دراسات وتوثيقات / دراسات وبحوث

إعداد العُدة في قوله تعالى وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة

 

 

إعداد العُدة في قوله تعالى

وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة

 

 

إعداد:  وليد ملحم

مـــركــز بيت المقدس- اليمن

 

 

إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً.

﴿ يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله حق تقاته ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون ﴾، ﴿ يا أيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة وخلق منها زوجها وبث منهما رجالاً كثيراً ونساءا واتقوا الله الذي تساءلون به والأرحام إن الله كان عليكم رقيبا ﴾، ﴿يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وقولوا قولاً سديدا، يصلح لكم أعمالكم ويغفر لكم ذنوبكم ومن يطع الله ورسوله فقد فاز فوزاً عظيماً﴾.

          أمّا بعد :

          قال تعالى في محكم كتابه العظيم ﴿ هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولاً مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آَيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ ﴾. إن دين الإسلام دين عظيم فهو لم يدع شاردة ولا واردة تخص دوام الحياة البشرية إلا ذكرها في كتابه قال تعالى: ﴿ وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا طَائِرٍ يَطِيرُ بِجَنَاحَيْهِ إِلَّا أُمَمٌ أَمْثَالُكُمْ مَا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِنْ شَيْءٍ ﴾ الأنعام 38. لذلك فإن دين الإسلام دين منظم ومرتب وليس دين الغوغاء والرعاع فقد جعل الله لكل شيء وزنه وقدره. ولما كان الجهاد في سبيل الله من أعظم أمور الدين بعد أركان الإسلا م الخمسة حتى جعله الشارع ذروة سنام الإسلام وقبته ومنازل أهله أعلى المنازل في الجنة كما لهم الرفعة في الدنيا فهم الأعلون في الدنيا والآخرة. وجعل تركه من أسباب الذل والهوان كما قال صلى الله عليه وسلم في الحديث الذي رواه أبو داود عن ابن عمر  قال: "سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: إذا تبايعتم بالعينة، وأخذتم أذناب البقر، ورضيتم بالزرع، وتركتم الجهاد سلط الله عليكم ذلاً لا ينزعه حتى ترجعوا إلى دينكم"[1]. ولما كان الجهاد يحتاج الى قوة وإعداد عدة فقد ذكرها الله في كتابه حيث قال: ﴿ وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ وَآَخَرِينَ مِنْ دُونِهِمْ لَا تَعْلَمُونَهُمُ اللَّهُ يَعْلَمُهُمْ وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ شَيْءٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنْتُمْ لَا تُظْلَمُونَ ﴾ الأنفال 60. وقال تعالى ﴿ وَلَوْ أَرَادُوا الْخُرُوجَ لَأَعَدُّوا لَهُ عُدَّةً وَلَكِنْ كَرِهَ اللَّهُ انْبِعَاثَهُمْ فَثَبَّطَهُمْ وَقِيلَ اقْعُدُوا مَعَ الْقَاعِدِينَ ﴾ التوبة 46. فماهي هذه القوة هل هي قوة مقدرة ولها ضوابط أم هى قدرة جائت بلفظ عام تشمل كل قوة صغيرة كانت أم كبيرة، هذا ما سنراه في ثنايا هذا البحث إن شاء الله من أقوال أهل العلم والمفسرين وسيكون محور البحث حول آية الأنفال ﴿ وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ...﴾ الآية.

معاني مفردات الآية:

1.      الإعداد: أعد الشئ إذا هيأه وجهزه، والإعداد للحرب: التجهز لها بالتدريب والتسليح والإيمان (معجم لغة الفقهاء).

2.      الاستطاعَةُ: أَصله الاستِطْواعُ فلمّا أُسْقِطَتْ الواوُ جُعِلَت الهاءُ بدلاً عنها. وقال الرَّاغِبُ: الاستطاعَةُ عندَ المُحَقِّقينَ: اسمٌ للمعاني التي بها يَتَمَكَّنُ الإنسانُ مِمّا يُريدُه من إحداثِ الفعلِ (تاج العروس).

