فلسطين التاريخ / تهويد وتزوير وإجرام
الحوض المقدس ... ومستقبل القدس
د.عيسى القدومي
" الحوض المقدس " مصطلح يفرض واقعا جديدا على الأرض ، يجسم من خلاله مصير البلدة القديمة في القدس والمسجد الأقصى ما جاوره ، ويضم "الحوض" حسب المصادر اليهودية جميع المواقع الدينية اليهودية – التي يدعونها – في القدس التي لا يمكن لـ " إسرائيل " !! – على حد وصفهم - التنازل عنها ، وهي : " البلدة القديمة ، ووادي قدرون ، وجبل الزيتون " .
والحوض المقدس هو مخطط صهيوني يعد الأشد خطورة على المسجد الأقصى المبارك والبلدة القديمة بل والقدس بآثارها وتاريخها منذ بدء الاحتلال إلى الآن ؛ يهدف إلى ضم أكبر مساحة ممكنة من البلدة القديمة وما جاورها بمبررات وغطاء ديني من خلال تسمية مناطق مهمة أماكن مقدسة !! ليضمنوا بذلك سيادة ثابتة لهم فيها !! .
ومشروع "الحوض المقدس" أعد بعناية بأيدي كبار الساسة والأمنيين والدينيين الصهاينة لتطبيق فرض الأمر الواقع على الأرض ، وإعطاء المكان " قدسية يهودية " بتحويل أبنية وقفية ومواقع مهمة وتاريخية إلى أماكن يهودية مقدسة !! للسيطرة اليهودية لأكبر قدر ممكن من شرقي القدس لأهداف استيطانية و ديمغرافية وسياسية و إستراتيجية ودينية .
ونجح رعاة المشروع من اليهود في رفع عدد الأماكن التي ادعوا قدسيتها في فلسطين من " 49" مكانا عام 1949م وفق ما دونه الانتداب البريطاني زوراً وبهتاناً، إلى "326" مكانا حتى العام 2000م ، وازداد العدد الآن حسب الدراسة " القدس أولا" ليصل إلى أكثر من 350 موقعا تقريباً .
" فالحوض المقدس " لا يحوي - كما يدعي بعضهم - مواقع للأديان الثلاث ولكن الواقع أنهم أرادوها يهودية توراتية ... !!! ففرضوا أمرا غريبا وواقعا مرا على مباني وقطع أثرية وأحجار متناثرة وقبورا تاريخية على أنها يهودية التاريخ !!وأكد ذلك رئيس الحكومة العبرية " أيهود أولمرت " بقوله : " أنه سيُبقى مستقبلا " الحوض المقدس " كجزء من القدس التي لا يمكن لـ " إسرائيل " التنازل عنـها !!
وينفذ مشروع " الحوض المقدس" تحت شعار "تطوير السياحة في القدس" بالتعاون بين "سلطة تطوير القدس" و"بلدية القدس" ، ووُثق ذلك في الكتاب المصور المنشور مؤخراً والذي يحمل إسماً عبرياً ( كيديم يورشلايم ) ويعني : " القدس أولا " ، وتحوي صفحاته معالم المخطط القادم بالصور والوثائق والرسومات الهندسية المفصلة ، لما ستكون عليه البلدة القديمة والمسجد الأقصى وما جاوره .
جاء في مقدمته : " أنه عصارة دراسات وأفكار ومخططات لمشروع ( كيديم يورشلايم ) وذلك لتغيير وضع الحوض التاريخي في القدس – أي البلدة القديمة وما جاورها - كعمل وطني يشارك به الشعب اليهودي" !!.
تحدث الكتاب عن مشروع مفصل لتطوير القدس وتطوير السياحة في القدس !! ؛ ولضمان نجاح المشروع يدعو لتكالب جهود "الشعب اليهودي" و "بلدية القدس" و"سلطة تطوير القدس" لتسريع عملية تطوير الحوض التاريخي وذلك بهدف خلق الجذب السياحي لعشرة ملايين زائر بالسنة الواحدة ، بتكلفة حوالي 2 مليار شيكل ، ويستمر تنفيذ المشروع لمدة ستة أعوام ".
