فلسطين التاريخ / الواقع والمأمول
النكبة ... وستون عاماً من المعاناة والمؤامرات...
النكبة ... وستون عاماً من المعاناة والمؤامرات...
فأين الطريق ؟!!
قبل ستين عاما ًأعلنت القوات البريطانية إنهاء انتدابها على فلسطين وانسحابها منها في مساء 14 مايو 1948م، وبعدها بسويعات أعلن المجلس الوطني اليهودي في 15 مايو 1948م "قيام دولة إسرائيل"!! وبعدها بدأت الحرب بين العصابات الصهيونية من جهة وبين الفلسطينيين والجيوش العربية من جهة أُخرى، والتي لم تكن مستعدة لهذه الحرب، مما سبب هزيمتها لذا سُميت بنكبة فلسطين.
ستون عاماً مضت نجح خلالها جيش الاحتلال اليهودي في سيطرته على ما تبقى من أرض فلسطين ، وهزيمة الدول العربية المشاركة في الحرب1967م ، فخلال بضعة أيام سقطت الضفة الغربية بما فيها شرقي القدس، وقطاع غزة، واحتلت الجولان السورية وسيناء المصرية، وأعلن عن توحيد شطري القدس تحت الإدارة اليهودية، أطلق العرب مصطلح النكسة على تلك الحرب!!
ستون عاما ونحن نقرأ ما جاء في ما يسمى وثيقة الاستقلال ، التي كانت بمثابة إعلان قيام دولة "إسرائيل" على أرض فلسطين في 15/5/1948م : " إننا نمد يد السلام وحسن الجوار لجميع البلدان المجاورة وشعوبها وندعوهم إلى التعاون مع الشعب اليهودي المستقل في بلاده , وإن دولة إسرائيل مستعدة لأن تساهم بنصيبها في مجهود مشترك لرقي الشرق الأوسط بأسره"!! ولا نرى إلا الحروب والدمار وقتل الشيوخ والنساء والأطفال !!
ستون عاماً ومسيرة الخداع والخديعة تجرى بإتقان لسلب أرض فلسطين، وتوطين شتات اليهود على ترابها المبارك... وتحالف عالمي لقطع جميع التحويلات حتى ولو كانت لمسح دمعة أرملة وكسوة يتيم وإغاثة لمسكين لا يجد كسرة خبز !!
ثم حصار جائر ، حرم مليون ونصف من السكان من مقومات الحياة الأساسية !!
ستون عاماً والمخيمات الفلسطينية سواء في داخل فلسطين أم خارجها تعيش حال البؤس والجوع؛ أوضاع مأساوية تفتقر إلى الاحتياجات الإنسانية القصوى، أزقة وحواري ضيقة، وبيوت متلاصقة مثلما تتلاصق زنازين السجون، وكأنها زرائب بشرية، ومجاري تسيل في الزقاق، تلوث وأمراض، حياة لا تصلح للكائن البشري المسمى "إنسان"!!
ستون عاماً من الاحتلال... فُرض في سنواتها الأخيرة على أهل فلسطين جدار عازل يعد أكبر سجن مساحة في التاريخ المعاصر، ويضم أكبر عدد من المساجين، وأسواره أطول بثلاثة أضعاف من جدار برلين وأعلى منه بمرتين، ضم أجزاء كبيرة من الأراضي الفلسطينية بدون سكانها إلى الكيان اليهودي بشكل نهائي، وضم الكثير من المستعمرات القريبة أصلا من "الخط الأخضر" إلى "الكيان الصهيوني"، بدلا من تفكيكها وإنهاء وجودها، ورسم الحدود على الأرض، وفرض واقعاً سياسياً جديداً، لمنع إقامة أي كيان سيادي فلسطيني على أي جزء من أرض فلسطين!!
ستون عاماً ونحن نسمع القرارات الدولية التي ما زالت تفتقر إلى الجدية والآلية اللازمة لإرغام الكيان الصهيوني على احترام القرارات الدولية، والتي لم ينفذ منها الكيان اليهودي شيئاً ، متجاوزاً الأعراف والمواثيق الدولية في تأسيسه وقيامه ، وفي ممارساته وتشريعاته ، وفي حقوقه وواجباته !!