3.      القوة: نقيض الضعف والجمع قُوًى وقِوًى وقوله عز وجل يا يحيى خُذِ الكتاب بقُوَّةٍ أَي بِجِدّ وعَوْن من الله تعالى (لسان العرب).

4.      رباط الخيل: قال ابن حجر. الرِّبَاطُ بِكَسْرِ الرَّاءِ وَبِالْمُوَحَّدَةِ الْخَفِيفَةِ مُلَازَمَة الْمَكَان الَّذِي بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ وَالْكُفَّارِ لِحِرَاسَةِ الْمُسْلِمِينَ مِنْهُمْ انتهى. والرِّبَاطُ: الفُؤادُ كأَنَّ الجِسْم رُبِطَ به. والرِّبَاطُ: المُواظَبَةُ عَلَى الأَمْرِ. قالَ الفارِسِيُّ: هو ثَانٍ من لُزُومِ الثَّغْرِ ولُزُومُ الثَّغْرِ: ثانٍ من رِباطِ الخَيْلِ: والرِّبَاط: مُلازَمَةُ ثَغْرِ العَدُوِّ كالمُرابَطَةِ كما في الصّحاح. ورِبَاطُ الخَيْلِ: مُرابَطَتُها ورُبَّما سُمِّيَ الخَيْلُ رِبَاطاً. أَو الرِّبَاطُ: الخَيْلُ الخَمْسُ مِنْها فما فَوْقَها نَقَلَهُ الجَوْهَرِيّ (تاج العروس)

5.      ترهبون: رهب: الرَّهبة: الخَوفُ والفَزَع. الرَّهْبة: الخَوفِ كانوا يترَهَّبون بالتَّخلّى من أشْغال الدُّنْيا. (النهاية في غريب الحديث والأثر)

أقوال أهل العلم ما المراد بالقوة:

          قال الألوسي في تفسيره: وَأَعِدُّواْ لَهُمْ خطاب لكافة المؤمنين لما أن المأمور به من وظائف الكل أي أعدوا لقتال الذين نبذ إليهم العهد وهيئوا لحرابهم كما يقتضيه السباق أو لقتال الكفار على الإطلاق وهو الأولى كما يقتضيه ما بعده ما استطعتم مّن قُوَّةٍ أي من كل ما يتقوى به في الحرب كائناً ما كان، وأطلق عليه القوة مبالغة، وإنما ذكر هذا لأنه لم يكن له في بدر استعداد تام فنبهوا على أن النصر من غير استعداد لا يتأتى في كل زمان، وعن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما تفسير القوة بأنواع الأسلحة، وقال عكرمة: هي الحصون والمعاقل. وفي رواية أخرى عنه أنها ذكور الخيل".

          وأخرج أحمد ومسلم وخلق كثير عن عقبة بن عامر الجهني قال: "سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول وهو على المنبر: وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة ألا إن القوة الرمي، قالها ثلاثاً". والظاهر العموم إلا أنه عليه الصلاة والسلام خص الرمي بالذكر لأنه أقوى ما يتقوى بها فهو من قبيل قوله صلى الله عليه وسلم " الحج عرفة". وقد مدح عليه الصلاة والسلام الرمي أمر بتعلمه في غير ما حديث، وجاء عنه عليه الصلاة والسلام:" كل شيء من لهو الدنيا باطل إلا ثلاثة: انتضالك بقوسك وتأدبك فرسك وملاعبتك أهلك فانها من الحق".[2]

