فلسطين التاريخ / الواقع والمأمول

حول أحداث غزة.

حول أحداث غزة

 

 

 

الشيخ مشهور حسن آل سلمان

       

 

 

إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ؛ ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له. وأشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.

أما بعد:

        فلا يخفى على أحد ما يجري اليوم من أحداث على أرض فلسطين الحبيبة نسال الله –عز وجل-أن يعيدها عاجلاً غير آجل إلى حظيرة الإسلام والمسلمين ، وأن يحفظ أهلها عموماً وأهل غزة خصوصاً.

        فالذي يجري في غزة يجعلنا نقرر أموراً -ولعل الوقتَ لا يتسعُ للكلام بالتفصيل ولكن في الإشارة في هذا المقام -إن شاء الله- فيها ما قد يجعلنا نتلمس الأحكام التي ينبغي أن تقرر فيما يخص هذه النازلة مما ينبغي أن يُعلم أن الواجب على المسلمين جميعاً بذل ما يستطيعون من جهد لإيقاف نزيف الدم حالاً ، ومن قصّر فهو آثم ، فشيخنا الإمام الألباني-رحمه الله- في تعليقه له على شرح العقيدة الطحاوية -وقد كتبها منذ أكثر من ربع قرن- :"أن المسلمين جميعاً آثمون لتفريطهم فيما يجري في فلسطين"أهـ ؛وإذا كان هذا الإثم بمجرد اغتصاب اليهود-لعنهم الله لعنات متتابعة - لأرض فلسطين فماذا نقول اليوم عن الدماء الزكية الطاهرة التي يسفكها قتلة الأنبياء في أرض فلسطين .

        فالواجب على الصلحاء الدعاء والواجب على العلماء البيان -بيان ما يلزم من أحكام- بغير تهور ومع دوران مع الدليل ، والواجب على الحكام والأغنياء بذل ما يستطيعون بجميع الوسائل المتاحة لهم بأن يوقفوا هذا السيلان من الدماء ، والواجب على المسلمين جميعاً - في غير الواجب الوقتي الآن- في واجب الوقت الذي ينبغي أن نتلمس وان نضع الأصبع على الداء - أصل الداء- الذي طمع بنا الأعداء أننا غثاء؛ وهذا الغثاء ورد في حديث ثوبان الذي أخرجه الإمامُ أحمد والطبرانيُّ وغيرُهما بإسناد صحيح ، يقول النبي صلى الله عليه وسلم : " يوشك أن تداعى عليكم الأمم وفي رواية -فيها زيادة- الأمم من كل أفق كما تتداعى الأكلة على قصعتها " وفي رواية كما تتداعى الأكلة على قطعتهم قالوا - لما سمع الصحابة ذلك من رسول الله صلى الله عليه وسلم -تأملوا !- كيف يجتمع علينا الأعداء من كل أفق كما يجتمعون على القصعة ،على الطعام ،فما ظنوا إلا إننا أقلة فقالوا: مستفسرين من رسول الله صلى الله عليه وسلم "أوً من قلة نحن يومئذ يا رسول الله " فقال صلى الله عليه وسلم : لا ،بل أنتم كثير - وفي رواية صحيحة : بل انتم أكثر من عددهم- عددكم مليار ومائتين مليون ، لو أن هؤلاء اتحدوا على التوحيد وبصق كل واحد منهم بصقة على يهود لن يبقى لليهود آثار - ، ولكنكم غثاءً كغثاء السيل تنتزع المهابة من قلوب عدوكم - وفي رواية - ولينزعن الله المهابة منكم ؛ -وفي رواية- وليقذفن الله في قلوبكم الوهن ، قالوا : "وما الوهن يا رسول الله ؟ ؛فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم :"حب الدنيا وكراهية الموت " .

        ليس غريبا على قتلة الأنبياء أن يفعلوا بأهل غزة ما يفعلوا، فاليهود ينطلقون بفعلهم من عقيدتهم ؛فعقيدتهم أن الناس كالحمير -أجلكم الله- بالنسبة إليهم ؛ وخلق الله سائر الناس لخدمتهم ولقضاء مآربهم ، وينبغي إن استطاعوا قتلهم جميعا ، ولا يستثنون أحداً ، من غيرهم بالقتل والدمار.

