فلسطين التاريخ / تهويد وتزوير وإجرام

عقد الشخصية اليهودية كما يكشفها الجدار العازل !

عقد الشخصية اليهودية كما يكشفها الجدار العازل!

 

 

 

الكاتب: د.خالد سليمان

المقال الحاصل على المركز الأول في مسابقة أفضل مقال في القضية الفلسطينية

 

تمثل أفعال البشر، سواء بصفتهم الفردية أو الجماعية المؤسسية، مؤشرات يمكن أن تعكس إلى هذه الدرجة أو تلك من الوضوح جوهر شخصياتهم وما تنطوي عليه دواخلهم من طبائع واتجاهات وانحرافات وعقد. وقد عمل القرآن الكريم، المنزل من لدن الخالق الحكيم الخبير الأعلم بخلقه، على فضح حقيقة الشخصية اليهودية وما يعتمل في أعماقها من صور الاعتلال والخبث والتفسخ. وفي هذا المقال، إبراز لبعض أعمق الاختلالات والعقد النفسية في الشخصية اليهودية، التي يمكن استشفافها بالتأمل في عملية إقدام كيان الاحتلال الصهيوني على بناء ما يُعرف بالجدار العازل. تلك العقد المستعصية التي أماط القرآن الكريم اللثام عن بعضها في الآية الكريمة المعجزة القائلة: "لَا يُقَاتِلُونَكُمْ جَمِيعًا إِلَّا فِي قُرًى مُحَصَّنَةٍ أَوْ مِنْ وَرَاءِ جُدُرٍ ۚ بَأْسُهُمْ بَيْنَهُمْ شَدِيدٌ ۚ تَحْسَبُهُمْ جَمِيعًا وَقُلُوبُهُمْ شَتَّىٰ ۚ ذَٰلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَا يَعْقِلُونَ" سورة الحشر: 14، والتي يمكن اختزالها فيما يلي من سمات شائهة:

الجبن:

يبدو أن الجبن يجسد سمة قديمة متأصلة في الشخصية اليهودية، إلا من رحم ربي، منذ أيام سيدنا موسى عليه السلام، وذلك حسب ما يظهر من إحجام أتباعه عن الجهاد معه فرَقاً من مواجهة أعدائهم، كما جاء في الذكر الحكيم: "قَالُوا يَا مُوسَىٰ إِنَّ فِيهَا قَوْمًا جَبَّارِينَ وَإِنَّا لَنْ نَدْخُلَهَا حَتَّىٰ يَخْرُجُوا مِنْهَا فَإِنْ يَخْرُجُوا مِنْهَا فَإِنَّا دَاخِلُونَ. َ قَالَ رَجُلَانِ مِنَ الَّذِينَ يَخَافُونَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمَا ادْخُلُوا عَلَيْهِمُ الْبَابَ فَإِذَا دَخَلْتُمُوهُ فَإِنَّكُمْ غَالِبُونَ وَعَلَى اللَّهِ فَتَوَكَّلُوا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ. قالُوا يَا مُوسَى إِنَّا لَنْ نَدْخُلَهَا أَبَدًا مَا دَامُوا فِيهَا فَاذْهَبْ أَنْتَ وَرَبُّكَ فَقَاتِلا إِنَّا هَا هُنَا قَاعِدُونَ" سورة المائدة: 22-24. ويبدو أن تلك الصفة الذميمة قد غدت جيناً متجذراً ينتقل بصورة وراثية بين إخوة القردة والخنازير جيلاً بعد جيل، إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها، والجدار العازل شاهد حاضر على ذلك. فالجبان  الحريص حرصاُ مَرضياً على الحياة والمسكون بهواجس الخوف والفزع هو وحده الذي يمكن أن يلجأ إلى تطويق نفسه وحدود مدنه المصطنعة بجدار مانع شاهق مزنّر بالجنود المذعورين وكاميرات المراقبة، على أمل أن يعصمه ذلك من المهالك ويمنحه شيئاً من الإحساس بالأمن. غير أنه مجرد أمل وهمي زائف، لأن اللص اليهودي الذي اغتصب بالقوة أرضاً ليست من حقه يدرك في قرارة نفسه أنه مجرد لص معتد دخيل، ويعي أنه لن يهنأ يوماً أو يطيب له عيش للتنعم بما سرقه. فدعوات المظلومين الذين أبادهم أو شردهم هم وأولادهم وأحفادهم للتمكن من إنجاز جريمته النكراء ستظل لعنة تطارده وتبعث في نفسه الرعب والتشاؤم بسوء المنقلب، ولو بعد حين!