ستون عاماً والقدس بشقها الغربي ثم الشرقي ترزح تحت الاحتلال الذي عاث فساداً.. تهويداً وإغلاقاً للمؤسسات المدنية والمراكز العربية...اعتداءات وضرائب وسحب هويات وتقطيع أوصال... وأطواق من الأحياء اليهودية ... وتزوير طال كل ما هو إسلامي وعربي في بيت المقدس... بعد أن أطلقوا العنان للتجار اليهود لممارسة أبشع أشكال التجارة والسرقة غير المشروعة للمعالم الأثرية فلم تبق خربة إلا وعاث فيها اللصوص خراباً وتدميراً.
ستون عاماً وهم يوهمون الشعوب في عالمنا العربي والإسلامي أن تحقيق السلام هو رغبتهم المخلصة، وعلى الفلسطينيين ومن حولهم قبوله والرّضَا به لتتحقق لهم المنافع المادية التي ستعود عليهم من جراء استتباب الأمن لليهود على أرض فلسطين !!، وواقع حالهم يقول: "يجب أن نتغنى بالسلام ، ونفعل فعل الحرب" !!. فلا نرى إلا الكذب اليهودي مستمراً على الأمم والشعوب ، فقد رفضوا كل خطة طرحت لتحقيق السلام المزعوم على أرض فلسطين!!
ستون عاماً والكيان اليهودي له خصوصية قد انفرد بها عن العالم وخرج بها عن المألوف في الممارسات والإجراءات!! فهو الكيان الوحيد في العالم الذي اعترف به كعضو في الأمم المتحدة بشروط لم تتحقق إلى الآن !! ولم ينفذ أي منها !! والكيان الوحيد في العالم الذي ليس له حدود جغرافية دولية محددة مع من حوله من الدول ، فلا يوجد له إلى الآن حدود .
ستون عاماً وأبوابه مشرعة لاستقبال اللاجئين من الجنس اليهودي ، على حساب طرد أهل فلسطين وسكانها ، وتوطين الغرباء من غير أهلها باعتبارها دولة للأفراد اليهود في جميع أنحاء العالم .
ستون عاماً وهو الكيان الوحيد الذي يبارك فيه قتل الأطفال والشيوخ والنساء العزل من المدنيين ؛ ويبرر له كل الممارسات الإجرامية ؛ وقادته في معزل ومأمن من العقاب على كل ممارساتهم ومذابحهم الجماعية .
ستون عاماً والمقدسات الإسلامية تحول إلى زرائب للحيوانات ، وأوكار للخنا والفجور ، فقد تم تدنيس أكثر من 200 مسجد في المناطق التي احتلت في عام 1948م ، وحولت إلى بارات وملاه ومساكن ومطاعم ومراقص وصور فيها أفلام خليعة !! والعالم متفرج بلا حراك!!
ستون عاماً من الاحتلال اعتقل خلالها700 ألف من الفلسطينيين ، أي بمعدل واحد من كل أربعة فلسطينيين داخل فلسطين . وهذه النسبة تعني أن 42 ٪ من الرجال في فلسطين قد دخلوا السجون أي تقريباً واحد من كل اثنين .
ستون عاماً من تطبيق نظام الفصل العنصري ، حيث يسمح للفلسطيني باستخدام ما لا يزيد عن 50 متر مكعب من المياه سنوياً، بينما يسمح لليهودي المحتل باستخدام 2400 متر مكعب من المياه سنوياً من مياه الضفة الغربية، أي 42 ضعف الفلسطيني .
ستون عاماً من الاحتلال بلغت بسببه نسبة الفقر في الأراضي الفلسطينية جراء الإغلاق والحصار 75٪ حسب نتائج مسح في العام 2007 . ودخل الفرد اليهودي في الكيان العبري يصل إلى 30 ضعف دخل الفرد الفلسطيني ، ومع ذلك يجبر الفلسطينيون على شراء لبضائع بسعر السوق للكيان المحتل .
