء في الأمة:
1. ظهور العقيدة الصحيحة وبيانها وعدم التباسها بغيرها وتحقيق المفاصلة بين أهل الكفر وأهل الإسلام، قال تعالى:{قد كانت لكم أسوة حسنة في إبراهيم والذين معه إذ قالوا لقومهم إنا برآء منكم ومما تعبدون من دون الله كفرنا بكم وبدا بيننا وبينكم العداوة والبغضاء أبدا حتى تؤمنوا بالله وحده}الممتحنة:4.
2- حماية المسلمين سياسيا، وذلك أن ما يوجبه الإسلام من مبدأ الولاء والبراء يمنع من الانجرار وراء الأعداء، وما تسلط الكفار على المسلمين وتدخلوا في شؤونهم إلا نتيجة إخلالهم بهذا الأصل العظيم.
3- تحقيق التقوى والبعد عن مقت وسخط الله سبحانه، قال تعالى:{ترى كثيرا منهم يتولون الذين كفروا لبئس ما قدمت لهم أنفسهم أن سخط الله عليهم وفي العذاب هم خالدون}المائدة :80، وقال تعالى:{ولا تركنوا إلى الذين ظلموا فتمسكم النار}هود:113.
4- إن عقيدة الولاء والبراء هي عقيدة صيانة الأمة وحمايتها من أعدائها، كما أنها سبب للألفة والإخاء بين أفرادها، وهي ليست عقيدة نظرية تدرس وتحفظ في الذهن مجردة عن العمل؛ بل هي عقيدة عمل ومفاصلة، ودعوة ومحبة في الله، وكره من أجله وجهاد في سبيله؛ فهي تقتضي كل هذه الأعمال، وبدونها تصبح عقيدةً نظرية سرعان ما تزول، وتضمحل عند أدنى موقف أو محك
هل من تكاليف الولاء والبراء هجر أصحاب البدع والأهواء
ج- نعم لابد من هجر أصحاب البدع والأهواء والبراءة من معتقداتهم الفاسدة ونحلهم الباطلة. وهذا يدخل في معتقد أهل السنة والجماعة وهو البراءة من أرباب البدع والأهواء.
إنّ هجرهم وعدم مخالطتهم مع الإنكار عليهم واجب من واجبات الولاء والبراء، ومقتضى من مقتضياته، لأن المنطلق في هذه القضية هو حبّ الله وحبّ ما يحبه، وبغض من يبغضه الله أو يرتكب ما يبغضه. وفساد الدين إنما يأتي من إحدى طريقتين أو هما معاً: فإما أن يقع بالاعتقاد الباطل والتكلم به وهو الخوض، أو يقع في العمل بخلاف الحق والصواب وهو الاستمتاع بالخلاق. (كَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ كَانُوا أَشَدَّ مِنْكُمْ قُوَّةً وَأَكْثَرَ أَمْوَالاً وَأَوْلاداً فَاسْتَمْتَعُوا بِخَلاقِهِمْ فَاسْتَمْتَعْتُمْ بِخَلاقِكُمْ كَمَا اسْتَمْتَعَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ بِخَلاقِهِمْ وَخُضْتُمْ كَالَّذِي خَاضُوا أُولَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ) التوبة:69..وقوله بخلاقهم قال الحسن (بدينهم) وقوله (وخضتم كالذي خاضوا) أي في الكذب والباطل أولئك حبطت أعمالهم أي بطلت مساعيهم فلا ثواب لهم عليها، لأنها فاسدة في الدنيا والآخرة، وأولئك هم الخاسرون..عن ابن عباس في قوله (كالذين من قبلكم) قال ابن عباس:"ما أشبه الليلة بالبارحة كالذين من قبلكم هؤلاء بنو إسرائيل شبهنا بهم لا أعلم إلا أنه قال والذي نفسي بيده لتتبعنهم حتى لو دخل الرجل منهم جحر ضب لدخلتموه".
