دراسات وتوثيقات / دراسات وبحوث

انعكاسات تدهور اقتصاد الكيان الصهيوني على القضية الفلسطينية وواقع المنطقة

انعكاسات تدهور اقتصاد الكيان الصهيوني على القضية الفلسطينية وواقع المنطقة

• المقدمة:

تأثر اقتصاد الكيان الغاصب تأثرًا سلبياً بالحرب المستمرة منذ السابع من أكتوبر 2023م في فلسطين؛ حيث سجل النمو في العام الماضي ما نسبته 0.4% فقط، وكان قريباً من التوقف، ولذلك فإن توقعات النمو للعام 2025م كانت متذبذبة وتعتمد على فرضية انتهاء الصراع، مع تحذيرات من وكالات التصنيف بأن النمو قد ينخفض لأقل من 1% إذا استمر الصراع؛ وأدى ذلك - بلا شك – إلى تآكل في ثقة المستثمرين الدوليين، وإلى تباطؤ في استثمارات القطاع الخاص، وإلى تحويل الموارد العامة للدفاع، كما خفضت وكالة "فيتش" التصنيف الائتماني لإسرائيل في 2024م، ما يعكس المخاطر الاقتصادية والسياسية.

وعلى الرغم من كون الاقتصاد الإسرائيلي مرناً نسبياً، إلا إن استمرار الحرب وتوسعها يهددان الاستقرار والنمو الاقتصادي على المدى المتوسط؛ فالضغوط على الموازنة العامة متزايدة، وذلك في ظل ارتفاع فاتورة الإنفاق العسكري وتراجع الإيرادات، ولا يزال قطاع التكنولوجيا محركاً رئيسياً للنمو، لكنه يتأثر سلباً بتعبئة القوى العاملة وتزايد المخاطر الأمنية.

• تباطؤ النمو الاقتصادي:

يواجه  الأداء الاقتصادي والقدرة على الاستدامة المالية والاجتماعية في الكيان الغاصب تحديات هيكلية حادة في 2024–2025م، وذلك في ظل تباطؤ النمو، وتراجع الصادرات، واتساع العجز، وزيادة المخاطر الجيوسياسية، وقد سجل الاقتصاد الإسرائيلي في 2024 أبطأ وتيرة نمو خلال عقدين، حيث بلغ النمو الحقيقي نحو 1% فقط، وهو من أدنى المعدلات بين دول منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية، متأثراً بشكل مباشر بحرب غزة وتداعياتها على الاستثمارات والصادرات؛ حيث بلغ الناتج المحلي الإجمالي لإسرائيل (GDP) 513.61 مليار دولار أمريكي في 2023، ومن المتوقع أن يصل إلى 535.7 مليار دولار في نهاية 2025، وإلى 556.05 مليار دولار في 2026م و577.18 مليار دولار في 2027م.

• مقياس التضخم:

وقد سجل تضخم الاقتصاد الاسرائيلي في يناير 2025م ارتفاعاً بنسبة 0.6%، مع توقعات بأن يصل إلى 3.7% خلال العام، متجاوزاً هدف الحكومة البالغ 3%؛ في حين بلغ معدل التضخم لعام 2024م ما نسبته 3.2%، وهو أقل من التوقعات الرسمية.

• موازنة 2025 والعجز المالي:

بلغت الموازنة لهذا العام 607 مليار شيكل (حوالي 165 مليار دولار)، مع تركيز كبير على الإنفاق الأمني وتعويضات الحرب، وقد تجاوز العجز السنوي في 2024م ما نسبته 6.9% من الناتج المحلي وذلك بسبب الإنفاق العسكري الكبير المرتبط بالحرب؛ ومن المتوقع أن يبلغ 4.4% إلى 5% في نهائة 2025م، مع خطة حكومية لخفضه إلى 2.8% في العامين 2026 و2027م و2.9% في 2028م.

• ملامح الدين العام:

تشير التقديرات إلى أن نسبة الدين العام للناتج المحلي سترتفع من 69% إلى 71% في هذا العام - أي زيادة بنحو 40 مليار شيكل (11 مليار دولار تقريباً) - وذلك نتيجة استمرار الحرب، وهو مستوى مرتفع نسبياً مقارنة بالسنوات السابقة، وذلك على الرغم من إشادة OECD بقدرة النظام المالي للكيان على استيعاب الصدمات.

• عائدات الضرائب:

سجلت جباية الضرائب في يناير 2025م رقماً قياسياً بلغ 62 مليار شيكل (حوالي 17.2 مليار دولار)، وذلك نتيجة رفع الضرائب، وقد تم تعديل توقعات الإيرادات الضريبية لعام 2025م إلى 538.6 مليار شيكل (بدلاً من 517.1 مليار شيكل)، وللعام 2026 إلى 556.9 مليار شيكل، مع توقع وصولها إلى 587.1 مليار شيكل في 2027م و613.8 مليار شيكل في العام 2028م.

