فلسطين التاريخ / تهويد وتزوير وإجرام

أطفال فلسطين في دائرة الاستهداف الصهيوني .. لماذا؟


أطفال فلسطين في دائرة الاستهداف الصهيوني .. لماذا؟


     بقلم: أحمد فايق دلول

في عدوان الإسرائيلي على قطاع غزة سنة 2014م؛ استشهد نحو 533 طفلًا من أصل 1085 شهيداً، في حين حُرج نحو 1560 طفلاً من أصل نحو 6470 جريحاً. أما في عدوان سنة 2012م؛ فقد استشهد 40 طفلاً، وفي عدوان 2008-2009م؛ استشهد 412 طفلاً من أصل 1417 شهيداً. وتشير الإحصاءات الصادرة عن (الحركة العالمية للدفاع عن الأطفال - فرع فلسطين) إلى أنَّ 1572 طفلاً من قطاع غزة قد استشهدوا في السنوات 2000 – 2017م، من أصل 2018 طفلاً قد استشهدوا في نفس الفترة في محافظات الضفة الغربية وقطاع غزة، وهو ما يعني أنَّ 77.9 % من الشهداء الأطفال هم من قطاع غزة.

ومن هنا؛ ليس بخافٍ على أحد كيف أنَّ أطفال قطاع غزة ضحية الإجرام الإسرائيلي على مدار الساعة، وبالتالي فإنَّ استعراض الحقائق السابقة يضعنا أمام تساؤلات مهمة: لماذا تستهدف إسرائيل الأطفال بعمر البراءة رغم أنَّهم لا يشكِّلون أدنى خطر عليها؟! ولماذا الأطفال على وجه الخصوص؟ ولماذا أطفال غزة دون غيرها من المدن الفلسطينية الأخرى؟

في معرض الإجابة عن هذا التساؤل، يمكن القول؛ تنظر إسرائيل إلى صراعها مع الفلسطينيين على أنَّه صراع وجود وليس صراع حدود، بمعنى أنَّ الصراع بين الطرفين سينعكس سلباً أو إيجاباً على وجود أحدهما أو كليهما، بل يهدد وجود أحدها، ولعل هذا أحد أهم أسباب رفض إقامة الدولة الفلسطينية وفق مبدأ الحل ثنائي الدولتين، أو الحل وفق مبدأ الدولة الواحدة ثنائية القومية، لأنَّ كلا الحلين سيكونان في صالح الفلسطينيين فيما يتعلق بمعركة الوجود.

يعيش قطاع غزة حالةً غير مسبوقة وليس لها مثيل على وجه الأرض من حيث الكثافة السكانية، حيث أنَّ مساحة 360 كيلو متر مربع تحتضن أكثر من 2.1 مليون نسمة، بما يزيد عن 5600 نسمة لكل كيلومتر مربع واحد، وهو ما يجعل قطاع غزة قنبلة ديمغرافية موقوتة وقابلة للانفجار في أي وقتٍ، والانفجار بالطبع سيكون نحو الجهة الشرقية لقطاع غزة بطول 46 كيلومتر، أي؛ نحو الأراضي الفلسطينية المحتلة عام 1948م.

ومصطلح القنبلة الديمغرافية يعني "التهديد الديموغرافي"، وهو مصطلح يستعمل في السياسة للدلالة على نمو كبير في عدد سكان أقليةٍ ما قد يغير من الهوية الإثنية لهذا البلد، والأقلية لا تتعلق بالضرورة بالعدد، بل على الأغلب تتعلق بعملية صناعة القرار والحكم في البلد ذاته.

القنبلة الديمغرافية الموقوتة لم تكن حديث قادة الفكر الاستراتيجي الإسرائيليين فحسب، بل بعض القيادات العربية أدركت هذا الأمر وتحدَّثت عنه في أكثر من موضع، حتى ياسر عرفات نفسه تحدَّث عنه خلال الانتفاضة الأولى، حيث اعتبر أنَّ الرحم الفلسطيني هو السلاح الأقوى، وكذلك الحال بالنسبة للرئيس الليبي الأسبق معمر القذافي الذي ما انفك عن الحديث عن أهمية العاملة البشرية الفلسطيني في عملية التحرير.

لكن؛ إذا تحدثنا عن حالة قطاع غزة من حيث التهديد الديمغرافي الموجَّه نحو إسرائيل؛ لا نتحدث عن زيادةٍ سكانيةٍ عدديةٍ فحسب، بل نتحدث عن زيادة سكانية نوعية أيضاً، حيث يتسم المجتمع الفلسطيني بالفتوة والشباب على العكس من مجتمعات كثيرة تتسم بالهِرم والشيخوخة. ولو نظرنا للتركيبة السكانية؛ بالطبع سندرك ما يميز المجتمع الفلسطيني عن غيره من المجتمعات الأخرى.