والبدعة:مأخوذة من الابتداع وهو الاختراع، وهو الشيء يحدث من غير أصل سبق ولا مثال احتذي ولا ألف مثله ومنه قولهم: ابتدع الله الخلق أي خلقهم ابتداء ومنه قوله تعالى: {بَدِيعُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ{ [سورة البقرة: 117].وقوله:{قل ما كنت بدعاً من الرسل{ سورة الأحقاف:9. أي لم أكن أول رسول إلى أهل الأرض. وهذا الاسم يدخل فيما تخترعه القلوب، وفيما تنطق به الألسنة، وفيما تفعله الجوارح..قال ابن الجوزي:(البدعة عبارة عن فعل لم يكن فابتدع. والأغلب في المبتدعات أنها تصادم الشريعة بالمخالفة وتوجب التعاطي عليها بزيادة أو نقصان).قال صلى الله عليه وسلم:(من أحدث في ديننا ما ليس منه فهو رد)
لقائل أن يقول: ما شأننا الآن وأصحاب البدع لا سيما وأنت تتكلم عن ولاء الكفار والبراء منهم وموالاة المؤمنين ونصرتهم؟؟
وللجواب على ذلك نقول: أولاً: أن البدعة خطرها عظيم وكبير، والدليل على ذلك أنها تنقسم إلى رتب متفاوتة ما بين الكفر الصريح إلى الكبيرة والصغيرة، وفي هذا يقول الإمام الشاطبي:البدعة تنقسم إلى رتب متفاوتة منها ما هو كفر صراح، كبدعة الجاهلية التي نبه عليها القرآن بقوله:(وَجَعَلُواْ لِلّهِ مِمِّا ذَرَأَ مِنَ الْحَرْثِ وَالأَنْعَامِ نَصِيبًا فَقَالُواْ هَـذَا لِلّهِ بِزَعْمِهِمْ وَهَـذَا لِشُرَكَآئِنَا) سورة الأنعام: 136. وقوله تعالى:(وَقَالُواْ مَا فِي بُطُونِ هَـذِهِ الأَنْعَامِ خَالِصَةٌ لِّذُكُورِنَا وَمُحَرَّمٌ عَلَى أَزْوَاجِنَا وَإِن يَكُن مَّيْتَةً فَهُمْ فِيهِ شُرَكَاء) سورة الأنعام: 139.
*وكذلك بدعة المنافقين حين اتخذوا الدين ذريعة بحفظ النفس والمال وما أشبه ذلك مما لا يشك أنه كفر صراح.
* وقضية التحليل والتحريم خصوصية لله عز وجل، فمن ادعى التحليل والتحريم فقد شرع ومن شرع فقد أله نفسه. وكما أن الله سبحانه وتعالى هو الخالق فهو أيضاً صاحب الأمر والسلطان، قال تعالى:(أَلاَ لَهُ الْخَلْقُ وَالأَمْرُ) سورة الأعراف: 54. وقال سبحانه:(وَلاَ تَقُولُواْ لِمَا تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ الْكَذِبَ هَـذَا حَلاَلٌ وَهَـذَا حَرَامٌ لِّتَفْتَرُواْ عَلَى اللّهِ الْكَذِبَ إِنَّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللّهِ الْكَذِبَ) سورة النحل:116.
فهذه البدعة الكفرية وأمثالها لأصحابها منا العداء والبغض والكره والجهاد بعد الإعذار والإنذار، والبراءة منهم لا تختلف عن البراءة من الكافر الأصلي. فقد قال صلى الله عليه وسلم(من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد)..قال البغوي:(وقد اتفق علماء السنة على معاداة أهل البدعة ومهاجرتهم).
* ومنها ما هو معصية ويتفق على أنها ليست بكفر، كبدعة التبتل، والصيام قائماً في الشمس والخصاء بقصد قطع شهوة الجماع.
* ومنها: ما هو مكروهك كذكر السلاطين الظلمة في خطبة الجمعة على ما قاله ابن عبد السلام الشافعي. وما أشبه ذلك فأرباب هذه البدع يتبرأ منهم أهل السنة والجماعة.
فالخلاصة: أنه من معتقد أهل السنة والجماعة البراء من أصحاب البدع الكفرية.