تستهدف تلك المخططات الخطيرة المسجد الأقصى وتهويد مدينة القدس ، وأظهرت مؤسسات الاحتلال للإعلام العربي والغربي أن مشاريعها في القدس والمسجد الأقصى مشاريع عملية وليست مجرد آمال وتطلعات ، ولتأكيد جدية الأمر أرفقوا مع المخططات الهندسية والرسومات التوضيحية الميزانية المطلوبة لكل مشروع على حده ، وإجمالي الميزانيات التي تم جمعها إلى الآن ، كرسالة ليهود العالم لتتكالب الجهود لتنفيذ تلك المشاريع الخطيرة .
ينص الكتاب على أنه : " مخطط قومي لإعادة "الحوض المقدس" لمكانه اللائق في القدس !! وإعادة فتح هذا الحوض للزوار بعد تطويره ، وذلك لإظهار الحلم اليهودي والقومي لهذا المكان بحيث يخدم السياحة والعبادة في إسرائيل !! وكذلك إظهار أهمية هذا المكان كمكان عبادة أيضاً للمسلمين من داخل البلاد وخارجها !! مع تأمين حرية التجول والعبادة والتعلم والبحث الأثري والتاريخي ، والحفاظ على ميراث الأجداد الموجود في كل بقعة من الحوض المقدس " !!
والغريب في الكتاب أنه يدعو لتشكيل جهاز مشترك يهودي إسلامي نصراني لتشغيل هذا الحوض وأدارته وتأمين حرية الوصول والعبادة والسياحة البحث !!وإبعاد الاختلافات السياسية والقومية عن حق الإدارة لأقسام الحوض المختلفة !! والعمل على إشراك يهود العالم في هذا المشروع تحت إشراف جهاز حكومي يهودي !! لتأمين حرية الوصول والعبادة لكل أفراد وجماعات الشعب اليهودي " !! .
ومن أخطر المواضيع والقرارات المطلوبة في الكتاب : " دمج الشركتين المعترف بها من الدولة : وتقع تحت إمرتيهما السيطرة على ما أسموه "الحوض المقدس" ، وهما "شركة تطوير شرقي القدس" و "شركة تطوير الحي اليهودي" . لتوحيد جهودهما وإدارتيهما بغية تطوير الحوض المقدس ولتسهيل الوصول إليه ، بمسمى جديد "شركة القدس التوراتية" .
وتم تحديد حدود الحوض المقدس (التاريخي) في الكتاب بالآتي : " المنطقة الواقعة بين جبل الزيتون – حي اليهودي و مركز حارة النصارى حتى سلوان حتى باب الساهرة وبالتفصيل الأحواض: مدينة داود ، المقبرة ومنطقة جبل الزيتون وحديقة وادي قدرون ، وادي الملوك ، حديقة وادي جهنم (بركة السلطان وجنوبها) ، ساحة المبكى ، وبناية المحكمة ( المدرسة التنكيزية ) حديقة عوفل وساحة جبل الهيكل ومنطقة المقبرة الإسلامية الوقعة شرقي جبل الهيكل ومنحدر الأسباط ، والحي الإسلامي ، الحي اليهودي ، الحي المسيحي ، منطقة مغارة سليمان ، الطرق الموصلة بين الأحياء وصولاً للحوض المقدس والطريق الموصلة بين باب الخليل وصولاً إلى باب المغاربة وطريق أريحا باب المغاربة ومواقف السيارات في حارة اليهود ، موقف مدينة داود وجبل صهيون (النبي داود) !!.
ومن السخرية أنهم أرادوا أن يهودوا القدس ، وأن نشاركهم في مشروع سلب القدس والعبث بمقابرنا وبرفات أسلافنا من صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وأن نسلم لهم الأمر ونبارك خططهم وممارساتهم من أجل تطوير القدس والبلدة القديمة !!
