فلسطين التاريخ / منتقى الأخبار

إسرائيل في سباق مع الزمن لإضفاء طابع يهودي على معالم القدس.

أثرياؤها يدفعون وزن تراب البلدة القديمة ذهباً..

إسرائيل في سباق مع الزمن لإضفاء طابع يهودي على معالم القدس

الحياة 2/3/2008م/ لم يكن العرض من النوع الذي يمكن لأي إنسان مقاومته، غير أن مصدره جهة استعمارية: محامون يهود يعرضون على مواطن فلسطيني من مدينة القدس مبلغاً خيالياً لشراء منزله الآيل للسقوط في البلدة القديمة من المدينة المقدسة: مليون دولار.

المواطن المقدسي المستهدف قاوم عملية إغراء شرسة: في اليوم الأول عرضوا عليه أربعة آلاف دولار ثمناً للمتر المربع الواحد من البيت. وبعد أيام من رفضه عادوا بعرض آخر: خمسة آلاف دولار. ثم تطور الأمر إلى أن وصل أخيراً إلى ثمانية آلاف دولار للمتر.

ما تعرض له هذا المواطن المقدسي ليس سوى رأس جبل الجليد في سياسية إسرائيلية رسمية وغير رسمية تهدف إلى إحكام السيطرة على مدينة القدس واستبدال طابعها العربي بآخر يهودي، خصوصاً في البلدة القديمة، قبل أي حل سياسي بين الطرفين.

وبدأت السياسية الإسرائيلية للاستيلاء على الأملاك العربية في المدينة المقدسة منذ الأيام الأولى لاحتلال المدينة في 4 حزيران (يونيو) 1967. وشملت هدم وإزالة أحياء سكنية برمتها، مصادرة أراض وإقامة مستوطنات عليها، تخصيص أكثر من نصف مساحة المدينة أرضاً خضراء يحظر البناء عليها، تحديد مناطق البناء بـ12 في المئة فقط من أراضي المدينة، فرض رسوم باهظة على إقامة المباني تصل إلى 30 ألف دولار للمسكن الواحد، هدم كل مبنى يقام من دون ترخيص، وعدم منح تراخيص بناء على أي أرض ليس فيها سند ملكية «طابو»، وهو ما أدى إلى حرمان أهل المدينة من البناء في نصف أراضيهم. وجاء الجدار الفاصل الذي التف حول المدينة بطول 207 كيلومترات، وصادر منها حوالي 40 ألف دونم، وهدم في طريقه عشرات المباني والمنشآت. ويقول الباحث في مركز الأراضي في القدس يعقوب عودة إن إسرائيل هدمت 8500 بناية في القدس منذ احتلالها في العام 1967 تحت ذرائع مختلفة. وأضاف أن «مدينة القدس هي النقطة المركزية في الصراع مع الاحتلال الإسرائيلي، لذلك اتبعت إسرائيل سياسة منهجية للسيطرة على أكبر قدر من مساحة المدينة وتفريغ أكبر عدد ممكن من أهلها».

وبدأت إسرائيل سياستها الرامية إلى الاستيلاء على أراضي القدس، وتغيير الميزان الديموغرافي فيها فور احتلال المدينة، فبعد أيام من الاحتلال، وتحديداً في الحادي عشر من حزيران (يونيو) عام 1967، أقدمت على هدم حي المغاربة وحي آخر محيط بالمسجد الاقصى. وكان حي المغاربة يضم 135 مبنى بين بيت ومدرسة ومسجد ومنشأة. وفي محيط الحرم القدسي هدمت إسرائيل 200 بيت ومبنى، ثم هدمت في الفترة ذاتها قرى اللطرون الثلاث الواقعة شمال غرب المدينة التي كانت تضم خمسة آلاف بيت ومبنى.

واتبعت سياسية استيطانية تقوم على إنشاء مستوطنات ومدن استيطانية كبيرة ملحقة بالقدس، وتغيير الطابع العربي للبلدة القديمة إلى طابع يهودي. ووصل عدد المستوطنات المقامة على أراضي المواطنين الفلسطينيين في القدس 17 مستوطنة، بينها مدينة معاليه ادوميم الاسيتطانية الكبيرة.