- ومن تكاليف الولاء والبراء: هجر أصحاب البدع والأهواء والبراءة من معتقداتهم الفاسدة ونحلهم الباطلة. وهجرتهم وعدم مخالطتهم والإنكار عليهم واجب من واجبات الولاء والبراء، ومقتضى من مقتضياته، لأن المنطلق في هذه القضية هو حب الله وحب ما يحبه وبغض من يبغضه أو يرتكب ما يبغضه. وفساد الدين إنما يأتي من إحدى طريقتين أو هما معاً: فإما أن يقع بالاعتقاد الباطل والتكلم به وهو الخوض، أو يقع في العمل بخلاف الحق والصواب وهو الاستمتاع بالخلاق. فالأول: البدع، والثاني: إتباع الهوى، وهذان هما أصل كل شر وفتنة وبلاء. وبهما كذبت الرسل، وعصي الرب، ودخلت النار، وحلت العقوبات. لأن الفساد في الاعتقاد يأتي من جهة الشبهات والفساد في العمل يأتي من جهة الشهوات ولهذا كان السلف يقولون: احذروا من الناس صنفين: صاحب هوى فتنه هواه وصاحب دنيا أعجبته دنياه. ويقولون أيضاً: احذروا فتنة العالم الفاجر، والعابد الجاهل، فان فتنتهما فتنة لكل مفتون، لأن الأول يشبه المغضوب عليهم الذين يعملون الحق ولا يتبعونه، والثاني يشبه الضالين الذين يعملون بغير علم.
خطورة البدعة على الدين:-
ولخطورة البدع على الدين أورد هنا نماذج من أقوال سلف الأمة في التحذير من البدع وأصحابها. ومن ذلك ما قاله الصحابي الجليل عبد الله بن مسعود رضي الله عنه حيث يقول:(من كان مستناً فليستن بمن قد مات: أولئك أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم كانوا خير هذه الأمة، أبرها قلوباً، وأعمقها علماً وأقلها تكلفاً، قوم اختارهم الله لصحبة نبيه صلى الله عليه وسلم ونقل دينه، فتشبهوا بأخلاقهم وطرائقهم، فهم كانوا على الهدى المستقيم". وقال سفيان الثوري رحمه الله: البدعة أحب إلى إبليس من المعصية، المعصية يتاب منها، والبدعة لا يتاب منها.
وقال الإمام مالك رحمه الله: من أحدث في هذه الأمة شيئاً لم يكن عليه سلفها فقد زعم أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم خان الدين، لأنّ الله تعالى يقول:{الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ{[سورة المائدة:3]. فما لم يكن يومئذ ديناً لا يكون اليوم ديناً.
وذكر الشاطبي رحمه الله أن مفاسد البدع تنحصر في أمرين:
(1) أنها مضادة للشارع، ومراغمة له، حيث نصب المبتدع نفسه منصب المستدرك على الشريعة لا منصب المكتفي بما حُدّ له. وخطورة البدعة تكمن في أنها تناقض (الاستسلام لله وحده) كما قال بعض السلف: (قدم الإسلام لا تثبت إلا على قنطرة التسليم) وهي كما قال الإمام سفيان الثوري – أحب إلى إبليس من المعصية، لأنّ البدعة لا يتاب منها، أما المعصية فيتاب منها. وذلك أن المبتدع الذي يتخذ ديناً لم يشرعه الله ورسوله قد زين له سوء عمله فرآه حسناً، فهو لا يتوب ما دام يراه حسناً، لأن أول التوبة العلم بأن فعله سيئ ليتوب منه. فما دام يرى فعله حسناً – وهو سيئ في نفس الأمر – فإنه لا يتوب. ولكن التوبة ممكنة وواقعة بأن يهديه الله ويرشده حتى يتبين له الحق، كما هدى الله من هدى من الكفار والمنافقين وطوائف أهل البدع والضلال، وذلك بأن يتبع من الحق ما علمه لأن الله يقول: {وَالَّذِينَ اهْتَدَوْا زَادَهُمْ هُدًى وَآتَاهُمْ تَقْواهُمْ { [سورة محمد: 17]. وإذا انتشرت الجهالة بدين الرسل بين الناس، ونما زرع الجاهلية في نفوسهم: سارعت الطباع إلى الانحلال من ربقة الإتباع لأنّ النفس فيها نوع من الكبر فهي تحب أن تخرج من العبودية بحسب الإمكان كما قال أحد السلف: ما ترك أحد سنة إلا تكبر في نفسه وكما قلنا في الفصل الثاني من الباب الأول: أن العداوة بين أولياء الرحمن وأولياء الشيطان أمر محتم وواقع فإن العداوة هنا بين المتبع والمبتدع تأخذ نفس المرتبة والشأن، ولذلك قال الشوكاني: العداوة بين المتبع والمبتدع أوضح من الشمس لأن المتبع يعادي المبتدع لبدعته، والمبتدع يعادي المتبع لإتباعه وكونه على الصواب. بل قد تبلغ عداوات أهل البدع لغيرهم من أهل الإتباع فوق ما تبلغه عداوتهم لليهود والنصارى.
