فلسطين التاريخ / الواقع والمأمول

حرب المفاجآت

محمد الناجي- مركز بيت المقدس - غزة

عَنْ جَابِر بْن عَبْدِ اللَّهِ - رضى الله عنهما – قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: « الْحَرْبُ خُدْعَةٌ » أخرجه البخاري برقم (3030)، ومسلم برقم (4637).

(الحرب خدعة) قاعدة مستعملة ومجربة في الحروب، وقد استعملها النبي صلى الله عليه وسلم في بعض غزواته، وأصل الخدع: إظهار أمر وإضمار خلافه. ولطالما استعمل العدو الصهيوني مبدأ الخدعة والمفاجأة والمباغتة في حروبه؛ خصوصا في حرب 2008 (حرب الفرقان) والتي اندلعت عقب قصف الاحتلال لمراكز الشرطة الفلسطينية التابعة لحكومة حماس في ذلك الوقت، وقد شكَّلت تلك الضربة فاجعة بالنسبة للفلسطينيين من حيث عدد القتلى الذي اقترب من 300، ومن حيث الفئة المستهدف إذ قضت الضربة على قادة من الصف الأول في أجهزة وزارة الداخلية الفلسطينية؛ الأمر الذي سبَّب صدمة وخدعة، خصوصًا أن الضربة تمَّت في وقت كانت المساعي فيه على أشدها لتحقيق تهدئة بين الجانبين (الفلسطيني والصهيوني)، وبذلك دخل الكيان الصهيوني المعركة يحمل ورقة رابحة، وعنصر مفاجأة ومباغتة.

الأمر نفسه تكرر في عام 2012م حيث افتتح العدو حرب 2012 (حجارة السجيل) باغتيال رمز من رموز المقاومة الفلسطينية القائد/ أحمد الجعبري، وقد تزامن حادث الاغتيال مع الحديث عن تهدئة متبادلة، حتى إن الجعبري حين استشهد كان في مهمة يسعى من خلالها إلى إرساء الهدوء، ومنع تصاعد الأوضاع، وبذلك دخل الاحتلال الصهيوني الحرب وبيده ورقة يتمسك بها، خصوصا إذا ما علمنا أن العدو الصهيوني لم يظفر خلال الحرب الثانية على غزة عام 2012 سوى بهذا الحدث وهو اغتيال الشهيد القائد/ أحمد الجعبري.

إن الزمن الذي يبدأ فيه العدو الحرب مستغلًا عنصر المباغتة والمفاجأة على ما يبدو أنه ولَّى بغير رجعةٍ؛ حيث أن العدوَّ الصهيوني سيق لتلك الحرب كارهًا مضطرًا، وهذا ليس دفاعًا عن المحتل، وإنما كان العدوُّ يتريث ويتروى من أجل الظفر بصيدٍ ثمين، ولكن المقاومين في غزة كانوا له بالمرصاد، وأخذوا كل أسباب الحيطة والحذر، وفوَّتوا على العدو تلك الفرصة، وهو ما دفع الكيان ليعترف بأن الهدوء الذي كانت تطالب به إسرائيل مصيدة، ولكن حماس أفشلتها!!.

لم تقتصر هذه الحرب على أن الكيان دخل الحرب ولا يملك أي ورقة رابحة، ولم يتسنَّ له استعمال مبدأ الخدعة، وعنصر المفاجأة، بل تعدَّتها لتصبح الكرة في ملعب المقاومة التي توعدَّت العدو بمفاجآت حال ارتكب حماقة وأوغل في دماء الفلسطينيين، واختار المواجهة.

وهو ما كان فقد قالت المقاومة وفعلت، بل إن فعلها كان أسبق من قولها –على خلاف العادة- إذ اعتدنا على أن نسمع تهديدات من فلان أو علان ثم قد ينفذها أو لا ينفذها، ولكن المقاومة الباسلة توعدت المحتل بمفاجآت كبيرة، ولم تفصح عن أيٍّ منها تاركة للعدو أن يتخبط في التحليلات والتوقعات، وفي كل ذلك يعتريه الخوف والهواجس والكوابيس!.وقد شكَّلت المقاومة الفلسطينية بذلك سابقة غير مألوفة لدى الجيوش العربية الذين اعتدنا على أن نسمع منهم زمجرة وكلاما كثيرا، ولا نجد منهم فعلًا!.

في اليوم الأول من أيام العدوان كان الفلسطينيون على موعد مع 3 مفاجآت:

المفاجأة الأولى: بحرية  ( عملية زيكيم النوعية) وذلك بغزو المجاهدين لليهود في عقر دارهم، في منطقة تبعد عن القطاع 3 كيلو مترات، وفي ذلك استعمال لمبدأ (اليوم نغزوهم ولا يغزوننا)، كما أنها تعتبر مفاجأة إذ أن العدو لم يكن يتوقع ذلك، خصوصا في اليوم الأول من أيام المعركة. ووجهة نظري أن الحديث عن هذه العملية سيطول بعد الإعلان عن تفاصيلها؛ لأننا ما نجهله عن تلك العملية البطولية أكثر مما نعرفه.

