فلسطين التاريخ / تاريخ

تاريخ اليهود منذ بدايتهم وحتى تشتتهم- الحلقة الثالثة

 

 

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله  صلى الله عليه وسلم

وبعد...

الحلقة الثالثة: من [تاريخ اليهود منذ بدايتهم وحتى تشتتهم]

نقد تكلمنا في الحلقة الثانية عن النشأة، والتكوين لبني يهود وحتى وفاة، موسى عليه السلام، وفي هذه الحلقة سيدور اللقاء حول:

[ما بعد موسى عليه السلام وحتى لقائهم بالرومان]

بعد وفاة موسى عليه السلام، استلم الراية، فتاه يوشع بن نون عليه السلام الذي ورد ذكره في قصة موسى مع الخضر مرتين، في قوله: (وإذا قال موسى لفتاه لا أبرح) وفي قوله: (فلما جاوزا قال لفتاه ..) ، كما جاء في تلميح القرآن أيضًا حيث قال:(فارتدا على آثارهما ..)، وفي أيضًا: (فوجدا جداراً يريد ...).

وقد ورد ذكره في الصحيح عن ابن عباس وعن أبي ابن كعب في كتاب: أحاديث الأنبياء، باب: حديث الخضر مع موسى عليهما السلام. أن فتى موسى عليه السلام و يوشع بن نون.

ويوشع بن نون متفق على نبوته، وذلك لما رواه البخاري ومسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه أنه قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: «غزا نبي من الأنبياء مقال لقومه: لا ينبغي رجل ملك بُضع امرأة وهو يريد أن يبني بها ولم يبق بها، ولا أحد بني بيوتًا ولم يرفع سُقُوفَها، ولا آخر اشترى غنمًا أو خلقات وهو ينتظر ولادها. فغزا، فدنا من القرية صلاة العصر أو قريبًا من ذلك، فقال للشمس: إنك مأمورة وأنا مأمور، اللهم احبسها علينا. فحُبست حتى فتح الله عليهم، فجمع الغنائم، فجاءت – عني النار – لتأكلها فلم تطعمها، فقال: إن فيكم غلولاً، فليُبايعني من كل قبيلة رجل، فلزقت يد رجل بيده، فقال: فيكم الغلول، فليُبايعني قبيلتك، فلزمت يد رجلين أو ثلاثة بيده، فقال: فيكم الغلول، فجاؤوا برأس بقرة من الذهب فوضعوها، فجاءت النار فأكلتها، ثم أحل الله لنا الغنائم، رأى ضعفنا وعجزنا فأجلها لنا».

وجاء في رواية للحاكم في المستدرك، كتاب: قسم الفيء: أن كعب الأحبار قال: النبي يوشع ابن نون، والقرية هي مدينة أريحاء. حيث قال كعب: «صدق الله ورسوله» هكذا والله في كتاب الله – يعني التوراة – ثم قال: يا أبا هريرة، أحدَّثكم النبي صلى الله عليه وسلم أي نبي كان؟ قال: لا. قال كعب: هو يوشع بن نون. قال: فحدَّثكم أي قرية هي؟ قال: لا. قال: هي مدينة إريحاء.

لكن جاء الخبر عن النبي صلى الله عليه وسلم في مسند أحمد عن أب هريرة رضي الله عنه أنه صلى الله عليه وسلم قال: «إن الشمس لم تُحبس على بشر إلا يوشع بن نون ليالي سار إلى بيت المقدس»

ولقد ذكر الحافظ ابن كثير في البداية والنهاية، عند ذكره لحديث أحمد قال: «وفيه دلالة على أن الذي فتح بيت المقدس هو يشوع بن نون عليه السلام، لا موسى عليه السلام، وأن حبس الشمس كان في فتح بيت المقدس لا أريحا كما زعم أهل الكتاب» أ.هـ

ولقد ورد زعم أهل الكتاب الذي ذكره كعب الأحبار في حديث المستدرك المتقدمة، في أن يوشع فتح أريحا، ورد في أسفار العهد القديم، يشوع (1: 6-6).