(2)إنّ كل بدعة – وإن قلت- تشريع زائد أو ناقص، أو تغيير للأصل الصحيح، وكل ذلك قد يكون على الانفراد، وقد يكون ملحقاً بما هو مشروع فيكون قادحاً في المشروع، ولو فعل أحد مثل هذا في نفس الشريعة عامداً، لكفر، إذ الزيادة والنقصان فيها أو التغيير– قل أو كثر- كفر. ويعضد هذا النظر عموم الأدلة في ذم البدع ومنها: قوله صلى الله عليه وسلم:(كل بدعة ضلالة) وقوله صلى الله عليه وسلم (من دعا إلى ضلالة كان عليه من الإثم مثل آثام من تبعه، لا ينقص ذلك من آثامهــم شيئاً)..وقال أحد علماء السلف:(لا تجالسوا أصحاب الأهواء، أو قال أصحاب الخصومات فإني لا آمن أن يغمسوكم في ضلالتهم، ويلبسوا عليكم بعض ما تعرفون).
وموقف المسلم من أصحاب البدع والأهواء يختلف باختلاف ما هم عليه. فأمّا من كانت بدعته كفرية أو شركية فهذا يتبرأ منه ويهجر هجراً نهائياً، وليس له أي موالاة بل البراءة منه كالبراءة من الكافر الأصلي أو المشرك. ومثال ذلك من أحدث حدثاً في الإسلام، أو آوى محدثاً ونصره وأعانه كما جاء في الحديث:(من أحدث حدثاً أو آي محدثاً فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين). وقال ابن القيم:(ومن أعظم الحدث تعطيل كتاب الله وسنة رسوله وإحداث ما خالفهما، ونصر من أحدث ذلك والذب عنه، ومعاداة من دعا إلى كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم. وأما من كانت بدعته دون ذلك أي من المعاصي والذنوب التي لا تصل إلى حد الكفر أو الشرك فهذه تختلف أيضاً باختلاف الأشخاص والأزمان.
والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر لا يستقيم إلا بالبصيرة والمعرفة التامة وأقل الأحوال إذا لم يحصل للعبد ذلك: أن يقتصر على نفسه كما قال صلى الله عليه وسلم:(إذا رأيت شحاً مطاعاً، وهوى متبعاً، ودنيا مؤثرة، وإعجاب كل ذي رأي برأيه فعليك بنفسك). فإذا رأى المسلم من يعمل شيئاً من المعاصي: أبغضه على ما فيه من الشر، وأحبه على ما فيه من الخير – كما ذكرنا ذلك في معتقد أهل السنة في أول البحث – ولا يجعل بغضه على ما معه من الشر قاطعاً وقاضياً على ما معه من الخير فلا يحبه، بل إن كان بغضه له يزجره ذلك ولا يرتدع هو وأمثاله راعى فيه الإصلاح، لأن النبي صلى الله عليه وسلم هجر من علم أن الهجر يزجره ويردعه، وقبل معذرة من علم أن الهجر لا ينفع فيه شيئاً ووكل سرائرهم إلى الله). وعلى أي حال فإنه ينبغي للمسلم أن لا يخالط أهل البدع والفجور وسائر المعاصي، إلا على وجه يسلم به من عذاب الله عز وجل، وأقل ذلك أن يكون منكراً لظلمهم، ماقتاً لهم، شائناً ما هم فيه بحسب الإمكان كما في الحديث:(من رأى منكم منكراً فليغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه فإن لم يستطع فبقلبه وذلك أضعف الإيمان).