وقال "وأنت تعلم أن الرمي بالنبال اليوم لا يصيب هدف القصد من العدو لأنهم استعملوا الرمي بالبندي والمدافع ولا يكاد ينفع معهما نبل وإذا لم يقابلوا بالمثل عم الداء العضال واشتد الوبال والنكال وملك البسيطة أهل الكفر والضلال فالذي أراده والعلم عند الله تعالى تعين تلك المقابلة على أئمة المسلمين وحماة الدين، ولعل فضل ذلك الرمي يثبت لهذا الرمي لقيامه مقامه في الذب عن بيضة الإسلام ولا أرى ما فيه من النار للضرورة الداعية إليه إلا سبباً للفوز بالجنة إن شاء الله تعالى، ولا يبعد دخول مثل هذا الرمي في عموم قوله سبحانه:  ﴿ وأعِدُّواْ لَهُمْ مَّا استطعتم مّن قُوَّةٍ ومِن رّبَاطِ الخيل ﴾. رباط قيل: اسم للخيل التي تربط في سبيل الله تعالى على أن فعال بمعنى مفعول أو مصدر سميت به يقال:  ربط ربطاً ورباطاً ورابط مرابطة ورباطاً.

قال الشوكاني رحمه الله في فتح القدير: "أمر سبحانه بإعداد القوّة للأعداء، والقوّة كل ما يتقوّى به في الحرب، ومن ذلك السلاح والقسيّ. وقد ثبت في صحيح مسلم وغيره من حديث عقبة بن عامر قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو على المنبر يقول: " وأعدّوا لهم ما استطعتم من قوّة، ألا إن القوّة الرمي، قالها ثلاث مرات". وقيل: هي الحصون، والمصير إلى التفسير الثابت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم متعين. قوله: ﴿ ومِن رّبَاطِ الخيل ﴾. قرأ الحسن وعمرو بن دينار وأبو حيوة. ﴿ ومن ربط الخيل ﴾ بضم الراء والباء ككتب جمع كتاب. قال أبو حاتم: "الرباط من الخيل الخمس فما فوقها، وهي الخيل التي ترتبط بإزاء العدو". ومنه قول الشاعر:

أمر الإله بربطها لعدوّه      u      في الحرب إن الله خير موفق

قال في الكشاف: والرباط اسم للخيل التي تربط في سبيل الله، ويجوز أن يسمى بالرباط الذي هو بمعنى المرابطة: ويجوز أن يكون جمع ربيط كفصيل وفصال انتهى. ومن فسر القوّة بكل ما يتقوّى به في الحرب جعل عطف الخيل من عطف الخاص على العام، وجملة ْ﴿ ترهِبُونَ بِهِ عَدْوَّ الله وَعَدُوَّكُمْ ﴾ في محل نصب على الحال، والترهيب: التخويف، والضمير في به عائد إلى  "ما"  في "ما استطعتم" إلى المصدر المفهوم من "وأعدّوا" و هو الإعداد انتهى .

قال ابن عاشور: ودخل في "ما استطعتم" كل ما يدخل تحت قدرة الناس اتّخاذه من العُدّة.

والخطاب لجماعة المسلمين ووُلاَة الأمر منهم، لأنّ ما يراد من الجماعة إنّما يقوم بتنفيذه وُلاَة الأمور الذين هم وكلاء الأمّة على مصالحها.

والقوة كمال صلاحية الأعضاء لعملها وقد تقدّمت آنفاً عند قوله إن الله قوي شديد العقاب.  الأنفال 52، وعند قوله تعالى: "فخذها بقوة "وتطلق القوة مجازاً على شدّة تأثير شيء ذي أثر، وتطلق أيضاً على سبب شدّة التأثير، فقوة الجيش شدة وقعه على العدوّ، وقوته أيضاً سلاحه وعتاده، وهو المراد هنا، فهو مجاز مرسل بواسطتين، فاتّخاذ السيوف والرماح والأقواس والنبال من القوة في جيوش العصور الماضية، واتّخاذ الدبابات والمدافع والطيارات والصواريخ من القوّة في جيوش عصرنا... وعطف "رباط الخيل" على القوة من عطف الخاصّ على العام، للاهتمام بذلك الخاصّ.