ومما يؤكد أن يوشع بن نون عليه السلام هو الذي فتح بيت المقدس، ما ذكره ابن كثير في البداية والنهاية حيث قال: «ولما استقرت يد بني إسرائيل على بيت المقدس، استقروا فيه وبين أظهرهم نبي الله يوشع يحكم بينهم بكتاب الله التوراة، حتى قبضه الله إليه، وهو ابن مائة وسبع وعشرين سنة، فكانت مدة حياته بعد موسى سبعًا وعشرين سنة» إ.هـ

والخلاصة:

أن يوشع بن نون عليه السلام تقلد زماما الأمر في بني إسرائيل، وفي وقته كانت الظروف قد تهيأت له في دخول الأرض المباركةن حيث إن ذلك الجيل الذي تربى علي الذل والعبودية في مصر على يد فرعون وهامان وجنودهما، والذي خذل موسى عليه السلام، وامتنع عن الجهاد في سبيل الله لتحرير أرض الله من أيدي الوثنيين؟ قد انقرض وانتهى في فترة التيه التي كتبها الله عليهم عقابًا لهم. وجاء الله بجيل آخر مسلم مجاهد في سبيل الله، قاده النبي الكريم يوشع بن نون لتحرير أرض المقدس.

وقد ورد في سفر التثنية (31: 7-8)، أن موسى عليه السلام عند موته أوصى يوشع بن نون بالصبر والشجاعة في الجهاد حتى يفتح الله على يديه، وورد في سفر يشوع (1: 1-12)، أن يوشع بن نون تلقى الأوامر من الرب لمواصلة الجهاد والدخول في الأرض المقدسة.

والمهم: أن عصر يوشع بن نون عليه السلام عصر الانتصارات لبني إسرائيل، فانطلق عليه السلام ومن معه نحو بالد الشام ودخل الأرض المباركة بفضل من الله تعالى.

هذا برغم ما لحق يوشع بن نون من بني يهود كما لحق أنبياء بين إسرائيل أيضًا، كذب  وافتراء وقدح، لكن الغريب أن هناك بعض الباحثين المسلمين وافق صنيع بني يهود، مع علم المسلمين بمكانة الأنبياء. عند الله تعالى، وأنهم أفضل البشر على الإطلاق، وأن الله اصطفاهم دون البشر ليوحي إليهم، فهم قدوة البشر، وأمرنا الله تعالى: أن لا نفرق بين أحد منهم، وأن نتأسى بهم وطاعتهم واجبة، وحذرنا من مخالفتهم، لأن ما يأمرون به من مشكاة واحدة، قال تعالى: (إن الدين عند الله الإسلام) ، وحكم الله تعالى أن من كذب واحد منهم، فقد كذب الرسل جميعًا، كما ذكر الله تعالى حينما كذبت قوم رسولهم قال عنهم الحق تبارك وتعالى: (كذبت عاد المرسلين) هدى الله الجيمع للحق.

وفاة يوشع بن نون النبي الصالح عليه السلام، عبد الرب كما سموه في أسفارهم:-

فقد جاء في أسفارهم يشوع (24: 29-30): أنه مات يوشع بن نون عبد الرب ابن مائة وعشر سنينن فدفنوه في تخم ملكه في تمنة سارح التي وفس جبل أفرايم. يعني نابلس.

وقد ذكر ابن كثير – كما ذكرنا آنفًا- أنه مات بعد موسى عليه السلام بسبع وعشرين سنة, وهو ابن مائة وسبع وعشرين سنة. ولا مشاحة في التاريخ. فالمهم أن يوشع بن نون مات بعد كل هذه الفتوحات والانتصارات التي توحت بدخوله بيت المقدس، الأرض المباركة بفضل الله تعالى.

اليهود في فلسطين:

يجب أن يعلم المسلمين والمؤمنين بالله ربًا وبالإسلام دينا وبمحمد نبيًا ورسولاًن أن التمكين والاستخلاف في الأرض لم ولن يكون إلا لعباد الله في الأرض، لأنه بمثابة التكريم والتفضيل لهم من الله تعالى، فقد قال الله تعالى: (ولقد كتبنا في الزبور من بعد الذكر أن الأرض يرثها عبادي الصالحون) وقال تعالى: (وعد الله الذين آمنوا منكم وعملوا الصالحات ليستخلفنهم في الأرض).

فأساس التمكين والتكريم والتفضيل عند الله هو الإيمان والعمل الصالح، قال تعالى: (يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم..)  