ستون عاماً وما زالت قضية فلسطين أكثر قضية صدر بها قرارات دولية ، وأكثر قضية حضوراً في وسائل الإعلام ونشرات الأخبار ، وأكثر قضية جعل على هامشها جلسات حوارية ومؤتمرات ومنتديات ومظاهرات وتنديدات وتهديدات ، واكبر قضية زيفت بها الحقائق وأثيرت حولها الشكوك والشائعات والأكاذيب !!
ستون عاماً والحقائق غائبة ، والأكاذيب رائجة ، والمبررات جاهزة ، وأنهار الدماء تنزف ، والأرض تسلب ، والأشجار تقلع ، والبيوت تهدم ، والحصار قاتل ، والمعاناة مستمرة ... وآلامنا أضحت مادة للسخرية من إخوان القردة والخنازير ، ومعاناتنا تصدر فيها الفتاوى الحاخامية التي تدعو لاستمرارها، فلم يكتفي اليهود بفرض الاعتقالات والاغتيالات والواقع المؤلم على أهل فلسطين ، بل أجبروهم على سماع الشماتة والسخرية في معاناتهم وآلامهم .
ستون عاماً وأمتنا مضيعة لطريق خلاصها وتحرير أرضها المسلوبة في فلسطين أرض المسلمين ... فالطريق إلى فلسطين طريق واحد لا بديل عنه ، هو الإيمان والتقوى والعمل الصالح ، وما ضاع المسجد الأقصى إلا لأننا فرطنا في إيماننا ، وضيعنا معالمه وأوامره ، ولا يرجع المسجد الأقصى إلا أن نرجع لتدارك ما فرطنا ، فنعود إلى رب العالمين ، بإتباع كتابه وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم على منهج السلف الصالح .
موعود النصر:
لقد وعد الله تعالى المؤمنين بأن ينصرهم على عدوه وعدوهم وإن طال الزمان بنظر المؤمنين أو قصر ، وربط الرسول صلى الله عليه وسلم الأرض المقدسة بأصلها الأصيل وهو الإسلام ، فهو مستقبلها وبه حياتها ، ولن يتم لها أمر ، أو يعلو لها شأن إلا من خلال هذا الدين وأهله المصلين الموحدين المؤدين فرائضه ، والمجتنبين معاصيه ، فالنصر موعود الله سبحانه وتعالى للجباه الساجدة ، والقلوب الموحدة ، والأيدي المتوضئة ، قال تعالى ) وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آَمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا وَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ (55) ([النور).
فالعودة إلى الإسلام هو الطريق لإنقاذ فلسطين والمسجد الأقصى السليب، وبتمسكنا بالإسلام ترجع إلينا إن شاء الله مقدساتنا التي اغتصبت في بيت المقدس ، وديارنا السليبة في جميع أنحاء الأرض ويتحقق لنا شرط التمكين والنصر قال تعالى ) الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآَتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ (41)) (الحج).
كلمات نفيسة:
وأختم بكلمات لفضيلة الشيخ بن العثيمين- رحمه الله تعالى - في تبيان الطريق إلى النصر والتمكين : " أيها المسلمون إن نصر الله عز وجل لا يكون إلا بالإخلاص له، والتمسك بدينه ظاهراً وباطناً، والاستعانة بالله وإعداد القدرة المعنوية والحسية بكل ما نستطيع ثم القتال لتكون كلمة الله هي العليا، وتطهر بيوته من رجس أعدائه، أما أن نحاول طرد أعدائنا من ديارنا، ثم نسكنهم قلوبنا بالميل إلى منحرف أفكارهم، والتلطخ بسافل أخلاقهم، فالنصر مشروط بما شرطه الله عز وجل، استمعوا إلى قول الله تعالى ) وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ (40) الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآَتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ (41) ([الحج).
الحمد لله رب العالمين ،،،