فلسطين التاريخ / الواقع والمأمول

كلمات في سيرة الشيخ عادل نصار رحمه الله.

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيْمِ

 

رحمَ اللهُ تعالى العالِمَ الربَّانيَ : عــادل نصَّــار  (نحسبه كذلك)

 

كلمات في سيرة الشيخ رحمه الله

بقلم اللجنة العلمية ـ جمعية دار الكتاب والسنة

 

الحمدُ لله، والصلاةُ والسلامُ على رسول الله وعلى آله وصحبه ومَن والاه، وبعد

إنَّ الذي مارس الدعوة إلى الله في ظل ما تمرّ به الأمةُ اليوم ليشعرُ بالحاجة الماسة لرجلٍ يدعو إلى الله على بصيرة وعلم، بل ويَشعرُ بصعوبة الحصول على مثل هذا الرجل، فما أكثر ما سنواجه من عقبات، وإخفاقات!؟

كيف لا، والأمةُ اليوم بأمسِّ الحاجة لرجلٍ:

ـ عالِمٍ؛ وليس أيّ عالِم !، عالِم يحملُ الكتابَ والسنةَ، وبما كان عليه النبيُّ r وأصحابهُ رضي الله عنهم، وبفهم سائر السلف الصالح، متجرّداً عن العصبيات التي تقتل العلمَ، سواءٌ أكانت عصبيةً لقبيلةٍ أو لمذهبٍ أو لحزبٍ.

ـ رجلٍ حكيمٍ حليم، يُحسِنُ التصرّفَ، ثبْتٌ بغير عجلةٍ أو اتِّباعٍ لأهوائه وما يُغضبه، وقد قال النبيُّ  r لِلْأَشَجِّ أَشَجِّ عَبْدِ الْقَيْسِ: ((إِنَّ فِيكَ خَصْلَتَيْنِ يُحِبُّهُمَا اللَّهُ: الْحِلْمُ وَالْأَنَاةُ))(رواه مسلم).

ـ داعيةٍ يُحسنُ معاملةَ الناس، وله قَبولٌ عند الجميع، تراه في كلِّ ميدانٍ من ميادين الدعوة، وتجده كلما احتجت إليه.

ـ مُنصِفٍ عادلٍ، متجرِّدٍ عن الميلِ والهوى، قال الله تعالى: }وَإِذَا قُلْتُمْ فَاعْدِلُواْ وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَى{(الأنعام152).

ـ مُصلحٍ لذاتِ البين، وتراه كذلك في الفتن والنوازل.

 

فكيف لو فقدت الأمةُ رجلاً يحملُ كلَّ ما ذكرنا من الصفاتِ !؟ فأيُّ خسارةٍ تلك؟.

إنَّ الشيخَ عادل نصَّار رحمه الله الذي فقدته الأمةُ وأهلُ قطاع غزة خاصة، بإثر جريمة بشعة، لَنَحسَبُهُ مِمَّن يحملون كلَّ ما ذكرنا من خِصال؛ فكان عالِماً ربانياً، قضى عمُره بين كتاب الله وسنة رسوله r وكتبِ العلم، كان عاملاً داعياً؛ لطالما نظَّمَ أنشطةً دعويةً من خلال جمعية دار الكتاب والسنة، فهو نائبُ رئيس الجمعية، ورئيس اللجنة العلمية، بل كان ركناً في كلِّ أنشطتها، نحسبه كذلك، والله حسيبه، ونسألُهُ تعالى أن يتقبله عنده في الشهداء.