س: ما هي أنواع الهجر لأصحاب البدع والمعاصي؟
الهجر الشرعي لأصحاب البدع والمعاصي نوعان:
الأول: بمعنى الترك للمنكرات. والإعراض عن أهلها.
الثاني:بمعنى العقوبة عليها. وهو الهجر على وجه التأديب.
فالأول:هو المذكور في قوله تعالى:(وَإِذَا رَأَيْتَ الَّذِينَ يَخُوضُونَ فِي آيَاتِنَا فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ) سورة الأنعام: 68. وقوله تعالى:{وَقَدْ نَزَّلَ عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ أَنْ إِذَا سَمِعْتُمْ آيَاتِ اللّهِ يُكَفَرُ بِهَا وَيُسْتَهْزَأُ بِهَا فَلاَ تَقْعُدُواْ مَعَهُمْ حَتَّى يَخُوضُواْ فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ إِنَّكُمْ إِذًا مِّثْلُهُمْ{سورة النساء: 140.
أما النوع الثاني: وهو الهجر على وجه التأديب: فهو هجر من يظهر المنكرات حتى يتوب منها كما هجر النبي صلى الله عليه وسلم والمسلمون:"الثلاثة الذين تخلفوا عن غزوة تبوك" حتى أنزل الله توبتهم.(وَعَلَى الثَّلاثَةِ الَّذِينَ خُلِّفُوا حَتَّى إِذَا ضَاقَتْ عَلَيْهِمُ الْأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ وَضَاقَتْ عَلَيْهِمْ أَنْفُسُهُمْ وَظَنُّوا أَنْ لا مَلْجَأَ مِنَ اللَّهِ إِلَّا إِلَيْهِ ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ لِيَتُوبُوا إِنَّ اللَّهَ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ) التوبة:118. وهذا الهجر يختلف باختلاف الهاجرين في قوتهم وضعفهم، وقلتهم وكثرتهم فإن المقصود به زجر المهجور وتأديبه، ورجوع العامة عن مثل حاله، فإن كانت المصلحة في ذلك راجحة بحيث يقضي هجره إلى ضعف الشر وخفيته كان مشروعاً، وإن كان لا المهجور ولا غيره يرتدع بذلك بل يزيد الشر، والهاجر ضعيف، بحيث تكون مفسدة ذلك راجحة على مصلحته لم يشرع الهجر، بل يكون التأليف لبعض الناس أنفع من الهجر.
- وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يتألف قوماً ويهجر آخرين. وإذا عرف هذا فالهجر يجب أن يكون خالصاً لله وموافقاً لأمره، لأن من هجر لهوى نفسه أو هجر هجراً غير مأمور به كان خارجاً عن هذا الأصل، وما أكثر ما تفعل النفوس ما تهواه ظانة أنها تفعله طاعة لله.
- والهجر من باب "العقوبات الشرعية" هو من جنس الجهاد في سبيل الله، وهذا يفعل لتكون كلمة الله هي العليا، ويكون الدين كله لله، والمؤمن عليه أن يعادي في الله، ويوالي في الله، فإن كان هناك مؤمن فعليه أن يواليه وإن ظلمه، فإن الظلم لا يقطع الموالاة الإيمانية، قال تعالى:(وَإِن طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا فَإِن بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الأُخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ فَإِن فَاءتْ فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا بِالْعَدْلِ وَأَقْسِطُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ) سورة الحجرات: 9-10. فجعلهم إخوة مع وجود القتال والبغي.
ومما ينبغي التنويه به:"أن هذا الهجران والتبري والمعاداة لأهل البدع المخالفين في الأصول.