• مؤشرات التجارة والاستثمار:

كما شهد نمو الاستثمار الثابت تباطؤا كبيرا بسبب الحرب، حيث تراجع النمو من 29.1% إلى 11.8% في الربع الرابع من 2024م؛ في حين بقيت الصادرات بوتيرة معتدلة 5.5% في الربع الرابع من العام نفسه، في مقابل ارتفاع الواردات بنسبة 18.3%.

• التجارة الخارجية والحساب الجاري:

تراجعت الصادرات الإسرائيلية بشكل ملحوظ بسبب الحرب و"حرب الرسوم الجمركية" العالمية، ما أدى إلى تعديل توقعات فائض الحساب الجاري من 4.4% إلى 2.8% من الناتج المحلي، وبالتالي فقدان نحو 32 مليار شيكل؛ كما إن واردات إسرائيل ارتفعت بشكل ملحوظ، ما أثر سلباً على الميزان التجاري.

• الاستهلاك والإنفاق:

ارتفع معدل الاستهلاك الخاص بنسبة 9.6% في الربع الرابع من 2024م؛ في حين انتعش الإنفاق الحكومي بنسبة 9.5% في نفس الفترة.

• الغلاء وأعباء المعيشة:

افتتح الاقتصاد الإسرائيلي العام 2025 بموجة غلاء وأعباء ضريبية غير مسبوقة، ما زاد من الضغوط على الأسر.

• نقاط ضعف هيكلية:

1- غلاء المعيشة: تعدّ إسرائيل من أكثر الدول غلاءً في العالم، وهذا بلا شك يضغط على معدلات الاستهلاك ويؤثر على مستوى المعيشة.

2- سياسات التمييز: استمرار التمييز ضد المواطنين العرب، ما أدى إلى تدني مستوى التحصيل العلمي وانخراطهم في سوق العمل.

3- الاعتماد على الاستقرار الجيوسياسي: كل التوقعات الإيجابية مشروطة بتحسن الأوضاع الأمنية والسياسية.

• الإنفاق الحكومي والضرائب:

بلغت ميزانية 2025 م حوالي 744 مليار شيكل (حوالي 200 مليار دولار)، منها 161 مليار شيكل مخصصة لخدمة الدّين العام، مع زيادات ضريبية مثل رفع ضريبة القيمة المضافة من 17% إلى 18% وخفض الإنفاق في وزارات الدولة المختلفة.

• تأثير الحرب على الاقتصاد:

بلغت التكلفة الإجمالية للحرب خلال عام أكثر من 6.6 مليار دولار (25 مليار شيكل)، مع تكلفة يومية للهجمات على غزة ولبنان بلغت 133 مليون دولار (500 مليون شيكل).

وقد أدت الحرب إلى تراجع النمو، وإلى زيادة العجز، وارتفاع الدّيْن العام، مع ضغوط كبيرة على الموازنة الحكومية، وإلى تراجع ثقة وكالات التصنيف الائتماني.

كما أدت إلى إغلاق نحو 66 ألف شركة، وإلى توقف السياحة، وإلى تراجع الصناعات التكنولوجية التي كانت من محركات النمو الرئيسية، وقد تدخل بنك إسرائيل لدعم العملة الوطنية عبر بيع احتياطي نقد أجنبي بقيمة تصل إلى 30 مليار دولار، وذلك بعد تراجع قيمة الشيكل بنسبة 10% منذ بداية الحرب، ولا شك أن هذه التحديات الاقتصادية العميقة مستمرة مع مخاطر تفاقمها في حال توسع النزاع أو اندلاع حرب إقليمية مجدّداً مع إيران، ما قد يؤدي إلى ارتفاع أسعار النفط وإلى ضغوط اقتصادية مدمرة.

ومن الجدير بالذكر أن استمرار الإنفاق العسكري المرتفع وتكاليف التعويضات يضغطان على قدرة الحكومة على تمويل الخدمات العامة والاستثمار في البنية التحتية، كما إن كلفة استئناف الحرب تقدر بنحو 11 مليار دولار إضافية على الموازنة خلال فترة قصيرة، ما يضغط على الدين العام ويخفض من معدلات النمو.

 

  الآثار الاستراتيجية والخلاصات الاقتصادية:

• تراجع الاقتصاد الإسرائيلي بشكل غير مسبوق نتيجة الحرب المستمرة على غزة، أدى إلى تباطؤ النمو الاقتصادي إلى 0.4% في 2024، مع توقعات غير مستقرة للسنوات القادمة، وقد أدى هذا التراجع إلى تآكل ثقة المستثمرين، وتباطؤ استثمارات القطاع الخاص، وتحويل الموارد العامة إلى الدفاع، وارتفاع العجز المالي والدين العام.

• الضغوط الاقتصادية الإسرائيلية تضعف من قدرة الحكومة على تمويل العمليات العسكرية طويلة الأمد، وتقلل من مرونتها في مواجهة الأزمات؛ ما قد يؤدي إلى مراجعة الأولويات الاستراتيجية، أو فرض قيود على استمرار العمليات العسكرية الواسعة ضد الفلسطينيين، ولا سيما مع تصاعد الضغوط الداخلية والخارجية.