        هذا المعتقد أن الله قد خلق الناس ليقضوا مآربهم من خلالهم وانه يحل لهم قتلهم جميعاً فلا يستبعد على أمثال هؤلاء هذا الذي يجري في غزة ، لكن الذي يستبعد من يؤمن بالإسلام ديناً وبالله رباً وبمحمد صلى الله عليه وسلم نبياً وهم على حال -والله لا أقول يبكى الإنسان منها دموعاً -ولكنه يبكي دماً ، قال تعالى : -(إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ )(1) ، وفي الصحيحين من حديث النعمان بن بشير رضي الله عنه يقول النبي صلى الله عليه وسلم : "مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم كمثل الجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الأعضاء بالسهر والحمى" هكذا ينبغي أن يكون حال المسلمين، ولكن تآمر الأعداء على المسلمين والمؤامرة أخذت أبعاداً أخرى فكان أولها أن أبعدوا غير العرب عن قضية فلسطين وكان آخرها أن حصروا قضية فلسطين في المنظمة فيما يسمونه " الممثل الشرعي الوحيد لفلسطين" وفلسطين لا تقبل هذا الحق ولا يمكن لمسلم يشهد أن لا إله إلا الله أن يُعْدَلَ عن قضيةِ فلسطين ،فحُبُنا لفلسطين عقيدةً ، فقد ربطها ربنا -جل في علاه- بعقيدتنا في الصلاة فكانت القبلة الأولى لنا ، وربطه ربنا رباطاً لا ينفك في رحلة المعراج فأسري بالنبي صلى الله عليه وسلم إلى بيت المقدس وعرج به صلى الله عليه وسلم من بيت المقدس إلى السماء وكان الله - جل في علاه-لولا انه يريد أن ننتبه لهذا الارتباط الذي لا يجوز لأحد أن يفكه لكان في قدرة الله -جل في علاه-أن يعرج بنبيه صلى الله عليه وسلم مباشرة من مكة المكرمة.

أقول : الواجب على المسلمين أن يدعو لإخوانهم وان يبذلوا كل ما يستطيعون لحفظ بيضتهم ، وكل يجب عليه ما بوسعه ، فليس الأمانة واحدة ، والذي نخشاه -والذي لا إله إلا هو- أن يرفع رجل ضعيف أو امرأة أو صغير يديه ويقول : اللهم اخذل من خذلنا .

هذه الدعوة تصيب المسلمين جميعاً -ولا حول ولا قوة إلا بالله -

النصر له ثمن ،قال تعالى :( إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ ) (2) ، وقال تعالى : أَلَا إِنَّ نَصْرَ اللَّهِ قَرِيبٌ)(3)، ولكننا......

يجب علينا أن نرسم خريطة ونبدل هذه الأمة إلى امة محمدية حقيقة وألا تبقى امة غثائية ، فالأمة المحمدية الحقيقية .....ولا لهو... ولا معاصي ، أمة علم وفهم؛ امة تعرف واجباتها تعظم ربها وتعرفه معرفة ...... وتعرف نبيها وتعرف حق ربها وحق نبيها عليها و تؤديه.

ما معنى إن تنصروا الله ينصركم؟ إن أديتم ما أوجبه الله عليكم ؛ فالله –عز وجل- ينصركم ، وليس فحسب ، إنما: ويثبت أقدامكم .

الذي يجري في غزة ليس منة فيها منحة والمحنة ليست خاصة بأهل غزة بل لعامة المسلمين جميعاً

هذه النصرة نصرة المسلمين جميعاً، وإن لم ينصروا لأن سائر الأمة ممن لم يعرف واجبه وممن لم يؤد حق الله –عز وجل- لا يستحقون النصر.

أرجعها عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- وصلاح الدين -رحمه الله- ، وصلاح الدين لما كان يتفقد الجند كان يقف عند خيمة فيها جنود لا يقومون الليل ويشير إلى الخيمة ويقول :" من هذه الخيمة تأتيكم الهزيمة ؛ (إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ).