و"الرباط" صيغة مفاعلة أُتِيَ بها هنا للمبالغة لتدلّ على قصد الكثرة من ربط الخيل للغزو، أي احتباسها وربطها انتظاراً للغزو عليها انتهى.

قال الشيخ أبو بكر الجزائري في أيسر التفاسير: بمناسبة انتهاء معركة بدر وهزيمة المشركين فيها، وعودتهم إلى مكة وكلهم تغيظ على المؤمنين وفعلاً أخذ أبو سفيان يعد العدة للانتقام. وما كانت غزوة أحد إلا نتيجة لذلك هنا أمر الله تعالى رسوله صلى الله عليه وسلم والمؤمنين بإعداد القوة وبذل ما في الوسع والطاعة لذلك فقال تعالى: ﴿ وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة ﴾ وقد فسر النبي صلى الله عليه وسلم القوة بالرمي بقوله: "ألا إن القوة الرمي" قالها ثلاثاً وقوله تعالى: "ومن رباط الخيل ترهبون به عدو الله وعودكم وآخرين من دونهم لا تعلمونهم الله يعلمهم". ويخبر تعالى عباده المؤمنين بعد أن أمرهم بإعداد القوة على اختلافها فأن رباطهم للخيل وحبسها أمام دورهم معدة للغزو والجهاد عليها يرهب أعداء الله من الكافرين والمنافقين أي يخوفهم حتى لا يفكروا في غزو المسلمين وقتالهم، وهذا ما يعرف بالسلم المسلح، وهو أن الأمة إذا كانت مسلحة قادرة على القتال يرهَبُها أعداؤها أن يحاربونها، وإن رأوها لا عدة لها ولا عتاد ولا قدرة على رد أعدائها أغراهم ذلك بقتالهم فقاتلوها انتهى.

قال الإمام السعدي رحمه الله: أي وَأَعِدُّوا لأعدائكم الكفار الساعين في هلاككم وإبطال دينكم ﴿ ما اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ ﴾ أي كل ما تقدرون عليه من القوة العقلية والبدنية وأنواع الأسلحة ونحو ذلك مما يعين على قتالهم، فدخل في ذلك أنواع الصناعات التي تعمل فيها أصناف الأسلحة والآلات من المدافع والرشاشات، والبنادق، والطيارات الجوية، والمراكب البرية والبحرية، والحصون والقلاع والخنادق، وآلات الدفاع، والرأْي والسياسة التي بها يتقدم المسلمون ويندفع عنهم به شر أعدائهم، وتَعَلُّم الرَّمْيِ، والشجاعة والتدبير.

ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم: "ألا إن القوة الرَّمْيُ" ومن ذلك: الاستعداد بالمراكب المحتاج إليها عند القتال، ولهذا قال تعالى ﴿ و َمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ ﴾ هذه العلة موجودة فيها في ذلك الزمان، وهي إرهاب الأعداء، والحكم يدور مع علته.

فإذا كان شيء موجوداً أكثر إرهاباً منها، كالسيارات البرية والهوائية، المعدة للقتال التي تكون النكاية فيها أشد، كانت مأموراً بالاستعداد بها، والسعي لتحصيلها، حتى إنها إذا لم توجد إلا بتعلُّم الصناعة، وجب ذلك، لأن ما لا يتم الواجب إلا به، فهو واجب وقوله ﴿ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ ﴾ ممن تعلمون أنهم أعداؤكم. ﴿ وَآخَرِينَ مِنْ دُونِهِمْ لا تَعْلَمُونَهُمُ ﴾ ممن سيقاتلونكم بعد هذا الوقت الذي يخاطبهم الله به "اللَّهُ يَعْلَمُهُمْ" فلذلك أمرهم بالاستعداد لهم، ومن أعظم ما يعين على قتالهم بذلك النفقات المالية في جهاد الكفار.

