فلسطين التاريخ / تقارير
هدم المسجد الأقصى..بين الاستغلال والانشغال
صالح محمود الشناط*
تتعرض مدينة القدس والمسجد الأقصى إلى عملية تهويد منهجية في ظلّ صمت كامل من المجتمع الدولي، ويقوم الاحتلال الإسرائيلي بهدم المنازل، وتشريد سكان القدس، من نساء وأطفال ورجال، دون أيّ اعتبار لكلّ المواثيق والقوانين الدولية، كما يقوم بتوسيع المستوطنات في القدس، وجلب المزيد من المستوطنين؛ لإضفاء صبغة يهودية كاملة على المدينة.
لقد بات المسجد الأقصى في خطر داهم، أكثر من أيّ وقت مضى، ذلك أنه يشهد عمليات اقتحام وتهويد متزايدة متسارعة، في وقت ينشغل فيه العالم العربي والإسلامي في مشاكل الداخلية، وربيع بعض بلدانه.
تهويد متسارع
إن الاقتحامات اليومية التي يقوم بها المستوطنون اليهود، والمسؤولون الإسرائيليون، والضباط والجنود، بحجج وذرائع واهية، ما هي إلا استكمال للسيطرة على المسجد الأقصى المبارك، وفتحه بشكل دائم أمام اليهود والمستوطنين؛ لتأدية صلواتهم وطقوسهم التلمودية.
وضمن مسلسل التهويد والتسريع في مخطط بناء ما يسمى الهيكل تنشط بلدية الاحتلال بأعمال الحفر أسفل المسجد الأقصى مما أدى إلى حدوث انهيارات خطيرة في أماكن مختلفة.
وقد تعدى عدد من اقتحموا المسجد في العام 2012 الإثني عشر ألفاً على مئات المرات المتتالية، وفقاً لإحصائية صادرة عن "مؤسسة الأقصى للوقف والتراث"، وهو رقم مرشح للزيادة خلال العام الحالي.
ومع تزايد تصريحات القيادة الإسرائيلية بتشجيع جميع اليهود من جميع الفئات؛ والأجيال لاقتحام الأقصى؛ والتوجه له بشكل يومي، يأتي ذلك في التأكيد على حق اليهود بما يسمى "جبل الهيكل" وتقسيم زماني ومكاني لساحات الحرم أسوة بما حصل بالحرم الإبراهيمي بالخليل، والمضي قدماً في تحقيق الهدف ببناء الهيكل المزعوم على أنقاض المسجد الأقصى.
لقد أتمّ الاحتلال حتى الآن بناء مئة كنيس يهودي في محيط المسجد الأقصى. وضمن مشاريع التهويد الأخيرة يقول رئيس مركز القدس الدولي حسن خاطر أنه يجري حالياً، طرح ثلاثة مشاريع قوانين أمام البرلمان الإسرائيلي "الكنيست" تستهدف إتباع المسجد الأقصى لوزارة الأديان الإسرائيلية، واقتطاع 70% من مساحته الإجمالية (المقدرة بنحو 144 ألف متر مربع) وتحويلها إلى ساحات عامة. ويأتي ضمن هذا المشروع أن الاحتلال قام ببناء منصة في ساحة البراق.
إن المتطرفين اليهود المتدينين كانوا يؤدون صلاتهم في ساحة البراق وقوفاً وكانوا ضمن طقوسهم يدخلون إلى الساحة طاولة وكراسي ويستخدمون البوق، وقد منعتهم اتفاقية دولية رسمية عام 1930 في عهد الانجليز من إدخال أو استخدام أي شيء داخل ساحة البراق، وهم يحاولون الآن من خلال بناء المنصة في ساحة البراق تثبيت حق لهم في الساحة وكأنهم يملكونها، كما أنهم يحاولون هدم باب المغاربة لتوسعة ساحة البراق لتمكين أكبر عدد من المتطرفين اليهود من الصلاة فيها، بحسب ما أفادت به لجنة إعمار الأقصى الأردنية.
تخفيف الصدمة
ثم إن السلطات الإسرائيلية لا تتحرج من إخفاء ما تقوم به من تهويد تجاه المسجد الأقصى، وتعلم جيدا أن مؤسسات ووسائل إعلام في الداخل الفلسطيني تنقل ما يجري فيه. والهدف من ذلك، أن يعتاد المسلمون على رؤية هذا الحال في الأقصى، حتى تكون "الصدمة" أخف وقعاً، لمّا يسمعوا بخبر هدم الأقصى، ذلك أن هذه الكلمة تطرق أسماعهم منذ عدة سنوات، فكأنها أصبحت مألوفة!
ثم إن الاحتلال يهدف إلى قياس ردة الفعل لدى المسلمين، مع الإشارة إلى أنه يخشى ردة الفعل، لما يحتل المسجد الأقصى من مكانة في قلوب المسلمين، فهو يقيس ردة الفعل، مع زيادة عمليات التهويد شيئاً فشيئاً، ونرى أن العام الماضي شهد أكبر أرقام تهويد واقتحامات للأقصى.
الفرصة سانحة
إن "إسرائيل" من خلال ما تقوم به من تهويد توصل رسالة إلى العالم اجمع أن القدس جزء لا يتجزأ من سيادتها، وأنها عاصمة داود وسليمان، وعاصمة الشعب اليهودي، وهي تريد عبر الاقتحامات المتوالية أن تثبت الدعاية اليهودية التاريخية، التي تزعم أن الهيكل موجود أسفل المسجد الأقصى.
ولعل الأيام الحالية هي الأنسب للقيام بهدم الأقصى، الذي سيسقط بمجرد هبوب عاصفة قوية، أو تحليق طائرة منخفضة من فوقه، ذلك أن العالم العربي والإسلامي منشغل بمشاكله الداخلية في كلّ من مصر وسورية وتونس والعراق، وغيرها.
أضف إلى ذلك استغلال واستثمار استئناف المفاوضات مع السلطة الوطنية الفلسطينية، وتضييق الحصار على غزة..
إذاً نحن أمام استغلال انشغال العالم العربي والإسلامي بمشاكله الداخلية، لتهويد متسارع متكامل لمدينة القدس، وهدم للمسجد الأقصى المبارك.
*باحث فلسطيني – بيروت
Salehzay@yahoo.com