وعلى هذا فقد مكن الله تعلى لبني إسرائيل في الأرض المباركة، وهذا التمكين لم يكن لأنهم أبناء إسرائيل عليه السلام (يعقوب نبي الله الكريم)، كما يزعمون، فالله سبحانه وتعالى لا يتفضل على أحد من أجل حسبه ونسبه أو شكله أو لونه، إنما تفضل الله عليهم ومكن لهم لأنهم كان أصح الناس في زمانهم، وكانوا أهل توحيد وعبادة لله تعالى وسط أقوام وقبائل من المشركين الكافرين، ولقد حققوا الهداية المطلوبة منهم كما حكى الحق  تبارك وتعالى في وصاياه جل شأنه لهم في قوله: (وآتينا موسى الكتاب وجعلناه هدى لبني إسرائيل).

فمن سنة الله تعالى في الأرض أن ينصر المؤمنين الصادقين – حال كونهم كذلك- على أعدائهم الكافرين. فإن رأيت أهل الإيمان ممكنًا لهم في أرض الله، فاعلم أن هذا بسبب إيمانهم وتقواهم لله رب العالمين، وإن رأيتهم غير ذلك؟ فاعلم أن هذا بسبب بُعدهم عن صراط الله المستقيم، قال تعالى حاكيًا على لسان موسى أنه قد قرر هذه القاعدة من قبل حيث قال:(قال موسى لقومه استعينوا بالله واصبروا إن الأرض لله يورثها من يشاء من عباده والعاقبة للمتقين).

فأصبح بنو إسرائيل مؤهلين للإقامة في الأرض المباركة، لأنهم إلى ذلك الوقت مازالوا في طاعة الله تعالى. وعلى ما قرره المولى تعالى في سننه الكونية أنه ما من دعوة إلا وترتفع وترتفع حتى تصل إلى ذروتها ثم يستقيم الحال معها على خط واحد  ثم يبدأ في الغمور فينزل المنحنى لتلك الدعوة إلى أسفل حتى يرجع الحال إلى بدايته من كفر وشرك وما شاكل، فبعث الله رسولاً جديدًا وكذلك ينبئ لنبي آخر، وهكذا سنة الله تعالى في الأرض.

وعلى هذا فقد بدأ بنو يهود بعض التجاوزات والسقطات حتى سرى فيهم الكفر والشرك والبعد عن صراط الله المستقيم من قتل وتكذيب الأنبياء، وفعل المعاصي صغيرة وكبيرة.

فكتب الله عليهم الطرد عن الأرض المباركة، ونكل بهم أعداؤهم من المؤمنين، وحصل لهم السبي والمهانة والمذلة – أكثر أو مشابه لما كانوا عليه في مصر على يد الفراعنة- وهذا ما يُسمى في التاريخ بالعهد البابلي لليهود.

تاريخ بني إسرائيل من بعد يوشع بن نون عليه السالم إلى العهد البابلي:

فقد مر تاريخ اليهود في هذه الفترة التى كانت من (1153ق.م) وهو تاريخ وفاة يوشع بن نون عليه السلام، إلى (586ق.م) وهو العام الذي سقطت فيه مملكة يهوذا على يد البابلين. وقيل من (1125ق.م) إلى (586ق.م)، وقيل من (1130ق.م) إلى (538ق.م)، الخالصة أن تاريخ من بعد نبي الله تعالى يوشع بن نون عليه السلام إلى العهد البابلي، قد مر بمراحل ثلاث استمرت هذه المراحل في بعض الآراء قرابة القرنين، أو على حسب نصوص سفر القضاة من العهد القديم استمرت قرابة، أربعة قرون، وقيل استمرت حوالي قرن كامل بين 1125 و 1025 ق.م.

 

وهذه المراحل هي:

المرحلة الأولى: عهد القضاة.

المرحلة الثانية: عهد الملوك الأول.

المرحلة الثالثة: عهد التدهور والانقسام. والذي أدى إلى زوال ملك بني إسرائيل من فلسطين، ويسمى عهد الملك الثاني.

ما هي هذه المراحل الثلاثة؟ ولماذا سميت بهذه  الأسماء؟ ومن هم القضاة الذي سميت المرحلة الأولى بهم؟ ومن هم ملوك العهد الأول والثاني؟ وما الفرق بين العهدين؟ ولماذا كان التدهور والانقسام في العهد الثاني؟ ولماذا لم يكن في الأول؟

كل هذه الأسئلة سنجيب عليها في الحلقة القادمة إن شاء الله تعالى.

سبحانك اللهم وبحمدك نشهد أن لا إله إلا أنت نستغفرك ونتوب إليك.

وصلى الله وسلم وبارك على محمد وآله وصحبه وسلم

 

كتبه

خادم العلم وأهله

د./ أحمد منصور سبالك

 

 

.