ولهذا قال تعالى مرغبا في ذلك ﴿ وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ شَيْءٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ﴾ قليلاً كان أو كثيراً  ﴿ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ ﴾ أجره يوم القيامة مضاعفاً أضعافاً كثيرة انتهى.

ذكرالإمام البخاري في صحيحه بَاب التَّحْرِيضِ عَلَى الرَّمْيِ وَقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى:

﴿ وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ ﴾

قال الإمام ابن حجر في الفتح في شرح هذا الباب: لَمَّحَ بِمَا جَاءَ فِي تَفْسِيرٍ اِلْقُوَّةِ فِي هَذِهِ الآيَةِ أَنَّهَا الرَّمْيُ وَهُوَ عِنْد مُسْلِمٍ مِنْ حَدِيثِ عُقَبَةَ بْنِ عَامِرٍ وَلَفْظُه: "سَمِعَتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ وَهُوَ عَلَى الْمِنْبَرِ: وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اِسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةِ أَلا إِنَّ الْقُوَّةَ الرَّمْيُ ثَلاثًاً".

 وَلأبِي دَاوُد وَابْنِ حِبَّانَ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ عَنْ عُقْبَةَ بْن عَامِر رَفَعَهُ:نَّ اللَّهَ يُدْخِلُ بِالسَّهْمِ الْوَاحِدِ ثَلاثَةً الْجَنَّة، صَانِعُهُ يَحْتَسِبُ فِي صَنْعَتِهِ الْخَيْرَ، وَالرَّامِي بِهِ وَمُنَبِّلَهُ فَارْمُوا وَارْكَبُوا وَأَنْ تَرْمُوا أَحَبّ إِلَيَّ مِنْ أَنْ تَرْكَبُوا"  [3]الْحَدِيث، وَفِيهِ" وَمَنْ تَرَكَ الرَّمْي بَعْدَ عِلْمِهِ رَغْبَةً عَنْهُ فَإِنَّهُ نِعْمَة كَفَرَهَا". وَلِمُسْلِمٍ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ عَنْ عُقْبَةَ رَفَعَهُ:" مَنْ عَلِمَ الرَّمْيَ ثُمَّ تَرَكَهُ فَلَيْسَ مِنَّا أَوْ فَقَدْ عَصَى". وَرَوَاهُ اِبْن مَاجَهْ بِلَفْظ:" فَقَدْ عَصَانِي". قَالَ الْقُرْطُبِيّ: "إِنَّمَا فَسَّرَ الْقُوَّةَ بِالرَّمْي وَإِنْ كَانَتْ الْقُوَّةُ تَظْهَرُ بِأَعْدَادِ غَيْرِهِ مِنْ آلآتِ الْحَرْبِ لكون الرَّمْيِ أَشَدّ نِكَايَة فِي الْعَدُوِّ وَأَسْهَل مُؤْنَة لِأَنَّهُ قَدْ يَرْمِي رَأْسَ الْكَتِيبَة فَيُصَابُ فَيُهْزَمُ مَنْ خَلْفَهُ".

قال ابن القيم في كتابه القيم أحكام أهل الذمة حول هذه المسالة: ﴿ قال تعالى وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة ومن رباط الخيل ترهبون به عدو الله وعدوكم ﴾ فجعل رباط الخيل لأجل إرهاب الكفار فلا يجوز أن يمكنوا من ركوبها -أي أهل الذمة[4]- إذ فيه إرهاب المسلمين وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم الخيل معقودٌ في نواصيها الخير إلى يوم القيامة الأجر والمغنم وأهل الجهاد هم أهل الخيل والخير لاستعمالهم الخيل في الجهاد فهم أحق بركوب ما عقد الخير بنواصيها من المراكب".

وقال رحمه الله في كتاب الفروسية: "أوجه تفضل الرمي بالنشاب على ركوب الخيل وذكر منفعته وتأثيره ونكايته في العدو".