الإحساس بالضعف وتردي درجة الثقة بالنفس:

من خصائص الشخصية اليهودية التي يفصح عنها بناء الجدار العازل استشعار الضعف والهشاشة وانحطاط مستوى الثقة بالذات. فالقوي المتمكن الواثق من نفسه ومن أن الحق إلى جانبه يمشي مطمئن الخطى مرفوع الهامة باعتداد، وقد لا يتردد في أن يخرج عاري الصدر لمواجهة خصومه تحت الشمس، بدلاً من أن ينكمش، كما يفعل اليهود، كالجرذ ويواري نفسه في الظلام وراء جدار إسمنتي عملاق، كي يخفي إحساسه بالضآلة والصغار أمام عدو يعلم أنه لا يملك ولو معشار ما يملكه من أسباب القوة العسكرية، سواء على مستوى الكم أو الكيف. إن الجدار العازل الذي يتحصن اليهود خلفه يجسد على نحو أو آخر، وربما بصورة غير واعية، نموذجاً آخر لغيتوات الاغتراب والتقوقع على الذات التي اعتاد اليهود الانعزال فيها، طوعاً أو كرهاً، في البلدان التي تشتتوا فيها ودنسوها بوجودهم. فباتوا كما يبدو يعجزون عن الحياة في بيئات طبيعية منفتحة ذات هواء نقي، وصاروا لا يستطيعون النوم ملء أجفانهم إلا في إطار ما يشبه السجن المعتم الموصد الأبواب، الذي يضمن فصلهم عن بقية عباد الله من البشر الأسوياء!

العناد والتصلب والاستعصاء على التغير:

من اللافت ملاحظته أن اليهود كانوا منذ أيام بعثة نبينا محمد عليه أفضل الصلاة والسلام، وحتى ما قبلها، يتمترسون أينما وجدوا خلف حصون منيعة، تحيطها أسوار عتيدة تُذكّر بالجدار العازل سيء الذكر. وعلى الرغم من أن تلك الحصون لم تغن عنهم شيئاً وتم اقتحامها ودكّ بعضها فوق رؤوسهم على يد المسلمين الأوائل، إلا أنهم لم يتعلموا الدرس فيما يظهر، وسولت لهم أنفسهم الأمارة بالسوء، المكبلة بالكبر والعناد والغرور أن حصونهم الحديثة، ممثلة في الجدار العبثي العازل، يمكن أن تنجيهم من المصير الأسود الذي ينتظرهم على يد المسلمين الأواخر. إن ذلك الجدار القبيح الصلد يشي بنوعية العقلية المتصلبة المكابرة التي أسرت الشخصية اليهودية نفسها في حظيرتها منذ قرون. فيهود اليوم يبدون صورة مستنسخة طبق الأصل عن أجدادهم الأشرار الذين تيقنوا من الحق وجحدته أنفسهم ظلماً وعدواناً، لتتنزل فيهم الآيات الربانية فاضحة ومنذرة ومتوعدة قبل أكثر من ألف وأربعمائة سنة. فهم لا يكررون وحسب، وبشكل مبتذل أرعن، ذات الأكاذيب والافتراءات والمزاعم والحيل الماكرة الرخيصة التي درجوا على ترويجها أيام النبي الكريم، عليه الصلاة والسلام، بل يلجأون أيضاً ببصيرة عمياء إلى نفس الأساليب الدفاعية التي أثبت التاريخ عقمها، متناسين كيف ضاقت عليهم الأرض بما رحبت، وكيف تصدعت حصون أسلافهم في بني قريظة وبني قينقاع وخيبر وخرّت صاغرة بمن فيها أمام هتافات الله أكبر!