وأرادوا كذلك أن يهيئوا العالم أجمع إلى أن التغيير قادم لا محالة ، والمشروع قد بدأ ، وأن بناء الهيكل ما هو إلا جزء من مشروع يشمل البلدة القديمة بأكملها ، " فالحوض المقدس " بدء كمصطلح ثم إدعاء مقدسات ثم دراسات لمشاريع ، ثم تطبيق على أرض الواقع بالعديد من المنشآت ، والإزالة لمباني وطرق تاريخية إسلامية ... فاليهود يشعرون في قرارة نفوسهم بعقدة النقص المنبثقة عن قلة أماكنهم المقدسة ، بل انعدامها إذا ما قيست بالأماكن المقدسة لدى المسلمين ، لذلك فهم يتوهمون باطلا تلك الأماكن ، ويدعون أنها مقدسة لليهود بين ليلة وضحاها ، يبتدعونها ، ويدعون أنها مقدسة في كتبهم المحرفة ، وخيالاتهم الواسعة !!
ولم تترك حارة أو زاوية في القدس إلا وتعرضت للعبث والتغيير وتهويد المسميات ، فالتزوير والتزييف طال كل ما هو إسلامي ، ولم تسلم من ذلك حتى مقابر المسلمين ، فإزالة وطمس آثار القرى العربية واستخدام حجارتها في بناء المغتصبات اليهودية مازالت جارية ، فبلدية القدس اليهودية تتجنب البناء بالأسمنت المسلح لكي يخيل للزائر أن هذا السور بني من قبل مئات السنين ولكي يعملوا على إعادة استخدام هذه الآثار في تركيب تاريخ يهودي مزور .
والهدف إيصال رسالة صريحة للزائرين من اليهود وغيرهم من السائحين بأن تاريخ تلك الأرض هو تاريخ اليهود فقط !!... فهي - بتزييفهم وتزويرهم - مدينة داود وسليمان والعرب احتلوها وبنوا مقدساتهم على أنقاض كنسهم ومقابرهم ومنازلهم!!
ولهذا يصر قادة اليهود على إطلاق مصطلح " الحوض المقدس " بدلاً من البلدة القديمة لنوايا ومخططات حقيقية للتخلص من عقدة النقص التي يعاني منها سادة وقادة اليهود بانعدام أماكنهم المقدسة على أرض فلسطين عامة والقدس خاصة ، ولإيجاد تاريخ وثقافة وحضارة لهم في القدس وحولها ، وادعاء ذلك التاريخ للأجيال اليهودية القادمة !!
لذا فإن الحكومات العربية والإسلامية مدعوة اليوم أكثر من أي وقت مضى للعمل ضمن إستراتيجية واضحة ومحددة لحماية المسجد الأقصى ، والقدس بأكملها من العبث اليهودي . ولا بد من تنسيق جهود المؤسسات الدولية والإسلامية لتكثيف نشاطاتها ودعمها للمدينة وسكانها ، وتطوير برامج الدعم . ووسائل الإعلام مطالبة كذلك بالاهتمام الخاص بتغطية أخبار القدس والمسجد الأقصى وإيجاد الآليات اللازمة لذلك، وإبقاء هذه القضية ضمن القضايا الأساسية في مختلف أنواع التغطيات الحوارية والوثائقية والثقافية لحمل عبء قضية الأقصى والاهتمام بها ومعرفة تاريخها وما جاء من أخبار وآثار إسلامية ، ليتحصن المسلم من شبهات وأكاذيب اليهود ، وتوظيف القلم للدفاع عن المسجد لأقصى ورد الشبهات والأساطير .
نسأل الله تعالى أن يرد كيد اليهود ، ويرحم إخواننا في القدس وفلسطين ، ويحفظ المسجد الأقصى وأرض المسرى من دنس اليهود ومن كل ظالم جحود.
.