وذهبت طائفة ثانية إلى أن الرمي أفضل من الركوب وتعلمه أفضل من تعلمه والسباق به أفضل واحتج هذه الفرقة بوجوه منها:

1.      أن الله سبحانه قدم الرمي في الذكر على الركوب فقال: ﴿ وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة ومن رباط الخيل ﴾ الأنفال 60. وثبت عن النبي » أنه فسر القوة بالرمي والعرب إنما تبدأ في كلامها بالأهم والأولى قال سيبويه: "كأنهم إنما يقدمون الذي بيانه أهم لهم وهم ببيانه أعنى وإن كانا جميعاً يهمانهم ويعنيانهم هذا لفظه".

2.      أنه سمَى الرمي قوة وعدل عن لفظه وسمَى رباط الخيل بلفظه ولم يعدل إلى غيره إشارة إلى ما في الرماية من النكاية والمنفعة.

3.      أن النبي صلى الله عليه وسلم أخبر أن الرمي أحب إليه من الركوب فدل على أنه أفضل منه ففي سنن أبي داود والنسائي والترمذي من حديث عقبة بن عامر قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن الله ليدخل بالسهم الواحد ثلاثة نفر الجنة صانعه المحتسب في عمله الخير والرامي به والممد به فارموا واركبوا وأن ترموا أحب إلي من أن تركبوا".[5]

4.      أن الرمي ميراث من إسماعيل الذبيح كما في صحيح البخاري أن النبي مر بنفر ينتضلون فقال: "ارموا بني إسماعيل فإن أباكم كان رامياً".

5.      أن النبي دخل مع الفريقين معاً في النضال ولم يدخل مع الفريقين في سباق الخيل فدل على فضل الرماة والرماية فأراد أن يحوز فضل الفريقين وأن لا يفوته منه شيءانتهى.

بعد هذا البيان لأهل العلم في تفسير وتحديد القوة اللازم اعتبارها في مقاتلة الكفار وهي قوة تؤدي النكاية بالكفار لا كما يعتقده كثير من المسلمين بأنها أى قوة حتى يصفها بعضهم بأن نعد الحجارة أوسكاكين المطبخ[6] أن ديننا كما سبق دين منظم ودين واقعي وليس دين الثورات الغوغائية كما يصفها العلامة الألباني رحمه الله حيث قال: لكن الجهاد يجب أن يعد له عدته كما قال تعالى: "وأعدوا لهم ...الآية" هذا الجهاد حين يعلن فتتخذ له العدة هو الذي لا يجوز التخلف عنه. أما الجهاد بمعنى ثورة إفراد يثورون ولو انتقاما لدينهم أو لارضهم فذلك ليس جهاداً انتهى. وقال العلامة ابن عثيمين رحمه الله أن في عصرنا الحاضر يتعذر القيام بالجهاد في سبيل الله بالسيف ونحوه لضعف المسلمين مادياً ومعنوياً وعدم اتيانهم بأسباب النصر الحقيقية انتهى. بعد هذه المحنة العصيبة التي مرت بالمسلمين ولا زالت يجب على المسلمين أن يتنبهوا إلى الأخذ بأسباب القوة المادية والمعنوية التي شرع الله ولا يكونوا في ذيل الأمم، فإن لفظ القوة الذي جاء نكرة لايدل على أن نقاتل العدو بالحجارة أو بالعصي كما يتوهمه البعض بل جاء كدليل على أن نطور قوتنا كلما تطور الزمن وتقدم ونأخذ بأسباب النصر وهذا ما بينه العلامة الشنقيطي في مجالس تفسيره المسمى العذب النمير المجلد الخامس ص156-157 حيث قال: واذا كان ربنا يقول في هذا المحكم المنزل آخر الكتب السماوية عهداً برب العالمين .