إن تسليط الضوء على تلك السمات المختلة في الشخصية اليهودية عن طريق التفكر في الجدار العازل وخلفيات ودوافع إقامته يعد أمراً ضرورياً للمسلمين في سياق حربهم الطويلة مع العدو اليهودي الصهيوني، فهو يدخل في باب "إعرف عدوك"، ومعرفة العدو وإدراك نقاط ضعفه من الخطوات الأولى المحورية التي لا غنى عنها في سبيل الإعداد الجدي المجدي لمجابهته ودحره. كما أن الكشف عن مكامن الضعف تلك والتذكير بها مفيد وأساسي للارتقاء بمنسوب ثقتنا المتضعضعة بأنفسنا، وتبديد الأساطير المختلقة حول "الجيش الذي لا يقهر"، التي بدأت بالتهشم بالفعل بفضل البطولات الفذة لرجال المقاومة الإسلامية في غزة في السنوات الأخيرة. فاليهود أوهن وأتفه بكثير مما نظن، أو مما يشاء مرضى القلوب من المرجفين المتقاعسين الظن، وقد أسهب القرآن الكريم الذي لا ينطق إلا بالحق في تعريفنا بحقيقتهم الخائرة. فبالإضافة إلى ما يتصفون به من الجبن وانحدار معدلات الثقة بالنفس والعناد المتغطرس، كما سبقت الإشارة، فإنهم يعانون فيما بينهم داخل مجتمعهم الأشبه ببيت العنكبوت بهشاشته وقابليته السريعة للانهيار من كل ما من شأنه أن يسهم في إضعافهم وكسر شوكتهم. فبالرغم من القوة البطشية المفرطة التي يحاولون الظهور والاختيال بها، والوحدة المزعومة التي يتغنون بها كذباً بصلف، إلا أن قلوبهم شتّى، تستبد بهم المخاوف والأهواء والشهوات والصغائر، وتفتك بهم آفات الفرقة والتصارع والبغضاء والقسوة وانعدام التراحم.

إن الكرة في ملعب المسلمين، وقد آن لهم أن يقرروا تجاوز وضعية "غثاء السيل" التي ارتضوا بها وأخلدوا إليها، بما فيها من الانكسار والهوان والانقسام والتخاذل، نتيجة التكالب على الدنيا وبغض الموت، كما جاء في الحديث النبوي الحسن الذي رواه الإمام أحمد في مسنده: "يوشك أن تداعى عليكم الأمم كما تداعى الأكلة على قصعتها. قيل أمن قلة نحن يومئذ يا رسول الله؟ قال: بل أنتم كثرة ولكنكم غثاء كغثاء السيل، ولينزعن الله من قلوب عدوكم المهابة منكم وليقذفن في قلوبكم الوهن. قالوا: وما الوهن يا رسول الله؟ قال: حب الدنيا وكراهية الموت". وبمجرد أن يتخطوا تلك الوضعية المهينة التي لا تليق بحال من الأحوال بخير أمة أخرجت للناس، فإنه لن يطول بهم الوقت حتى يتيقنوا من أن وعد الله حق، فيروا رأي العين المعجزة الإلهية تتحقق، ويسمعوا حجارة الجدار العازل التي يستتر اليهود خلفها ويحتمون بها تناديهم وتحثهم على تطهير الأرض من رجس أعداء الله تعالى من شرار الخلق، كما جاء في الحديث النبوي الذي ورد في صحيح مسلم: حيث قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا تقوم الساعة حتى يقاتل المسلمون اليهود فيقتلهم المسلمون، حتى يختبئ اليهودي من وراء الحجر والشجر فيقول الحجر أو الشجر: يا مسلم يا عبد الله هذا يهودي خلفي فتعال فاقتله، إلا الغرقد فإنه من شجر اليهود". وحتى ذلك الحين، وبالإضافة إلى وجوب الحث على إعداد العدة قدر المستطاع، ليس لنا إلا أن ندعو الله مخلصين أن يكون زمان تحقق ذلك الحديث الشريف قد اقترب، لنسمع أصداء صيحات حجارة الجدار العازل تتردد بعبارة: حي على الجهاد لتحرير الأقصى.

 

 

د. خالد سليمان

.