• تراجع التصنيف الائتماني لإسرائيل وتحذيرات وكالات التصنيف الدولية يعكس تنامي المخاطر الجيوسياسية والاقتصادية، ما يضعف قدرة إسرائيل على الاقتراض بتكاليف منخفضة ويزيد من تكلفة تمويل الحرب.

• ارتفاع التضخم والضرائب والغلاء في إسرائيل يؤدي إلى تصاعد الاحتقان الاجتماعي، ويزيد من هشاشة الجبهة الداخلية، ما قد يخلق بيئة ضاغطة على صناع القرار الإسرائيليين ويؤثر على استقرار النظام السياسي.

• تضرر الاقتصاد الفلسطيني بشكل كارثي من الحرب، حيث دُمّرت البنية التحتية والمنشآت الصناعية والتجارية في غزة على وجه الخصوص، وارتفعت معدلات البطالة والفقر، وتوقفت العمالة الفلسطينية في إسرائيل، ما أدى إلى شلل كامل في النشاط الاقتصادي الفلسطيني

• استمرار الحرب يفاقم العزلة الدولية لإسرائيل ويعزز صورة "الدولة المنبوذة"، ما يمنح القضية الفلسطينية زخماً سياسياً وأخلاقياً متزايداً في المحافل الدولية، ويضغط على الحكومات الغربية لمراجعة سياساتها تجاه إسرائيل.

• المنطقة بأكملها معرضة لمخاطر اقتصادية أوسع في حال توسع النزاع أو اندلاع مواجهة إقليمية مجدّدًا، ما قد يؤدي إلى ارتفاع أسعار الطاقة، وتدهور الاستقرار الاقتصادي في دول الجوار.

  البعد الدولي وواجبنا تجاه القضية:

• ضرورة استثمار الضغوط الاقتصادية الإسرائيلية في تعزيز الحراك السياسي والدبلوماسي الفلسطيني والعربي لإعادة طرح القضية الفلسطينية على أجندة المجتمع الدولي والمطالبة بحقوقه المشروعة.

• تعزيز صمود الاقتصاد الفلسطيني عبر دعم دولي عاجل وموجه لإعادة الإعمار، مع التركيز على إصلاح البنية التحتية وخلق فرص عمل مستدامة.

• تشجيع حملات المقاطعة الاقتصادية والأكاديمية لإسرائيل، خاصة في ظل تراجع ثقة المستثمرين وتصاعد الضغوط على الاقتصاد الإسرائيلي.

• العمل على توثيق الانتهاكات الإسرائيلية وتداعيات الحرب اقتصادياً وإنسانياً، واستخدامها في المحافل الدولية لزيادة عزلة إسرائيل وتعزيز شرعية المطالب الفلسطينية.

• الضغط على الحكومات الغربية لربط الدعم المالي والعسكري لإسرائيل باحترام القانون الدولي وحقوق الإنسان، مستفيدين من تزايد الانتقادات الدولية لإسرائيل.

• المطالبة بخطة دولية عاجلة لإعادة إعمار غزة والضفة الغربية، مع ضمانات بعدم عرقلة إسرائيل لهذه الجهود.

• إبراز المخاطر الإقليمية جراء توسع الحرب على استقرار المنطقة وأمن الطاقة العالمي، وتحفيز دول الإقليم على لعب دور أكثر فاعلية في وقف التصعيد.

• تشجيع الإصلاحات الاقتصادية والاجتماعية داخل المجتمع الفلسطيني لتعزيز القدرة على الصمود في مواجهة الأزمات المتكررة.

 

  تحذيرات استراتيجية:

والخلاصة في ذلك أن استمرار الحرب في غزة والضفة، وتصاعد التوترات في المنطقة يعرقل النمو، ويزيد من مستويات العجز، ويضغط على العملة والاستثمار، وعلى الرغم من أن السياسات الحكومية الحالية تركز على ضبط العجز؛ إلا إن هنالك مخاوف من ارتفاع الضرائب وتراجع الإنفاق على الخدمات الاجتماعية، وهذه البيانات تعكس صورة شاملة ودقيقة لأهم مؤشرات تدهور وتداعي الاقتصاد الإسرائيلي، مع إبراز نقاط القوة والضعف والتحديات المستقبلية بناءً على أحدث التقارير الدولية والرسمية.

  مصادر البحث:

Bank of Israel - Preliminary Estimate of GDP (Q4/2023)

IMF World Economic Outlook (April 2024)

Israel Central Bureau of Statistics (CBS) - Inflation Data

OECD Economic Survey: Israel (2024)

Israel Ministry of Finance - Budget Report (2024)

Taub Center - Economic Cost of the War (2024)

Fitch Ratings - Israel Downgrade (2024)

يمكن تحميله PDF من هنا 👇

 

.

تحميل الملف المرفق