المفاجأة الثانية: تفجير موقع كارم أبو سالم –شديد التحصين- والذي خطف بالقرب منه جلعاد شاليط، وتم تفجيره عبر نفق أرضي.

المفاجأة الثالثة: إفصاح المقاومة عن امتلاكها صواريخ بعيدة المدى، ورأيي أن إخراج المقاومة لهذه العينة من الصواريخ في اليوم الأول من العدوان دلالة على أنها تمتلك أطول من هذا المدى، ويصل إلى أعماق أطول؛ مما دفع الكيان ليعترف بأن صواريخ المقاومة فاجأتنا، وقد شكل ذلك ضربة لسلاح الجو الصهيوني، وكذلك لكل أجهزة الاستخبارات وجمع المعلومات التي لم تستطع أن تقدر ما أعدته المقاومة خلال عامين من الزمن.

وما أن طُوِيت صفحة اليوم الأول من العدوان إذ طالعتنا المقاومة بمفاجآت متعددة منها:

  • تنفيذ عملية تسلل بحري إلى نفس النقطة، وإلى نفس الهدف، مع العلم أنه لم يمضِ على تنفيذ العملية الأولى سوى 24 ساعة في تحدٍّ واضح للاحتلال وضرب لمنظومته الأمنية. وقد اضطر جيش الاحتلال للاعتراف بأنه يقاتل جيش أشباح.
  • صيد المقاومة لآليات العدو الرابضة على تخوم غزة –والتي لم تتوغل بعد ولم تدخل في وحل غزة- وقد أصيب 5 آليات للعدو إصابات دقيقة ومحكمة.
  • تصدِّي المقاومة الفلسطينية لوحدة الكوماندوز البحري الصهيوني التي حاولت التسلل إلى قطاع غزة ليلًا، وقد وقعت في كمين محكم، وهربت مدرجة بدمائها ما بين قتيل أو مصاب، والتدريبات التي تتلقاها تلك الوحدة  المذكورة أكبر من أن تذكر في مثل هكذا بحث.
  • فشل منظومة القبة الحديدية والتي تكلف الاحتلال مبالغ باهظة، وتساهم أمريكا بتمويلها ودعمها في إسقاط الصواريخ، ولم تسقط 10% من الصواريخ التي سقطت على الكيان الصهيوني، وقد استطاعت المقاومة تحييد تلك المنظومة، وشل عملها عبر اختراع منظومة تشتت عملها، وقد أجرت تجربة تكللت بالنجاح.
  • آخر تلك المفاجآت إرسال المقاومة لسرب من الطائرات الاستطلاعية صباح يوم أمس للقيام بجولات استطلاعية فوق أجواء الكيان، والمدهش أن تعلن المقاومة الفلسطينية أن هذه الطائرات متعددة الطُّرز منها استطلاعي، وهجومي، وتفجيري، وكلها صناعة محلية!، وسط صمت مطبق في الأوساط السياسية والعسكرية الصهيونية سوى تصريح للناطق باسم الجيش الذي تبجح وكذب كذبة كبيرة زاعمًا أن الطائرة كانت مرصودة، ولكن الاحتلال امتنع إسقاطها منذ انطلاقها لأسباب، وهذا القول كذب صريح بواح.

ولا شك أن تفجير تلك المفاجأة أدَّى إلى كسر هيبة الاحتلال وغطرسته، وتحطيم منظومة الأمن، وتحقيق عنصر المفاجأة، وتحليق الطيران الغزِّي في أجواء الكيان، واختراقه للمجال الجوي الصهيوني الذي يمتلك منظومة كبيرة في منظومة الاستشعار والمراقبة الجويَّة.

وقد طرح العميد صفوت الزيات في مقابلة له عبر قناة الجزيرة عدة أسئلة مهمة في هذا الموضوع، حيث تساءل لماذا لم يتم إسقاطها بطريقة الكترونية عن طريق اختراق أجهزة التحكم الخاصة بها –مع الأخذ بعين الاعتبار أن دولة الكيان هي الدولة الثانية في الحرب الالكترونية على مستوى العالم-، ولماذا لم تعترضها منظومة القبة الحديديَّة، ولماذا لم تلتقطها أقمار التجسس، ومناطيد المراقبة العسكرية؟!

لقد تم اعتراض تلك الطائرة التي تبلغ تكلفتها 200 دولار أمريكي بصاروخ باتيورت الذي تبلغ كلفته 350 ألف دولار أمريكي.

وعقب الإعلان عن هذه المفاجأة من قبل المقاومة الفلسطينية كتب المحلل السياسي د. نهاد الشيخ خليل قائلا: " هل نحن في حلم؟ طائرة تُصْنع في غزة، وتحلق في أجواء الأرض المحتلة عام 1948م. معقول؟ أنا أصدِّق كتائب القسام، لكن مصدر الاستغراب هو أننا لم نتوقع هذا! عندما تتجمع المهارة والجسارة بعد مشيئة الله فستفتح أبواب التاريخ لشعبنا".

 

وأخيرا إن معركتنا مع الاحتلال معركة كسر عظم.. من يتحمل كثيرًا ينتصر أخيرًا بإذن الله رب العالمين.

.