﴿ وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّة ﴾. مهما تطورت القوة ومهما بلغت كائنة ما كانت ﴿ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ ﴾. كان وقت نزولها أقوى القوة وأعظم العدة الخيل وما جرى مجراها من الرمي وقد ثبت في صحيح مسلم عن عقبة بن عامر الجهني رضي الله عنه أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو على المنبر يقول: ﴿ وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ﴾. ألا أن القوة الرمي كررها ثلاثاً لأن الرمي في ذلك الوقت وإعداد الخيل والسيوف هذا هو أقوى القوة وأعظمها في ذلك الوقت والإعداد في ذلك كان يكون بمثل هذا حتى قال الشاعر:

وأعددت للحرب أوزارها    u      رماحاً طوالاً وخيلاً ذكوراً

 أما اللآن فقد تطورت الحياة عن ذلك في ظروفها الراهنة وصارت الخيل والدروع والرماح لا تغني شيئا فصار الأمر يتطلب شيئاً زائدأ على ذلك يساير التطور في حالاته الراهنة فعلى المسلمين يعدوا كل ما في الاستطاعة منه، ولكنهم  وإنا لله وانا إليه راجعون لا يعدَون في أغلب أقطار المعمورة شيئاً والكفار يتقوون ويسلطهم الله عليهم بذنوبهم أما التعاليم السماوية فهي لا تشجع على الضعف والتواكل والتسليم للأعداء، لا إنما تأمر بالقوة المستطاعة والكفاح القوي وعدم التنازع وعدم التفرق والاتصال مع هذا كله بخالق السماوات والأرض وامتثال أوامره، انتهى كلامه رحمه الله. وقال الشيخ البسَام رحمه الله في هذا السياق: يعنى أن الآية الكريمة تشير إلى أن القوة هي في الرمي لأنه أنكى وابعد عن خطر العدو، وكان الرمي وقت نزول الاية الكريمة هو بالسهام ولكن الآية بأعجازها أطلقت القوة لتكون قوة كل زمان ومكان، وكذلك الحديث الشريف جاء أعجازه العلمي باطلاق الرمي الذي يشتمل الرمي بأنواعه وأن يفسر بكل رمي يتجدد وبأي سلاح (توضيح الأحكام م4 ص 315) انتهى. لقد طبق الرسول صلى الله عليه وسلم هذا الأمر الرباني بالأخذ بأسباب القوة فلم يفتح الرسول صلى الله عليه وسلم مكة بمجرد وصوله إلى المدينة ألا بعد سنوات وبعد أن أخذ العدة اللازمة لفتح مكة وهي عشرة الاف مقاتل مجهزين بعدة القتال الازمة لهذا الأمر العظيم.  إن ديننا العظيم يلزمنا بشرطين للنصر وهو الإعداد المادي والأخذ بأسباب القوة والشرط الثاني وهو الأعداد المعنوي الإيماني للشعب المسلم المجاهد وهذا ما بينته الآية: ﴿ وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آَمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الأرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْناً يَعْبُدُونَنِي لا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا وَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ ﴾ النور. وأحببت أن اختم بكلمات نفيسة للعلامة ابن باز رحمه الله تدور حول هذا المحور المهم.

قال رحمه الله: وقال سبحانه في سورة الأنفال آمراً لعباده بإعداد القوة: ﴿ وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ وَآخَرِينَ مِنْ دُونِهِمْ لا تَعْلَمُونَهُمُ اللَّهُ يَعْلَمُهُمْ وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ شَيْءٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنْتُمْ لا تُظْلَمُونَ ﴾؛ وأمرهم بالحذر من الأعداء ومكائدهم، فقال تعالى في سورة النساء :﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا خُذُوا حِذْرَكُمْ فَانْفِرُوا ثُبَاتٍ أَوِ انْفِرُوا جَمِيعًا ﴾.

وقال: "الواجب على الدول الإسلامية أن تستعد لأعداء الله وتحذر مكائدهم، وأن تستقيم على دين الله، وأن تلزم الحق وأن تعد العدة دائماً، لا تغفل ولا تأمن مكر العدو، يقول الله جل وعلا في كتابه العظيم: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا خُذُوا حِذْرَكُمْ ويقول جل وعلا :﴿ وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ وَآخَرِينَ مِنْ دُونِهِمْ لا تَعْلَمُونَهُمُ اللَّهُ يَعْلَمُهُمْ ﴾.