لماذا كانت حقوقُ أهل العلم ؟

لقد أوجبَ اللهُ تعالى علينا تقديرَ واحترامَ أهل العلم لأسبابٍ كثيرة: منها ردُّ الجميل والمعروف؛ فهم الذين علّمونا ديننا، وما يُنجِّينا عند الله تعالى، لكن الذي نُركِّزُ عليه، هو أن الحديثَ عن حقِّ أهل العلم إنما هو حديثٌ عن بقاء أو زوال الأمة !، كيف لا ؟ فالعلماءُ إن حمَلوا الحقَّ، ونشروه، كان الثباتُ للأمةِ والعِزُّ، وإلا فبخلاف هذا يكونُ الجهلُ والباطلُ، الذي يقود الأمةَ إلى الذُّلِّ والهوان، وعليه فالحديثُ عن حقوق أهل العلم إنما هو حديثٌ عن الأمة !.

ولو بحثنا عن الأسباب التي دفعت الكثيرَ من الناس ليستخفُّوا بحقوق أهل العلم لوجدناها كثيرة: منها البعدُ عن دين الله تعالى، وكثرة الانغماس في المعاصي، ومن أبرز هذه الأسباب: التعبئة الجاهلية لجماعةٍ ما أو حزبٍ ما، الأمر الذي يدفعُ المتعصِّبَ ألّا يرى الحقَّ إلا من خلال ما يتعصَّبُ إليه، وما سواه باطلاً.

نعم، فلأهل العلمِ حقوقٌ علينا، فكيف بمَن يزدري أهلَ العلم، ومَن ينتقصُ أعراضهم، وكيف بمَن ينالُ من دمائهم !؟ الله أكبر، ألهذا الحدِّ !؟.

وختاماً ننصحُ الجميعَ في خضم الفتن بالرجوع لأهل العلم، والانتصاح برأيهم.

وبالصبر على المصيبة، فما لنا إلا أن نقول: إنا لله وإنا إليه راجعون، فصبرٌ جميلٌ والله المستعان.

وأن لا نخوضُ في قيل وقال، أو نشر الإشاعات ومجاراتها.

وأن نتعظَ، ونضع الموتَ بين أعيننا؛ فقد دخلت المقبرةَ في آخر مرةٍ لي بصحبة الشيخ عادل رحمه الله، وكانت الكلمةُ له بعد أن حثونا التراب على قبر والدة أحد الإخوة، فمَن كان منا يتوقع أن المرةَ المقبلةَ ستكون لنحثو الترابَ على الشيخ !؟ فهل تسائلنا دورُ مَن منا في المرة القادمة ؟.

فرحم اللهُ الشيخَ عادل، قُتل يوم الجُمعة، وبعد أداء خطبة وصلاة الجُمعة، وشهدنا على جبينه العرق قبل دفنه، نحسبه عند الله شهيداً.

 

خاطرة :    فلسطين تودع عَلَماً من أعلامها (الشيخ/ عادل نصار)

 

حررها: تلميذه / الشيخ حسام الجزار

 

عُدتُ إلى البيت بعد أن وارى الترابُ جثمان الشيخ، فوجدتَ القلمَ يكتبُ، كتبت بكل مشاعري، لأول مرة أشعر بأنني شاعرٌ ولست كذلك.

سأكتب وسأتحدث عن أستاذي الذي تعلمت منه الأخلاق والهدوء، أتحدث عن شيخي الذي درسني في معهد دار الحديث الشريف، نعم إن القلب ليحزن وإن العين لتدمع وإنا على فراقك يا أبا عبد الله لمحزونون.

عادت لي الذكريات إلى الوراء وأنا أتذكر عطاءه وكرمه يوم كان يصنع لأضيافه الطعام بيده، وأنا أتذكر يوم كنت أقف مغضباً ومعترضاً فيقابلني بابتسامته الجميلة وبتوجيهاته الحكيمة.

رحمك الله يا أبا عبد الله لقد كنت غريباً وأنت تدعو إلى السنة في زمن البدعة، وأنت تحارب الحزبية التي أعمت أصحابها، وأنت تحارب التشدد المقيت الذي جعل أصحابه يتطاولون على أهل العلم.

نعم إننا نودع اليوم علماً من أعلام فلسطين وعالماً من علمائها البارزين وإنا لله وإنا إليه راجعون.

 

.