وفي البلدة القديمة، سيطرت جمعيات اسيتطانية على عشرات المنازل. وقال رئيس دائرة الخرائط في «جمعية الدراسات العربية في القدس» الخبير في شؤون الاستيطان خليل توفكجي إن عدد المباني التي سيطرت عليها إسرائيل في البلدة القديمة 70 مبنى. وأضاف أن بينها مباني كبيرة مثل فندق مار يوحنا الذي يضم 24 غرفة فندقية وبيت شارون المؤلف من ثلاث طبقات.

ويشير توفكجي إلى أن إسرائيل استخدمت أربع طرق للاستيلاء على هذه المباني هي: سيطرة بحجة الأمن، وسيطرة على أملاك غائبين، وسيطرة على أملاك يهودية قديمة، أو سيطرة عبر عقود استخدام من قبل مستأجرين. ولجأت إسرائيل إلى تحديد استخدامات الأراضي في المدينة لتجريد أهلها من النسبة الأكبر من أراضيهم (86 في المئة منها)، فخصصت 54 في المئة منها أراضي خضراء لمنع إقامة أي بناء أو حضور عربي عليها. وخصصت 12 في المئة فقط من أرض المدينة للبناء، لكنها اشترطت توافر شهادات ملكية للأرض، ما لا يتوافر في نصف هذه المساحة.

ومنذ العام 1973، اتبعت إسرائيل سياسة تهدف إلى الحفاظ على ما تسميه غالبية يهودية في القدس الكبرى التي تضم القدس الشرقية والغربية بحيث لا تزيد نسبة العرب على 22 في المئة من إجمالي سكان المدينة. وأوقفت المصادقة على جميع المخططات الهيكلية للقرى والتجمعات الفلسطينية. ودفع الحرمان من البناء على أرضهم بالطرق القانونية أهالي القدس إلى اللجوء للبناء غير المرخص، وهو ما وجدت فيه إسرائيل فرصة لهدم عدد كبير من المباني الجديدة. وقال عودة إن 20 ألف مسكن في القدس مهددة بالهدم بسبب ما تسميه إسرائيل «مخالفات بناء».

ويشير إلى أن حاجات النمو الطبيعي للمواطنين في القدس تصل إلى ألفي وحدة سكنية سنوياً، ما يدفعهم تحت ضغط الحاجة إلى البناء من دون ترخيص.

وشكل جدار الفصل وسيلة إضافية جديدة لتجريد المواطنين العرب في القدس من أراضيهم، فأدى بناء الجدار الذي يلتف حول المدينة بطول 207 كليومترات إلى مصادرة 40 ألف دونم، وهدم عشرات المباني.

ومنذ انعقاد مؤتمر أنابوليس في نهاية تشرين الثاني (نوفمبر) الماضي، اتبعت الحكومة الإسرائيلية وبلدية القدس سياسية تكثيف وتوسيع البناء الاستيطاني في المدينة ليشمل مختلف الأراضي الفارغة حول المدينة وبين المستوطنات القائمة. ويقول خليل توفكجي إن وزارة الإسكان الإسرائيلية قررت إقامة مستوطنات جديدة في أراضي القدس باعتبارها أحياء في المستوطنات القائمة، وليست مستوطنات جديدة، لتفادي ردود فعل دولية.

وأعلنت إسرائيل عقب أنابوليس سلسلة عطاءات لإقامة آلاف الوحدات السكنية في مستوطنات القدس، بعضها في أحياء استيطانية جديدة. وأمام الجهد الإسرائيلي الاستثنائي للسيطرة على القدس، يظهر الجهد الفلسطيني والعربي بالغ التواضع. ويقول عودة إن نحو أربعة آلاف بيت في القدس القديمة في حاجة لترميم، ولا تجد من يبادر إلى ترميمها وحمايتها للصمود في وجه الزمن والاستيطان.

ونشرت صحيفة «يديعوت احرونوت» العبرية أخيراً خبراً مفاده ان أثرياء خليجيين يبحثون عن بيوت في القدس لشرائها. لكن توفكجي يقول إن السلطات الاسرائيلية ترمي من وراء تسريب هذا النبأ إلى حض الأثرياء اليهود على مزيد من الجهد وبذل مزيد من المال للاستيلاء على عقارات القدس.

.