يقدِّر المركزي للإحصاء الفلسطيني عدد الأطفال أقل من 18 سنة في فلسطين لعام 2015 بحوالي 2,165,288 طفلاً، منهم 1,105,663 ذكراً و1,059,625 أنثى، وبلغ عدد الأطفال الذكور في الضفة الغربية 641,557 ذكراً وبلغ عدد الإناث 615,493 أنثى، في حين بلغ عدد الذكور في قطاع غزة 464,106 في حين بلغ عدد الإناث 444,132 .

هذه الزيادة الكبيرة في أعداد الأطفال في قطاع غزة تشكِّل مصدر إزعاج كبير بالنسبة لإسرائيل، لأنَّ الأخيرة تدرك أهمية العامل البشري بجانب العوامل العسكرية ومصادر القوة في عملية التحرير واستعادة الأوطان، فأطفال اليوم هم بالتأكيد عناصر في جيش تحرير فلسطين؛ في ضوء عمليات الهجرة العكسية من إسرائيل إلى أوروبا.

أثناء العدوانين الإسرائيليين السابقين على قطاع غزة؛ زار قطاع غزة مولود جديد كل 10 دقائق، ووُلد في القطاع خلال عدوان 2012 نحو 1197 مولودا كما أظهرت إحصائية صادرة عن وزارة الداخلية في غزة يوم 11 ديسمبر 2012. بينما شهد قطاع غزة ولادة 5300 طفلاً جديداً خلال أيام العدوان السابقة على غزة 2014م، وذلك حسب إعلان صادر عن وزارة الداخلية بغزة يوم 2 ديسمبر 2014م.

شهدت الأراضي الفلسطينية طوال القرن الماضي (1920 – 2000م) ارتفاع نسبة التعليم وانخفاض مستويات المعيشة، وفي هذه الحالة حسب النظريات الاجتماعية يجب أن تنخفض نسبة النمو السكاني، لكن الفلسطينيين شكَّلوا استثناءً وكسروا القاعدة، فشهدت الأراضي الفلسطينية تزايداً في الخصوبة والنمو السكاني. وبلغت نسبة النمو السكاني في الأراضي الفلسطينية في حدود 3.8 نسمة لكل 100. وتتزايد معدلات النمو السكاني في الأراضي الفلسطينية خلال المواجهات والانتفاضات، وهذا ما بدا واضحاً في الانتفاضة الأولى 1987 والانتفاضة الثانية 2000م.

أما الإسرائيليون فهم الآخرين يعيشون حالة النمو السكاني الكبير مقارنة بأوضاعهم في ظل حياة العزلة والغيتو قبل تأسيس الحركة الصهيونية، وبعض العائلات الحريدية الآن تصل إلى 12 شخصاً أو أكثر، وتشجع إسرائيل المواطنين اليهود على النمو السكاني. وبلغ متوسط نسبة النمو السكاني في إسرائيل خلال العقود ال6 الماضية في حدود 3، وهي نسبة قريبة نوعاً ما من النمو السكاني الفلسطيني.

ولعله من المهم الإشارة إلى أنَّ عدد الفلسطينيين في فلسطين الانتدابية بلغ حوالي 6.22 مليون نهاية عام 2015، في حين بلغ عدد اليهود 6.22 مليون. ومن المتوقع (حسب تقارير الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني، ديسمبر 2015م ) أن يصبح عدد السكان اليهود عام 2020 أقل من عدد الفلسطينيين وسيسجل اليهود نسبة 49.4% من السكان بينما سيشكل الفلسطينيين نحو 50.6% من سكان فلسطين التاريخية.

إذا كان هكذا الحال بالنسبة للأطفال الفلسطينيين، فهذا يكشف عن أهميتهم في معركة التحرير القادمة، وهذا يعني بالضرورة أنَّ ثمَّة واجب على الأمتين العربية والإسلامية تجاه أطفال فلسطين، ولعل أقل واجب يكمن في تكوين حاضنات اجتماعية تقوم على رعاية الأطفال من الجوانب الاجتماعية والنفسية والثقافية، على أن يتضمن ذلك رسم الخطوط العريضة لمستقبلهم، من خلال إنشاء مخيمات تتعلق بتنمية البنية الجسمية والمعرفية لهم، ومساعدتهم في حفظ القرآن الكريم كما الحال بالنسبة لمخيمات تاج الوقار المعنية بتحفيظ القرآن خلال الإجازات الصيفية من كل عام.

.