دراسات وتوثيقات / توثيق
" كلمات العزة في زمنِ الذلة ".
نحمد الله تعالى أن أنطق في هذه الأمة من يرفع بعضاً من الذل والهوان الذي نعيشه ، بعد أن أصبحنا مغلوبين على أمرنا ، ولا حيلة لنا في ظل الهجمة الشرسة على الإسلام والمسلمين ، كلمات تخرج من أفواه عرفت معنى الجهاد وعزته ، في زمن التقاعس والذل والهوان .
ولعل تلك الكلمات التي تجدد في الأمة روح الجهاد والبذل والعطاء لله وفي سبيل الله تعالى ، تخرج من أناس مرابطين على أرض الطُّهِر والجِهاد ، مقام الطائفة المنصورة بإذن الله ، لتُظهر البركة في الجهاد عندما تستكين الأمة ، وتخذل وتذل من الشرق والغرب .
فهم على رغم المصائب التي حَلَّت بهم ، ونزلت بساحتهم من سفك دمائهم ، وهدم بيوتهم ، وترويع أبنائهم ، إلا أنهم باتوا أصلب عوداً ، وأمضى عزيمةً ، وأقوى إرادة ، يلهج أكثرهم بالإيمان وعبادة الرحمن ، نذروا أنفسهم وأموالهم وأولادهم للشهادةِ في سبيل الله .
ومن أجل هؤلاء نسجل كلمات من أرض البطولة والجهاد ، من أمهاتٍ فقدن فلذات أكبادهن ، ومن آباء أذنوا لأبنائهم بالاقتحام على الأعداء ، ومن زوجات محتسبات صابرات على فقدان أزواجهن ، ومن أبناء وإخوان يدعون الله تعالى أن يتقبل الله شهادة آبائهم وإخوانهم ، ومن وصايا خطتها أيدي هؤلاء الذين قدموا أنفسهم ودماءَهم لله " نحسبهم كذلك والله حسيبهم ".
من كلمات البطولة والفداء
( 1 )
ومن تلك الكلمات البطولية ما نطق به الحاج "فتحي فرحات" والد منفذ العملية الجهادية "محمد فتحي فرحات" ( 17 عاما ً) الذي اقتحم مستعمرة " عتصمونا " بتاريخ 9/3/ 2002م ، وخاض معركة استمرت نصف ساعة استخدم خلالها بندقية رشاشة ، وأسفرت عن قتل وجرح عددٍ من اليهود الغاصبين ، حيث قال : " عندما سمعت خبر العملية الاستشهادية ، وعلمت ما أحدثت من خسائر بشرية فادحة في صفوف الاحتلال ، وتيقنت أن ابني هو الذي قام بهذا العمل العظيم . . . سجدت لله شكرا أن أكرمني بهذا الشرف العظيم ووفق ابني في عمليته الجريئة ".
وأضاف والد محمد " أن ابنه اتصل به هاتفيا قبل تنفيذ العملية بساعة تقريبا أخبره خلالها أنه ينوي تنفيذ عملية استشهادية في القريب . . . وطلب منه أن يسامحه في الدنيا والآخرة ، فأجابه "بأنه مسامحه في الدنيا والآخرة ، ودعا له بالتوفيق ، وأن يسدد رميه ".
وأما حال والدة منفذ العملية البطولية محمد فرحات فإنه لم يختلف كثيرا عن حال زوجها فتقول : " لقد تلقيت نبأ بدموع الفرح … وتقول: إنها حقا فقدت ابناً عزيزا غاليا عليها ، باراً بها وبوالده ، وأنه كان محافظاً على الصلاة في المسجد ، وكان كثيرا ما يطلبُ منها أن تدعو له وتترضى عليه " .
( 2 )
وفوجئ جعفر ريحان شقيق الشهيدين محمد وعاصم ريحان من بلدة تل جنوب غرب نابلس لدى فتح قبر الشهيد محمد بعد مرور مئة يوم على استشهاده في يوم 18/2/2002 وأثناء محاولة العائلة والأهالي تجهيز القبر لبنائه من جديد ، فوجئوا برائحة المسك المعطرة تفوح بعبقها من الجثمان لدى رفع بلاط القبر.