النصر له مفهوم شرعي واسع ، قد يموت الإنسان ولا يحقق المراد ، لكن إن كان يسير على واجب الوقت ويعرفه ويؤدي حق الله –عز وجل-عليه فالثمرة التي تجنى من بعده هي نصر

الطريق الذي يسلكه -وإن كان وحيدا ضعيفا شريدا- ما دام انه يسير في الطريق الصحيح هذا هو نصر فالله يقول لنبيه صلى الله عليه وسلم وهو في طريقه إلى المدينة :

(إِلَّا تَنْصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللَّهُ ) (4)

يقول اهل العلم :"مقدمات المرئ نصر" ، وشيخ الاسلام مات في سجن القلعة على مسائل في الطلاق ونصره الله تعالى في المسائل التي خالف فيها اعداءه وأصبحت كل محاكم الدنيا اليوم تقضي بحكمه مع أن كلامَهُ مخالفٌ للمذاهب المتبوعة ، هذا نصر من الله يراه الانسان فيما بعد ؛ المهم ان تعرف الواجب الملقى عليك وان تؤدي حق الله عليك ، فإن لم تستطع ان تؤدي شيئاً فلا أقل أن تؤدي هذا الحق بالدعاء.والعبد يتأدب مع ربه كما ثبت عند أحمد وغيره ان المسلمين لما وقع ما وقع بهم في أحد فقتل عم النبي صلى الله عليه وسلم وقتل سبعون رجلا من الأنصار والمهاجرين وشقت شفة النبي صلى الله عليه وسلم وكسرت رباعيته وشج رأسه ، فاستشهدوا ذلك وقالوا له: أنى هذا ؛كيف يفعل بنا المشركون هذا الأمر ونحن على الحق وهم على الباطل .فأنزل الله -عزوجل- قوله :

(أَوَلَمَّا أَصَابَتْكُمْ مُصِيبَةٌ قَدْ أَصَبْتُمْ مِثْلَيْهَا قُلْتُمْ أَنَّى هَذَا قُلْ هُوَ مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِكُمْ )(5)

فلو سألنا: هل انهزم المسلمون في احد؟، لقلنا :نعم لكن إن سألنا هل انهزم الإسلام في احد ؟ قلنا: لا ، الإسلام منصور فنصر الله قريب ، يهزم المسلمون لما يستعيدون على الواجب الذي أوجبه الله عليهم ففي 1948 و1967 انتصر الإسلام وهزم المسلمون ، وفي الأندلس انتصر الإسلام وهزم المسلمون ، وفي العراق انتصر الإسلام وهزم المسلمون .

ومن رحمة الله بنا انه لن ينصرنا إلا إذا عدنا إليه ، نحن كرماء على الله فمن كرامتنا على ربنا :أن الله ....إلا إذا عدنا إليه وإلا إذا رجعنا إليه .

الواجب - إخواني أحبتي في الله - علينا جميعا في هذه النازلة أن نتفقد أحوالنا وان نعرف الواجب الملقى على اعتاقنا ولذلك نقول : واجبنا في الحال إيقاف هذا النزيف وفي المآل : ان نجهز انفسنا وان نكثر امتنا كثرة حقيقية فتكون امة محمدية بالحق والحقيقة والا تبقى امة غثائية ، ان نحول هذه الأمة من أمة جهل وطيش إلى أمة علم وعمل وصدق واخلاص ، امة تعرف قيمتها ومنزلتها بين الأمم ، فإن أدينا الذي علينا أعطانا ربنا الذي لنا ، فكما علق الامام البخاري رحمه الله في صحيحه عن ابي الدرداء -رضي الله عنه- :" نحن قوم نقاتل عدونا بأعمالنا " ماذا يصعد عند ربنا ينزل علينا فقتالنا لعدونا بأعمالنا .

وكان أبو بكر الصديق -رضي الله عنه-يقول : " عمالكم (أي حكامكم) أعمالكم " فأعمالنا تقضي بموقعنا ، لا يمكن -البتة- ان نتجاوز سنن الله -عزوجل-؛ فالنبي صلى الله عليه وسلم في مكة عُذب وعُذب أصحابُه وهاجر وبذل الغالي والنفيس فنصر اللهَ هو ومن معه فنصره اللهُ.