فالواجب على كل دولة إسلامية عربية أو غير عربية أن تعد العدة وأن تستقيم على دين الله وعلى شريعته، وأعظم العدة الاستقامة على الحق والثبات عليه وطاعة الله ورسوله صلى الله عليه وسلم في كل شيء وتحكيم شريعته، هذه هي العدة، ثم العدة الحسية من الجيش الطيب والسلاح المناسب في الوقت الحاضر حسب طاقتهم، فالله أمرهم بما يستطيعون حيث يقول تعالى :﴿ وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ ؛ فكل دولة تجتهد في اقتناء السلاح المناسب في الوقت الحاضر، والحرص على صنعته إذا أمكن أو شرائه، والحرص على إيجاد الجندي الطيب المسلم في وقت الرخاء، حتى إذا جاءت الشدائد تكون عندها القوة الكافية، وهذا واجب الجميع، وأعظم شيء وأهمه إصلاح النفوس بتقوى الله، والاستقامة على دينه، وترك معصيته سبحانه وتعالى، والإخلاص لله بالعبادة، والنهي عن الشرك بالله، ومن ذلك التعلق بالأموات والاستغاثة بهم والنذر لهم ونحو ذلك، فهذا من الشرك بالله، فالتعلق بالأموات وسؤالهم النصر على الأعداء أو شفاء المرضى يعتبر من الشرك الأكبر.

وقال في موضع والجهاد في سبيل الله والدعوة إلى الحق، فإذا حققنا ذلك وعملنا على مقتضى الشريعة الإسلامية وحكمناها في مختلف شؤون حياتنا فإن النصر من عند الله سيكون مضمونا لنا؛ لأن الله وعدنا بذلك وهو الصادق في وعده كما قال تعالى: ﴿ إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ ﴾ وقال تعالى ﴿ وَكَانَ حَقًّا عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ ﴾، ﴿ إِنَّ اللَّهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَوْا وَالَّذِينَ هُمْ مُحْسِنُونَ﴾، وقال عز وجل: ﴿ وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ، الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الأرْضِ أَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ ﴾.

ثم إن الإسلام يأمر بالأخذ بالأسباب المادية من توحيد الصفوف وأخذ الحذر وإعداد القوة لمواجهة العدو كما في قوله تعالى: ﴿ وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ ﴾ وقوله تعالى: ﴿ أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا خُذُوا حِذْرَكُمْ الآية، وقوله عز وجل وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلا تَفَرَّقُوا ﴾ الآية، والآيات في هذا المعنى كثيرة". (مجموع فتاوى ومقالات ابن باز).



[1] قال الألباني صحيح

[2] الحاكم - باب كل شيء لهو باطل. وقال حديث صحيح على شرط مسلم وتعقبه الذهبي في مختصره فقال سويد بن عبد العزيز متروك، وذكره الهيثمي في المجمع الصفحة أوالرقم  5/272. خلاصة الدرجة: فيه سويد بن عبد العزيز. قال أحمد: متروك وضعفه الجمهور ووثقه دحيم وبقية رجاله ثقات.

[3] تحقيق الألباني: ضعيف. ضعيف سنن الترمذي1703 /277 ضعيف سنن ابن ماجة 2811/ 618.

[4] الجملة الاعتراضية من كلامي.

[5]  تحقيق الألباني: ضعيف. ابن ماجة 2811. ضعيف سنن ابن ماجة برقم 618. في صحيح ابن ماجة 2267. ضعيف أبو داود 2513/540.

[6] ذكر الله تعالى بعد القوة كلمة "ترهبون" ومعلوم أن هذه الأسلحة لا يتم إرهاب العدو بها.

 

.