ويقول جعفر إن هناك أمرا أكثر غرابة وهو أنه لمس دم الشهيد فوجده لا زال ساخنا ، ونائم نومة العريس المطمئن ، وانه فكر بإيقاظه من نومه، ويضيف " رأيت عرقه على جبينه ومسحته بيدي أمام ذهول الناس ، ويقول : الأمر الأكثر غرابة وعجبا ودليل على كرامة الشهداء هو أن لحية الشهيد قد طالت أكثر من حجمها السابق بينما كان الأهالي يكبرون ويحمدون الله على كرامة الشهيد !! .
( 3 )
وقد سجل "حسين أبو كويك" كلمات تهز المرء ، وتدفع في المسلمين روح البذل والعطاء من أجل هذا الدين والدفاع عن أرض المسلمين ومقدساتهم ، حين قصفت مروحية يهودية سيارته ، لكنه لم يكن فيها بل كانت زوجته وأولاده الثلاثة ، محمد وعزيزة وبراءة وهم عائدون من مدرستهم ، فقتلت الأم وأبناءَها وتناثرت أوصالهم ودماؤهم ، وهزت صورهم مشاعر كل من رآهم ، وخرجت كلمات غير متوقعة للأب الذي فقد زوجته وأولاده الثلاثة ، حيث وقف صبورا محتسبا قائلا : " الحمد لله الذي شرفني باستشهادهم " .
( 4 )
وسيدة فلسطينية فقدت اثنين من أبنائها فقالت " إذا كنتُ قد فقدتُ ابنيَّ ، ولم أعد أضمهما إلى صدري ، فعزائي أن أرض فلسطين تضمهما ، وهي أرض مقدسة مباركة ، وأم للجميع " .
وأم لشهيد آخر " نحسبه كذلك " عندما أخبروها باستشهاد فلذة كبدها وأتت لتراه في المستشفى " قالت حين رأته : " والله إنك غالي علي ، ولكن الله أغلى منك ، فأقدمك لله تعالى ".
( 5 )
وهذه عائلة جمال منصور الذي سقط بصواريخ يهودية صهيونية ليترك خلفه زوجة وأولادا لم تزحزحهم المصيبة قيد أنملة عن الهدف الذي نذروا حياتهم له .. حيث قالت.." ورغم الفراغ الكبير الذي تركه زوجي البطل باستشهاده إلا أَنني أشعر بالفخر والاعتزاز ، بأن الله سبحانه وتعالى اختاره شهيداً …"
وتقول بأن حوارًا قصيرًا تم بينها وبين زوجها صباح يوم الاستشهاد :
أم بكر:
نعم يا أبا بكر.
أتدرين من اتصل بي الليلة ؟
لا ... من ؟
إنه الشهيد صلاح الدين دروزة ، لقد زارني في المنام متصلاً هاتفياً وقال : إنني مشتاق إليك…
وهذه الكلمات كانت آخر الكلمات التي نطق بها مع زوجته …
( 6 )
وأُم تودع ابنها قبل تنفيذ عمليته الاسشهادية بكلمات سجلت بالصوت والصورة ( فيديو ) ، لتقدم نموذجا فذًّا في هذا العصر للأم الصبورة المحتسبة التي تقدم ابنها للشهادة حيث تقول والدة الشهيد " نحسبه كذلك " محمد أحمد حلس قبل أن يقدم على تنفيذ عمليته البطولية وهو أمامها يستمع لوصية أمه له:
" أنا أتمنى لك الشهادة ، لعلك تفتح لنا طريقاً إلى جنة الخلد ، وأسأل الله أن تنال الشهادة ،وتكون من الشهداء ، وأن يسهل أمرك .
وفي نفس شريط الفيديو المسجل قبل تنفيذ العملية : تدعو الأمهات في فلسطين أن يقدمن أبناءَهن للشهادة ، حتى يتحقق النصر على الأعداء" .
( 7 )
أما والدة الشهيد "عمر سلمان" فقد أكدت عزمها على المُضِيّ قُدُمًا وبذل المزيد من التضحية من أجل تحرير القدس" ، ووسط دموعها الغزيرة قالت: لقد زغردت مرتين: الأولى عند زفافه إلى عروسه قبل 60 يومًا فقط"، والأخرى أمس تكريمًا للشهادة التي نالها من ربه"والتي سيدخل بها الجنة إن شاء الله.