العلماء يقولون -وكما تعلمنا كثيرا ولا سيما في دروس أصول الفقه- الترك :فعلٌ

( يَا رَبِّ إِنَّ قَوْمِي اتَّخَذُوا هَذَا الْقُرْآَنَ مَهْجُورًا)(6) فترك القرآن جعله الله امتحان

فالفقهاء يقررون لو أن طبيباً رأى مريضاً ينزفُ فتركه ينزفُ ولم يفعل الذي يستطيعه فهو مجرم.

فالنبي صلى الله عليه وسلم يقول : "أيما أهل عرصة باتوا وفيهم امرؤ جائع إلا بريئت منهم ذمة الله" ، يقول ابن حجر: فلو أن فقيراً مات جوعاً في حي فإني أقضي بقتل الحي جميعاً بسبب هذا الذي مات جوعاً وهو بينهم.

فالمسلمون فجعوا ؛فالواجب علينا ان نبذل ما نستطيع ولا أقل من الدعاء،وأختم كلمتي بان الدعاء ينبغي ان يكون نافعاً وان يكون بالشروط الشرعية قال الله تعالى :

(قُلْ مَا يَعْبَأُ بِكُمْ رَبِّي لَوْلَا دُعَاؤُكُمْ فَقَدْ كَذَّبْتُمْ فَسَوْفَ يَكُونُ لِزَامًا) (7)

تذكروا هذه الآية واربطوها بقول النبي صلى الله عليه وسلم : فيما اخرجه احمد والبزار وغيرهما من حديث أبي بكر رضي الله عنه :"لتأمرنَّ بالمعروف ولتنهون عن المنكر او ليدعون خياركم فلا يستجاب لكم "

أيها المسلمون

انتم بعامتكم ان لم تامروا وتنهوا فإن الله يعاقبكم بألا يستجيب لعلمائكم وصلحائكم فدعاء الخِيار-العلماء والصلحاء-مربوط ويستجاب إذا انتم يا عامة المسلمين امرتم ونهيتم لمن هو تحت يدك من زوجة أو بنت أو طالب في مدرسة او موظف او عامل في مصنع ، او جارك او صديق او حبيب ، فأمرك ونهيك يجعل خيار الأمة إن دعوا يستجيب الله لهم .

فكأن في هذه الآية أن حياة الأمة وان سرّ قوتها وسر قيامها وبقائها في الدعاء

(قُلْ مَا يَعْبَأُ بِكُمْ رَبِّي لَوْلَا دُعَاؤُكُمْ)

أي بقاؤكم في الدعاء ، فسر بقاء هذه الأمة بالدعاء الذي لا يُقبل إلا ان يكون المسلمون جميعاً آمرين بالمعروف وناهين عن المنكر.

فإذن قيامنا ليس بكبرائنا فقط وليس بعلمائنا فقط ، قيامنا بأن يكون كل واحد منا على صلة وثيقة بالله -عزوجل-

ترك المسلمين في غزة هكذا ترك فعلي وهذا الفعل سُبة في جبين كل من يستطيع أن يقدم شيئاً ولم يفعل .ولا علاج إلا العلاج الشرعي المر الطويل ولكن لن يستقيم حال الأمة إلا به أن يتوحدوا على التوحيد ، وان يشعروا أن كل من يقول لا إله إلا الله ، محمد رسول الله ،أخ لهم وله حق عليهم وان يهبوا لنجدته بالغالي والنفيس .

أما ان تقطع الأمة أوصالها وتقطع الأمة شذر مذر ،وأصبح -للأسف- لا أقول على العرب أو المسلمين بعامة بل أقول على الفصائل القائمين على القضية الفلسطينية أصبح حالهم كما وصف ربُنا اليهودَ :

(تَحْسَبُهُمْ جَمِيعًا وَقُلُوبُهُمْ شَتَّى ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَا يَعْقِلُونَ )(8)

ماذا ينتظر المسؤولون من الفلسطينيين خاصة حتى يؤدوا الواجب عليهم تجاه اخوانهم ، ذلك بأنهم قوم لا يعقلون ، لا عقل عندهم ،ينتظرون من يفكر لهم ومن يملي عليهم ، ويحركهم كالأحجار على رقعة الشطرنج -ولا حول ولا قوة إلا بالله -

أسأل الله سبحانه وتعالى ان يجعلنا من ينصر دينه وينصر سنة نبيه صلى الله عليه وسلم .

 

شبكة المنهاج الاسلامية

 

 

.