فلسطين التاريخ / الواقع والمأمول
من يُسكت تلك الأفواه الماجنة ؟!
د.عيسى القدومي
حقاً أننا نرى إعلاما فاسدا ... أبواق يُسمح لها أن تشيع الكذب والتدليس ..وتفرح بتنكيل المسلمين، ورؤية الأشلاء تحت مبررات ماجنة ...أناس جندوا أفواههم لخدمات يعجز عنها المتحدث الرسمي لجيش العدوان الصهيوني، بل وكتّاب الصحف العبرية؟! ... أعطوا لليهود حقوقا في قصف أرضنا وتدنيس مقدساتنا وقتل أطفالنا وعجائزنا ...
هم من بني جلدتنا، ويتكلمون بألسنتنا، ويتسمون بأسمائنا، وعملهم الدؤوب النخر في جسد الأمة، وتبني أدوات أعداء الأمة لضرب أمتنا من الداخل، بعد أن لبسوا على الكثير من المخدوعين من أمتنا!
كانت تصريحاتهم ولقاءاتهم في السابق أكثر تورية وتقية؛ لأن الأمة الإسلامية لم تكن بهذا الانكسار والضعف كما عليه الآن، فصوت هؤلاء وظهورهم يخفت حين تكون الأمة في قوتها، ومكانتها التي كانت عليها، وظهورهم مرهون بضعف الأمة، وتكالب أعدائها عليها، وهذا هو حال كل من أراد السوء لهذه الأمة منذ عهد النبوة إلى الآن!!
وما يُقال ويكتب الآن هو امتداد للمقولات والشبهات والأكاذيب التي ترادفت مع مشروع إقامة وطن قومي لليهود؛ حيث ساهمت في تشويه صورة الفلسطينيين أمام امتدادهم العربي والإسلامي حتى لا يتعاطفوا معهم، أو يساندوهم في استرداد أرضهم المسلوبة، وليُفقِدوا الشعوب العربية والإسلامية الحماس لنصرة فلسطين وأهلها.
والتي يصفها حينذاك الشيخ «محمد أمين الحسيني» -مفتي فلسطين، ورئيس الهيئة العربية العليا-: «بأن المخابرات البريطانية -وبالتعاون مع اليهود- أنشؤوا مراكز دعاية عدة ضد الفلسطينيين، ومن جملة ما أنشؤوه من مراكز الاستخبارات والدعاية في الأقطار العربية، مركز للدعاية في القاهرة في شارع قصر النيل، وكان يرأس بعضها بريطانيون، وجندوا معهم عملاء وجواسيس؛ كان من مهامهم بث الدعاية المعروفة بدعاية الهمس، فضلاً عن نواحي الدعاية الأخرى»(1).
ويضيف الحسيني: «ولقيت تلك الأكاذيب نجاحاً ورواجاً كبيراً في أول سنين كارثة فلسطين، وأصبحت أقلاماً عابثة وكائدة وعميلة تبث الإشاعات عبر صحف عربية، فتحت لهم ليكتبوا وينشروا الأباطيل؛ شوهوا من خلالها صورة الفلسطيني»(2).
فقالوا: «إن الفلسطينيين يبيعون ضباط الجيوش العربية وجنودها لليهود»، «وأن الفلسطينيين لم يدافعوا عن أرضهم، بل باعوها وسلموها تسليماً لليهود»!! «ولولا معارضة الفلسطينيين للحلول التي عرضتها بريطانيا لحل القضية؛ لما وصلت الحالة إلى ما وصلت إليه»!!
حتى كتب بعضهم: «لماذا تطالبونا بتحرير أرض قبض ثمنها؟!» ماذا نعمل لكم كلما نحررها تبيعونها...!!».
ويقول الشيخ الحسيني: «مع ذلك لم تكن تسمح تلك الصحف أن تنشر في حينها ما يدفع التهم، ويرد تلك الأباطيل»(3).
وإلى الآن ما زال بعضهم يكرر تلك الشبهات والأباطيل التي طالما أشاعها اليهود لإثبات حقهم في أرض فلسطين!! وهذا ليس بجديد على ذلك الإعلام الذي أشاع الأكاذيب على مدى عقود من الزمن.
ولكشف حقيقة تلك الأبواق أنصح بقراءة كتاب الصحافة الصهيونية في مصر (1896-1954)، للكاتبة المصرية د.عواطف عبد الرحمن، التي كشفت بالأدلة والوقائع تتغلغل الصهاينة في تلك صحافة المصرية منذ أن بدأ المشروع الصهيوني في فلسطين!! وأظن أنه لا داعي للتدليل على ذلك، فالمشاهد لقنوات الخزي وبث الأكاذيب والشائعات يتحقق من ذلك سريعاً.
هؤلاء لا بد من تعرية فكرهم وفضح أهدافهم، وكشف حيلهم ومكرهم، وتوعية الأمة بخطورتهم، وكشف انتماءات أفكارهم وأبعادها وما وراءها، والرد على أقوالهم وكتاباتهم، ونشر كل ما يدحض أكاذيبهم، وإعداد الكوادر القادرة على متابعة كتاباتهم وأنشطتهم، والرد على ضلالاتهم، وتفنيد مزاعمهم وشبههم ضد الإسلام وقضاياه العادلة وحقوقه في أرضه ومقدساته، وبالأخص في أجهزة الأعلام والفضائيات ، والتي أراها ولا أصدق أنني سأسمع مثل تلك الأكاذيب في يوم من الأيام ....
فيا أهل غزة ... و يا أهل فلسطين .... أنتم ملامين عند هؤلاء ... في سلمكم ... وفي حربكم ... وفي تهدئتكم ... وفي دفاعكم ... وفي مقاومتكم ... وحين ذبحكم ... وفي حصاركم وتجويعكم ... وفي قصفكم ... وحين تموتون أشلاء... !!
الهوامش:
1 - «حقائق عن قضية فلسطين»، الشيخ محمد أمين الحسيني، إصدار الهيئة العربية العليا لفلسطين (1957م)، (ص59).
2 - المرجع السابق، (ص7).
3 - المرجع السابق، (ص7).
.