وقالت أم الشهيد "عرفات الأطرش" "نحسبه كذلك" في الخليل :" ابني مهم بالنسبة لي ، ولكن الأهم أن تحافظوا على القدس والأقصى وحائط البراق ".
( 8 )
وتردد أم خالد عوض شحادة برباطة جأش لا تجدها إلا الفترات المضيئة في تاريخنا الإسلامي العريق : " هنيئاً لك يا ولدي الشهادة… ونسأل الله أن يتقبلها منك وأن يكرمنا بها"…
وأكد والد الشهيد "إسماعيل شمالخ" عقب تشييع جتمان ولده الشهيد :" أنه مستعد للتضحية بنفسه وأبنائه الأحد عشر من أجل فلسطين والمقدسات الإسلامية ".
( 9 )
أما والدة الشهيد إبراهيم فتقول: "الحمد لله الذي استجاب لي ولدعوتي، وجعل من أبنائي شهيدا كما كنت أدعوه في سجودي: اللهم اجعل من أبنائي شهداء وعلماء وحفظة لكتابك، واستجاب لولدي دعوته: اللهم أفرغ علينا صبرا وثبّت أقدامنا وانصرنا على القوم الكافرين، الكلمات التي كان لا ينفك يدعو الله عز وجل بها".
( 10 )
وهذه والدة الشهيد أحمد بَنَّر قالت بكل عنفوان وشموخ وإباء ، وبصبر وإيمان يثيران الدهشة:" "يكفينا هذا الفخر ، وهذا المجد، يكفيني أن أحمد سُجِّل في سجل الشهداء، سجل البطولة والشرف"، وتضيف : "إن الانتفاضة ضد الاحتلال مستمرة ، ومتواصلة ، ولن تتوقف وطريقنا ما زال طويلا، وسنسير عليه، حتى عودة الأرض وتحريرها… وأناشد هنا كل أمهات الشهداء الصبر… الصبر، رغم كل المحن التي نواجهها لأننا على درب الشهداء لسائرون… حتى النصر بإذن الله تعالى " .
وهذه الكلمات قليل من كثير سجلها أهالي من قدم نفسه لله تعالى يرجو من الله أن ينال شرف الشهادة والاستشهاد ، نعم إنهم جيل جديد سطر بطولات وتضحيات لم يشهد لها التاريخ المعاصر مثيلاً ، نعم ، إنهن نساء مدافعات عن أرضهن ومقدساتهن بنفوس تتطلع للشهادة ، نعم انهم رجالٌ لا يهابون الموت، ويقدمون عليه بكل شجاعة وبطولة ، وأطفالٌ لا يهابون العدو اليهودي مع كل ما مارسه لتدمير نفسيتهم ، وزرع عقدة الخوف فيهم !!!.
لقد كتبوا بدمائهم أسطورة جديدة تضاف إلى سجل المجد والخلود الذي كتبه المجاهدون بدمائهم على أرض فلسطين المغتصبة .
وهذا ما شهد به الأعداء ، حيث صرح وزير الخارجية للكيان اليهودي الأسبق شلومو ابن عامي : " إن الفلسطينيين قد أثبتوا أنهم مقاتلون أشداء لا يمكن الاستخفاف بهم مطلقاً ، ويضيف بن عامي " لقد علمنا ما كان يجب أن نعلمه منذ زمن أن تصميم الشعب الفلسطيني على رفض العيش تحت الاحتلال سيدفع أبناءه إلى الاستبسال من أجل التخلص من واقع بائس ، من الطبيعي أن يسعوا للتخلص منه " .
ويقول "يعكوف بيريس" رئيس المخابرات اليهودية العامة " الشاباك " في الانتفاضة السابقة : "لقد قاتلت الفلسطينيين عقوداً من الزمن لم ألحظ خلالها كل هذا العزم الذي يبديه المجتمع الفلسطيني حالياً من استعداد لتقديم التضحيات من أجل التخلص من الاحتلال ، إن هذا وحده يكفي لخسارة إسرائيل المعركة ".
وفي الختام نوثق تلك المواقف البطولية الجهادية إلى المسلمين جميعا في مشارق الأرض ومغاربها ، لتسمو النفوس ، وتعلو الهمم ، وتحيا القلوب !!!
عيسى القدومي